صيغة الحكومة الاِسلامية لدى الزيدية
عقائد الزيدية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 509 ـ 511
________________________________________(509)
الرابع: صيغة الحكومة الاِسلامية لدى الزيدية: إنّ للحكومة الاِسلامية حسب ما يعطي الاِمعان في الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين أُسساً وأركاناً ثلاثة لكلٍّ شأنه ومكانته:
1 ـ السلطة التشريعية :
للسلطة التشريعية مراحل ثلاث بعضها بيد اللّه سبحانه، والبعض الآخر موكول إلى الاَُمّة الاِسلامية في ضمن شرائط:
1 ـ التشريع والتقنين للّه خاصة بالاَصالة فلا شارع ولا مقنّن سواه ولا يحق لاَحد ـ كان من كان وبلغ ما بلغ من العلم والثقافة والمكانة الفكرية والاجتماعية ـ أن يشرّع حكماً أو يحلّ حلالاً أو يحرم حراماً فكل ذلك موكول إلى اللّه سبحانه، إذ الحكم، حكمان: إلهي وجاهليّ ولا ثالث لهما فإذا لم يكن معزوّاً إليه، فهو حكم جاهلي قال سبحانه: "أفَحُكمُ الجاهِليةِ يَبغُون وَمَن أحسَنُ مِنَ اللّهِ حُكماً لِقَومٍ يُوقِنُون")(المائده ـ 50) .
نعم هناك مرحلتان: مفوضتان إلى فريق من الاَُمّة لهم صلاحيّات خاصة وهما:
1 ـ مرحلة التشخيص: أي استنباط الحكم الاِلهي من الكتاب والسنّة، فهي للفقهاء العدول، يبذلون جهدهم لفهم حكم اللّه واستخراجه من الاَدلّة الشرعية.
2 ـ مرحلة التخطيط وتبيين برامج البلاد حسب الضوابط الاِسلامية وهي للخبراء وذوي الاِطلاع من الاَُمّة وهذا ما يصطلح عليه اليوم بالمجلس النيابي.
والفرق بين صيغة الحكومة الاِسلامية والاَنظمة البشرية الغربية والشرقية، هو أنّ سلطة التشريع بيد اللّه سبحانه فيها دون تلك الاَنظمة إذ فيها بيد وكلاء
________________________________________
(510)
الشعب فالمجلس النيابي عندهم مجلس التقنين والتشريع وعند المسلمين مجلس التخطيط والتنظيم في ضوء قوانين السماء.2 ـ السلطة التنفيذية :
المراد بالسلطة التنفيذية في مصطلح اليوم هو هيئة الوزراء وما يتبعها من دوائر ومديريات منتشرة في أنحاء البلاد ومهمّتها تنفيذ ما يقرره مجلس الشورى من تصميمات وقرارات ومخطّطات في شتى حقول الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي يقع على عاتقها مهمة إدارة البلاد بصورة مباشرة، لها ألوان وصيغ في الاَنظمة البشرية وأما لونها في الحكومة الاِسلامية فليس إلاّ كون السلطة ـ إذا لم يكن هناك نصّ من اللّه سبحانه على شخص خاص ـ موضع رضا الاَُمّة لاَنّها تتسلم زمام السلطة المباشرة على نفوس الناس وأموالهم وأرواحهم، ولولا الرضا لعاد إلى الاستبداد المبغوض عند الشرع والعقل وقد بسطنا الكلام حول السلطة التنفيذية وصلاحياتها من التخصص، والوثاقة، والزهد، والعدل، وكونها موضع رضا الاَُمّة في كتابنا: «مفاهيم القرآن» (1)
3 ـ السلطة القضائية:
إنّ القضاء يلعب دوراً كبيراً في تبديل الاختلاف إلى الوئام، والتنازع إلى التوافق وبالتالي ينشر العدل ويصون الحقوق والحرمات، غير أنّه لا يصلح ذلك المقام إلاّ لفريق من الشعب يتمتعون بالبلوغ والعقل والاِيمان والعدالة وطهارة المولد والعلم بالقانون الاِلهي والذكورة، سليم الذاكرة، وعندئذ يحقّق القاضي أهدافه السامية.
________________________________________
(1) مفاهيم القرآن : 2 | 205 ـ 210 .
________________________________________
(511)
لا استبداد في الحكومة الاِسلامية :وما ذكرناه يوقف الاِنسان على صورة بسيطة من الحكومة الاِسلامية المتجلية في نظرية الاِمامة أو الخلافة وليس فيها أي استبداد وسلب الحريات، وأمّا تخصيص التشريع باللّه سبحانه، فلاَنّه سبحانه أعرف بمصالح عباده، ولاَنّ التقنين سلطة على الاَموال والنفوس وهي فرع وجود الولاية عليهما، ولا ولاية لاَحد على أحد إلاّ للّه سبحانه، فلاَجل ذلك خصّ التشريع به سبحانه، وأمّا المرحلتان الباقيتان أعني الاِفتاء والتخطيط، فيقوم به فريق منهم، لهم صلاحيات وقابليّات. فالاِفتاء وإن كان رهن شروط ولكنه لا يشترط فيه رضا الاَُمّة، لاَنّه مقام علمي، يتوقف على حيازته ويكفي ثبوت الصلاحية له، اقترانه بتصديق الخبراء.
نعم التصدي للتخطيط، رهن رضا الاَُمّة وتحقيق الرضا وتجسيدها يتبع مصالح العصر وشعور الاَُمّة.
وأمّا السلطة التنفيذية، فلو كان الحاكم منصوباً من اللّه سبحانه، فهو المتبع، كما في مورد الرسول، والاِمام المنصوص بعده، وإلا فالسلطة لفريق من الاَُمّة، يتمتع بصفات وقابليات مذكورة في السنّة، أهمها كونها موضع رضا الاَُمّة، ويتجسّد رضاهم بصورة مختلفة مذكورة في محلها.
ومثلها السلطة القضائية فلا يصلح لها إلاّ فريق لهم صفات وموَهلات، وتنتهي سلطته، إلى رضا الاَُمّة الذي يتجسد بصور شتى
التعلیقات