معرفته سبحانه واجبة عقلاً
عقائد الماتريدية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 28 ـ 29
________________________________________(28)
2ـ معرفته سبحانه واجبة عقلاً:
اتّفق الداعيان على وجوب معرفة الله، واختلفا في طريق ثبوت هذا الوجوب، فالأشعري وأتباعه على أنّه سمعيّ، والمعتزلة على أنّه عقليّ، قال العضدي في المواقف: النّظر إلى معرفة اللّه واجب إجماعاً، واختلف في طريق ثبوته، فهو عند أصحابنا السمع، وعند المعتزلة العقل. أمّا أصحابنا فلهم مسلكان:2ـ معرفته سبحانه واجبة عقلاً:
الأوّل: الاستدلال بالظّواهر مثل قوله تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذا فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ)إلى آخره(2).
ولا يخفى وهن النّظرية، لاستلزامها الدور، لأنّ معرفة الإيجاب تتوقّف على معرفة الموجِب، فإنّ من لا نعرفه بوجه من الوجوه، كيف نعرف أنّه أوجب؟ فلو استفيدت معرفة الموجِب من معرفة الإيجاب، لزم الدور.
وأيضاً: لو كانت المعرفة تجب بالأمر، فهو إمّا متوجّه إلى العارف باللّه أو غيره،
________________________________________
. 2. المواقف: ص 28 وشرحها ج 1 ص 124و الآية 101 من سورة يونس.
________________________________________
(29)
فالأوّل تحصيل للحاصل، وأمّا الثاني، فهو باطل، لاستحالة خطاب الغافل، إذ كيف يصحّ الأمر بالغافل المطلق بأنّ الله قد أمره بالنّظر والمعرفة، وأنّ امتثال أمره واجب إلاّ إذا خصّ الوجوب بالشّاك.هذا ما عليه الأشاعرة، وأمّا الماتريديّة فتقول بوجوبها عقلاً مثل المعتزلة. قال البياضي: «ويجب بمجرّد العقل في مدة الاستدلال، معرفة وجوده، ووحدته، وعلمه، وقدرته، وكلامه، وإرادته، وحدوث العالم، ودلالة المعجزة على صدق الرّسول، ويجب تصديقه، ويحرم الكفر، والتّكذيب به، لا من البعثة وبلوغ الدعوة»(1).
القول بوجوب هذه الاُمور من جانب العقل من قبل أن يجيء الشرع دفعاً لمحذور الدور يعرب عن كون الداعي، أعطى للعقل سلطاناً أكبر مما أعطاه الأشعري له.
________________________________________
1. اشارات المرام: فصل الخلافيات بين جمهور الماتريدية والأشعرية ص 53.
التعلیقات