أبواليسر محمّد البزدوي
علماء الماتريدية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 60 ـ 64
________________________________________
قد انتشر مذهب الأشعري في كثير من الحواضر الاسلاميّة لأنّه ظهر في مركز العالم الاسلامي، وكثرت أنصاره وأعوانه، بين مبيِّن مقاصده، إلى ذابّ عن براهينه ودلائله، إلى مكمِّل لاُصوله وقواعده، وأمّا مذهب الماتريدي فقد نبت في نقطة بعيدة عن الحواضر، فقلّت العناية بنقله وشرحه.
وهناك وجه آخر لقلّة انتشاره، وهو أنّ لمذهب الماتريدي مع كونه بصدد نصر
________________________________________
ومع ذلك فقد شاع مذهبه بين علماء ماوراءالنهر فقاموا بنشر دعوته ومعاضدته، فألّفوا حول منهاجه، كتباً ورسائل منشورة وغير منشورة.
ولأجل ايقاف القارئ على أعلام الماتريديّين نأتي بترجمة عدّة منهم:
1ـ أبواليسر محمّد البزدوي (421 ـ 493هـ)
إنّ أرباب المعاجم من الأحناف وغيرهم قد قصّروا ولم يؤدّوا حقّ الماتريدي في كتبهم، فإذا كان هذا حال الاُستاذ فما ظنّك بحال التلامذة والأتباع، ولأجل ذلك نجد أنفسنا أمام ظلام دامس يلفّ حياة البزدوي، وأحسن مرجع للوقوف على حياته هو نفس كتابه «اُصول الدّين» الّذي حقّقه وقدّم له الدكتور «هانز بيتر لنس» ونشرته عام (1383هـ) دار إحياء الكتب العربية في القاهرة، ونقل محقّق الكتاب أنّه وجد عن طريق المصادفة في هامش كتاب خطّي لابن قطلوبغة «طبقات الحنفيّة» بجانب مَلْزَمة عن حياة البزدوي: روى السمعاني أنّه ـ أي البزدوي ـ ولد في عام (421هـ).
ويظهر من غير واحد من مواضع كتابه أنّه تلقّى العلوم على يد أبيه. يقول في مسألة: «هل الايمان مخلوق أو غير مخلوق، ولا يجوز الاطلاق بأنّ الإيمان مخلوق» ونحن نختار هذا القول، فإنّ هذا مذهب أبي حنيفة، وهو ما رواه نوح بن أبي مريم الجامع، عن «أبي حنيفة» روى لنا والدنا الشيخ الامام أبوالحسن محمّد بن الحسين بن عبد الكريم ـرحمة الله عليه ـ هذا الحديث عن نوح بن أبي مريم(1).
________________________________________
1. اُصول الدين ص 155 ـ 158 .
________________________________________
ولم يكتف في تلقّي العلم بوالده، ويظهر من موضع من كتابه أنّه أخذ العلم عن غير واحد من أعلام عصره، ومنهم أبوالخطّاب. قال في مسألة (75): هكذا سمعت الشيخ أبا الخطّاب(2).
ثقـافتــه:
ينتسب البزدوي إلى مدرسة الإمام أبي حنيفة، وهو يعترف بالصّراحة بانتمائه إلى المذهب الحنفي، كما ينتسب في العقيدة إلى مدرسة الماتريدي، وهو اُستاذ جدّ أبيه «عبد الكريم»(3) الّذي تلقّى العلوم بدوره عن الماتريدي.
ويظهر من مقدّمة كتاب اُصول الدّين أنّه قرأ أكثر الكتب المؤلّفة في ذلك العصر في الفلسفة والكلام، لا سيّما للمعتزلة والأشاعرة. قال: «نظرت في الكتب الّتي صنّفها المتقدّمون في علم التوحيد فوجدت بعضها للفلاسفة مثل «إسحاق الكندي» و«الاسفزاري» وأمثالهما، وذلك كلّه خارج عن الطريق المستقيم،زائغ عن الدّين القويم.
ووجدت أيضاً تصانيف كثيرة في هذا الفن من العلم «للمعتزلة» مثل «عبد الجبّار الرازي» و«الجبّائي» و«الكعبي» و«النظّام» وغيرهم.
وكذلك «المجسّمة» صنّفوا كتباً في هذا الفنّ مثل «محمّد بن هيصم» وأمثاله، ولا يحلّ النّظر في تلك الكتب، وقد وجدت لأبي الحسن الأشعري كتباً وغيره (غيرها ظ) في هذا الفنّ من العلم، وهي قريب من مائتي كتاب، والموجز الكبير يأتي على عامّة ما في
________________________________________
1. اُصول الدين ص 156 . 2. اُصول الدين ص 28 . 3. نسبه هكذا: محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم .
________________________________________
وقد صنّف أبومحمّد عبدالله بن سعيد بن كلاب القطّان (1) ، كتباً كثيرة في هذا النّوع من العلم وهو أقدم من أبي الحسن الأشعري، فلم يقع في يدي شيء من كتبه، وعامّة أقاويله توافق أقاويل أهل السنّة والجماعة إلاّ مسائل قلائل لاتبلغ عشرة مسائل، فإنّه خالف فيها أهل السنّة والجماعة، وقد أخطأ فيها على ما نبيّن في خلال المسائل إن شاء الله تعالى فلا بأس من إمساك كتبه، والنظر فيها لمن وقف على ما أخطأ من المسائل.
وقد وجدت للشيخ الامام الزاهد «أبي منصور الماتريدي السمرقندي» كتاباً في علم التوحيد على مذهب أهل السنّة والجماعة، وكان من رؤساء أهل السنّة والجماعة(2).
وهذا يعرب عن عكوفه على دراسة الكتب للفرق الكلاميّة وعرضها على الاُصول الّتي تلقّاها أنّها اُصول السنّة والجماعة.
تلاميــذه:
قد تلقّى عنه عدّة من أكابر علماء الحنفيّة أشهرهم نجم الدين عمر بن محمّد
________________________________________
1. توفي عبد الله بن سعيد عام 245 هـ. 2. اُصول الدين 1 ـ 3 وقد عرفت ذيل كلامه في ما سبق .
________________________________________
مؤلفــــاته:
له مؤلفات منها:
1 ـ تعليقة على كتاب الجامع الصغير للشيباني.
2 ـ الواقعات.
3 ـ المبسوط في بعض الفروع(2).
4ـ اصول الدين المطبوع.
1. مقدمة اُصول الدين نقلاً من طبقات الحنفية لابن قطوبغة، المخطوطة. 2. نفس المصدر .
(60)
أنصاره وأتباعه في الأجيال المتأخِّرة:قد انتشر مذهب الأشعري في كثير من الحواضر الاسلاميّة لأنّه ظهر في مركز العالم الاسلامي، وكثرت أنصاره وأعوانه، بين مبيِّن مقاصده، إلى ذابّ عن براهينه ودلائله، إلى مكمِّل لاُصوله وقواعده، وأمّا مذهب الماتريدي فقد نبت في نقطة بعيدة عن الحواضر، فقلّت العناية بنقله وشرحه.
وهناك وجه آخر لقلّة انتشاره، وهو أنّ لمذهب الماتريدي مع كونه بصدد نصر
________________________________________
(61)
السنّة، طابع التعقّل، وقد كثرت الدعاية في عصر ظهوره، على ضدّ أهل التعقّل والتفكّر، وصار العكوف على النقل المحض، وترك التعقّل والبرهنة آية القداسة، والإمام بما أنّه أعطى للعقل سلطاناً أكبر ممّا أعطاه الأشعري، ووافق في عدّة من الاُصول، منهاج المعتزلة، فصار هذا وذاك سببين لقلّة انتشاره، وندرة أنصاره.ومع ذلك فقد شاع مذهبه بين علماء ماوراءالنهر فقاموا بنشر دعوته ومعاضدته، فألّفوا حول منهاجه، كتباً ورسائل منشورة وغير منشورة.
ولأجل ايقاف القارئ على أعلام الماتريديّين نأتي بترجمة عدّة منهم:
1ـ أبواليسر محمّد البزدوي (421 ـ 493هـ)
إنّ أرباب المعاجم من الأحناف وغيرهم قد قصّروا ولم يؤدّوا حقّ الماتريدي في كتبهم، فإذا كان هذا حال الاُستاذ فما ظنّك بحال التلامذة والأتباع، ولأجل ذلك نجد أنفسنا أمام ظلام دامس يلفّ حياة البزدوي، وأحسن مرجع للوقوف على حياته هو نفس كتابه «اُصول الدّين» الّذي حقّقه وقدّم له الدكتور «هانز بيتر لنس» ونشرته عام (1383هـ) دار إحياء الكتب العربية في القاهرة، ونقل محقّق الكتاب أنّه وجد عن طريق المصادفة في هامش كتاب خطّي لابن قطلوبغة «طبقات الحنفيّة» بجانب مَلْزَمة عن حياة البزدوي: روى السمعاني أنّه ـ أي البزدوي ـ ولد في عام (421هـ).
ويظهر من غير واحد من مواضع كتابه أنّه تلقّى العلوم على يد أبيه. يقول في مسألة: «هل الايمان مخلوق أو غير مخلوق، ولا يجوز الاطلاق بأنّ الإيمان مخلوق» ونحن نختار هذا القول، فإنّ هذا مذهب أبي حنيفة، وهو ما رواه نوح بن أبي مريم الجامع، عن «أبي حنيفة» روى لنا والدنا الشيخ الامام أبوالحسن محمّد بن الحسين بن عبد الكريم ـرحمة الله عليه ـ هذا الحديث عن نوح بن أبي مريم(1).
________________________________________
1. اُصول الدين ص 155 ـ 158 .
________________________________________
(62)
وقال في مسألة أنّ البعث حق: «وقد روى لنا الشيخ الامام محمد بن الحسين بن عبد الكريم حديثاً متّصلاً إلى رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم» (1).ولم يكتف في تلقّي العلم بوالده، ويظهر من موضع من كتابه أنّه أخذ العلم عن غير واحد من أعلام عصره، ومنهم أبوالخطّاب. قال في مسألة (75): هكذا سمعت الشيخ أبا الخطّاب(2).
ثقـافتــه:
ينتسب البزدوي إلى مدرسة الإمام أبي حنيفة، وهو يعترف بالصّراحة بانتمائه إلى المذهب الحنفي، كما ينتسب في العقيدة إلى مدرسة الماتريدي، وهو اُستاذ جدّ أبيه «عبد الكريم»(3) الّذي تلقّى العلوم بدوره عن الماتريدي.
ويظهر من مقدّمة كتاب اُصول الدّين أنّه قرأ أكثر الكتب المؤلّفة في ذلك العصر في الفلسفة والكلام، لا سيّما للمعتزلة والأشاعرة. قال: «نظرت في الكتب الّتي صنّفها المتقدّمون في علم التوحيد فوجدت بعضها للفلاسفة مثل «إسحاق الكندي» و«الاسفزاري» وأمثالهما، وذلك كلّه خارج عن الطريق المستقيم،زائغ عن الدّين القويم.
ووجدت أيضاً تصانيف كثيرة في هذا الفن من العلم «للمعتزلة» مثل «عبد الجبّار الرازي» و«الجبّائي» و«الكعبي» و«النظّام» وغيرهم.
وكذلك «المجسّمة» صنّفوا كتباً في هذا الفنّ مثل «محمّد بن هيصم» وأمثاله، ولا يحلّ النّظر في تلك الكتب، وقد وجدت لأبي الحسن الأشعري كتباً وغيره (غيرها ظ) في هذا الفنّ من العلم، وهي قريب من مائتي كتاب، والموجز الكبير يأتي على عامّة ما في
________________________________________
1. اُصول الدين ص 156 . 2. اُصول الدين ص 28 . 3. نسبه هكذا: محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم .
________________________________________
(63)
جميع كتبه، وقد صنّف الأشعري كتباً كثيرة لتصحيح مذهب «المعتزلة»، فإنّه كان يعتقد مذهب الاعتزال في الابتداء، ثمّ إنّ اللّه تعالى بيّن له ضلالة «المعتزلة» فتاب عمّا اعتقد من مذاهبهم، وصنّف كتاباً ناقضاً لما صنّف للمعتزلة. وقد أخذ علمه أصحاب الشافعي بما استقرّ عليه «أبو الحسن الأشعري» وقد صنّف أصحاب الشافعي كتباً كثيرة على وفق ما ذهب إليه الأشعري إلاّ أنّ أصحابنا من أهل السنّة والجماعة خطّأوا أبا الحسن في بعض المسائل مثل قوله: «التكوين والمكوّن واحد» ونحوه على ما نبيّن في خلال المسائل إن شاءالله فمن وقف على المسائل الّتي أخطأ فيها أبوالحسن الأشعري، وعرف خطأه، فلا بأس بالنّظر في كتبه وإمساكها، وقد أمسك كتبه كثير من أصحابنا ونظروا فيها، الّذين هم رؤساء أهل السنّة والجماعة.وقد صنّف أبومحمّد عبدالله بن سعيد بن كلاب القطّان (1) ، كتباً كثيرة في هذا النّوع من العلم وهو أقدم من أبي الحسن الأشعري، فلم يقع في يدي شيء من كتبه، وعامّة أقاويله توافق أقاويل أهل السنّة والجماعة إلاّ مسائل قلائل لاتبلغ عشرة مسائل، فإنّه خالف فيها أهل السنّة والجماعة، وقد أخطأ فيها على ما نبيّن في خلال المسائل إن شاء الله تعالى فلا بأس من إمساك كتبه، والنظر فيها لمن وقف على ما أخطأ من المسائل.
وقد وجدت للشيخ الامام الزاهد «أبي منصور الماتريدي السمرقندي» كتاباً في علم التوحيد على مذهب أهل السنّة والجماعة، وكان من رؤساء أهل السنّة والجماعة(2).
وهذا يعرب عن عكوفه على دراسة الكتب للفرق الكلاميّة وعرضها على الاُصول الّتي تلقّاها أنّها اُصول السنّة والجماعة.
تلاميــذه:
قد تلقّى عنه عدّة من أكابر علماء الحنفيّة أشهرهم نجم الدين عمر بن محمّد
________________________________________
1. توفي عبد الله بن سعيد عام 245 هـ. 2. اُصول الدين 1 ـ 3 وقد عرفت ذيل كلامه في ما سبق .
________________________________________
(64)
النسفي (460-537هـ) وهو يقول في حقّ اُستاذه: «كان أبواليسر شيخ أقراننا في بلاد ماوراءالنهر، وكان إمام الأئمّة، وكان يفد عليه الناس من كل فجّ وقد ملأ الشرق والغرب بمؤلفاته في الاُصول والفروع»(1).مؤلفــــاته:
له مؤلفات منها:
1 ـ تعليقة على كتاب الجامع الصغير للشيباني.
2 ـ الواقعات.
3 ـ المبسوط في بعض الفروع(2).
4ـ اصول الدين المطبوع.
***
________________________________________1. مقدمة اُصول الدين نقلاً من طبقات الحنفية لابن قطوبغة، المخطوطة. 2. نفس المصدر .
التعلیقات
١