أبو هاشم الجبائي
علناء المعتزلة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 260 ـ 263
________________________________________(260)
5 ـ أبو هاشم الجبائي (ت 277 ـ م 321)عبدالسلام بن محمّد بن عبدالوهّاب بن أبي عليّ الجبائي، قال الخطيب: «شيخ المعتزلة و مصنّف الكتب على مذاهبهم. سكن بغداد إلى حين وفاته»(3).
وقال ابن خلّكان: «المتكّلم المشهور، العالم بن العالم، كان هو وأبوه من كبار المعتزلة ولهما مقالات على مذهب الاعتزال، وكتب الكلام مشحونة بمذاهبهما واعتقادهما. وكان له ولد يسمّى أبا عليّ و كان عامّياً لا يعرف شيئاً. فدخل يوماً على الصاحب بن عبّاد فظنّه عالماً فأكرمه ورفع مرتبته. ثمّ سأله عن مسألة، فقال: «لا أعرف نصف العلم»، فقال له الصاحب: «صدقت يا ولدي، إلاّ أنّ أباك تقدّم بالنصف الآخر»(4).
وقد حكى الخطيب عنه تأريخ ولادته، أنّه قال: «ولدت سنة سبع و سبعين ومائتين و ولد أبي أبو عليّ سنة خمس و ثلاثين و مائتين و مات في شعبان سنة ثلاث
________________________________________
3. تاريخ بغداد: ج 11، ص 55. 4. وفيات الأعيان: ج 3، ص 183.
________________________________________
(261)
وثلاثمائة». قال أبو الحسن: ومات أبو هاشم في رجب سنة إحدى و عشرين و ثلاثمائة ببغداد و تولّيت دفنه في مقابر باب البستان من الجانب الشرقي، وقد توفّي في اليوم الّذي توفّي أبو بكر بن دريد. وعن الحسن بن سهل القاضي: بينا نحن ندفن أبا هاشم إذ حملت جنازة اُخرى ومعها جُميعَة عرفتهم بالأدب. فقلت لهم: جنازة من هذه؟ فقالوا: جنازة أبي بكر ابن دريد، فذكرت حديث الرشيد لمّا دفن محمّد بن الحسن و الكسائي بالري في يوم واحد. قال: وكان هذا في سنة ثلاث و عشرين وثلاثمائة، فأخبرت أصحابنا بالخبر، وبكينا على الكلام والعربيّة طويلاً ثم افترقنا.وعلّق عليه الخطيب: «الصّحيح أنّ أبا هاشم مات في ليلة السبت الثالث والعشرين من رجب سنة إحدى و عشرين، قال: وكان عمره ستّاً و أربعين سنة وثمانية أشهر وإحدى وعشرين يوماً»(1).
وقال القاضي نقلاً عن أبي الحسن بن فرزويه أنّه بلغ من العلم ما لم يبلغه رؤساء علم الكلام. وذكر أنّه كان من حرصه يسأل أبا عليّ (والده) حتّى يتأذّى منه، فسمعت أبا عليّ في بعض الأوقات يسير معه لحاجة وهو يقول لا تؤذنا و يزيد فوق هذا الكلام.
وكان يسأله طول نهاره ما قدر على ذلك، فاذا جاء اللّيل سبق إلى موضع مبيته لئلاّ يغلق أبو عليّ دونه الباب، فيستلقي أبو عليّ على سريره، ويقف أبو هاشم بين يديه قائماً يسأله حتّى يضجره، فيحوّل وجهه عنه، فيتحوّل إلى وجهه، ولا يزال كذلك حتّى ينام، وربّما سبق أبو عليّ فأغلق الباب دونه. قال: ومن هذا حرصه على ما اختصّ به من الذكاء، لم يتعجّب من تقدّمه(2).
كان أبو هاشم أحسن الناس أخلاقاً و أطلقهم وجهاً، واستنكر بعض الناس خلافه مع أبيه (في المسائل الكلاميّة) وليس خلاف التابع للمتبوع في دقيق الفروع بمستنكر، فقد خالف أصحاب أبي حنيفة إياه. وقال أبو الحسن بن فرزويه في ذلك
________________________________________
1. تاريخ بغداد: ج 11، ص 56. 2. طبقات المعتزلة للقاضي: ص 304.
________________________________________
(262)
شعراً وهو قوله: يقولون بين أبي هاشم * وبين أبيه خلاف كبير
فقلت وهل ذاك من ضائر * وهل كان ذلك ممّا يضير
فخلّوا عن الشيخ لا تعرضوا * لبحر تضايق عنه البحور
فان أبا هاشم تلوه * إلى حيث دار أبوه يدور
ولكن جرى في لطيف الكلام(1) * كلام خفي وعلم غزير
فإيّاك إيّاك من مظلم * ولا تعد عن واضح مستنير(2)
تأليفاتهفقلت وهل ذاك من ضائر * وهل كان ذلك ممّا يضير
فخلّوا عن الشيخ لا تعرضوا * لبحر تضايق عنه البحور
فان أبا هاشم تلوه * إلى حيث دار أبوه يدور
ولكن جرى في لطيف الكلام(1) * كلام خفي وعلم غزير
فإيّاك إيّاك من مظلم * ولا تعد عن واضح مستنير(2)
ذكر ابن النديم لأبي هاشم كتباً، و قال: «أبو هاشم عبدالسلام بن محمّد الجبّائي، قدم مدينة السّلام سنة 314 وكان ذكيّاً حسن الفهم، ثابت الفطنة، صانعاً للكلام، مقتدراً عليه، قيّماً به، وتوفّي سنة 321 وله من الكتب:
1 ـ الجامع الكبير، 2 ـ كتاب الأبواب الكبير، 3 ـ كتاب الأبواب الصغير، 4 ـ الجامع الصغير، 5 ـ كتاب الإنسان، 6 ـ كتاب العوض، 7 ـ كتاب المسائل العسكريات، 8 ـ النقض على أرسطو طاليس في الكون والفساد، 9 ـ كتاب الطبايع والنقض على القائلين بها، 10 ـ كتاب الاجتهاد كلام (3).
انتشار مذهبه
يظهر من البغدادي أنّ مذهبه كان منتشراً في أوائل القرن الخامس في بغداد وقد سمّى أتباعه بالبهشميّة وقال: هؤلاء أتباع أبي هاشم الجبّائي، وأكثر معتزلة عصرنا على
________________________________________
1. المراد من لطيف الكلام، المباحث التي لها صلة لاثبات بعض العقائد الاسلاميّة وليست منها، كالبحث عن الجوهر والعرض والأكوان والأفلاك وفي الحقيقة كان البحث عنها تبعاً للفلاسفة. 2. طبقات المعتزلة للقاضي: ص 305. 3. فهرست ابن النديم: الفن الأوّل من المقالة الخامسة ص 222.
________________________________________
(263)
مذهبه، لدعوة ابن عبّاد وزير آل بويه إليه(1).تلاميذه
قد ذكر ابن المرتضى أبا هاشم في الطبقة التاسعة، وذكر تلاميذه في الطبقة العاشرة، وقال:«اعلم أنّ هذه الطّبقة تشتمل على من أخذ عن أبي هاشم وعمّن هو في طبقته مع اختلاف درجاتهم وتفاوت أحوالهم وقدّمنا أصحاب أبي هاشم لكثرتهم وبراعتهم». ثمّ ذكر أسماء تلاميذه، فمن أراد فليرجع إليه.
________________________________________
1. تاريخ بغداد: ج 11، ص 113.
التعلیقات