أبو القاسم البلخي الكعبي
علناء المعتزلة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 287ـ 290
________________________________________(287)
10- أبو القاسم البلخي الكعبي (ت 273 - م 317 أو 319) خريج مدرسة بغدادعبدالله بن أحمد بن محمود أبو القاسم البلخي. قال الخطيب: من متكلّمي المعتزلة البغداديين، صنّف في الكلام كتباً كثيرة و أقام ببغداد مدّة طويلة و انتشرت بها كتبه، ثمّ عاد إلى بلخ فأقام بها إلى حين وفاته. أخبرني القاضي أبو عبدالله الصيمري، (حدّثنا) أبو عبدالله محمّد بن عمران المرزباني، قال: كانت بيننا وبين أبي القاسم البلخي صداقة قديمة وكيدة وكان إذا ورد مدينة السلام قصد أبي وكثر عنده، وإذا رجع إلى بلده لم تنقطع كتبه عنّا، وتوفّي أبو القاسم ببلخ في أوّل شعبان سنة تسع عشرة وثلاثمائة»(2).
وقال ابن خلّكان: «العالم المشهور كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم «الكعبيّة» وهو صاحب مقالات، ومن مقالته: أنّ الله سبحانه وتعالى ليست له إرادة، وأنّ جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها، وكان من كبار المتكلّمين، وله اختيارات في علم الكلام، توفّي مستهلّ شعبان سنة سبع عشرة و ثلاثمائة. والكعبي نسبة إلى بني كعب، والبلخي نسبة إلى بلخ إحدى مدن خراسان»(3).
وقد خفي على الخطيب وابن خلّكان ما يهدف إليه الكعبي من نفي الإرادة والمشيئة عنه سبحانه، وقد اختار من أنظاره تلك النظريّة للازدراء عليه، ولكنّهما غفلا عن أنّ الكعبي لا يهدف إلى نفي الإرادة عن الله سبحانه حتّى يعرّفه كالفواعل
________________________________________
2. تاريخ بغداد: ج 9، ص 384. 3. وفيات الاعيان: ج 3، ص 45 رقم الترجمة 330.
________________________________________
(288)
الطبيعية، بل له هناك هدف سام لا يقف عليه إلاّ العارف بالاُصول الكلاميّة، وهو أنّ الارادة أو المشيئة حسب طبعها من الأمور الحديثة الجديدة المسبوقة بالعدم فلا تتصوّر مثل هذه الإرادة لله، أي الارادة الحادثة القائمة بذاته.وبعبارة واضحة: إنّ حقيقة الارادة تلازم التجدّد والحدوث والتجزي والتقضي، ومثل ذلك لا يليق بساحته سبحانه. فلأجل ذلك يرى الكعبي تنزيهه سبحانه عن وصمة الحدوث والتجدّد. ومع ذلك لا يسلب عنه ما يعدّ كمالاً للإرادة، فإنّ الإرادة من الصفات العالية الكماليّة بما أنّها رمز للاختيار، وآية الحرّيّة، وهذا غير منفيّ عن الله سبحانه عند البلخي. ويدلّ على ذلك ما نقله ابن شاكر الكتبي في «عيون التواريخ» ما هذا لفظه، قال: «كان الكعبي تلميذ أبي الحسين الخيّاط وقد وافقه في اعتقاداته جميعاً، وانفرد عنه بمسائل. منها قوله: إنّ إرادة الرّبّ تعالى ليست قائمة بذاته، ولا هو يريد إرادته و (لا) إرادته حادثة في محلّ، بل إذا أطلق عليه: إنّه يريد، فمعناه أنّه عالم قادر غير مكره في فعله ولا كاره. وإذا قيل: إنّه مريد لأفعاله، فالمراد أنّه خالق لها على وفق علمه، وإذا قيل إنّه مريد لأفعال عباده، فالمراد أنّه راض بما أمر به»(1).
مؤلفّاتـه
قال ابن حجر في «لسان الميزان»: «عبدالله بن أحمد بن محمود البلخي أبو القاسم الكعبي من كبار المعتزلة وله تصانيف في الطّعن على المحدِّثين تدلّ على كثرة اطّلاعه وتعصّبه»(2).
غير أنّ أكثر هذه الكتب قد بطش بها الزمان و أضاعها كما أضاع أكثر كتب المعتزلة وقد استقصى فؤاد سيّد في مقدّمته على كتاب «ذكر المعتزلة» لأبي القاسم
________________________________________
1. باب ذكر المعتزلة من مقالات الاسلاميين، لأبي القاسم البلخي، المقدمة ص 44، نقلاً عن عيون التواريخ ج 7، ص 106 مخطوطة دار الكتب. 2. لسان الميزان: ج 3 ص 252.
________________________________________
(289)
البلخي أسماء كتبه و أنهاها إلى ستّة و أربعين كتاباً.وقال النّجاشي في ترجمة محمّد بن عبدالرحمان بن قبة: «وأخذ عنه ابن بطّة و ذكره في فهرسه وقال: وسمعت من محمّد بن عبدالرحمان بن قبة، له كتاب الانصاف في الإمامة وكتاب المستثبت نقض كتاب أبي القاسم البلخي» ثمّ قال:«سمعت أبا الحسين المهلوس العلوي الموسوي ـ رضي الله عنه ـ يقول في مجلس الرّضي أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى و هناك شيخنا أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان ـ رحمهم الله أجمعين ـ: سمعت أبا الحسين السوسنجردي ـ رحمه الله ـ وكان من عيون أصحابنا وصالحيهم المتكلّمين وله كتاب في الإمامة معروف به وكان قد حجّ على قدميه خمسين حجّة-يقول: مضيت إلى أبي القاسم البلخي إلى بلخ بعد زيارتي الرضا ـ عليه السلام ـ بطوس فسلّمت عليه وكان عارفاً، ومعي كتاب أبي جعفر ابن قبة في الإمامة المعروف بالانصاف، فوقف عليه ونقضه بـ «المسترشد في الإمامة» فعدت إلى الري، فدفعت الكتاب إلى ابن قبة فنقضه بــ«المستثبت في الإمامة» فحملته إلى أبي القاسم فنقضه بـ«نقض المستثبت» فعدت إلى الري فوجدت أبا جعفر قدمات-رحمه الله-»(1).
مناظرته مع رجل سوفسطائي
حكى في كتابه «مقالات أبي القاسم» أنّه وصل إليه رجل من السوفسطائية راكباً على بغل، فدخل عليه فجعل ينكر الضّروريات و يلحقها بالخيالات، فلمّا لم يتمكّن من حجّة يقطعه قام من المجلس موهماً أنّه قام في بعض حوائجه، فأخذ البغل و ذهب به إلى مكان آخر ثمّ رجع لتمام الحديث، فلمّا نهض السوفسطائي للذهاب ولم يكن قد انقطع بحجّة عنده طلب البغل حيث تركه فلم يجده، فرجع إلى أبي القاسم وقال: إنّي لم أجد البغل، فقال أبوالقاسم: لعلّك تركته في غير هذا الموضع الّذي طلبته فيه، وخيِّل لك أنّك وضعته في غيره، بل لعلّك لم تأت راكباً على بغل و إنّما خيِّل اليك تخييلاً وجاءه
________________________________________
1. فهرس النجاشي: الرقم 1023.
________________________________________
(290)
بأنواع من هذا الكلام، فأظن أنّه ذكر أنّ ذلك كان سبباً في رجوع السوفسطائي عن مذهبه وتوبته عنه(1).تلك عشرة كاملة من أعلام المعتزلة و فطاحلهم. ولعلّ هذا المقدار في ترجمة أئمّتهم و مشايخهم يوقفنا على موقفهم في الفضل و الفضيلة و هذا البحث الضافي يوقفك على أنّ تدمير تلك الطائفة ـ مع ما فيها، ما فيها ـ كانت خسارة لا تجبر.
________________________________________
1. المنية والامل: ص 51.
التعلیقات