خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام في مجلس يزيد
الخوارزمي
منذ 11 سنةخطبة الإمام زين العابدين عليه السلام في مجلس يزيد
وروي : أنّ يزيد أمر بمنبر وخطيب ، ليذكر للناس مساوئ للحسين وأبيه علي عليهما السّلام ، فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في علي والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد ، فصاح به علي بن الحسين : « ويلك ، أيّها الخاطب ! اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق ؟ فتبوأ مقعدك من النار » ، ثمّ قال : « يا يزيد ! ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات فيهنّ لله رضا ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب » ، فأبى يزيد ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ! ائذن له ليصعد ، فلعلّنا نسمع منه شيئاً ، فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلّا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : و ما قدر ما يحسن هذا ؟ فقال : إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّاً ، ولم يزالوا به حتّى أذن له بالصعود. فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون ؛ وأوجل منها القلوب ، فقال فيها :
« أيّها الناس ! اُعطينا ستّاً ، وفضّلنا بسبع : اعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفضّلنا بأنّ منّا النبي المختار محمّداً صلّى الله عليه وآله ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنّا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الاُمّة ، وسيّدا شباب أهل الجنّة ، فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي : أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حجّ ولبى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهوا ، أنا ابن من أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى ، أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السما ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا : لا إله إلّا الله ، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، و قاتل ببدر وحنين ، و لم يكفر بالله طرفة عين.
أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيّين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ، ورسول ربّ العالمين ، أنا ابن المؤيّد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل ، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأوّل من أجاب واستجاب لله من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، ناصر دين الله ، وولي أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علم الله ، سمح سخي ، بهلول زكي أبطحي رضي مرضي ، مقدام همام ، صابر صوام ، مهذب قوام ، شجاع قمقام ، قاطع الأصلاب ، مفرق الأحزاب ، أربطهم جنانا ، وأطبقهم عنانا ، وأجرأهم لسانا ، وأمضاهم عزيمة ، و أشدّهم شكيمة ، أسد باسل ، وغيث هاطل ، يطحنهم في الحروب ـ إذا ازدلفت الأسنة ، وقربت الأعنة ـ طحن الرحى ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز ؛ وصاحب الإعجاز ؛ وكبش العراق ، الإمام بالنصّ والاستحقاق مكّي مدني ، أبطحي تهامي ، خيفي عقبي ، بدري أحدي ، شجري مهاجري ، من العرب سيّدها ، ومن الوغى ليثها ، وارث المشعرين ، وأبو السبطين ، الحسن والحسين ، مظهر العجائب ، ومفرق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب كلّ طالب ، غالب كلّ غالب ، ذاك جدّي علي بن أبي طالب.
أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيّدة النساء ، أنا ابن الطهر البتول ، أنا ابن بضعة الرسول ».
قال : ولم يزل ، يقول : « أنا أنا » حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذّن : أن يؤذّن ، فقطع عليه الكلام وسكت ، فلمّا قال المؤذّن : الله أكبر ! قال عليّ بن الحسين : « كبّرت كبيراً لا يقاس ، و لا يدرك بالحواس ، لا شيء أكبر من الله » ، فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ! قال علي : « شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي. ومخي وعظمي » ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ! التفت عليّ من أعلى المنبر إلى يزيد ، وقال : « يا يزيد ! محمّد هذا جدّي أم جدّك ؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وإن قلت : إنّه جدّي ، فلم قتلت عترته » ؟
قال : وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة ، فتقدّم يزيد وصلّى صلاة الظهر.
مقتبس من كتاب : [ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي ] / الصفحة : 76 ـ 78
التعلیقات