من حقوق أهل البيت عليهم السلام ولاية أهل البيت عليهم السلام
الشيخ جعفر السبحاني
منذ 10 سنواتمن حقوق أهل البيت عليهم السلام ولاية أهل البيت عليهم السلام
قد دلّت الروايات المتضافرة على انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ارتحل وقد نصب عليّاً عليه السلام للولاية والخلافة ، فأبان ولايته وولاية من بعده من الائمّة في مواقف مختلفة ، نذكر منها موقفين :
الأوّل : انّ سائلاً أتى مسجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليّ عليه السلام راكع ، فأشار بيده للسائل ، أيّ اخلع الخاتم من يدي ، فنزل قوله سبحانه : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).
وقد تضافرت الروايات على نزول الآية في حقّ علي عليه السلام ونقلها الحفاظ ، منهم : ابن جرير الطبري (2) والحافظ أبو بكر الجصاص الرازي (3) والحاكم النيسابوري (4) والحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري (5) وجار الله الزمخشري (6) إلى غير ذلك من أئمّة الحفاظ وكبار المفسِّرين ربما ناهز عددهم السبعين. وهم بين محدِّث ومفسّر ومؤرِّخ.
والذي يجب التركيز عليه هو فهم معنى الولي الوارد في الآية المباركة والذي وقع وصفاً للّه سبحانه ولرسوله ومن جاء بعده.
المراد من الولي في الآية هو الأولويّة الواردة في قوله سبحانه : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (7).
فالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أولى من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم فهو بما انّه زعيم المسلمين ووليّهم ، يتصرّف فيهم حسب ما تقتضيه المصالح في طريق حفظ كيان الإسلام وصيانة هويَّتهم والدفاع عن أراضيهم ولغاية نشر الإسلام.
وليست الغاية من هذه الولاية الموهوبة للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هي حفظ مصالح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الشخصيّة ، بل الغاية كما عرفت هو صيانة مصالح الإسلام والمسلمين.
فالولاية بهذه المعنى هي المراد من قوله سبحانه : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ ) والقرائن الدالَّة على تعُّين هذا المعنى كثيرة ، نذكر منها ما يلي :
الأوّل : إذا كان المراد من الوليّ هو الزعامة يصحّ تخصيصها بالله سبحانه ورسوله ومن أعقبه ، وأمّا لو كان المراد منه هو الناصر والمحبّ ، فهو ليس مختصاً بهؤلاء ، لأنّ كلّ مؤمن محبّ للآخرين أو ناصر لهم كما يقول سبحانه : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (8).
الثاني : انّ ظاهر الآية انّ هناك أولياء وهناك مولى عليهم ، ولا يتحقّق التمايز إلّا بتفسير الولاية بمعنى الزعامة حتّى يتميّز الزعيم عن غيره ، وهذا بخلاف ما فسّرناه بمعنى الحبّ والودّ أو النصر ، فتكون الطوائف الثلاث على حدّ سواء.
الثالث : إذا كان المراد من الولي هو الزعيم ، يصحّ تخصيصه بالمؤمن المؤدّي للزكاة حال الصلاة ، وأمّا لو كان المراد بمعنى المحبّ والناصر وما أشبهها يكون القيد زائداً أعني : إعطاء الزكاة في حال الصلاة ، فانّ شرط الحبّ هو إقامة الصلاة وأداء الزكاة ، وأمّا تأديتها في حال الركوع فليس من شرائط الحبّ والنصرة ، وهذا دليل على انّ المراد فرد أو جماعة خاصّة يوصفون بهذا الوصف لا كلّ المؤمنين.
الرابع : انّ الآية التالية تفسر معنى الولاية ، يقول سبحانه : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (9).
فانّ لفظة ( الَّذِينَ آمَنُوا ) في هذه الآية هو الوارد في الآية المتقدّمة ، أعني : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ) ، وعلى هذا يكون المراد من القول أخذهم زعيماً ووليّاً بشهادة انّ حزب الله لا ينفك من زعيم يدبِّر أمرهم.
إلى هنا تبيّن انّ الإمعان في القرائن الحافَّة بالآية تفّسر معنى الولي وتعّين المعنى وتثبت انّ المقصود هو الزعيم ، لكن من نكات البلاغة في الآية انّه سبحانه صرح بولايته وولاية رسوله ومن جاء بعده وعلى ذلك صارت الولاية للثلاثة ، وكان اللازم عندئذٍ أن يقول إنّما أولياؤكم يصيغة الجمع لكنّه أتى بصيغة المفرد إشارة إلى نكتة ، وهي انّ الولاية بالأصالة لله سبحانه وأمّا ولاية غيره فبإيهاب من الله سبحانه لهم ، ولذلك فرّد الكلمة ولم يجمعها ، لكن هذه الولاية لا تنفكّ من آثار ، وقد أُشير إلى تلك الآثار في آيات مختلفة ، وإليك بيانها :
١. ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (10).
فانّ لزوم إطاعة الله والرسول وغيرهما من آثار ولايتهم وزعامتهم ، فالزعيم يجب أن يكون مطاعاً.
٢. ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (11).
فينفذ قضاؤه سبحانه والَّذي هو من آثار الزعامة ، ونظيره قوله سبحانه : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ ) (12).
٣. ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (13). فحرمة مخالفة أمر الله ورسوله من توابع زعامتهم وولايتهم.
فهذه الحقوق ثابتة للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بنصّ القرآن الكريم ولمن بعده بحكم انّهم أولياء بعد النبي فانّ ثبوتها للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأجل ولايته فإذا كانت الولاية مستمرة بعده فيتمتّع كلّ وليٍّ بهذه الحقوق.
وبهذا تبيَّنت دلالة الآية على ولاية علي عليه السلام وانّها حقّ من حقوقهم لصالح الإسلام والمسلمين.
نعم بعض من لا تروقهم ولاية أهل البيت عليهم السلام وزعامتهم حاولوا تضعيف دلالة الآية بشبهات واهية واضحة الردّ ، وقد أجبنا عنها في بعض مسفوراتنا فلنكتف في المقام بهذا المقدار.
غير انّا نركز على نكتة وهي انّ الصحابة الحضور لم يفهموا من الآية سوى الولاية ولذلك صبَّ شاعر عهد الرسالة حسان بن ثابت ما فهمه من الآية بصفاء ذهنه في قالب الشعر ، وقال :
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع |
فدتك نفوس القوم يا خير راكع |
|
بخاتمك الميمون يا خير سيّد |
ويا خير شار ثمّ يا خير بايع |
|
فانزل فيك الله خير ولاية |
وبينّها في محكمات الشرائع (14) |
والظاهر ممّا رواه المحدّثون انّ الاَُمّة الإسلاميّة سيُسألون يوم القيامة عن ولاية علي عليه السلام ، حيث ورد السؤال في تفسير قوله سبحانه : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) (15).
روى ابن شيرويه الديلمي في كتاب « الفردوس » في قافية الواو ، باسناده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) عن ولاية علي بن أبي طالب (16).
ونقله ابن حجر عن الديلمي ، وقال : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) أيّ عن ولاية علي وأهل البيت ، لأنّ الله أمر نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلّا المودّة في القربى ، والمعنى انّهم يسألون هل والوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة (17).
الثاني (18) : من تلك المواقف هو يوم الغدير وهو أوضحها وآكدها وأعمّها وقد صدع بها في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في منصرفه من حجّة الوداع ، وقد قام في محتشد كبير بعد ما خطب خطبة مفصَّلة وأخذ من الناس الشهادة على التوحيد والمعاد ورسالته وأعلن انّه فرط على الحوض ، ثمّ ذكر الثقلين وعرَّفهما ، بقوله : « الثقل الأكبر ، كتاب الله ، والآخر الأصغر : عترتي ؛ وانّ اللطيف الخبير نبَّأني انّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، ثمّ قال : « أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : « إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه » ، ثمّ قال : « اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ».
ففي هذه الواقعة الفريدة من نوعها أعلن النبي ولاية علي عليه السلام للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين ، ونزل أمين الوحي بآية الإكمال ، أعني : قوله سبحانه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (19).
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعلي من بعدي ».
ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين عليه السلام وممَّن هنَّأه في مقدم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول :
بخّ بخّ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وقد تلقّى الصحابة الحضور انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أوجب ولايته على المؤمنين ، وقد أفرغ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما تلقّاه عن الرسول ، في قصيدته وقال :
فقال له قم يا عليّ فانّني |
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً |
|
فمن كنت مولاه فهذا وليّه |
فكونوا له أنصار صدق موالياً |
قد ذكرنا مصادر الخطبة والأبيات عند البحث عن الإمامة فراجع (20).
الهوامش
1. المائدة : ٥٥.
2. تفسير الطبري : ٦ / ١٨٦.
3. أحكام القرآن : ٢ / ٥٤٢.
4. معرفة أُصول الحديث : ١٠٢.
5. أسباب النزول : ١١٣.
6. الكشاف : ١ / ٤٦٨.
7. الأحزاب : ٦.
8. التوبة : ٧١.
9. المائدة : ٥٦.
10. النساء : ٥٩.
11. الأحزاب : ٣٦.
12. النساء : ١٠٥.
13. النور : ٦٣.
14. مناقب الخوارزمي : ١٧٨ ؛ كفاية الطالب للكنجي : ٢٠٠ ؛ تذكرة ابن الجوزي : ٢٥.
15. الصّافات : ٢٤.
16. شواهد التنزيل للحسكاني : ٢ / ١٠٦.
17. الصواعق المحرقة : ١٤٩.
18. مضي الأوّل : ٢٤٥.
19. المائدة : ٣.
20. راجع مفاهيم القرآن : الجزء العاشر.
مقتبس من كتاب : [ أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم ] / الصفحة : 129 ـ 134
التعلیقات