لماذا الشيعة يحيون ذكرى شهادة الحسين عليه السلام ؟
مركز الأبحاث العقائديّة
منذ 7 سنواتالسؤال :
لماذا الشيعة يحيون ذكرى شهادة الحسين عليه السلام ؟ أليس هذا من الجزع ؟ أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.
الجواب :
كأنّك تريد أن تقول : إنّ العزاء جزع ، والجزع منهي عنه ، فالعزاء منهي عنه.
وهذا الاستدلال فاسد من حيث سقوط صغراه ، وذلك : إنّ العزاء ومأتم الحسين عليه السلام هو عبارة عن ذكر الإمام الحسين عليه السلام ، وذكر فضائله ومقامه ، ثمّ العروج على واقعة الطفّ وإظهار الحزن وذرف الدموع عليه.
فإذا كان العزاء هو ذلك فنأتي إلى مفرداته ، فالمفردة الأُولى هي ذكر فضائل الحسين عليه السلام والصفات المعنويّة التي تحلّى بها ، وهذا ليس فيه شيء مخالف للدين ، وليس فيه نهي ، بل هو أمر مشروع وطبق الموازين الشرعيّة ، فافتح ترجمة أيّ شخص دون الحسين عليه السلام من كتب التراجم لدى السنّة والشيعة تجده يبدأ بذكر فضائل المترجم له إن كانت له فضائل. فهذا الذهبي تحت ترجمة الإمام الحسين عليه السلام يقول :
الإمامُ الشريفُ الكامل ، سِبطُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ورَيحانَتُه في الدنيا ، ومحبوبُه ، أبو عبد الله الحسينُ ابن أمير المؤمنين أبي الحسن عليِ بنِ أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيِّ القرشيِّ الهاشميِّ ـ ثمّ أخذ بذكر مناقبه ـ. (1)
وأمّا واقعة الطفّ فقد ذكرها النبيّ صلّى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وتألّما وبكيا لذكرها ، وهاك بعض الروايات الصحيحة من حيث السند حتّى على مباني السلفيّة :
عن أبي أُمامة قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم لنسائه : « لَا تُبْكُوا هَذَا الصَّبِيِّ » يعني حسينا ، قال : وكان يوم أم سلمة ، فنزل جبريل عليه السلام ، فدخل رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم الداخل وقال لأم سلمة : « لَا تَدعي أحَدَاً يَدْخُلُ بيتي » فجاء الحسين رضي الله عنه ، فلما نظر إلى النبي صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم في البيت أراد أن يدخل ، فأخذته أم سلمة ، فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكنه ، فلما اشتد في البكاء خلت عنه ، فدخل حتى جلس في حجر النبيّ صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم ، فقال جبريل عليه السلام : إن أمتك ستقتل ابنك هذا ، فقال النبي صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم : « يَقْتُلُونَهُ وَهُمْ مُؤمِنُونَ بِي ؟ » قال : نعم يقتلونه ، فتناول جبريل تربة ، فقال : بمكان كذا وكذا ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم قد احتضن حسينا كاسف البال مهموما ، ... (2)
وقال الذهبي : إسناده حسن (3).
وأخرج الطبراني بسنده ورجاله ثقات في « المعجم الكبير » في ترجمة الحسين عليه السلام عن أُمّ سلمة :
عن أم سلمة قالت : كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبي صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم في بيتي ، فنزل جبريل عليه السلام ، فقال : يا محمد إنَّ أمّتَك تَقْتُلُ ابْنَكَ هَذَا مِنْ بَعْدِكَ ، فَأوْمَأ بِيدِهِ إلى الحُسيَنْ ِ، فبكى رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم ، وضمه إلى صدره ثم قال رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم : « وَدِيعَةً عِنْدَكِ هَذِهِ التُّرْبَةُ » فشمها رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم وقال : « وَيْحَ كُرْبٍ وَبَلَاءٍ » قالت : وقال رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم : « يَا أمَّ سَلَمَةَ إذَا تَحَوَّلَتْ هَذِهِ التُّرْبَةُ دَماً فَاعْلَمِي أنَّ ابْنِي قَدْ قُتِلَ » قال : فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم ، وتقول : إنَّ يوما تحولين دما ليوم عظيم. (4)
وأخرج الحديث غير الطبراني أيضاً. (5)
وقال ابن عساكر :
أنا عبد الرزاق ، أنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه ، قال : قالت أم سَلَمة : كان النبي صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم نائماً فجاء حسين [ يتدرج ] قالت : فقعدت على الباب فسبقته مخافة أن يدخل فيوقظه ، قالت : ثم غفلت في شيء فدبّ فدخل فقعد على بطنه ، قالت : فسمعت نحيب رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به ؟ فقال : « إنما جاءني جبريل عليه السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي : أتحبه ؟ فقلت : نعم ، قال : إن أمتك ستقتله ، أَلَا أُريك التربة التي يُقتل بها ، قال : فقلت : بلى ، قال : فضرب بجناحه ، فأتى بهذه التربة » ، قلت : فماذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول : « يا ليت شعري من يقتلك بعدي » ؟ (6)
وأخرج الطبراني بسنده ورجاله ثقات :
عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم جالسا ذات يوم في بيتي فقال : « لا يدخل علي أحد » فانتظرت فدخل الحسين رضي الله عنه فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم يبكي ، فاطلعت فاذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم يمسح جبينه وهو يبكي فقلت والله ما علمت حين دخل فقال : « ان جبريل عليه السلام كان معنا في البيت فقال تحبه ؟ قلت أما من الدنيا فنعم قال ان امتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء » فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأراها النبي صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم فلما أحيط بحسين حين قتل قال ما اسم هذه الارض ؟ قالوا كربلاء قال صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء. (7)
وأخرجه الهيثمي في « مجمع الزوائد » وقال : رواه الطبراني باسانيد ورجال أحدها ثقات. (8)
وكذلك أقام النبيّ صلّى الله عليه وآله المأتم والعزاء على الحسين في بيت عائشة ، كما أخرجه الطبراني بسند صحيح (9) ، وأحمد في مسنده (10).
وأقام مأتم الحزن والبكاء عليه في بيت السيّدة فاطمة عليها السلام ، كما في مقتل الخوارزمي (11).
وهناك الكثير من الروايات التي تشير الى انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله بكى وحزن على الحسين عليه السلام ، وأقام عليه العزاء والمأتم في بيوت نسائه ، بل وأمام جمع من الصحابة ، بل وأقام له المأتم منذ أوّل يوم من ولادته ، كما أخرجه الهيثمي في مجمعه بسند صحيح وغيره. (12)
الأخبار الكثيرة التي تنصّ على أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله بأنّ أُمّته ستقتل الحسين عليه السلام ، وجاءه بتربة من أرض كربلاء ، وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله شمّها واستنشق منها رائحة دم ابنه الحسين الشهيد. (13)
أعطى صلّى الله عليه وآله لبعض زوجاته تربة الحسين عليه السلام ، وأنّها عرفت مقتله من تحوّل لون تلك التربة إلى دم عبيطاً في يوم العاشر. (14)
وعن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين ؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلّا وجد تحتها دم عبيط ، فقال عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان. قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله ثقات (15).
وعن الزهري قال : ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلّا عن دم. قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (16)
وعن أبي قبيل قال : لمّا قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننّا أنّها هي. قال الهيثمي : رواه الطبراني وإسناده حسن. (17)
بل نجد أوسع صور العزاء والحزن تظهر على رسول الله صلّى الله عليه وآله في كربلاء عند قتل الإمام الحسين عليه السلام ، فهذا ابن عبّاس يقول : رأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم ينتقطه ... فقلت : ما هذا ؟ قال : دم الحسين وأصحابه ، فلم أزل أتتبعه منذ اليوم. قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني ورجاله أحمد رجال الصحيح (18).
فإذاً لا يوجد أيّ مانع شرعي من إقامة المأتم الحسيني ، بل في إقامته أسوة واقتداء بالنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله ، إذ هو المقيم له والقائم عليه ، كما أسلفنا من خلال الروايات الصحيحة الواردة من طرق أهل السنّة ، وعليه فتسقط المقدّمة الأُولى ، وهي كون البكاء والمأتم نوع من الجزع ولا يبقى لها مكان تجلس عليه ، علاوة على المناقشة في كون البكاء في المأتم هل هو يصدق عليه جزع أم لا ، والصحيح أنّه لا ، لكن لا مجال لبيان ذلك.
الهوامش
1. سير أعلام النبلاء « للذهبي » / المجلّد : 3 / الصفحة : 280 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 9.
2. المعجم الكبير « للطبراني »/ المجلّد : 8 / الصفحة : 285 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2.
راجع :
تاريخ مدينة دمشق « لابن عساكر » / المجلّد : 14 / الصفحة : 190 ـ 191 / الناشر : دار الفكر.
سير أعلام النبلاء « للذهبي » / المجلّد : 3 / الصفحة : 289 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 9.
مجمع الزوائد « للهيثمي » / المجلّد : 9 / الصفحة : 189 / الناشر : دار الكتب العلمية.
3. سير أعلام النبلاء / المجلّد : 3 / الصفحة : 289 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 9.
4. المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 108 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2.
5. راجع :
تاريخ مدينة دمشق « لابن عساكر » / المجلّد : 14 / الصفحة : 192 ـ 193 / الناشر : دار الفكر.
تهذيب الكمال « للمزي » / المجلّد : 6 / الصفحة : 408 ـ 409 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 4.
تهذيب التهذيب « لابن حجر العسقلاني » / المجلّد : 2 / الصفحة : 300 ـ 301 / الناشر : دار الفكر / الطبعة : 1.
6. تاري مدينة دمشق « لابن عساكر » / المجلّد : 14 / الصفحة : 194 / الناشر : دار الفكر.
7. المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 109 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2.
8. مجمع الزوائد « للهيثمي » / المجلّد : 9 / الصفحة : 188 ـ 189 / الناشر : دار الكتب العلمية.
9. المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 107 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2 :
حدثنا أحمد بن رشدين المصري ثنا عمرو ابن خالد الحراني حدثنا ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل الحسين بن علي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى اليه فنزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منكب ولعب على ظهره فقال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبه يا محمد ؟ قال : « يا جبريل وما لي لا أحب ابني » قال فان امتك ستقتله من بعدك فمد جبريل عليه السلام يده فأتاه بتربة بيضاء فقال في هذه الارض يقتل ابنك هذا يا محمد واسمها الطف فلما ذهب جبريل عليه السلام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والتربة في يده يبكي فقال « يا عائشة ان جبريل عليه السلام أخبرني أن الحسين ابني مقتول في ارض الطف وان أمتي ستفتتن بعدي » ثم خرج الى أصحابه فيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر رضي الله عنهم وهو يبكي فقالوا ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال : « أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه ».
10. مسند أحمد / المجلّد : 44 / الصفحة : 143 ـ 144 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 1 :
حدثنا وكيع ، قال : حدثني عبد الله بن سعيد ، عن أبيه ، عن عائشة ، أو أمّ سَلَمة ـ قال وكيع : شكَّ هو ، يعني عبد الله ابنَ سعيد ـ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال لإحداهما : « لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ البَيْتَ مَلَكٌ ، لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَها ، فَقالَ لي : إِنَّ ابْنَكَ هذا حُسَيْن مَقْتُولٌ ، وإنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبةِ الأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِها » قال : فأخرجَ تُرْبةً حَمْراءَ.
11. راجع :
مقتل الحسين (ع) « للموفق الخوارزمي ) / المجلّد : 1 / الصفحة : 242 ـ 245 / الناشر : أنوار الهدى / الطبعة : 2.
12. راجع :
مجمع الزوائد « للهيثمي » / المجلّد : 9 / الصفحة : 187 ـ 188 / الناشر : دار الكتب العلميّة.
المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 107 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2.
13. راجع :
تاريخ مدينة دمشق « لابن عساكر » / المجلّد : 4 / الصفحة : 194 / الناشر : دار الفكر.
14. راجع :
المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 108 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2.
15. راجع :
مجمع الزوائد « للهيثمي » / المجلّد : 9 / الصفحة : 196 / الناشر : دار الكتب العلميّة.
16. راجع :
مجمع الزوائد « للهيثمي » / المجلّد : 9 / الصفحة : 196 / الناشر : دار الكتب العلميّة.
17. راجع :
مجمع الزوائد « للهيثمي » / المجلّد : 9 / الصفحة : 197 / الناشر : دار الكتب العلميّة.
18. راجع :
مجمع الزوائد « للهيثمي » / المجلّد : 9 / الصفحة : 193 ـ 194 / الناشر : دار الكتب العلميّة.
التعلیقات