الولاية والخلفاء
السيّد جمال محمّد صالح
منذ 9 سنواتالولاية والخلفاء
ـ « والحقيقة هي أنّه لو كانت هذه الكرامة لأهل الحلّ والعقد من الأُمّة المسلمة واقعاً ، لكان من المنطقي أن نشاهد تأكيد القرآن الكريم عليها واهتمام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ببيانها ، ولدارت حولها أسئلة كثيرة من قبل المسلمين محاولة استيضاح حدودها وشرائطها وتفصيلاتها والموقف من ملابساتها المتوقّعة ».
ـ « ونحن نرى أنّ المسلمين تساءلوا عن كثير من الأُمور التي هي أقل خطراً منها ، بل لا تقاس قيمتها إلى هذه الكرامة المدعاة ».
ـ « أجل ، إنّك تؤكّد مزاعمي ، إلّا أنّنا نجد أنّ كُلّ ذلك يحدث مطلقاً ، وبقي هذا النظام الذي ادعيت له هذه الكرامة نظاماً غامضاً يفتقد أيّ صورة محدودة له ولو إجمالاً ، ممّا يؤكّد لنا بوضوح أنّ هذا الإدعاء ما هو إلّا مجرّد خرافة ، وأنّ الإسلام لا يمكنه أن يضع مثل هذا النظام وبهذا الشكل من الغموض والإبهام ».
ـ « فكُلّ هذه الاحتمالات باطلة لا أساس لها ، ويتعيّن بالتالي ما قالت به الإماميّة من أنّ المراد هم أفراد معصومون من هذه الأُمّة منزهون في أفعالهم وأقوالهم عن الخطأ والزلل ممّا يفرض على الأُمّة طاعتهم واتباع منهجم والانضواء تحت لوائهم ».
ـ « بالتأكيد ! ».
ـ « ومعرفة من هم هؤلاء كيف تتمّ ؟ ».
ـ « أمّا معرفة من هم هؤلاء فهي موكولة إلى الله ورسوله ، وقد عيّنتهم آيات مثل آية التطهير وآية الولاية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ .. ) كما شخصتهم أحاديث جمة مثل حديث الثقلين وحديث الغدير ».
ـ « وما يمكن أن تكون الأُمور التي يرجع بها إلى أُولي الأمر ».
ـ « إنّه ولأجل تعيين الأُمور التي يرجع بها إلى أُولي الأمر أقول : إنّ الآية عبرت بأنّه : ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ ) ، وكلمة : ( شَيْءٍ ) ، هي لتعمّ بظاهرها كُلّ ما تنازعت الأُمّة واختلفت فيه ، سواء كان حكماً من الأحكام التشريعيّة الكُلّية ».
ـ « ؟! ».
ـ « .. أو كان من القضايا والمنازعات التي تحتاج في حلّها إلى الترافع والتحاكم ، إلّا أنّ الآية لما ذكرت الردّ إلى الله والرسول بالخصوص بلا ذكر لأُولي الأمر فإنّها أوضحت أنّ المراد من الشيء المتنازع فيه هو تلك الأحكام الكُلّية التي يمتلك الرسول فيها حيثيّة التبليغ ».
ـ « الأحكام الكُلّية ؟ ».
ـ « أجل ! وإلّا فالموضوعات كما يمكن ردّها إلى الرسول بما له من الرأي يمكن ردّها أيضاً إلى أُولي الأمر بما لهم ذلك ».
ـ « ومن الممكن أن نقول : إنّ عدم ذكر أُولي الأمر مرّة ثانية كان للإختصار والوضوح ، فكان ذكر الله والرسول من باب التمثيل لمن يرجع إليه في الأحكام والمواضيع المتنازع فيها لا من باب الحصر. ولذا لا نحتاج إلى أن نقيد الاطلاق في كلمة : ( شَيْءٍ ) ، بخصوص الأحكام الكُلّية ».
ـ « إنّه من الممكن ».
ولقد كان وجد في نفسي روحاً متطلعة إلى الحقيقة أكثر منها باحثة عن التعصّب واللجاجة ، كما كنت قد تبينت مثل ذلك وآنسته في نفسي أنا الآخر.
ـ « .. ويؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة النساء ، ٨٣ : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) ! ».
ـ « وكيف ؟ ».
ـ « فإنّه لم يذكر لفظ الجلالة مع الرسول وأُولي الأمر هنا ، وليس ذلك إلّا للاختصار والوضوح والتمثيل للمرجع بذكر الرسول وأولي الأمر .. إلّا أن ».
ـ « إلّا أن ..! إلاّ أن ماذا ؟ ».
ـ « إلّا أن يقال : إنّ هذه الأُمور العادية ليست ممّا يرجع فيها إلى الله لمعرفتها ، وهذه هي النكتة في عدم ذكر لفظ الجلالة في هذه الآية ».
ـ « وهل للروايات أن تعيّن أُولي الأمر ؟ ».
ـ « قد جاءت الروايات الكثيرة التي تؤيد ما قالت به الإماميّة من تفسير للآية ، وذلك عن طريق الفريقين : السنّة والشيعة ».
ـ « هات ما عندك من طريق السنّة ؟ ».
ـ « فمن طريق السنّة ، ما عن تفسير مجاهد أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين حين خلفه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالمدينة فقال : يا رسول الله ، أتخلفني على النساء والصبيان ؟ فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ). ( وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) ، قال : علي بن أبي طالب ، ولّاه الله أمر الأُمّة بعد محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. وحين خلفه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه ».
ـ « أين ذكر مثل هذا ؟ ».
ـ « ذكر في غاية المرام : ص ٢٦٣ ، ب ٥٨ ، ح ١ ».
ـ « ناولني المزيد ؟ ».
ـ « عن الحمويني ـ وهو من أعيان علماء العامة ـ في حديث : قال ـ يعنى علي بن أبي طالب ـ : أنشدكم الله ، أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( لَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ؟ قال الناس : يا رسول الله أخاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجلّ نبيّه صلِّى الله عليه وآله وسلّم أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجّهم ، ونصبني للناس بغدير خم ».
ـ « ؟! ».
ـ « إلى أن قال : ثُمّ خطب فقال : « أيّها الناس ، أتعلمون أنّ الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : قم يا علي ، فقمت ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام سلمان فقال : يا رسول الله ، ولاء ماذا ؟ فقال : ولاء كولائي ، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. فأنزل الله تعالى ذكره : ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ). فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال : الله أكبر ، تمام نبوّتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي. فقام أبو بكر وعمر فقالا : يا رسول الله ، هذه الآيات خاصّة في علي ؟ قال : بلى ، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة : قالا : يا رسول الله ، بينهم لنا. قال : علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أُمّتي وولي كُلّ مؤمن من بعدي ، ثُمّ ابني الحسن ، ثُمّ ابني الحسين ، ثُمّ تسعة من ولد ابني الحسين واحداً بعد واحد ، القرآن معهم وهم مع القرآن ، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا عليّ الحوض ، فقالوا : اللهم نعم ، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت ».
ـ « أين ورد هذا كُلّه ؟ ».
ـ « ورد في غاية المرام : ص ٢٦٤ ، ب ٥٨ ، ح ٤ ».
ـ « لطفاً تابِع الحديث ؟ ».
ـ « .. فلو سكت رسول الله ، فلم يبين من أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان ـ الحديث ».
ـ « ؟! ».
ـ « وهو كما قلت لك في غاية المرام ، وهذا في ص ٢٦٥ ، ح٣ ».
ـ « زدني ؟! ».
ـ « ومنها : عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال : « هم خلفائي يا جابر ، وأئمّة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي ابن أبي طالب ، ثُمّ الحسن ، ثُمّ الحسين ثُمّ علي بن الحسين ، ثُمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثُمّ ».
ـ « يعرّفهم بالأسماء ؟ ».
ـ « أجل ».
ـ « عجيب ! أكمل ؟ ».
ـ « .. ثُمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثُمّ موسى بن جعفر ، ثُمّ علي بن موسى ، ثُمّ محمّد بن علي ، ثُمّ علي بن محمّد ، ثُمّ الحسن بن علي ثُمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي. ذاك الذي يفتح الله ـ تعالى ذكره ـ على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان ».
ـ « وبعد ماذا يقول الخبر ؟ ».
ـ « يقول : قال جابر : فقلت له : يا رسول الله ، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال : « أيّ والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولائه في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب. يا جابر ، هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علمه ، فاكتمه إلّا عن أهله ».
ـ « وأين ورد كُلّ ذلك .. لقد جعلتني أذهل حقاً ؟! ».
ـ « كذلك في غاية المرام : ص ٢٦٧ ، ح ١٠ ».
ـ « وإذن ».
ـ « وقد روي هذا المضمون عن الفريقين متواتراً ».
ـ « وآية الولاية ، لقد سمعت البعض يتحدّث عنها ، فما هي ؟ ».
ـ « إنّما يقول الله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) ».
ـ « أين تقع ؟ ».
ـ « في المائدة : ٥٥ ـ ٥٦ ».
ـ « ما معنى الولاية ؟ ».
ـ « الأصل في معنى « الولاية » على ما يظهر من تتبع موارد الاستعمال كلمات اللغويّين هو القرب والدنو ، ويلازمه الاتّصال والتأثير ، قد يقارنه التصرف والتدبير ، والمحبّة والنصرة إلى غير ذلك ».
ـ « أين الاستدلالات ؟ ».
ـ « قال في أساس البلاغة : وليّه وليّاً : دنا منه ، وأوليّته : أدنيته ، وفي القاموس الولي : القرب والدنو ، والوليّ : اسم منه ، والمحبّ ، والصديق والنصير. قال الراغب : الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعداً ».
ـ « ليس بينهما ما ليس منهما ».
ـ « أجل ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ، ومن حيث النسبة ، ومن حيث الدين ، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ».
ـ « ؟! ».
ـ « والذي يساعد عليه الاعتبار أن مادة الكلمة وضعت أوّل مرة للقرب الحسّي الخاصّ ، ثُمّ توسع فيها فاستعملت في ما يشابهه من المعاني المعقولة ».
ـ « وكيف ؟ ».
ـ « فإنّ الألفاظ إنّما وضعت تدريجاً لمسيس الحاجة إلى التفاهم حول ما يعرف الإنسان ».
ـ « معرفة الإنسان ؟ ».
ـ « ولا ريب أنّ معرفة الإنسان بالأُمور المحسوسة إنّما حصلت قبل معرفته بالمعقولات. والقرب في غير المحسوسات قد يكون حقيقاً كقرب العلّة من المعلول ، وقد كون اعتباريّاً اعتبر لترتيب آثاره على ما هو الشأن في المفاهيم الاعتباريّة ».
ـ « إنّما يمكن أن يلاحظ القرب ».
ـ « .. فالقرب قد يلاحظ بين فردين مشتركين في أُسرة واحدة فيفيد معنى ذي الرحم أو الوارث ، وقد يلاحظ بين شخصين أجنبيين بلا ملاحظة مزية لاحدهما على الآخر فيفيد معنى المعيّن والناصر ويستتبع المحبّة والمودّة ».
ـ « وقد يلاحظ فيه المزيّة لأحدهما المعين فيفيد معنى ولي الأمر والمتصرف بالتدبير كولي الطفل والسيّد ».
ـ « بالتأكيد ، وقد يلاحظ بين مجتمعين وهو الذي يعبر عنه بالعلاقة الوديّة ، والمصحح لاعتباره إنّما هو التعاون والتناصر ، وقد يلاحظ بين شخص ومجتمع وهو لا يفيد إلّا معنى تدبير الأمر والسلطان ، وإن استلزم الود والعون ».
ـ « خلاصة الأمر فالقرب يستعمل في المكان والزمان ».
ـ « وعليه ، فكما أنّ نفس القرب يستعمل في المكان والزمان وفي الوجود الحقيقي والمنزلة الاعتباريّة بلا تكثر في معناه ، فكذلك الولاية لها معنى وحداني سار في جميع مشتقاتها ، ولها مصاديق حقيقيّة واعتباريِّة ».
ـ « ومحسوسة ومعقولة ؟ ».
ـ « أجل ! ».
ـ « وهل يوجب اختلاف المصاديق في الخصوصيات تكثراً ما في معناها ؟ ».
ـ « إنّ اختلاف المصاديق في الخصوصيّات لا يوجب تكثراً في معناها بحيث تصير مشتركة بينها بالاشتراك اللفظي. وكما أن خصوصيّات مصاديق القرب إنّما تعرف بالمناسبات والقرائن فكذلك خصوصيّات مصاديق الولاية ».
ـ « مثل الركوع ؟ ».
ـ « فالركوع هو الانحناء وانخفاض الرأس ، ويستعمل للتواضع والتخضع ، وبمعنى انخفاض الحال وانحطاطها. قال في القاموس : ركع الشيخ : انحنى كبراً ، أو كبا على وجهه ، وافتقر بعد غني ، وانحطت حاله. وكُلّ شيء يخفض رأسه فهو راكع. وفي المفردات الركوع : الانحناء ».
ـ « وإذن فهو تارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي ، تارة في التواضع والتذلّل إمّا في العبادة وإمّا في غيرها ».
ـ « فالظاهر أنّه وضع في بدء الأمر للانحناء الحسّي ، ثُمّ استعمل في التواضع والتذليل بعناية ، وفي الإعسار والإفتقار بعناية أُخرى ».
ـ « وهل استعملت الولاية بصيغها المختلفة في القرآن ؟ ».
ـ « أجل استعملت في القرآن الكريم ، وذلك في موارد كثيرة : فاستعمل « الولى » و « الوالى » و « المولى » في الله تعالى : وسمّى الملائكة « أولياء » المؤمنين ».
ـ « والشياطين ؟ ».
ـ « وسُمّي الطاغوت والشياطين كذلك « أولياء » الكافرين ، وذكر أنّ المؤمنين بعضهم « أولياء » بعض ».
ـ « والظالمين ؟ ».
ـ « وكذلك الظالمون ».
ـ « والكافرين ؟ ».
ـ « كذلك ، كان قد نهى المؤمنين عن اتّخاذ الكافرين « أولياء » ».
ـ « وهل تنتفي الولاية عن المؤمنين في بعض المواطن ؟ ».
ـ « لقد نفيت « ولاية » المؤمنين عن الذين لم يهاجروا من المؤمنين مع الأمر بنصرهم عند الاستنصار. واستعمل « الولي » أيضاً في الوارث فهو ولي الدم والصديق ».
ـ « هل لك أن تأتيني بنماذج من الآيات ؟ ».
ـ « إليك نماذج منها : ( اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) [ البقرة : ٢٥٧ ]. ( وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) [ الجاثية : ١٩ ]. ( وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) [ الرعد : ١١ ]. ( وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) [ العنكبوت : ٢٢ ]. ( وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ) [ الكهف : ١٧ ]. ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ) [ محمّد : ١١ ] ».
ـ « إنّها كثيرة ؟ ».
ـ « كثيرة جداً .. : ( هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّـهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ) [ الكهف : ٤٤ ]. ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّـهُ هُوَ الْوَلِيُّ ) [ الشورى : ٩ ]. ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ ) [ الزمر : ٣ ]. ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ) [ العنكبوت : ٤١ ] ».
ـ « همم ! ».
ـ « ( وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ) [ الأعراف : ٣ ]. وقال سبحانه حكاية عن الملائكة : ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) [ فصلت : ٣١ ]. وقال عزّ وجلّ في الشياطين : ( إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) [ الأعراف : ٢٧ ]. وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) [ البقرة : ٢٥٧ ]. ( فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) [ النساء : ٧٦ ]. ( يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) [ مريم : ٤٥ ] ».
ـ « ؟! ».
ـ « وقال تبارك وتعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [ التوبة : ٧١ ].
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [ الأنفال : ٧٢ ] ، ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [ الأنفال : ٧٣ ] ».
ـ « إنّها لعديدة حقّاً ؟ ».
ـ « ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [ الجاثية : ١٩ ]. وقال عزّ اسمه : ( لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) [ آل عمران : ٢٨ ]. ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا ) [ النساء : ١٣٩ ]. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) [ المائدة : ٥١ ـ ٥٢ ] ».
ـ « أووه ! ».
ـ « ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ) [ المائدة : ٥٧ ]. ( لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ) [ الممتحنة : ١ ]. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [ التوبه : ٢٣ ]. وقال تعالى ذكره : ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) [ مريم : ٥ ـ ٦ ]. ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) [ الإسراء : ٣٣ ]. ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) [ فصلت : ٣٤ ] ».
ـ « وهل يمكن الادّعاء بأنّ ثمة انحصار في الولاية ؟ ».
ـ « قال تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ ) ».
ـ « سألتُك ؟! ».
ـ « وأنا أجيبك .. هذا الخطاب الإلهي يتوجّه إلى الأُمّة الإسلاميّة ليحدّد لها أولياءها بالخصوص. وإن الواضح جداً هنا أنّ المولَّى غير المولَّى عليه ».
ـ « وعليه ؟! ».
ـ « فالذين آمنوا ـ في تعبير الآية ـ هم غير المخاطبين المولّى عليهم. سياق هذه الآية ليس كسياق آية : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ). وهو أمر لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ».
ـ « وعليه فـ ( الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) هم أفراد معيّنون لهم شأن وامتياز عن الآخرين. وذلك إمّا لأنّ هذه الصفات المذكورة تتجلّى بكُلّ واقعها فيهم ، أو لأنّهم سبقوا غيرهم إليها ».
ـ « وإذن فهذه الرابطة المعبّر عنها بالولاية هي لتختلف ».
ـ « بالتأكيد ، فإنّ من الواضح جداً أنّ حقيقة هذه العلاقة المعبّر عنها بالولاية بين الله ورسوله وهؤلاء الذين آمنوا وبين أفراد الأُمّة الإسلاميّة ليست كالرابطة المتقابلة بين فردين أو جماعتين من الأُمّة ».
ـ « كيف ؟ ».
ـ « .. أيّ رابطة الحبّ والتعاون والتناصر ، وإنّما هي علاقة خاصّة يكون أحد الطرفين فيها مؤثراً في الآخر دون العكس ، وليست هي إلّا الأولويّة في التصرّف ».
ـ « وإن اختلفت ؟ ».
ـ « وإن اختلفت بالنسبة إلى الله تعالى وإلى غيره أصالة وتبعاً ، وشدّة وضعفاً ».
ـ « ».
ـ « فولاية الله تعالى هي الأصيلة في حين إنّ ولاية الرسول ومن يتلوه هي ولاية مستمدة من ولاية الله تعالى ».
ـ « فمن هم المراد بهم الذين آمنوا ؟ ».
ـ « إذا لاحظنا هذا الذي قلناه وأدركنا الربط بين الحكم الوارد في هذه الآية ومدى تناسبه مع موضوعه ، وركّزنا على جعل ولاية الذين آمنوا ـ هؤلاء ـ في سياق ولاية الله تعالى ورسوله ، عرفنا بدقّة أنّ المراد هم أُولو الأمر ».
ـ « أُولو الأمر ؟ ».
ـ « أجل أُولو الأمر ، الذين افترض الله تعالى طاعتهم على المؤمنين وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله ».
ـ « وما يمكن أن يشتمل عليه مدى هذه الولاية ؟ ».
ـ « لقد جاءت الولاية المعطاة لهؤلاء مطلقة في الآية بلا أيّ تقييد بجانب معين من الجوانب ، ولذا فيلتزم بهذا الاطلاق إلّا ما خرج بالدليل القطعي ، هو الاستقلال بالولاية التكوينيّة والتشريعيّة. فولايتهم على أيّ حال تبعيّة متفرّعة على ولاية الله تعالى الأصليّة المستقلّة ».
ـ « من هم هؤلاء الذين آمنوا ؟ ».
ـ « ومن الواضح أنّ هذا اللفظ لم يعين بالتحديد من هم هؤلاء ـ بأشخاصهم ـ ولذا وجب الرجوع إلى النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وهو المرجع الوحيد في معرفة مجملات الكتاب وتفاصيل الأحكام ».
ـ « قال تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) [ النحل : ٤٤ ] قد بيّن ذلك بأحسن بيان وبلغ رسالة ربّه بأحسن بلاغ. وقد روى الفريقان بياناته بما لا يبقى معه مجال ريب لمن ألقى السمع وهو شهيد ».
ـ « وكتب الحديث والتفسير ، ماذا يمكن أن يكون دورها في هذا المضمار ؟ أو كيف لها أن تسهم في الكشف عن مثل هذه الحقائق ؟ ».
ـ « إنّ كتب العلماء في الحديث والتفسير والتاريخ ، لتشكل حجّة لكلّ من يطلب الحقّ ، وتضادّ كُلّ معاند. فإنّها تنتج العلم القطعي بمراد الآية وأنّها نزلت في شأن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حين تصدق بخاتمة الشريف وهو راكع يصلّي في المسجد ».
ـ « وهل سجل الشعراء مثل هذه الحادثة ، باعتبارهم صحفيوا الأزمنة القديمة ».
ـ « لقد مدح « حسان بن ثابت » عليَّ بن أبي طالب ، وذلك لأجل هذه المكرمة في أبيات شعريّة ».
ـ « من نقلها عنه من المؤرّخين والقدامى ؟ ».
ـ « نقلها عنه الخوارزمي ، وشيخ الإسلام الحمويني ، وصدر الحفاظ الكنجي ، وسبط ابن الجوزي ، وجمال الدين الزرندي ـ على ما حكاه العلّامة الأميني في [ الغدير ج ٢ ص ٥٩ ] ـ وقد ذكرها الآلوسي في تفسيره فى ذيل الآية الشريفة ».
ـ « وغيرهم ؟ ».
ـ « كذلك : فمنهم أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره ، والطبري في تفسيره [ ج ٦ ، ص ١٦٥ ] والرازي في تفسيره [ ج ٣ ، ص ٤٣١ ] والخازن في تفسيره [ ج ١ ، ص ٤٩٦ ] عن عدّة من الصحابة والتابعين. ومنهم من صرّح بصحّتها. وقد أنهى أسماء الناقلين في [ موسوعة الغدير ] إلى ستة وستين رجلاً [ ج ٣ ، ص ١٥٦ ـ ١٦٢ ] وأمّا روايات الشيعة في ذلك فهي ربّما تبلغ حدّ التواتر ».
ـ « وإذن ففي كُلّ ذلك يمكن أن يكمن العجب كُلّ العجب ؟ ».
ـ « وإنّ تعجب فعجب قول من قال : إنّ قصّة الخاتم ونزول الآية فيها موضوعة مختلقة بإجماع العلماء (!) فهؤلاء الأكابر إمّا أنّهم لا يعدون عنده من العلماء ، أو أنّه لم يقف على كلماتهم ولم يطلع على كتبهم وموساعتهم !! لكن قتل الله العصيبة فإنّها تعمي وتصم : ( فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) ».
ـ « ماذا تعني ؟ ».
مقتبس من كتاب : [ وانقضت أوهام العمر ] / الصفحة : 183 ـ 197
التعلیقات