مقتل طلحة
مقتل طلحة :
روى البلاذري في أنساب الأشراف : « قالوا : أحيط بطلحة عند المساء ومعه مروان بن الحكم يقاتل فيمن يقاتل فلمّا رأى مروان الناس منهزمين قال : والله لا أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبداً ، فانتحى لطلحة بسهم فأصاب ساقه فأثخنه ، والتفت إلى ابان بن عثمان فقال له : قد كفيتك أحد قتلة أبيك.
وجاء مولى لطلحة ببغلى له فركبها وجعل يقول لمولاه : أما من موضع نزول ؟ فيقول : لا قد رهقك القوم ، فيقول : ما رأيت مصرع شيخ أضيع ، ما رأيت مقتل شيخ أضيع (1) ، اللّهمّ أعط عثمان منّي حتى يرضى ، وادخل داراً من دور بني سعد بالبصرة فمات فيها.
ـ وروى حديث قيس بن أبي حازم ـ وهو شاهد عيان ـ قال : قال مروان يوم الجمل لا أطلب ثاري بعد اليوم فرمى طلحة فأصاب ركبته بسهم ، فكان الدم يسيل ، فإذا أمسكوا ركبته انتفخت ، فقال : دعوه فإنّما هو سهم أرسله الله ، اللّهمّ خذ لعثمان منّي اليوم حتى يرضى » (2).
وروى ابن سعد بسنده عمن سمع عبد الملك بن مروان يقول : « لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه هو الّذي قتل طلحة ، ما تركت من ولد طلحة أحداً إلّا قتلته بعثمان بن عفان » (3). وهذا رواه ابن حجر أيضاً (4) ، وحكى ابن حجر أيضاً عن نوادر الحميدي قال : « دخل موسى بن طلحة على الوليد ، فقال له الوليد : ما دخلت عليّ قط إلّا هممت بقتلك لولا أنّ أبي أخبرني انّ مروان قتل طلحة » (5).
وقال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب ( ترجمة طلحة ) : « ولا يختلف العلماء الثقات في أنّ مروان قتل طلحة يومئذ وكان في حزبه » (6).
وقد نظم ذلك السيد الحميري بقوله :
واختلّ من طلحة المزهوّ خبّته |
سهم بكف قديم الكفر غدّار |
|
في كفّ مروان مروان اللعين |
رهط الملوك ملوك غير أخيار (7) |
وللحسن البصري كلام ينقد فيه طلحة والزبير في مجيئهما إلى البصرة لطلب الدنيا وعندهما منها ما يغنيهما فقد قال عن طلحة : إنّ طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة : إن رجلاً تتسق هذه عنده وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عزوجل لغرير بالله سبحانه ، فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح ، فاصبح وما عنده درهم.
ثمّ قال الحسن : وجاء ههنا يطلب الدينار والدرهم ـ وفي لفظ : الصفراء والبيضاء ـ (8).
ولا بدع من الحسن البصري لو قال ذلك ! لأنّ طلحة كان من الأثرياء المعدودين بالثراء الفاحش وحسبنا شهادة أبنائه. فهذا عيسى بن طلحة قال : « كان أبو محمّد طلحة يُغلّ كلّ يوم من العراق ألف ألف درهم ودانقين » (9) فانتبه إلى دقة الحساب عند الرجل حتى لم يفته حساب الدانقين !!
فمن كانت هذه غلته من العراق فقط فكم كانت من بقية البلاد الّتي له فيها دور وضياع ؟
وهذا ما أجاب عليه حفيده محمّد بن إبراهيم ( بن طلحة ) قال : «كان طلحة بن عبيد الله يُغل بالعراق ما بين اربعمائة إلى خمسمائة الف ، ويغلّ بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر ، وبالأعراض له غلّات ... » (10).
وقالت سعدى بنت عوف المرّية ـ وهي احدى زوجات طلحة وأم ابنه يحيى ـ : « قتل طلحة ... وفي يد خازنه ألفا ألف درهم ومائتا الف درهم ، وقوّمت أصولُه وعَقارهُ ثلاثون ألف ألف درهم » (11).
ولا يستغرب قول عمرو بن العاص حين قال : « حُدّثت أن طلحة بن عبيد الله ترك مائة بُهار ، في كلّ بُهار ثلاث قناطر ذهب ، وسمعت أن البُهار جلد ثور » (12).
فمن كان عنده ما ذكروه أما كان الأجدر به أن يقنع بما لديه ، ويقبع في بيته ، ولا يغرّر بنفسه وبالآخرين فيأتي البصرة يطلب الصفراء والبيضاء كما يقول الحسن البصري ، متخذاً شعار الطلب بدم عثمان وسيلة لإغراء الناس وإغواء الرعاع.
ولكنه الحَين ومصارع السوء كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
الهوامش
1. وكان الحسن البصري إذا سمع هذا وحكي له يقول : ذق عقق ( شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 431 ).
2. أنساب الأشراف 2 / 246 ( ترجمة الإمام ) تحـ المحمودي ، والمعارف لابن قتيبة / 101 ط الأولى بمصر تحـ ثروت عكاشة ، والبدء والتاريخ 5 / 214 ، ومستدرك الحاكم 3 / 171 ، وتهذيب ابن عساكر لابن بدران 7 / 84 ـ 85 ، وسير أعلام النبلاء 2 / 640 ط دار الفكر ، وتاريخ خليفة / 136 ، والإصابة لابن حجر ( ترجمة طلحة ) ، والاستيعاب ( ترجمة طلحة ) ، وأسد الغابة (ترجمة طلحة) وغيرها.
3. طبقات ابن سعد 3 ق 1 / 159.
4. تهذيب التهذيب 5 / 21.
5. نفس المصدر.
6. الاستيعاب 2 / 766.
7. أنظر مناقب ابن شهر آشوب 3 / 93.
8. أنساب الأشراف 2 / 260 (ترجمة الإمام) تحـ المحمودي وروى المدائني ان طلحة لما أدبر وهو جريح يرتاد مكاناً ينزله وهو يقول لمن يمرّ به من أصحاب عليّ : انا طلحة من يجيرني ؟ يكررّها قال : فكان الحسن البصري إذا ذكر ذلك يقول : لقد كان في جوار عريض ( شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 431 ).
9. طبقات ابن سعد 3 ق 1 / 157.
10. نفس المصدر.
11. نفس المصدر 3 ق 1 / 158.
12. نفس المصدر.
مقتبس من كتاب : موسوعة عبد الله بن عبّاس / المجلّد : 3 / الصفحة : 156 ـ 159
التعلیقات