التأمين بعد الفاتحة في الصلاة
الدكتور صلاح الدين الحسيني
منذ 4 سنواتالتأمين بعد الفاتحة في الصلاة :
التأمين : وهو قول آمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة ، وهو عند الإماميّة مبطل ؛ للصلاة لأنّه من كلام الناس الذي لا يجوز في الصلاة ، ولأنّه لم يرد نصّ صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه فعل ذلك.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : وقد استدلّ صاحب البحر على أنّ التأمين بدعة ، بحديث معاوية بن الحكم السلمي : أنّ هذه صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس (1).
وذكر النووي في شرح مسلم ، عند قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ... ، قال : فيه تحريم الكلام في الصّلاة ، سواء كان لحاجة أو غيرها ، وسواء كان لمصلحة الصّلاة أو غيرها ، فإنْ احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل ونحوه ، سبَّح إنْ كان رجلاً ، وصفَّقت إنْ كانت امرأة ، هذا مذهبنا ، ومذهب مالك ، وأبي حنيفة ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ـ والجمهور من السَّلف والخلف (2).
وأمّا بالنسبة للعامّة ، فقد اختلفوا فيها ، فمنهم من أوجبها ، ومنهم من جعلها مندوبة ، ومنهم من قال بالجهر بها ، ومنهم من قال بالإسرار ، ومنهم من شرطه إذا قالها الإمام ، ومنهم من لم يشترط ذلك ، وغير ذلك من الاختلافات ، والتي تؤكّد أنّ عدم وضوح الأمر بالتأمين والاختلاف فيه ، هو عملية متناقضة ، كالمسائل الأخرى المتناقضة والمتضاربة ، وهذا يدلّ على أنّها ليست من نبع النبوة ومعدن الرسالة.
إنّ التأمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة لم يكن معروفا في العهد النبويّ ، ولا أمر رسول الله به ، بل إنّها مسألة استحدثت بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عهد عمر بن الخطّاب ، والراجح أنّها استحدثت في عهد معاوية ، وكان المُنَظِّرَ الأوّل لها أبوهريرة ، كما سيتبيّن من خلال الروايات التي تدعو إلى التأمين ، فإنّها في أغلبها واردة عنه.
فقد روى ابن ماجة في سننه ، عَن أبي هُرَيْرَة ؛ قَالَ : ترك الناس التأمين ، وكان رَسُول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إذا قال ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) (3) قال : آمين ، حتّى يسمعها أهل الصفّ الأوّل. فيرتجّ بها المسجد (4).
فهل من الممكن أن يترك كلّ الصحابة التأمين ، إذا كان هو المأمور به في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، حتّى يأتي أبو هريرة بعد عقد أو عقود حتّى يذكر الناس به ، ويشدّد عليه ، ويأمر به ؟.
وممّا يؤكد أنّ التأمين كان أمراً مستحدثا ، رواية البخاري التالية :
فقد روى في صحيحه ، في كتاب صفة الصلاة قال : أمّن ابن الزبير ومن وراءه ، حتّى أنّ للمسجد للجّة ، وكان أبو هريرة ينادي الإمام : لا تفتنّي بآمين. وقال نافع : كان ابن عمر لا يدعه ، ويحضهم ، وسمعت منه في ذلك خيرا (5).
لاحظوا عندما يقول أمّن ابن الزبير ، فلو كان التأمين بعد الفاتحة في الصلاة معروفا أو مشهورا في العهد النبويّ لما قال : إنّ ابن الزبير أمن ، وتشديد أبي هريرة أيضاً في الحديث ، يدلّ على أنّه كما قلنا أمراً مستحدثا ، وكذلك قول نافع في الرواية يؤيّد ما ذهبنا إليه.
وإليك أخي الكريم طائفة من أقوال علماء العامة وما فيها من تناقضات ، ولكنّ المدقّق في تلك الآراء يتبيّن له صحّة ما ذهبنا إليه.
قال ابن حجر في فتح الباري : وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه ، وهي رواية ابن القاسم فقال : لا يؤمّن الإمام في الجهريّة ، وفي رواية عنه : لا يؤمّن مطلقا (6).
وقال الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة : ... قالوا : التأمين يكون سرّاً في الجهريّة والسريّة ، سواء كان ذلك عقب فراغه من قراءة الفاتحة ، أو بسبب سماعه ختام الفاتحة من الإمام ، أو من جاره ، ولو كانت قراءتهما سرّية (7).
وقال في بداية المجتهد ونهاية المقتصد : فأمّا هل يؤمّن الإمام إذا فرغ من قراءة أمّ الكتاب ، فإنّ مالكا ذهب في رواية ابن القاسم عنه ، والمصريين ، أنّه لا يؤمّن ، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يؤمن كالمأموم سواء ، وهي رواية المدنيين عن مالك ، وسبب اختلافهم أنّ في ذلك حديثين متعارضي الظاهر : أحدهما : حديث أبي هريرة المتّفق عليه في الصحيح أنّه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إذا أمّن الإمام فأمّنوا. والحديث الثاني ما خرّجه مالك ، عن أبي هريرة أيضاً أنّه قال عليه الصلاة والسلام : إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فقولوا آمين. فأمّا الحديث الأول ، فهو نصّ في تأمين الإمام. وأمّا الحديث الثاني ، فيستدلّ منه على أنّ الإمام لا يؤمّن ، وذلك أنّه لو كان يؤمّن لما أمر المأموم بالتأمين عند الفراغ من أمّ الكتاب قبل أن يؤمّن الإمام ؛ لأنّ الإمام كما قال عليه الصلاة والسلام : إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به. إلا أن يخصّ هذا من أقوال الإمام ، أعني أنْ يكون للمأموم أنْ يؤمّن معه أو قبله ، فلا يكون فيه دليل على حكم الإمام في التأمين ، ويكون إنّما تضمّن حكم المأموم فقط ، لكنّ الذي يظهر أنّ مالكا ذهب مذهب الترجيح للحديث الذي رواه ؛ لكون السامع هو المؤمّن لا الداعي ، وذهب الجمهور لترجيح الحديث الأوّل ؛ لكونه نصّا ؛ ولأنّه ليس فيه شيء من حكم الإمام ، وإنّما الخلاف بينه وبين الحديث الآخر في موضع تأمين المأموم فقط ، لا في هل يؤمّن الإمام أو لا يؤمّن ، فتأمّل هذا. ويمكن أيضا أنْ يتأوّل الحديث الأول بأنْ يقال : إنّ معنى قوله : فإذا أمّن فأمّنوا ، أي إذا بلغ موضع التأمين ، وقد قيل : إنّ التأمين هو الدعاء ، وهذا عدول عن الظاهر لشيء غير مفهوم من الحديث إلا بقياس : أعني أنْ يفهم من قوله : فإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأمّنوا. أنّه لا يؤمّن الإمام (8).
الهوامش
1. نيل الأوطار 2 : 246.
2. شرح صحيح مسلم 5 : 20 ـ 21.
3. الفاتحة : 7.
4. سنن ابن ماجة 1 : 278.
5. فتح الباري 2 : 218.
6. فتح الباري 2 : 218.
7. الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 250.
8. بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1 : 119.
مقتبس من كتاب : [ نهج المستنير وعصمة المستجير ] / الصفحة : 438 ـ 441
التعلیقات