ماذا يراد من التفويض ؟
الشيخ جعفر السبحاني
منذ 6 أشهرماذا يراد من التفويض ؟
اتّفقت كلمة الموحدين على أنّ الاعتقاد بالتفويض موجب للشرك ، وأنّ الخضوع النابع من ذاك الاعتقاد يعد عبادة للمخضوع له ، والتفويض يتصور في أمرين :
1. تفويض الله تدبير العالم إلى خيار عباده من الملائكة والأنبياء والأولياء ، ويسمّى بالتفويض التكويني.
2. تفويض الشؤون الإلهية إلى عباده كالتقنين والتشريع ، والمغفرة والشفاعة ممّا يعد من شؤونه سبحانه ، ويسمّى بالتفويض التشريعي.
أمّا القسم الأوّل
فلا شك أنّه موجب للشرك ، فلو اعتقد أحد بأنّ الله فوض أُمور العالم وتدبيرها من الخلق والرزق والإماتة ونزول الثلج والمطر وغيرها من حوادث العالم إلى ملائكته أو صالحي عباده ، فقد جعلهم أنداداً له سبحانه ، إذ لا يعني من التفويض ، إلّا كونهم مستقلين في أفعالهم ، منقطعين عنه سبحانه فيما يفعلون وما يريدون.
وبالجملة : فتفويض التدبير إلى العباد قسم من استقلال العبد في فعله وعمله عمّن سواه ، سواء أكان ذاك الاستقلال في الأفعال الراجعة إلى نفسه كمشيه وتكلّمه ، أم في الأفعال الراجعة إلى تدبير العالم والحوادث الواقعة فيه ، غير أنّه لما كان زعم الاستقلال في أفعال الإنسان العادية بحثاً فلسفياً بحتاً لم يتوجه إليه مشركو الجاهلية ، لذلك خصوا البحث بالاعتقاد باستقلالهم في تدبير العالم.
وإن أصبح الأوّل أيضاً مثار بحث ونقاش في العهود الإسلامية الأُولى ، بحيث قسّم الباحثين إلى جبري وتفويضي.
والخلاصة : أنّ الأمر دائر بين كون العبد ذا فعل بالاستقلال والانقطاع عن الله سبحانه ، أو كونه ذا شأن بأمره تعالى وإذنه ومشيئته ، وليس التفويض أمراً ثالثاً ، بل هو داخل في القسم الأوّل.
وأمّا الاعتقاد بأنّ القدّيسين من الملائكة والجن ، أو النبي والولي مدبّرون للعالم بإذنه ومشيئته ، وأمره وقدرته من دون أن يكونوا مستقلين فيما يفعلون ، أو مفوّضين فيما يصدرون فلا يكون ذاك موجباً للشرك ، بل أمره دائر ـ حينئذ ـ بين كونه صحيحاً مطابقاً للواقع كما في الملائكة ، أو غلطاً مخالفاً للواقع كما في النبي والولي ، فإنّ الأنبياء والأولياء غير واقعين في سلسلة العلل والأسباب ، بل هم كسائر الناس يستفيدون من النظام الطبيعي بحيث يختل عيشهم وحياتهم عند اختلال تلك النظم ، ومعلوم أنّه ليس كل مخالف للواقع يعتبر شركاً إذ عند ذاك يحتل الولي مكان العلّة الطبيعية والنظم المادية ، وليس الاعتقاد بوجود هذا النوع من العلل والأسباب مكان النظم المادية للظاهرة شركاً.
هذا ومن الجدير بالذكر أنّ مشركي عهد الرسالة كانوا يعتقدون لآلهتهم نوعاً من الاستقلال في الفعل ، وكانوا يتوجهون إليها على هذا الأساس ، وقد مرّ أنّ عمرو بن لحي عندما سافر من مكة إلى الشام ورأى أُناساً يعبدون الأصنام فسألهم عن سبب عبادتهم لها فقالوا له : هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا (1).
وقد كان ثمة فريق من الحكماء يعتقدون بأنّ لكل نوع من الأنواع « رب نوع » فوض إليه تدبير نوعه ، وسلمت إليه إدارة الكون التي هي من شأن الله ومن فعله تعالى ، كما أنّ عرب الجاهلية الذين عبدوا الملائكة والكواكب ـ سياراتها وثوابتها ـ إنّما كانوا يعبدونها ، لأنّ أمر الكون وأمر تدبيره قد فوّض إليها ـ كما في زعمهم ـ وإنّ الله عزل عن مقام التدبير عزلاً تامّاً ، فهي مالكة التدبير دون الله ، وبيدها هي دونه ناصية التصرّف ، ولهذا كان يعتبر أيُّ خضوع يجسد هذا الإحساس عبادة ، وسيوافيك عقائد العرب الجاهليين حول معبوداتهم.
القسم الثاني من التفويض
إذا اعتقدنا بأنّ الله سبحانه فوّض إلى أحد مخلوقيه بعض شؤونه كالتقنين والتشريع ، والشفاعة والمغفرة فقد أشركناه مع الله ، وجعلناه نداً له سبحانه ، كما يقول القرآن الكريم :
( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ ) (2).
ولا ريب أنّ الموجود لا يقدر أن يكون نداً لله سبحانه ، إلّا إذا كان قائماً بفعل أو شأن من أفعال الله وشؤونه سبحانه « مستقلاً » لا ما إذا قام به بإذن الله وأمره ، إذ لا يكون عند ذاك نداً لله ، بل يكون عبداً مطيعاً له ، مؤتمراً بأمره ، منفذاً لمشيئته تعالى ، هذا وقد كان أخف ألوان الشرك وأنواعه بين اليهود والنصارى والعرب الجاهليين اعتقاد فريق منهم بأنّ الله فوّض حق التقنين والتشريع إلى الرهبان والأحبار كما يقول القرآن الكريم :
( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ ) (3).
وانّ الله فوّض حق الشفاعة والمغفرة التي هي حقوق مختصة بالله إلى أصنامهم ومعبوداتهم ، وأنّ هذه الأصنام والمعبودات مستقلّة في التصرّف في هذه الشؤون ولأجل ذلك كانوا يعبدونها ، لأجل أنّها شفعاؤهم عند الله ، وبأيديها أمر الشفاعة كما يقول سبحانه :
( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ ) (4).
ولذلك أصرّت الآيات القرآنية على القول بأنّه لا يشفع أحد إلّا بإذن الله ، فلو كان المشركون يعتقدون بأنّ معبوداتهم تشفع لهم بإذن الله لما كان لهذا الإصرار على مسألة متفق عليها بين المشركين ، أيُّ مبرر ، على أنّ ذلك الفريق من عرب الجاهلية الذين كانوا يعبدون الأصنام ، إنّما كانوا يعبدونها لكونها تملك شفاعتهم ، لا أنَّها خالقة لهم أو مدبّرة للكون ، وعلى أساس هذا التصوّر الباطل كانوا يعبدونها وكانوا يظنون أنّ عبادتهم لها توجب التقرّب إلى الله ، إذ قالوا :
( مَا نَعْبُدُهُمْ إلّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَىٰ اللهِ زُلْفَىٰ ) (5).
الشيعة الإمامية وفكرة التفويض
لقد شدد علماء الشيعة الإمامية ـ اقتداءً بأئمتهم ـ النكير على كل من يقول بالتفويض ، وعدّوا قائله مشركاً وخارجاً عن ربقة الموحّدين المسلمين.
فها هو العلّامة المجلسي قد عقد ـ في موسوعته المسمّاة بـ « بحار الأنوار » ـ باباً خاصاً أسماه « باب نفي الغلو في النبي والأئمّة وبيان معاني التفويض » سرد فيه مجموعة كبيرة من أحاديث أهل البيت عليهمالسلام التي استنكروا فيها قول من يعتقد بالتفويض في شأنهم ، أو في شأن أحد من عباد الله ، كما سرد بعض أقوال علماء الشيعة كالصدوق والمفيد رحمهما الله.
وإليك بعض الأحاديث أوّلاً :
1. في عيون أخبار الرضا ، قال الراوي : سألت الرضا ( الإمام علي بن موسى ) عليه السلام عن التفويض ؟ فقال :
« الغلاة كفّار ، والمفوّضة مشركون ، من جالسهم ، أو واكلهم ، أو شاربهم ، أو واصلهم ، أو زوّجهم ، أو تزوّج منهم ، أو أمنهم ، أو ائتمنهم على شيء ، أو صدّق حديثهم ، أو أعانهم بشطر كلمة ، خرج من ولاية الله عزّ وجل وولاية الرسول ، وولايتنا أهل البيت » (6).
2. في عيون أخبار الرضا ، قال الإمام عليه السلام :
« من زعم أنّ الله فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض ، والقائل بالتفويض مشرك ».
وهناك أحاديث أُخرى صريحة وقاطعة ذكرها ، ونقلها المجلسي في البحار ، فمن شاء التوسع فليراجع الجزء 25 من الصفحة 261 إلى الصفحة 350.
ثم إنّ العلّامة المجلسي ذكر ما قاله عالمان كبيران من قدامى علماء الإمامية وأعلامهم حول التفويض ، وها نحن نذكر ما قالاه ـ هنا ـ :
قال الشيخ الصدوق ـ رحمه الله ـ في كتابه : الاعتقادات :
اعتقادنا في الغلاة والمفوّضة أنّهم كفار بالله ـ جل جلاله ـ وانّهم أشرّ من اليهود والنصارى والمجوس ، والقدرية والحرورية ، ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلّة ، وانّه ما صغَّر الله جلّ جلاله تصغيرهم شيء ، وقال الله تعالى : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (7) وقال عزّ وجل : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (8).
ثم أضاف الشيخ الصدوق قائلاً :
« وكان الرضا ( علي بن موسى ) عليه السلام يقول في دعائه :
« اللهم إنّي أبرأ إليك من الحول والقوّة ، فلا حول ولا قوّة إلّا بك. اللّهم إنّي أبرأ إليك من الذين ادّعوا لنا ما ليس لنا بحق. اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا. اللّهم لك الخلق ومنك الأمر وإيّاك نعبد وإياك نستعين اللّهمّ أنت خالقنا وخالق آبائنا الأوّلين وآبائنا الآخرين اللّهم لا تليق الربوبية إلّا بك ، ولا تصلح الإلهية إلّا لك ، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك ، والعن المضاهئين لقولهم من بريتك ، اللّهمّ انّا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، اللّهم من زعم أنّا أرباب فنحن منه براء ، ومن زعم أنَّ إلينا الخلق وعلينا [ أو إلينا ] الرزق فنحن براء منه كبراءة عيسى بن مريم عليه السلام من النصارى ، اللّهم انّا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون ، واغفر لنا ما يدّعون ولا تدع منهم على الأرض دياراً ، إنّك إن تذرهم يضلُّوا عبادك ولا يلدوا إلّا فاجراً كفارا ».
وروي عن زرارة إنّه قال : قلت للصادق [ جعفر بن محمد ] عليه السلام : إنّ رجلاً يقول بالتفويض ، قال : « وما التفويض ؟ » قلت : يقول : إنّ الله تبارك وتعالى خلق محمداً وعلياً صلوات الله عليهما ففوّض [ ثم فوض ] الأمر إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا !! فقال عليه السلام : « كذب عدو الله ، إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد : ( أَمْ جَعَلُوا لِلَّـهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (9).
يقول زرارة : فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بكل شيء فكأنّه أُلقم حجراً (10).
وقال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ في كتابه « تصحيح الاعتقاد » في شرح كلام الصدوق المتقدم :
الغلو في اللغة هو تجاوز الحد والخروج عن القصد ، قال الله تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (11) ، فمنع عن تجاوز الحد في المسيح وحذر من الخروج من القصد في القول ، وجعل ما ادّعته النصارى غلواً لتعدّيه الحق على ما بيّنّاه ، والغلاة من المتظاهرين بالإسلام ، هم الذين نسبوا أمير المؤمنين [ علياً ] والأئمّة من ذريته إلى الإلهية والنبوة ووصفوهم بالفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا من القصد ، وهم ضلّال كفّار ، حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّة عليهم بالإكفار والخروج عن الإسلام.
والمفوّضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة :
اعترافهم بحدوث الأئمّة ، وخلقهم ، ونفي القدم عنهم ، وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم ودعواهم أنّ الله تعالى تفرّد بخلقهم خاصة ، وانّه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال ».
ثم قال الشيخ المفيد رحمه الله : ويكفي في علامة الغلو نفي القائل به عن الأئمّة : سمات الحدوث ، وحكمه لهم بالإلهية والقدم ، إذ قالوا بما يقتضي ذلك من خلق أعيان الأجسام واختراع الجواهر (12).
ثم إنّ المجلسي ـ رحمه الله ـ نفسه قال في شرح معاني التفويض ما نصه : وأمّا التفويض فيطلق على معان بعضها منفي وبعضها مثبت :
فالأوّل : التفويض في الخلق والرزق والتربية ، والإماتة والإحياء ، فإنّ قوماً قالوا : إنّ الله تعالى خلقهم [ أي الأئمّة ] وفوّض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون.
وهذا الكلام يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقال : أنّهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم ، وهم الفاعلون حقيقة ، وهذا كفر صريح دلّت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به.
وثانيهما : انّ الله يفعل ذلك [ الخلق والرزق إلى آخره ] مقارناً لإرادتهم كشق القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حية وغير ذلك من المعجزات ، فإنّ جميع ذلك إنّما يحصل بقدرته تعالى مقارناً لإرادتهم لظهور [ أي لأجل إثبات وإظهار ] صدقهم ، فلا يأبى العقل عن أن يكون الله خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ثمّ خلق كلّ شيء مقارناً لإرادتهم ومشيئتهم.
ثم قال : وهذا الوجه وإن كان العقل لا يعارضه كفاحاً ، لكن الأخبار السالفة تمنع من القول به في ما عدا المعجزات ظاهراً ، بل صراحة ، مع أنّ القول به قول بما لا يعلم ، إذ لم يرو ذلك في الأخبار المعتبرة في ما نعلم (13).
ثم قال في معرض تفسيره لقول الله ( قُلِ اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (14) : يدل هذا على عدم جواز نسبة الخلق إلى الأنبياء والأئمّة ، وكذا قوله : ( هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ) (15) فإنّه يدل على عدم جواز نسبة الخلق ، والرزق والإماتة والإحياء إلى غيره سبحانه وإنّه شرك.
ثم قال ودلالة تلك الآيات على نفي الغلو والتفويض بالمعاني المذكورة ظاهرة ، والآيات الدالة على ذلك أكثر من أن تحصى ، إذ جميع آيات الخلق ودلائل التوحيد والآيات الواردة في كفر النصارى وبطلان مذهبهم دالة عليهم ( أي على المفوضة ). (16)
لا ملازمة بين التوزيع ونفي الإله الأعلى
إنّ توزيع الإلوهية على صغار الآلهة المتخيّلة أمر باطل عقلاً ونقلاً ، ولا نطيل الكلام بسوق براهينه العقلية وما تدل عليه من الآيات.
ثمّ إنّ توزيع شؤون الإلوهية ـ كما في زعم عرب الجاهلية ـ ما كان يلازم نفي الإله الأعلى القاهر ، بل كان الجاهليون يعتقدون بالإله الأعلى رغم عبادتهم للأصنام واعتقاد توزيع الإلوهية عليها.
لكن الأُستاذ المودودي أبطل فكرة توزيع الإلوهية معللاً بأنّ : هذا التوزيع لا يجتمع مع الاعتقاد بإله أعلى ، حيث قال :
إنّ أهل الجاهلية ما كانوا يعتقدون في آلهتهم أنّ الإلوهية قد توزعت فيما بينهم ، فليس فوقهم إله قاهر ، بل كان لديهم تصوّر واضح لإله كانوا يعبّرون عنه بكلمة الله في لغتهم (17).
وفي هذا الكلام نظر ، فإنّ الجمع بين قوله : « إنّ الإلوهية توزعت فيما بينهم » وقوله : « فليس فوقهم إله قاهر » يوهم بأنّ القول بتوزيع الإلوهية يلازم القول بنفي الإله القاهر الذي هو فوق الكل ، ولكنّه ليس كذلك ، فإنّ الصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن أثبتوا للشمس : الإلوهية والتدبير مع القول بوجود إله قاهر ، حيث قالوا :
« إنّ الشمس ملك من الملائك ولها نفس وعقل ومنها نور الكواكب وضياء العالم ، وتكون الموجودات السفلية فتستحق التعظيم والسجود والتبخير والدعاء » (18).
وأيّ الوهية أكبر من تكوين الموجودات السفلية التي ينسبها الله سبحانه في القرآن إلى ذاته.
ومن الصابئة من يقول :
« إنّ القمر ملك من الملائك ، يستحق العبادة ، وإليه تدبير هذا العالم السفلي والأُمور الجزئية ، ومنه نضج الأشياء المتكوّنة وإيصالها إلى كمالها » (19).
وليس لأحد أن يفسر قولهم بأنّ الشمس والقمر كانا ـ في عقيدتهم ـ يحتلان محل العلل الطبيعية ، وانّهما كانا يقومان بنفس الدور لا أكثر ، فإنّ المفروض إنّهم جعلوهما من الملائك وأثبتوا لهما العقل والنفس والتدبير القائم على التفكير ، وهذا يناسب الإلوهية ، وكونهما إلهين ، لا كونهما عللاً طبيعية ، إذ لو كانا عللاً طبيعية لما عبدوهما بتلك العبادة ، فإذن لا مانع من أن يعتقد المشرك ـ في حين اعتقاده بتوزيع شؤون الإلوهية بين صغار الآلهة ـ بوجود إله قاهر ، وهو الذي وزّع الإلوهية ، فالعربي الجاهلي كان يعتقد بتفويض المغفرة والشفاعة إلى أصحاب الأصنام والأوثان ، مع اعتقاده بوجود إله آخر قاهر وأعلى. والمغفرة والشفاعة من شؤون الإلوهية ، والدليل على أنّهم كانوا يعتقدون بالتفويض ، هو إصرار القرآن على القول بأنّه لا شفاعة إلّا بإذن الله سبحانه : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (20) ، وإنّ الله هو الذي يغفر الذنوب : ( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ ) (21).
وأظن ـ ولعلّه ظن مصيب ـ أنّ للأُستاذ وراء هذا الكلام ( توزيع الإلوهية ينافي الاعتقاد بإله آخر ) قصداً وهدفاً آخر ، وهو إثبات أنّ الإله في القرآن إنّما هو بمعنى المعبود تبعاً لشيخ منهجه « ابن تيمية » فتوصيف الأصنام بالإلوهية إنّما هو بملاك المعبودية ، لا بملاك انّهم صغار الآلهة ، والله سبحانه كبيرها.
والأُستاذ وتلاميذ مدرسته نزّهوا المشركين عن قولهم بالوهية الأصنام ، وإنّما كانوا يعبدونها من دون أن يتخذوها آلهة صغاراً في مقابل إله قاهر.
أضف إلى ذلك إنّهم شوّهوا بذلك سمعة جمهرة من المسلمين حيث فسروا الآيات الناهية عن اتخاذ الآلهة ، بالنهي عن عبادتها ، لأنّ الإله عندهم بمعنى المعبود ، ثم طبقوا هذه الآيات على توسل المسلمين وزيارتهم لقبور أوليائهم.
فتفسير الآيات الناهية عن اتخاذ الآلهة ، باتخاذ المعبود خبط ، وعلى فرض الصحة فإنّ تطبيقها على توسّلات المسلمين وزيارتهم قبور أوليائهم خبط آخر.
خلاصة القول
خلاصة القول في المقام أنّ أيَّ عمل ينبع من هذا الاعتقاد ( أي الاعتقاد بأنّه إله العالم ، أو ربّه ، أو غني في فعله وانّه مصدر للأفعال الإلهية ) ويكون كاشفاً عن هذا النوع من التسليم المطلق يعد عبادة ، ويعتبر صاحبه مشركاً إذا فعل ذلك لغير الله.
ويقابل ذلك : القول والفعل والخضوع غير النابع من هذا الاعتقاد ، فخضوع أحد أمام موجود وتكريمه ـ مبالغاً في ذلك ـ دون أن ينبع من الاعتقاد بالوهيته لا يكون شركاً ولا عبادة لهذا الموجود ، وإن كان من الممكن أن يكون حراماً ، مثل سجود العاشق للمعشوقة أو المرأة لزوجها ، فإنّها وإن كانت حراماً في الشريعة الإسلامية ، لكنها ليست عبادة ، فكون شيء حراماً ، غير القول بأنّه عبادة ، فإنّ حرمة السجود أمام بشر من غير اعتقاد بالوهيته وربوبيته إنّما هي لوجه آخر.
من هذا البيان يتضح جواب سؤال يطرح نفسه في هذا المقام ، وهو إذا كان الاعتقاد بالإلوهية أو الربوبية أو التفويض ، شرطاً في تحقق العبادة ، فيلزم أن يكون السجود لأحد دون ضم هذه النيّة جائزاً ؟
ويجاب على هذا : بأنّ السجود حيث إنّه وسيلة عامة للعبادة ، وحيث إنّ بها يعبد الله عند جميع الأقوام والملل والشعوب وصار بحيث لا يراد منه إلّا العبادة ، لذلك لم يسمح الإسلام بأن يستفاد من هذه الوسيلة العالمية حتى في الموارد التي لا تكون عبادة ، وهذا التحريم إنّما هو من خصائص الإسلام إذ لم يكن حراماً قبله ، وإلّا لما سجد يعقوب وأبناؤه ليوسف عليه السلام ، إذ يقول : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ) (22).
* * *
لقد استدل بعض المحقّقين (23) بالآيات التالية على حرمة السجود لغير الله مطلقاً حتى لو لم يكن بعنوان العبادة :
( لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (24).
( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّـهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا ) (25).
ولكن الإمعان في هاتين الآيتين يفيد أنّ الهدف هو : تحريم السجدة التي& تكون بقصد العبادة لا ما كان بقصد التعظيم ، إذ يقول في أُولى الآيتين : ( إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) ويقول في ثانيتهما : ( فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا ) على أنَّنا سنقول في المستقبل إنّ المقصود بالدعوة ـ هنا ـ هو : العبادة ، لذلك فالأفضل ـ في هذا المجال ـ أن نستدل بالإجماع والأحاديث ، ولذلك استدل هو بنفسه بعد الاستدلال بالآيتين الآنفتين بالإجماع ، إذ قال : « فقد أجمع المسلمون على حرمة السجود لغير الله ».
قال الجصاص : قد كان السجود جائزاً في شريعة آدم عليه السلام ، للمخلوقين ويشبه أن يكون قد كان باقياً إلى زمان يوسف عليه السلام ، فكان فيما بينهم لمن يستحق ضرباً من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا ، وبمنزلة تقبيل اليد ، قد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في إباحة تقبيل اليد أخبار ، وقد روي الكراهة ، إلّا أنّ السجود لغير الله على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس أنّ النبي قال : « ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها » (26).
* * *
إلى هنا استطعنا ـ بشكل واضح ـ أن نتعرف على حقيقة « العبادة » و « الشرك » ويلزم أن نستنتج من هذا البحث فنقول : إذا خضع أحد أمام آخرين وتواضع لهم ، لا باعتقاد أنّهم « آلهة » أو « أرباب » أو « مصادر للأفعال والشؤون الإلهية » بل لأنّ المخضوع لهم إنّما يستوجبون التعظيم ، لأنّهم ( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (27) فإنّ هذا الخضوع والتعظيم والتواضع والتكريم لن يكون عبادة قطعاً ، فقد مدح الله فريقاً من عباده بصفات تستحق التعظيم عندما قال :
( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (28).
وفي موضع آخر من القرآن صرح الله تعالى باصطفاء إبراهيم لمقام الإمامة ، إذ يقول تعالى :
( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (29).
وكل هذه الأوصاف العظيمة التي مدح الله بها : نوحاً وإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمداً ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أُمور توجب نفوذهم في القلوب والأفئدة ، وتستوجب محبتهم واحترامهم حتى أنّ مودة بعض الأولياء فرضت علينا بنصِّ القرآن (30).
فإذا احترم أحد هؤلاء ، في حياتهم أو بعد وفاتهم ، لا لشيء إلّا لأنّهم عباد الله المكرمون ، وأولياؤه المقربون ، وعظمهم دون أن يعتقد بأنّهم « آلهة » أو « أرباب » أو « مصادر للشؤون الإلهية » لا يعد فعله عبادة ـ مطلقاً ـ ولا هو مشركاً أبداً.
وعلى هذا لا يكون تقبيل يد النبي أو الإمام أو المعلم ، أو الوالدين ، أو تقبيل القرآن أو الكتب الدينية ، أو أضرحة الأولياء وما يتعلّق بهم من آثار ، إلّا تعظيماً وتكريماً لا عبادة.
نحن ومؤلّف تفسير المنار
وفي ختام هذا البحث يجدر بنا أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى طائفة من التعاريف للعبادة ، ونذكر بعض ما فيها من الضعف :
1. قال في المنار : العبادة ضرب من الخضوع ، بالغ حد النهاية ، ناشئ عن استشعار القلب عظمة المعبود لا يعرف منشؤها واعتقاده بسلطة لا يدرك كنهها وماهيتها. (31)
وهذا التعريف لا يخلو عن قصور ، إذ بعض مصاديق العبادة ، لا تكون خضوعاً شديداً ، ولا يكون بالغاً حد النهاية كبعض الصلوات الفاقدة للخشوع ، ثم ربما يكون خضوع العاشق أمام معشوقته والجندي أمام آمره ، أشدَّ خضوعاً مما يفعله كثير من المؤمنين بالله تجاه ربّهم في مقام الدعاء والصلاة والعبادة ، ومع ذلك لا يقال لخضوعهما بأنّه عبادة ، في حين يكون خضوع المؤمنين تجاه ربهم عبادة وإن كان أخف من الخضوع الأوّل.
نعم لقد ذكر هذا المؤلف نفسه ـ في حنايا كلامه ـ ما يمكن أن يكون معرّفاً صحيحاً للعبادة ومتفقاً ـ في محتواه ـ مع ما قلناه حيث قال :
للعبادة صور كثيرة في كل دين من الأديان شرِّعت لتذكير الإنسان بذلك الشعور بالسلطان الإلهي الأعلى الذي هو روح العبادة ، وسرها (32).
إنّ عبارة : « الشعور بالسلطان الإلهي » حاكية عن أنّ الفرد العابد حيث إنّه يعتقد بالوهية المعبود ، لذلك يكون عمله عبادة وما لم يتوفر مثل هذا الاعتقاد في عمله لا يتصف بالعبادة.
2. وقد جاء شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت بتعريف يتحد مع ما ذكره صاحب المنار معنى ويختلف معه لفظاً ، فقال :
العبادة خضوع لا يحد لعظمة لا تحد (33).
فالتعريفان متحدان نقداً وإشكالاً ، فليلاحظ ، وان كان تفسير المنار يختص بإشكال آخر ، حيث إنّه يقول : « العبادة ناشئة عن استشعار القلب عظمة لا يعرف منشؤها » في حين أنّ العابد يعلم أنّ علة العظمة هي : السلطة الإلهية ، التي هي الوهية المعبود والإحساس بالحاجة الشديدة إليه ، وأنّ بيده مصير العابد ، وغير ذلك من الدوافع ، فكيف لا يعرف منشؤها ؟ (34).
3. وأكثر التعاريف عرضة للإشكال هو تعريف ابن تيمية ، إذ قال :
العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنية والظاهرية كالصلاة ، والزكاة والصيام ، والحج ، وصدق الحديث ، وإداء الأمانة وبر الوالدين ، وصلة الأرحام (35).
وهذا الكاتب لم يفرق ـ في الحقيقة ـ بين العبادة ، وبين التقرّب ، وتصوّر أنّ كل عمل يوجب القربى إلى الله فهو عبادة له تعالى أيضاً ، في حين أنّ الأمر ليس كذلك ، فهناك أُمور توجب رضا الله ، وتستوجب ثوابه قد تكون عبادة كالصوم والصلاة والحج ، وقد تكون موجبة للقربى إليه دون أن تعد عبادة كالإحسان إلى الوالدين وإعطاء الزكاة والخمس ، فكل هذه الأُمور ( الأخيرة ) توجب القربى إلى الله في حين لا تكون عبادة ، وإن سميت في مصطلح أهل الحديث عبادة فيراد منها كونها نظير العبادة في ترتب الثواب عليها.
وبعبارة أُخرى : إنّ الإتيان بهذه الأعمال يعد طاعة لله ، ولكن ليس كل طاعة عبادة.
وإن شئت قلت : إنّ هناك أُموراً عبادية ، وأُموراً قربية ، وكل عبادة قربة ، وليس كل قربة عبادة ، فدعوة الفقير إلى الطعام والعطف على اليتيم ـ مثلاً ـ توجب القرب ولكنها ليست عبادة ، بمعنى أن يكون الآتي بها عابداً بعمله لله تعالى.
الهوامش
1. سيرة ابن هشام : 1 / 79. وقد مر مفصل هذه القصة في الفصل الثامن : 382 من هذا الكتاب.
2. البقرة : 165.
3. التوبة : 31.
4. يونس : 18.
5. الزمر : 3.
6. عيون أخبار الرضا : 325.
7. آل عمران : 79 و 80.
8. النساء : 171.
9. الرعد : 16.
10. اعتقادات الصدوق : 109 ـ 110.
11. النساء : 171.
12. تصحيح الاعتقاد للمفيد : 63 ـ 66.
13. فما أبعد بين ما ذكره ذلك الوحيد الغواص في بحار علوم أهل البيت ، والغلو المزعوم الذي ربما ينسب إلى مشايخنا وحفّاظ علوم أئمتنا رضوان الله عليهم.
نعم يمكن تفسير المعجزات والكرامات بوجهين آخرين غير ما ذكره قدس سره ، وسيوافيك بيانهما في المستقبل.
14. الرعد : 16.
15. الروم : 40.
16. راجع بحار الأنوار : 25 / 320 ـ 350.
17. كتاب المصطلحات الأربعة : 19.
18. الملل والنحل للشهرستاني : 265 ـ 266.
19. الملل والنحل للشهرستاني : 265 ـ 266.
20. البقرة : 255.
21. آل عمران : 135.
22. يوسف : 100.
23. البيان : 504.
24. فصلت : 37.
25. الجن : 18.
26. أحكام القرآن : 1 / 32 ، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص ( المتوفّى عام 370 هـ ).
27. الأنبياء : 26 ـ 27.
28. آل عمران : 33.
29. البقرة : 124.
30. ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) ( الشورى : 23 ).
31. تفسير المنار : 1 / 57.
32. تفسير المنار : 1 / 57.
33. تفسير القرآن الكريم : 37.
34. آلاء الرحمن : 59.
35. مجلة البحوث الإسلامية : العدد2 / 187 نقلاً عن كتاب « العبودية » : 38.
مقتبس من كتاب : مفاهيم القرآن / المجلّد : 1 / الصفحة : 469 ـ 486
التعلیقات