قياس المتعة بالزنا خطأ محض
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 6 سنواتقياس المتعة بالزنا خطأ محض
زواج المتعة نوع من النكاح ؛ وقد ورد حلّيته وصحّته في القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة ، والروايات الدالّة على حلّيتها متواتره.
وقياس المتعة بالزنا خطأ محض ، يكشف عن جهل الإنسان بأحكام المتعة وشروطها ولوازمها وآثارها الشرعيّة والإجتماعيّة.
وقد يدعوا التعصّب الأعمى إلى إنكار المتعة ؛ لأنّ عمر بن الخطاب قال : « كانتا متعتان على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأنا انهى عنهما واعاقب عليهما احدهما متعة النساء ولا اقدر على رجل تزوج امرأة الى اجل الاغيبته بالحجارة والاخرى متعة الحج » (1).
فمن كان بنيّة عمر بن الخطاب يعتقد بحرمة المتعة ويستدلّ عليها بكلّ ما لديه ، كالغريق الذي يتشبّث بكلّ حشيش.
وكيف يكون المتعة مثل الزنا مع أنّ الزنا :
قد يكون مع ذات البعل ، ومع الاُمّ ، أو الاُخت ، أو العمّة ، وسائر المحارم.
وقد يكون الزنا باُخت الزوجة.
وقد يكون الزنا بالمرأة في عدّة الوفاة أو الطلاق.
وقد يكون الزنا بلا مهر وعوض.
والزاني لا يكون مكلّفاً بقبول الولد الذي يتولّد منه ، ولا يرضى بالانفاق عليه ، ولا يرثه الولد ؛ وقد لا يكون والد المولود معلوماً ليلحق به ، فيكون ضائعاً في المجتمع.
أمّا المتعة فلها شروط وأحكام خاصّة يتحفّظ بها عن حصول المفاسد الإجتماعيّة والأخلاقيّة ، وكلّ ما هو شرط في النكاح الدائم يشترط أيضاً في زواج المتعة :
فيعتبر ان لا تكون الزوجة من المحارم نسباً ، أو مصاهرة ، أو رضاعاً.
ويعتبر ان لا تكون المعقود عليها بعقد المتعة زوجة للآخرين ، ولا تكون في عدّة طلاق أو وفات أو شبهه ونحوها.
ويعتبر إذن الوالد إذا كانت المتعة بفتاة بكر.
ويعتبر اجراء العقد بالصيغة الصحيحة المشتملة على المهر المعلوم والأجل المعلوم ، مع انّه لا يعتبر في نكاح الدوام حتّى تعيين المهر.
فالشروط في المتعة أصعب وأكثر من النكاح الدائم.
ثمّ إذا تولّد ولد فيلحق بأبويه و يرثهما ، وعلى الوالد حضانة الولد ، والإنفاق عليه ، وتربيته.
وإذا انقضى الأجل وانتهت مدّة المتعة يجب على المرأة ـ ان كانت مدخول بها ـ الاعتداد ، ويحرم عليها الزواج من شخص آخر ، إلّا بعد مضي زمان العدّة ، فلا يحصل اختلاط المياه ولا ضياع الأولاد كما هو الحال في مورد الزنا ، بل لو تزوّجت المرأة مرّات بزواج المتعة يُعلم من هو والد الطفل الذي تلده لأنّها لا تتزوّج إلّا بعد مضي عدّة الزوج الأوّل ، فلو كانت حامل من الزوج الأوّل يستمرّ عدّتها إلى وضع حملها ولا يجوز لها الزواج بالشخص الآخر ؛ فيكون نسب الولد محفوظاً ، ويحكم بكونه ولداً للزوج الأوّل الذي تزوّج بها متعة وانتهت المدّة ، ويكون مكلّفاً شرعاً بالانفاق عليه وتربيته وحضانته.
ومع هذه الشروط والأحكام يكون زواج المتعة صلاحاً وخيراً للمجتمع البشري ، حيث يندفع به مفاسد الزنا واضراره الإجتماعيّة والأخلاقيّة ؛ ولذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : « لولا ان عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى الا شقي » (2) ، وفي نسخة « ما زنى الّا شفا ـ أيّ قليل ـ » (3).
فالله تعالى شرع المتعة لأجل المنع عن الزنا وتفادي إضراره وآثاره السيّئة ، ويكون رحمة لمن لا يتمكّن من الزواج الدائم بسبب ظروفه الخاصّة ، ومعذلك يريد إرضاء الغريزة الجنسيّة أو يريد النسل والأولاد من دون أن يقع في الزنا.
مضافاً إلى انّه رحمة بالنسبة للنساء بنحو عام ، إذ قد تحتاج المرأة إلى إرضاء غريزتها الجنسيّة ، أو تطلب النسل والولد لكن لا يتهيّأ لها فرصة الزواج لموانع فرديّة أو إجتماعيّة ، ومن أهمّها أكثريّة عدد النساء من الرجال في أغلب المجتمعات البشريّة ، وعدم إمكان تعدّد الزوجات بالزواج الدائم ؛ فماذا تصنع هذه النساء ؟ وهل يسمح لهنّ بممارسة الزنا ؟ أو يجب عليهنّ الصبر والتحمّل ممّا يؤدّي إلى الابتلاء بالأمراض النفسيّة والجسميّة ؛ فالحلّ الوحيد هو الزواج المؤقّت الذي له أحكامه وشروطه كالزواج الدائم.
وقد صحّ في التاريخ انّ الصحابة كانوا يتزوّجون بزواج المتعة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وخلافة أبي بكر وشطر من خلافة عمر إلى ان حرّمها عمر فخافوا من عقابه.
وقد صرّح ابن عبّاس بانّ عبدالله بن الزبير ولد من زواج المتعة. (4)
امّا نزول الآية في الزواج المتعة فهو متّفق عليه ـ تقريباً بين السنّة والشيعة ـ ، وهناك روايات كثيرة من الفريقين تدلّ على ذلك ، بل هو بعض روايات أهل السنّة انّ الآية نزلت هكذا : ( فما استمتعتم به منهنّ الى اجل مسمى فاتوهن اجورهنّ فريضه ) :
أخرج الطبري في تفسيره باسناده عن أبي نضرة قال :
سألت ابن عباس عن متعة النساء قال أما تقرأ سورة النساء قلت بلى قال فما تقرأ فيها فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى قلت لا لو قرأتها هكذا ما سألتك قال فانها كذا. (5)
وفي حديث قال ابن عبّاس والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرّات. (6)
وأخرج الطبري عن قتادة في قراءة « اُبيّ بن كعب » فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى. (7)
وروى عن عمر بن مرة انّه سمع سعيد بن جبير يقرأ فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى. (8)
عن أبي ثابت عن أبيه قال أعطاني ابن عباس مصحفا فقال هذا على قراءة أبيّ قال أبوبكر قال يحيى فرأيت المصحف عند نصير فيه فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى. (9)
أخرج البيهقي في السنن الكبرى :
عن محمّد بن كعب ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرؤون هذه الآية : ( فما استمتعتم به منهنّ الى اجل مسمّى ). (10)
قال القرطبي في تفسيره عند بيان الاختلاف في معنى الآية قال الجمهور :
المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ، وقرأ ابن عباس وأُبَيّ وسعيد وابن جُبير ( فما استمتعتم به منهن إلى أجلٍ فآتوهنّ أجورهنّ ). (11)
في الدر المنثور للسيوطى :
أخرج الطبراني ، والبيهقي في « سننه » ، عن ابنِ عبّاسٍ قال : كانت المتعةُ في أولِ الإسلامِ ، وكانوا يقرءون هذه الآيةَ : ( فما استَمْتَعْتُم بِهِ منهُنَّ إلى أجلٍ مُسَمّىً ). (12)
وأخرَج عبدُ بنُ حميدٍ ، وابنُ جريرٍ ، عن مجاهدٍ : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتم به منهُنَّ ). قال : يعني نكاح المتعة. (13)
وأخرَج ابنُ جريرٍ عن السديِّ في الآية قال هذه المتعةُ. (14)
وأخرَج عبدُالرزاقِ ، وأبو داودَ في « ناسخه » ، وابنُ جريرٍ ، عن الحكمِ ، أنه سُئِل عن هذه الآيةِ أمنسوخةٌ ؟ قال : لا. (15)
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال : كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقُبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَأَبِي بَكْرٍ ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ ». (16)
والعجيب انّ أهل السنّة يعترفون بأنّ عمر بن الخطاب هو الذي حرّمها اجتهاداً منه ، ويقدّمون اجتهاده على قول رسول الله صلّى الله عليه وآله والآية الكريمه.
قال الأميني قدّس سرّه في كتاب القيم الغدير :
اقرأ واضحك أو ابك
ذكر القوشچي المتوفّى 879 في شرح التَّجريد في مبحث الإمامة أنَّ عمر قال وهو على المنبر : أيّها الناس ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنا أنهى عنهنَّ واُحرِّمهنَّ واُعاقب عليهنَّ : متعة النساء. ومتعة الحجِّ. وحيَّ على خير العمل. ثمَّ اعتذر عنه بقوله : إنَّ ذلك ليس ممّا يوجب قدحاً فيه فإنَّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الإجتهاديّة ليس ببدع ... . (17)
قال الأميني : ما كنّا نقدِّر أنَّ ضليعاً في العلم يُقابل النبيَّ الأعظم صلّى الله عليه وآله بواحد من اُمَّته ويجعل كلاً منهما مجتهداً ، وما ينطقه الرَّسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ ( و إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ) فأين هو عن الإجتهاد بردِّ الفرع إلى الأصل ، واستعمال الظنون في طريق الاستنباط ؟ (18)
أقول : هذا ممّا يؤيّد ما ذكرناه من أن بني أهل السنّة هو عمر بن الخطاب وليس الرسول محمّد صلّى الله عليه وآله ، وهناك الكثير من بدع عمر بن الخطاب قدّمها علماء أهل السنّة على النصوص الواردة من الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله والتزم عامّة الناس بها لصلاة التراويح جماعة والذي صرح عمر بالنسبة إليها : « نعم البدعة ». (19)
الهوامش
1. السنن الكبرى « للبيهقي » / المجلّد : 7 / الصفحة : 206 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت.
2. جامع البيان في تفسير القرآن « للطبري » / المجلّد : 5 / الصفحة : 9 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت / الطبعة : 4.
الغدير « للأميني » / المجلّد : 6 / الصفحة : 206 / الناشر : مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة ـ فرع طهران.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 4 / الصفحة : 331 / الناشر : مركز هجر للبحوث.
3. كتاب السرائر « للحلّي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 626 / الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين ـ قم / الطبعة : 2.
4. محاضرات الأدباء « للراغب الاصبهاني » / المجلّد : 2 / الصفحة : 214 / الناشر : منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
5. جامع البيان في تفسير القرآن « للطبري » / المجلّد : 5 / الصفحة : 9 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت / الطبعة : 4.
6. جامع البيان في تفسير القرآن « للطبري » / المجلّد : 5 / الصفحة : 9 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت / الطبعة : 4.
7. جامع البيان في تفسير القرآن « للطبري » / المجلّد : 5 / الصفحة : 9 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت / الطبعة : 4.
8. جامع البيان في تفسير القرآن « للطبري » / المجلّد : 5 / الصفحة : 10 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت / الطبعة : 4.
9. جامع البيان في تفسير القرآن « للطبري » / المجلّد : 5 / الصفحة : 9 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت / الطبعة : 4.
10. السنن الكبرى « للبيهقي » / المجلّد : 7 / الصفحة : 206 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت.
11. الجامع لأحكام القرآن « للقرطبي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 130 / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
12. الدر المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 4 / الصفحة : 327 / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.
13. الدر المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 4 / الصفحة : 328 / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.
14. الدر المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 4 / الصفحة : 329 / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.
15. الدر المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 4 / الصفحة : 331 / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.
16. صحيح مسلم « للمسلم » / المجلّد : 2 / الصفحة : 545 / الناشر : دار الخير.
17. الغدير « للأميني » / المجلّد : 6 / الصفحة : 238 / الناشر : مكتبة الامام أمير المؤمنين (ع) العامة ـ طهران.
18. الغدير « للأميني » / المجلّد : 6 / الصفحة : 238 / الناشر : مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) العامة ـ طهران.
19. صحيح البخاري « للبخاري » / المجلّد : 2 / الصفحة : 252 / الناشر : دار الفكر.
التعلیقات