الصفات الفعليّة : الحكمة
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
2018 Jun 26الصفات الفعليّة
الحكمة
إنّ الحكمة من صفاته سبحانه ، كما أنّ الحكيم من أسمائه وقد تواترت النصوص القرآنية بذلك ، فقال سبحانه :
( وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) مشعراً بأنّ العلم غير الحكمة.
إنّ الحكمة تطلق على معنيين : أحدهما ، كون الفعل في غاية الإحكام والإتقان ، وغاية الإتمام والإكمال. وثانيها ، كون الفاعل لا يفعل قبيحاً ولا يخلّ بواجب.
قال الرازي : « في الحكيم وجوه :
الأوّل ـ إنّه فعيل بمعنى مُفْعِل ، كأليم بمعنى مُؤلم ، ومعنى الإحكام في حقّ الله تعالى في خلق الأشياء ، هو إتقان التدبير فيها ، وحسن التقدير لها ففيها ما لا يوصف بوثاقة البنية كالبقة والنملة وغيرهما ، إلّا أنّ آثار التدبير فيها ـ وجهات الدلالات فيها على قدرة الصانع وعلمه ـ ليست بأقلّ من دلالة السماوات والأرض والجبال على علم الصانع وقدرته. وكذا هذا في قوله : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (٢).
وليس المراد منه الحَسَن الرائق في المنظر ، فإنّ ذلك مفقود في القرد والخنزير ، وإنّما المراد منه حُسن التدبير في وضع كلّ شيء موضعه بحسب المصلحة. وهو المراد بقوله : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) (٣).
الثاني ـ إنّه عبارة عن كونه مقدّساً عن فعل ما لا ينبغي ، قال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ) (٤).
وقال : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ) (٥) و (٦).
ونبحث فيما يلي عن كلا المعنيّين واحداً بعد الآخر.
الهوامش
١. سورة النساء : الآية ٢٦.
٢. سورة السجدة : الآية ٧.
٣. سورة الفرقان : الآية ٢.
٤. سورة المؤمنون : الآية ١١٥.
٥. سورة ص : الآية ٢٧.
٦. وقد ذكر الرازي هنا معنى ثالثاً وهو أنّ الحكمة عبارة عن معرفة أفضل المعلومات بأفضل العلوم ، فالحكيم بمعنى العليم ، قال الغزالي : وقد دللنا على أنّه لا يعرف الله إلّا الله ، فيلزم أن يكون الحكيم الحق هو الله ، لأنّه يعلم أصل الأشياء ، وهو « العلم بأصل الأشياء » أصل العلوم ، وهو علمه الأزلي الدائم الذي لا يُتصوّر زواله ، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها الخفاء ولا الشبهة. « أسماء الله الحسنى ، ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ». أقول : وعلى المعنى الثالث تكون الحكمة من شعب علمه.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : ١ / الصفحة : ٢٢٥ ـ ٢٢٦
التعلیقات