خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي
شيخ مهدي المجاهد
منذ 6 سنواتبعد قدومه المبارك جعل معنى آخر للأنسانية، وأوضح بأخلاقه وتعامله مع من حوله القيم المثلى الأخلاقية، وأخذ بيد كل من أراد الكمال والتوفيق والصلاح وكره الشقاء وسوء العاقبة إلى قمم جبال المكارم، وكان هو الرائد وفي مقدمة كل الخير والصلاح
وهو القائل: (إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)،(1) فعندما جاء النبي صلى الله عليه وآله جائت معه الأخلاق النبيلة التي لم يرى التاريخ مثيلها، فكثير من الناس اهتدوا بمجرد النظر إلى سيرته ومعاملته مع من حوله وخصوصاً مع النساء.
لقد أجاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله التصرف مع النساء بمستوى مرموق وعال جداً مع التقدير والاحترام الكامل الذي كان مفقودا قبل الإسلام، فالتصرف كان شديداً وقاسياً، ولا ترى المرأة أي احترام من قبل المجتمع، فجاء، وقال: «خَيْرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»،(2) فجعل تمايز الرجال في خَيْرِيَّتهم وتقدير مقامهم منوطًا بإحسان كل منهم لزوجته وأهل بيته، ثم شجَّعهم على التزود من الإحسان إلى الزوجة، ثم بدأ بنفسه تطبيق ذلك المبدأ الذي رفعه، فإذا هو يعلن بين الناس أنه خير من يُحسن معاملة زوجته وأهل بيته، وأنهم يجب أن يقتدوا به في ذلك.
لقد كان معظم الرجال في عصره يعدّون أن رجولة الرجل لا تتحقق إلا بسيطرته على المرأة، وربما بقهرها وإهانتها والإساءة إليها، وربما تفاخر البعض بذلك، وعدّوا احترامها نوعاً من الضعف أمامها والمهانة، فجاء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وأعلن أن احترام المرأة وتقديرها هو أمر رباني ومبدأ نبويّ من مبادئه لا يحق لأحد أن يتجاوزه، ومن ثم بيّن لأمته أن المرأة والرجل كلاهما على حدٍ سواء، خلقها الله مثلما خلقه، وهي مكلَّفة بمثل ما كلَّفه الباري عز وجل، وفي بعض الأحيان يخفف عنها بعض التكاليف مراعاةً لحالها وتناسباً مع قدرتها، ثم هي بعد ذلك محاسَبة على أعمالها الصالحة والطالحة منها، ويكون جزئها الجنة بأعمالها الصالحة والنار إن كانت أعمالها غير مطابقة للشريعة الالهية، وبينما هو يكلف الرجل، ويعلّمه ما عليه من حق الزوجة في رقبته من رعايتها والإنفاق عليها أيضا يطلب من النساء تقدير هذه المواقف لأجل جهده وإنفاقه عليها، فإذا به يرفع شأن المرأة على الرجل في مواضع أخرى، كما يوصي بعض أصحابه بأمه ثلاثًا، في الحديث أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله من أحق الناس ببري يا رسول الله ؟ فقال عليه السلام: أمك، فقال: ثم من ؟ قال: أمك. قال: ثم من ؟ قال أمك قال: ثم من ؟ قال أبوك (3)، فيجعل حق الأم مكررًا ثلاث مرات في مقابل مرة واحدة للأب، بل إن لفظ القرآن يؤكد على ذلك المعنى بقوله: (وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً ووَضَعَتْهُ کُرْهاً وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّي إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وبَلَغَ أَرْبَعينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْني أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلي والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وأَصْلِحْ لي في ذُرِّيَّتي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْکَ وإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمينَ).(4)
نرى كل ذلك التأكيد البالغ في حق الأم، وأيضا يرفع من قدر المرأة ردّاً على الذين يكرهون أن تولى لهم أنثى، وكانوا يرون ذلك عار عليهم، ويدفنونها وهي على قيد الحياة، فيؤكد على حق الأم تأكيدًا بالغًا.كذلك يرفع قدر المرأة، ويرد على الذين يكرهون أن تولد لهم أنثى، فيقول: (إنَّهُ أَتَى رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وعِنْدَهُ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَهُ بِمَوْلُودٍ لَهُ، فَتَغَيَّرَ لَوْنُ الرَّجُلِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله: مَا لَكَ؟
قَالَ: خَيْرٌ.
قَالَ: قُلْ.
قَالَ خَرَجْتُ والْمَرْأَةُ تَمْخَضُ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهَا وَلَدَتْ جَارِيَةً.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله: الْأَرْضُ تُقِلُّهَا والسَّمَاءُ تُظِلُّهَا واللَّهُ يَرْزُقُهَا وهِيَ رَيْحَانَةٌ تَشَمُّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ فَهُوَ مَقْرُوحٌ، ومَنْ كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ فَيَا غَوْثَاهْ بِاللَّهِ، ومَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ وُضِعَ عَنْهُ الْجِهَادُ وكُلُّ مَكْرُوهٍ، ومَنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ بَنَاتٍ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ أَعِينُوهُ يَا عِبَادَ اللَّهِ أَقْرِضُوهُ يَا عِبَادَ اللَّهِ ارْحَمُوهُ.
وَ قَالَ صلى الله عليه وآله: (مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ واثْنَتَيْنِ.
قَالَ: واثْنَتَيْنِ.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ووَاحِدَةً.
قَالَ: ووَاحِدَةً).(5)
ولقد نقلت لنا كتب السير والروايات المأثورة كيفية تعامله صلى الله عليه وآله مع زوجاته، ونشير هنا إلى زوجته الوفية خديجة بنت خويلد عليها السلام أولى زوجاته وأعظمهن أثراً في حياته، فقد كانت لها دور أساسي ومؤثر في نشر الإسلام حيث قال صلى الله عليه وآله: «ما قام ولا استقام ديني إلّا بشيئين: مال خديجة، وسيف علي بن أبي طالب (عليه السلام)»(6)، فقد كان الاحترام والحب والرحمة والمودة بينهما متبادلاً كأكثر ما يكون بين زوجين محبين متآلفين، وظلت خديجة بجواره مؤمنة به وبرسالته، تدعمه وتشجعه، وتثبته حتى ماتت، ومات في نفس العام الذي توفي فيه عمه والمحامي عنه، فحزن عليهما حزنًا لم يحزنه على أحد من قبلهما حتى لقد سمَّى العام التي ماتا فيه بعام الحزن.
وتعامله مع قرة عينه وفلذة كبده سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها لقد بهر الجميع بمعاملته لها وكثرة احترامها وتعظيمها، حيث كان يجلسها في مجلسها، ويقبلها، ويقول: (إنما فاطمة ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.
وقال: فاطمة بضعة مني من سرها فقد سرني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز البرية علي.
وقال: إنما فاطمة شجنة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني مايبسطها).(7)
فاُنظر إلى ما قام به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في ذلك العصر، حيث أنكر كل تعصبات الجاهلية وتفكيراتهم حول المرأة، وأعطاها تلك المكانة المرموقة التي لم يرى التاريخ مثيلها، فكان المصداق البارز لكلامه في فعله، وكان أحسن الناس وأفضلهم لأهله.
ــــــــــــــــــــــــ
1ـ بحار الأنوار:ج 71، ص 382.
2ـ وسائل الشيعة ط-آل البیت ج20، ص 171.
3ـ عوالي اللئالي ج1، ص 234.
4ـ الأحقاف، الآية 15.
5ـ روضه المتقین: ج 8، ص594.
6ـ فدك والعوالي أو الحوائط السبعة في الكتاب والسنة والتاريخ والأدب: ج1، ص242.
7ـ بحار الأنوار: ج 43، ص 39.
التعلیقات