أمّ سلمة.. المرأة التي دافعت عن أهل البيت
نساء خالدات
منذ 5 ساعاتفي زمنٍ تحتاج فيه المرأة المسلمة أن ترى نموذجاً عملياً للجمع بين الإيمان، والعقل، والموقف الشجاع، تبرز سيرة أمّ سلمة سلام الله عليها زوج النبيّ صلى الله عليه وآله، لتكون مرآةً صافية تعكس جوهر المرأة المؤمنة التي تعرف الحقّ، وتدافع عنه، وتثبّت كلمته في أحلك الظروف.
أمّ سلمة قدوةٌ حيّة لكلّ امرأةٍ اليوم في بيتها، ومجتمعها، وموقفها من قضايا الحقّ والعدل.
دور أُمّ سَلَمَة في دعمِ وتَعريفِ أهلِ البيت عليهم السلام
إنّ دورَ النساء في نُصرةِ أهلِ البيت ومقامِ الإمامة والولاية، وهو من أهمّ مظاهرِ حضورِ المرأة في الميدانِ السياسي، لا يمكنُ إغفالُه أو إنكارُه. كانت أُمّ سَلَمَة ينبوعاً صافياً من ينابيعِ المعارفِ الإسلامية، تُعرّفُ بأهلِ البيت وتدافعُ عنهم بروايةِ الأحاديثِ المختلفة، وفي عهدِ خلافةِ أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، كانت أُمّ سَلَمَة تنقلُ من حينٍ لآخر حديثاً من رسولِ الله صلى الله عليه وآله يؤكّدُ أحقّيةَ الإمام عليٍّ عليه السلام.
ورُوي عنها الحديثُ المعروف بحديثِ المنزلة، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوة بعدي» (١).
ورُوي عنها أيضاً في تفسيرِ آية التطهير ما يلي: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله تَحْمِلُ حَرِيرَةً لَهَا، فَقَالَ: ادُّعِيَ لِي زَوْجَكِ وَ ابْنَيْكِ، فَجَاءَتْ بِهِمْ فَطَعِمُوا، ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ كِسَاءً خَيْبَرِيَّاً، وَ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَ عِتْرَتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ أَنَا مَعَهُمْ. فَقَالَ أَنْتِ إِلَى خَيْرٍ (٢).
ولم يكن دفاعُ أُمّ سَلَمَة مقتصراً على الكلمةِ وروايةِ الحديث، بل كان دفاعاً عملياً أيضاً؛ إذ كانت هذه السيّدةُ الجليلة تُظهرُ دعمَها لبيتِ الإمامة بعملها وموقفها الواضح.
أُمّ سَلَمَة وإظهار فضائلِ الإمام عليّ عليه السلام
عندما قرّرت عائشةُ أن تُثيرَ حرب الجمل ضدّ الإمام عليٍّ عليه السلام، بذلت أُمّ سَلَمَة جهداً كبيراً في نصحها وردّها عن هذه الحرب، فذكّرتها بفضائلِ عليٍّ عليه السلام وقالت لها : يا بنت أبي بكر ! بدم عثمان تطلبين ! والله لقد كنتِ من أشدّ الناس عليه ، وما كنتِ تسميه إلاّ نعثلاً، فما لك ودم عثمان؟
... ثم جعلت أم سلمة رضوان الله عليها تذكّر عائشة فضائل علي عليه السلام فقالت لها: (وإنكِ لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه وآله أفأذكّرك ؟
قالت : نعم .
قالت : أتذكرين يومَ أقبل صلى الله عليه وآله ونحن معه ، حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال ، خلا بعليّ يناجيه ، فأطال ، فأردتِ أن تهجُمين عليهما ، فنهيتُكِ ، فعصيتيني ، فهجمتِ عليهما ، فما لبثتِ أن رجعتِ باكيةً .
فقلتُ : ما شأنك ؟
فقلتِ : انّي هجمت عليهما وهما يتناجيان ، فقلتُ لعلي عليه السلام : ليس لي من رسول الله صلى الله عليه وآله إلاّ يومٌ من تسعة أيّام ، أفما تدَعني يا بن أبي طالب ويومي ! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله عليّ ، وهو غضبان محمرّ الوجه ، فقال صلى الله عليه وآله : ارجعي وراءك ، والله لايبغضه أحدٌ من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الاِيمان ، فرجعتِ نادمةً ساخطة !
قالت عائشة : نعم أذكر ذلك .
... قالت : وأذكركِ أيضاً ، كنتُ أنا وأنتِ مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر له ، وكان عليّ عليه السلام يتعاهد نعلَي رسول الله صلى الله عليه وآله فيخصِفها ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعلٌ ، فأخذها يومئذٍ يخصفها ، وقعد في ظل سَمُرة ، وجاء أبوك ومعه عمر ، فاستأذنا عليه ، فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أراد ، ثمّ قالا : يا رسول الله ، إنّا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا مَنْ يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعاً؟ فقال لهما : أما إنّي قد أرى مكانه ، ولو فعلت لتفرّقتم عنه ، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران ، فسكتا ثم خرجا ، فلما خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قلتِ له ، وكنتِ أجرأ عليه منّا ! مَنْ كنت يا رسول الله صلى الله عليه وآله مستخلفاً عليهم ؟ فقال صلى الله عليه وآله : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نر أحداً إلاّ علياً عليه السلام) (٣).
ومن هنا، كانت أُمّ سَلَمَة كثيرةَ التذكيرِ بالحقّ والدفاعِ عن أحقّيةِ الإمام علي عليه السلام، حتى صارت مثالاً للمرأةِ المؤمنة المدافعةِ عن الحقّ والمبلّغة له.
تدبيرُ أُمّ سَلَمَة وحكمتها في صلح الحديبية
كانت أُمّ سَلَمَة امرأةً صاحبةَ رأيٍ وبصيرةٍ نافذة. ففي صلح الحديبية، حين خرج النبيّ صلى الله عليه وآله من ذي الحليفة مُحرِماً للعمرة، كانت أُمّ سَلَمَة مع جماعةٍ من المؤمنين ترافقه.
فأرسلت قريش سهيل بن عمرو مع اثنين آخرين إلى النبيّ صلى الله عليه وآله، وطلبوا منه أن يرجعَ وأصحابَه، وألا يدخلَ مكّة ذلك العام، حتى لا يقولَ العربُ إنّ محمّداً دخلها عنوةً، وأن يُؤجّلَ العمرةَ إلى العامِ المقبل.
فقَبِل رسولُ الله صلى الله عليه وآله بذلك حرصاً على الصلحِ وحقناً للدماء، إذ رأى في ذلك خيرَ المسلمين. لكنّ المسلمين شعروا بالحزنِ والانقباض من هذا القرار.
وقال رسول الله لاصحابه : « انحروا بدنكم واحلقوا رؤسكم » فامتنعوا وقالوا : كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة؟ فاغتم رسول الله من ذلك ، وشكى ذلك إلى أم سلمة فقالت : يا رسول الله انحر أنت واحلق ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله وحلق ، فنحر القوم على خبث يقين وشك وارتياب) (4).
وهذا الاقتراحُ وما صدرَ منها من تصرّفٍ حكيمٍ، دليلٌ واضحٌ على ذكاءِ أُمّ سَلَمَة ورجاحةِ عقلِها.
النتيجة
لقد أثبتت أمّ سلمة أنّ المرأة المؤمنة تستطيع أن تكون ركيزةً في الدفاع عن الحقّ، وصاحبةَ رأيٍ مؤثرٍ في لحظاتِ القرار. كانت فطنتُها وإيمانُها وتجرّدُها عن الأهواء درساً خالداً لكلّ امرأةٍ تريد أن يكون موقفُها منبثقاً من بصيرةٍ لا من عاطفةٍ عابرة.
خذي من أمّ سلمة مثلكِ الأعلى في الوعي، والثبات على الحقّ، والجرأة في قول الكلمة الصادقة. افعلي الخير بثقة، وكوني صوتاً ناطقاً بالحكمة في بيتكِ ومجتمعكِ، فربّ كلمةٍ مؤمنة تغيّر مجرى الأحداث كما فعلت أمّ سلمة.
الأسئلة والاجوبة
1. من هي أمّ سلمة؟
هي هند بنت أبي أميّة، زوج النبيّ صلى الله عليه وآله، من أوائل المؤمنات، عُرفت بعقلها ورجاحة رأيها.
2. ما أبرز مواقفها في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام؟
روايتها لأحاديث تُثبت حقّ الإمام عليّ عليه السلام وموقفها في مواجهة الفتنة يوم الجمل.
3. ما هو حديث المنزلة الذي روته؟
قال فيه النبيّ صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ».
4. ما دورها في صلح الحديبية؟
قدّمت للنبيّ مشورةً حكيمة عندما امتنع الصحابة عن الطاعة، فكانت سبباً في حلّ الأزمة.
5. كيف يمكن للمرأة اليوم أن تقتدي بها؟
بالثبات على المبدأ، والنصح بالحكمة، والوعي الديني، والتصرف بعقلٍ راجح في المواقف الصعبة.
1. الكافي / الكليني / المجلد: ٨ / الصفحة: ١٠٧.
2. تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة / الأسترآبادي / المجلّد : 1 / الصفحة : 449.
3. شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد / المجلد: ٦ / الصفحة: ۲۱۷ ـ ۲۱۸ .
4. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلد : 20 / الصفحة : 353 / ط مؤسسة الوفاء.
التعلیقات