تعلموا العلم صغاراً
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتاسمي زُهير« وأنا أستاذ في إعدادية الأمين في مدينة موصل. بعد سقوط المدينة ووقوعها بيد جماعات داعش الأرهابية اُغلقت المدارس جميعاً، وأصبح الطُلاب باقين في بيوتهم أو كانوا يُعتقلون على يد التكفريين وفي هذه الحالة لم نعرف مصيرهم، بأنّهم هل يرجعون إلى بيوتهم أم يُقتلوا في سبيل ذلك التنظيم الإرهابي.
في فترة تواجد داعش في موصل وقبل تحريره على يد مقاتلي الحشد الشعبي أُغلقت جميع المدارس والجامعات، كان المثقفون وأساتذة الجامعيين والمدارس هم المستهدفون الرئيسيون من قِبَل هؤلاء الإرهابيين. وكان تركيز التنظيم على تجنيد الشباب وصغار السن أكثر ممّا يكون تركيزه على تجنيد الكبار في السن!!!
لكن ما هو الدليل في ذلك؟ لماذا هذا التأكيد على إغلاق الأماكن التربوية (المدارس والجامعات)؟ لماذا كان المثقفون وأساتذة الجامعيين والمدارس هم المستهدفون الرئيسيون؟ والأهم من جميع هذه الموارد هو أنّه لماذا كان يركز التنظيم على تجنيد الشباب وصغار السن؟
يا إلهي... كيف يمكن حلّ هذا اللُغز؟ لم يأتي التنظيم هباءًا منثوراً مِن دون تخطيط مُسبق، كانت جميع ما يفعلها مُبرمجة وعلى حسب القوانين والأصول!! كما أنّه كان وراء هذا التنظيم فكرة وتمويل عظيم لا يُمكن الاستهانة بهما...
كنت أبحث عن الجواب إلى أن تذكرت كتاب نهج البلاغة. أنا كُنت من مُحبي كتاب نهج البلاغة؛ ولهذا كنت بين حينٍ وأخرى أقرأ هذا الكتاب، تذكرت جزءً من نهج البلاغة الذي يتكلّم الإمام علي (عليه السلام) حول العِلم. بالطبع لم تبق مِن مكتبتي التي كنت قد جمعتُ كُتُبها خلال دراساتي الجامعية والمعاهد، وملازمي التي كتبتها خلال ثلاثة عشر سنة من تدريسي في عدّة مدارس ثانوية إلّا أوراقاً محروقة؛ لذلك قررت الذهاب إلى النجف للحصول على هذا الكتاب، وغيره من الكتب والنصوص؛ لهذا اتصلت بصديقي ميثم (أستاذ جامعة الكوفة).
في يوم الثلاثاء ذهبت إلى النجف، والتقيت به عند صلاة الظهر، صليّنا في حرم الإمام علي (عليه السلام)، ومن ثمّ ذهبنا إلى أحد المطاعِم؛ لتناول الغداء. أثناء تناولنا الغداء كُنّا نتكلم حول الموضوع التي أتيت لأجله إلى النجف -أهمية العلم في كلام الإمام (علي عليه السلام)- وكان يُعطيني ميثم بعض الأجوبة التي كانت بعضها مِن كتاب نهج البلاغة، لكن للتدقيق الأكثر والحصول على المصادر الرئيسية، ذهبنا إلى مكتبة الشيخ كاشف الغطاء في مدرسة المعتمد، وجدت كتاب نهج البلاغة، وبدأنا في البحث في موضوع العلم، وقررت مع نفسي أن أكتب كلّما أحصل عليه في كرّاسة، وأجعل له تعليقاً مناسباً.
بعد قرابة أربع ساعات من البحث والتدقيق توصلت إلى ما أريده، و أخيراً رأيت هذا القول: " تعلموا العلم صغاراً، تسودواً به كباراً "،(1) تعليقه: إنّ جذور شخصية الإنسان تُصنع في صغره، فكلّما يتعلّمه الطفل في صغره، يَعكسه في كبره، وتغيير ما يتعلّمه الطفل في صغره صعبٌ جداً، وقد تكادُ محالاً، وهذا المثل المعروف: " التعلم في الصغر كالنقش فی الحجر"(2) شاهد على ذلك.
عندما كنت أبحث وصلت إلى هذا الحديث: " ليس شيء أحسن من عقل زانه علم، ومن علم زانه حلم، ومن حلم زانه صدق، ومن صدق زانه رفق، ومن رفق تقوى"،(3) فقلت في نفسي بأنّه لو أردنا الحصول على العلم والفضائل الأخلاقية، لابد من وجود عقل سليم، والعقل السليم الخالي من العوائق والمشاكل والصعوبات والصراعات –عادتا- موجود عند صغار السنّ، ولهذا كان صغار السنّ مُستهدفين مِن قبل تنظيم داعش وكلام الإمام علي (عليه السلام) هو مصداق لهذه العملية الشنيعة، ووجدتُ أقوالاً أخرى أيضا، وسجّلتها في كراستي.
بعد ذلك خرجنا من المكتبة، وودعت مع ميثم، ورجعت إلى موصل.
عند وصولي إلى موصول قررت بتأسيس مدارس للطلاب وإكمال دراستهم؛ لأنّه كما تعلّمت من كلام الإمام علي (عليه السلام)، إنّ الجهل آفة المجتمع وأساس لجميع المشاكل والصعوبات.
1- شرح نهج البلاغة «للابن ابي الحديد» / المجلد : 20 / الصفحة : 267 / الناشر: اعلمی – بیروت.
2- شرح نهج البلاغة «للابن ابي الحديد» / المجلد : 16 / الصفحة : 67 / الناشر: اعلمی – بیروت.
3- شرح نهج البلاغة «للابن ابي الحديد» / المجلد : 20 / الصفحة : 267 / الناشر: اعلمی – بیروت.
التعلیقات