تجمّلت
الشیخ مهدی المجاهد
منذ 5 سنواتكانت تلك الصرخة المدوية في سماء المدينة من امرأة قد لعبت لعبتها في صفحات التاريخ، وسرعان ما رجعت عن هذا الكلام؛ والسبب في ذلك بغضها وحقدها لمن قد تسلّم زمام الأمور الظاهرية من بعده، وقد كان هو أولى بها من غيره، ولكن غُصبت منه قهراً، وكان مأموراً بالصبر.
كانت عائشة تحرّض المسلمين على عثمان، وتقول: «اقتُلوا نَعْثَلاً، قَتَل اللهُ نَعْثَلا».(1)
وخرجت من المدينة غاضبة على عثمان، وذهبت إلى مكة المكرمة، ثم أرادت أن ترجع إلى المدينة، فأخبروها بمقتل عثمان ففرحت بذلك؛ لكنّها حينما سمعت أنّ المسلمين بايعوا عليّاً عليه السلام هاج بها الحقد الدفين تجاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فرجعت، وقالت قتل عثمان مظلوماً، وخرجت إلى البصرة مع طلحة والزبير وابنه المشؤوم عبدالله بن الزبير بدعوى الطلب بدم عثمان، فاجتمع إليها جميع من نكث بيعة أمير المؤمنين عليه السلام والقبائل المعادية لأهل البيت عليهم السلام، وأعلنت الحرب ضدّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقد نهاها رسول الله صلّى الله عليه وآله عن ذلك، وكان قد قال لها: «كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء».(2)
وعن عبد الله ابن أبي رافع عن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله قالت كنت مقيمة بمكة تلك السنة حتى دخل المحرم، فلم أر إلا رسول طلحة والزبير جاءني عنهما يقول: إن أم المؤمنين عائشة تريد أن تخرج للطلب بدم عثمان، فلو خرجت معها رجونا أن يصلح بكما فتق هذه الأمة، فأرسلت إليهما، والله ما بهذا أمرت، ولا عائشة؛ لقد أمرنا الله أن نقر في بيوتنا لا نخرج للحرب أو للقتال مع أن أولياء عثمان غيرنا، والله لا يجوز لنا عفو ولا صلح ولا قصاص، وما ذاك إلا لولد عثمان، وأخرى نقاتل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ذو البلاء والعناء وأولى الناس بهذا الأمر، والله ما أنصفتما رسول الله في نسائه حيث تخرجوهن إلى العراق. وتتركوا نساءكم في بيوتكم. ثم أرسلت إلى عائشة فنهتها أشد النهي عن طلحة والزبير في الخروج لقتال علي عليه السلام، وذكّرتها أمورا تعرفها، وقالت لها أنشدك الله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لك اتق الله واحذري أن تنبحك كلاب الحوأب، فقالت: نعم، وردعتها بعض الردع، ثم رجعت إلى رأيها في المسير.(3)
هذا موقف من إحدى زوجات النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، ولعائشة موقف.
كل هذا بسبب بغضها وحقدها لعلي بن أبي طالب حيث أوقدت هذه الفتنة التي كانت سببا في قتل عدد كثير من المسلمين، وورّطت أمير المؤمنين صلوات الله عليه بهذا الحرب في أوئل أيام خلافته الظاهرية.
ومن ذلك كتبها إلى الآفاق تؤلب عليه، وتخذل الناس عنه من غير شبهة تعرض في الديانة لفعل كان منه كتبت إلى زيد بن صوحان على ما اجتمعت عليه نقلة الأخبار :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين زوجة النبي إلى ابنها المخلص زيد بن صوحان.
أما بعد؛
إذا جاءك كتابي هذا فأقم في بيتك، وخذل الناس عن علي حتى يأتيك أمري وليبلغني عنك ما أقر به، فإنك من أوثق أهلي عندي والسلام.
فكتب إليها زيد بن صوحان :
بسم الله الرحمن الرحيم
من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر.
أما بعد؛
فإن الله أمرك بأمر، وأمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك، وأمرنا بالجهاد، فأتاني كتابك بضد ما أمر الله به؛ وذلك خلاف الحق والسلام.(4)
فهي تقول في يوم اقتلوا نعثلاً، وفي يوم آخر تطالب بدم عثمان؟! ما يكشف عن عدم ثبات رأيها، ومواقفها المتغيرة.
وبعد كل هذا أرجعها أمير المؤمنين عليه السلام ألى المدينة مع مجموعة من النساء، ولم يتعرض لها بسوء أو مكروه، ولكن هي زاد حقدها وحسدها على أميرالمؤمنين عليه السلام وعلى من يلوذ به وخصوصاً على ذريته.
ولها مواقف عدائية مع ذريته وخصوصاً مع الإمام الحسن بن علي عليهما السلام حتى بعد شهادته وفي يوم تشيعه ودفنه؟!
1ـ النهاية لابن الأثير: ج 5، ص 80.
2ـ الامامة والسياسية للدينوري: ج 1، ص 82.
3ـ الجمل للمفيد: 125.
4ـ الجمل للمفيد: 230.
التعلیقات