ذوو الإعاقة في الآيات والروايات الشريفة
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 ساعاتيوافق الثالث من ديسمبر من كل عام اليومَ العالمي لذوي الإعاقة، وهو مناسبة دولية تهدف إلى تسليط الضوء على حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وإحيـاء قيم الكرامة الإنسانية، وتعزيز مشاركتهم الفاعلة في مختلف مجالات الحياة. غير أنّ النظر الإسلامي إلى هذه الفئة لا يرتبط بيوم معيّن، بل هو رؤيةٌ مستمرة تنطلق من مبادئ الوحي والسنّة، حيث تتأسّس علاقة الإنسان بغيره على أساس التكريم الإلهي، لا على المعايير المادّية أو القدرة الجسدية. فقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ (1). القرآن الكريم يقدّم منهجاً عميقاً في التعامل مع الإعاقة الجسدية أو الذهنية أو الحسية بوصفها اختباراً إلهياً لا ينقص من قدر الإنسان شيئاً، بل قد تكون سبباً في رفعة الدرجات وتزكية النفس. وتظهر هذه الحقيقة في الآيات الشريفة التي سنتعرض لها ان شاء الله. وفي الروايات النبوية وروايات أهل البيت عليهم السلام نجد منظومة أخلاقيّة واجتماعية متكاملة تدعو إلى مساندة ذوي الإعاقة، وتخفيف معاناتهم، وتوفير ظروف معيشية كريمة لهم، واحترام قدراتهم، واستثمار طاقاتهم. بل إنّ النصوص الشريفة تنقل لنا صوراً عملية لدمج أصحاب الإعاقات في المجتمع الإسلامي. ولهذا ولقرب اليوم العالمي للاوي الإعاقة، قررنا أن نكتب لكم عن المعاقين في الآيات والروايات الشريفة.
الإعاقة امتحان وبلاء من جانب الله تعالى
الإعاقة في أغلب الأوقات من الابتلاءات التي قد يواجهها الإنسان في مسيرته الحياتية. وقد تختلف صور البلاء، لكن هدفها واحد وهو اختبار الإيمان وتهذيب النفس ورفع الدرجات. لأنّ الابتلاء في المفهوم الإسلامي ليس عقوبة دائماً، بل هو سنة إلهية شاملة تشمل المؤمن والكافر، السليم والمريض، القوي والضعيف. فقد قال الله تعالى حول هذه السنة: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ (2).
هناك تصورات خاطئة قديمة تصوّر الإعاقة كعلامة على غضب الله أو نتيجة ذنب، لكن النصوص الإسلامية ترفض هذا الفهم رفضاً قاطعاً. فيصرّح القرآن الكريم بأنّ الإبتلائات تمكن أن تحصل في أبدان الإنسان. حيث قال: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ (3). فالإعاقة في المنظر القرآني امتحان قد تعلّم صاحبها دروساً إيمانية عميقة كالصبر على المشقة والرضا بالقضاء الإلهي وإدراك نعم الله التي لاتحصى.
النهي عن الابتعاد عن المعاقين
نهى الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم عن الابتعاد عن المعاقين وأن يحسب المسلم، معاقا كشخص فيه قذارة أو نجاسة. فقد ورد في سورة عبس: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ. أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ. فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ. وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ . وَهُوَ يَخْشَىٰ. فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ ﴾ (4). روى ابراهيم بن هاشم القمي في تفسيره أن شأن نزول هذه الآيات، هو المعاملة التي عاملها عثمان بن عفان مع ان أبن أم مكتوم وكان أعمى. فقد قال: « نَزَلَتْ فِي عثمان وابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مُؤَذِّناً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَكَانَ أَعْمَى، وَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ وَعثمان عِنْدَهُ، فَقَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ- فَعَبَسَ وَجْهُهُ وَتَوَلَّى عَنْهُ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَبَسَ وَتَوَلَّى يَعْنِي عثمان أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى. وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَيْ يَكُونُ طَاهِراً أَزْكَى أَوْ يَذَّكَّرُ قَالَ يُذَكِّرُهُ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ خَاطَبَ عثمان فَقَالَ: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى قَالَ أَنْتَ إِذَا جَاءَكَ غَنِيٌّ تَتَصَدَّى لَهُ وَتَرْفَعُهُ وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى أَيْ لَا تُبَالِي زَكِيّاً كَانَ أَوْ غَيْرَ زَكِيٍّ إِذَا كَانَ غَنِيّاً وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى يَعْنِي ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى أَيْ تَلْهُو وَلَا تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ » (5).
ثواب إعانة المريض والمعاق
أكّد الإسلام على مساعدة وإعانة المعاقين والمرضى وقد جعل لهذا العمل ثوابا كثيرا. وأحد الروايات التي تبيّن لنا ثوابا كثيرا لإعانة المعاقين هي رواية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: « من اعان ضعيفا في بدنه على أمره ، أعانه الله على أمره ونصب له في القيامة ملائكة يعينونه على قطع تلك الاهوال ، وعبور تلك الخنادق من النار ، حتى لا يصيبه من دخانها ، وعلى سمومها ، وعلى عبور الصراط إلى الجنة سالما آمنا ، ومن أعان ضعيفا في فهمه ومعرفته فلقنه حجته على خصم الدين طلاب الباطل ، أعانه الله عند سكرات الموت على شهادة أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والاقرار بما يتصل بهما ، والاعتقاد له حتى يكون خروجه من الدنيا ورجوعه إلى الله عزوجل على أفضل أعماله ، وأجل أحواله ، فيحيى عند ذلك بروح وريحان ، ويبشر بأن ربه عنه راض ، وعليه غير غضبان ، ومن أعان مشعولا بمصالح دنياه أو دينه علي أمره حتى لا يتعسر عليه أعانه الله تزاحم الاشغال ، وانتشار الاحوال يوم قيامه بين يدي الملك الجبار ، فميزه من الاشرار ، وجعله من الاخيار » (6).
ولايتوهم البعض أنّ إعانة المعاقين أمر صعب ويجب أن يشقّ النفس على نفسه حتى يحصل على ثوابها. بل أقل ما يمكن أن يفعله شخص لمساعدتهم، فيه ثواب وأجر عظيم. فقد روى أميرالمؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « من قاد ضريرا أربعين خطوة على ارض سهلة ، لا يفي بقدر أبرة من جمعيه طلاع الارض ذهبا فان كان فيما قاده مهلكة جوزه عنها وجد ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة أوسع من الدنيا مائة ألف مرة ، ورجح بسيئاته كلها ومحقها ، وأنزله في أعلا الجنان وغرفها » (7).
إطعام المعاقين والأكل معهم وعدم العزلة منهم
السيرة النبوية مليئة بصور عملية تُظهر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقترب من المعاقين ويأكل معهم ويكرمهم. كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس مع الفقراء، والمرضى، والضعفاء، ويشاركهم الطعام دون تمييز. وهذا ما أكّد عليه القرآن الكريم حيث قال: ﴿ لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ... لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ (8). وهذا تأكيد من القرآن بالأكل مع المعاقين. فقد قال الإمام الباقر حول هذه الآية: « وذلك أن أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعتزلون الاعمى والاعرج والمريض ، كانوا لا يأكلون معهم» (9). وقد برز هذا العمل في سيرة الأئمة عليهم السلام. فقد روي حول الإمام الباقر عليه السلام: « أَنَّهُ كَانَ يَعُولُ مِائَةَ بَيْتٍ مِنْ فُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَحْضُرَ طَعَامَهُ الْيَتَامَى وَالْأَضِرَّاءُ وَالزَّمْنَى وَالْمَسَاكِينُ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ وَكَانَ يُنَاوِلُهُمْ بِيَدِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ عِيَالٌ حَمَلَهُ إِلَى عِيَالِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَكَانَ لَا يَأْكُلُ طَعَاماً حَتَّى يَبْدَأَ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ » (10). وروي حول الإمام زين العابدين عليه السلام: « لقد مر علي بن الحسين عليه السلام بمجذومين فسلم عليهم وهم يأكلون فمضى ثم قال: إن الله لا يحب المتكبرين. فرجع إليهم فقال: إني صائم. وقال: ائتوني بهم في المنزل، قال: فأتوه فأطعمهم ثم اعطاهم » (11).
هذه كانت جملة من الآيات والروايات حول المعاقين والتأكيدات الإسلامية حولهم. إذا قرأتم آيات أو روايات أخرى حول المعاقين، شاركوها معنا في التعليقات.
1) سورة الحجرات / الآية: 13.
2) سورة البقرة / الآية: 155.
3) سورة آل عمران / الآية: 186.
4) سورة عبس / الآية: 1 إلى 10.
5) تفسير القمي (لعلي بن ابراهيم القمي) / المجلد: 2 / الصفحة: 405 / الناشر: دار الكتاب – قم / الطبعة: 3.
6) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 75 / الصفحة: 21 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
7) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 75 / الصفحة: 15 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
8) سورة النور / الآية: 61.
9) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 75 / الصفحة: 14 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
10) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهر آشوب) / المجلد: 4 / الصفحة: 154 / الناشر: نشر العلامة – قم / الطبعة: 1.
11) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 75 / الصفحة: 16 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.








التعلیقات