اليوم العالمي للحرف اليدوية وقيمتها الحقيقي
السيد حسين الهاشمي
منذ 6 أيامالحرف الحرفية أحد أقدم أشكال التعبير الإنساني عن الإبداع والمهارة، وهي تجسيد حي للثقافات والتراث المحلي في مختلف أنحاء العالم. وفي يوم 10 يونيو من كل عام، يحتفل العالم بـاليوم العالمي للحرف الحرفية، وهي مناسبة لتكريم الحرفيين والحرفيات الذين يبذلون جهودًا عظيمة في حفظ الهوية الثقافية والتراث الإنساني عبر أعمالهم الفنية والمهنية.
أهمية الحرف اليدوية
تلعب الحرف الحرفية دورًا مهمًا في تعزيز الهوية الوطنية لكل بلد، إذ تعكس روح المجتمع وتاريخه عبر الأشكال والأنماط والزخارف التي تزين القطع الحرفية. وتشمل الحرف الحرفية مجموعة واسعة من الأنشطة مثل: صناعة الفخار والنسيج اليدوي والسجاد والتطريز والنجارة والنقش على الخشب.
لا تقتصر أهمية الحرف الحرفية على الجانب الثقافي فقط، بل تمتد لتشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. فهي تمثل مصدر رزق للملايين من الناس حول العالم، خاصة في المناطق الريفية والمجتمعات المحلية. كما تساهم في دعم الاقتصاد المحلي من خلال الترويج للسياحة الثقافية، وتوفير فرص عمل، وتعزيز روح ريادة الأعمال، خاصة لدى النساء والشباب.
وبهذه المناسبة قررنا أن نكتب لكم عن الحرف والحرف اليدوية وقيمتها الحقيقي لدى الشريعة الإسلامية وعامة الناس.
لكن قبل الخوض في صلب الموضوع، أكتبوا لنا الحرف والحرف اليدوية التي توجد في بلدتكم أو محلتكم أو يمكن أن تحتسب من الحرف العائلية لديكم كي نتمكن من خلالها أن نتكلم ونرتبط بكم.
العمل، قيمة لاتنسى في الثقافة الإسلامية
العمل ليس مجرد وسيلة لتحصيل الرزق، بل هو في الثقافة الإسلامية قيمة سامية، ومبدأ راسخ، وركيزة من ركائز بناء الفرد والمجتمع. فقد كرّم الإسلام العمل، ورفع من شأن العامل، وجعل الكسب الحلال من أسمى العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه. فقد قال تعالى:﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ (1). وأيضا قال تعالى في آية أخرى:﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ (2). هاتين الآيتين صريحتان في الأمر بالعمل واستخدام نعم الله تعالى في تحصيل الرزق الحلال.
ويكفي في بيان قيمة العمل، ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:« إنّ من الذنوب ذنوباً لا يكفّرها صلاة ولا صدقة. قيل: يا رسول الله ، فما يكفّرها؟ قال: الهموم في طلب المعيشة » (3). فهذه هي القيمة الحقيقية لطلب العيش والرزق الحلال. إنه يكفّر الذنوب العظام. وهذا الأمر ليس ببعيد أصلا. فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام:« إني لأبغض الرجل أو أبغض للرجل أن يكون كسلانا عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل » (4).
الحرف اليدوية في سيرة الأنبياء والأئمة
إنّ سيرة الأنبياء والأئمة عليهم السلام تقدّم لنا نماذج مشرقة في ممارسة العمل اليدوي، ليس كحاجة مادية فقط، بل كمنهج حياة، وتعبير عن الكرامة، العزة، والتواضع. لم يكن الأنبياء والأئمة معزولين عن واقع مجتمعاتهم، بل كانوا جزءًا فعّالًا في حركة العمل والبناء، يضربون مثلًا أعلى في الكفاح الشريف والتواضع العملي.
من جملة الأنبياء الذين كانوا يعيشون على الصنائع اليدوية هو النبي داوود عليه السلام. فقد قال أميرالمؤمنين عليه السلام حوله:« وإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِيَدِه ويَقُولُ لِجُلَسَائِه أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا ويَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا » (5). وأيضا قال الله تعالى حوله:﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ﴾ (6). والمراد من صنعة لبوس هي الحدادة. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام:« إن الله أوحى إلى داود عليه السلام: نعم العبد أنت إلا أنك تأكل من بيت المال! فبكى داود أربعين صباحا، فالآن الله له الحديد، وكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة وستين درعا، فباعها بثلاثمائة وستين ألفا، فاستغنى عن بيت المال » (7).
ورسول الله صلى الله عليه وآله كان يخيط الثوب وقد روي عنه:« عَمَلُ الْأَبْرَارِ مِنَ الرِّجَالِ الْخِيَاطَةُ وَعَمَلُ الْأَبْرَارِ مِنَ النِّسَاءِ الْغَزْلُ وَكَانَ صلى الله عليه وآله يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَكَانَ أَكْثَرُ عَمَلِهِ فِي بَيْتِهِ الْخِيَاطَةَ » (8).
والأئمة المعصومين عليهم السلام كانوا يعملون بجدّ لطلب الرزق الحلال. فقد روى محمد بن كعب:« أنه رأى أمير المؤمنين عليه السلام أثر الجوع في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ إهابا فحوى وسطه وأدخله في عنقه وشد وسطه بخوص نخل وهو شديد الجوع فأطلع على رجل يستقي ببكره ، فقال : هل لك في كل دلوة بتمرة فقال : نعم ، فنزح له حتى امتلا كفه ، ثم أرسل الدلو فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله » (9) وأيضا روى إبن أبي حمزة:« رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ قَدِ اسْتَنْقَعَتْ قَدَمَاهُ فِي الْعَرَقِ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيْنَ الرِّجَالُ؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ قَدْ عَمِلَ بِالْيَدِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي فِي أَرْضِهِ وَمِنْ أَبِي. فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَآبَائِي. كُلُّهُمْ كَانُوا قَدْ عَمِلُوا بِأَيْدِيهِمْ وَهُوَ مِنْ عَمَلِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْأَوْصِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ » (10). ففي هذه الرواية يبيّن لنا الإمام الكاظم عليه السلام أنّ العمل بالأيدي من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين. وأيضا قد روى أبو عمرو الشيباني:« رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَبِيَدِهِ مِسْحَاةٌ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ غَلِيظٌ يَعْمَلُ فِي حَائِطٍ لَهُ وَالْعَرَقُ يَتَصَابُّ عَنْ ظَهْرِهِ. فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَعْطِنِي أَكْفِكَ. فَقَالَ: لِي إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَتَأَذَّى الرَّجُلُ بِحَرِّ الشَّمْسِ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ » (11).
الحرف اليدوية في مهبّ النسيان
رغم ما تتمتع به الحرف اليدوية من جمالية وفنية فريدة، إلا أن حضورها في الحياة اليومية أصبح باهتًا لأسباب عدّة. منها انخفاض الإقبال على اقتناء المنتجات الحرفية وغياب هذه الحرف عن المناهج التعليمية. أيضا من أهم الأسباب هي تراجع عدد الحرفيين الشباب وندرة الورش التقليدية والتركيز على الإنتاج الصناعي السريع والرخيص. وهذه الظواهر تُنبئ بفقدان تدريجي لموروث ثقافي غني، خصوصًا في ظل هيمنة الحداثة والنمط الاستهلاكي المفرط.
ضعف الحرف اليدوية في المجتمع الحديث
إن وجود الحرف اليدوية في مجتمعاتنا الحديثة أصبح ضعيفا للغاية. ولهذا الضعف أسباب عدّة. منها غزو المنتجات الصناعية. أدى الانفتاح الاقتصادي إلى غزو المنتجات الصناعية الرخيصة، خاصة من الأسواق الآسيوية، والتي تنافس المنتجات الحرفية بأسعارها المنخفضة، وإن كانت دون قيمة فنية أو ثقافية. ومن الأسباب العزوف عن تعلم الحرف بين الأجيال الحديثة. يرى كثير من الشباب أن العمل الحرفي منخفض المكانة الاجتماعية أو أنه غير مربح، مما يؤدي إلى قلة المتعلمين الجدد لهذه المهن، واختفاء المهارات التقليدية تدريجيًا.
وينبغي التنبيه على أمر مهم وهو أنّ الذوق العام قد تغيّر. فإنّه أدى الانبهار بالمنتجات الحديثة والعلامات التجارية العالمية إلى تغير الذوق العام، وابتعاد الناس عن الجماليات التقليدية المرتبطة بالتراث.
كيف نحبّب الحرف اليدوية عند الشباب؟
من المهم أن نهتم بإحياء الحرف اليدوية لأجل حماية التراث الثقافي المحلي ولخلق فرص عمل إبداعية ومستقلة خارج أنظمة الوظائف التقليدية ولتنمية الذوق الفني والمهارات اليدوية لدى الشباب.
فعلى هذا من الضروري أن نحبّب الحرف اليدوية لدى الشباب. وهناك خطوات عملية لهذا الواجب. الأول تحويل المقاهي والمراكز الثقافية إلى ورش عمل مصغّرة. وهذا يؤدي إلى تقديم الحرفة في جوّ مرح غير رسمي، يجعل التجربة محببة ومرنة.
الثاني ربط الحرف اليدوية بالموضة والتصميم العصري كي نحوّل الحرف من تقليدية إلى رائجة في نظر الشباب.
الثالث استخدام منصات التواصل الاجتماعي لعرض الحرف لتكوين مجتمع رقمي مُهتم بالحرف اليدوية يشجع على الانخراط والتجريب.
الرابع دعم مالي وتسويقي للمشاريع الحديثة. مثل منح قروض صغيرة أو تمويل ابتدائي لمشاريع حرفية أو توفير مساحات عرض مجانية داخل المقاهي أو المكتبات العامة أو دعم المنصات الإلكترونية لتسويق منتجاتهم محليًا وعالميًا.
هذه كانت جملة من الحقائق والروايات والنكت حول الصنائع والحرف اليدوية. أرجوا أن تكتبوا لنا ما تعلمون من الحرف اليدوية حتى نتعلم منكم.
1) سورة التوبة / الآية: 105.
2) سورة الملك / الآية: 15.
3) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 13 / الصفحة: 13 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
4) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 12 / الصفحة: 37 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
5) نهج البلاغة (للسيد الشريف الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 227 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
6) سورة الأنبياء / الآية: 78 و 79.
7) مجمع البيان في تفسير القرآن (للطبرسي) / المجلد: 8 / الصفحة: 200 / الناشر: مؤسسة الأعلمي – بيروت / الطبعة: 1.
8) تنبيه الخواطر (لورّام بن أبي فراس) / المجلد: 1 / الصفحة: 41 / الناشر: مكتبة الفقيه – قم / الطبعة: 1.
9) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 41 / الصفحة: 39 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
10) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 76 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
11) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 76 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
التعلیقات