وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )٣(
السيّد سعيد كاظم العذاري
منذ 11 سنةسادسا : الحوار :
الحوار من الوسائل المفضلة في أداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فبه يتم إيقاظ العقول والقلوب ، وتحريك العواطف والمشاعر ، وخصوصا لمن يبحث عن الحقيقة ، فهو يساعد على معرفة مستويات المشاركين في الحوار ، وما يطرحونه من شبهات فكرية وسلوكية ، فيطالب المحاور غيره بالحجّة والدليل ، ويعلّمه في الوقت نفسه طريقة الاستدلال الصحيح ، ويأخذ عليه طريق الادعاء بلا بينة أو ببينة مضطربة
.وينبغي أن يكون الحوار في مفهوم أو موقف واقعي ، لا في الألفاظ والتعاريف ، وان يبدأ الحوار من القضايا المشتركة ثم إلى القضايا المختلف فيها.
والحوار وسيلة استخدمها جميع الانبياء والمرسلين في مسيرتهم ، كحوار نوح عليهالسلام مع قومه ، وإبراهيم عليهالسلام مع النمرود ، وموسى عليهالسلام مع فرعون ، وعيسى عليهالسلام مع بني اسرائيل ، ورسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مع المشركين من قريش ومن أهل الكتاب ، ومع المسلمين أنفسهم ، وأهل البيت عليهمالسلام مع حكّام زمانهم ومع أئمة المذاهب الاُخرى.
وقد دعا القرآن الكريم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الحوار مع الآخرين بطريقة « ادعُ إلى سَبِيلِ رَبّكَ بِالحِكمةِ والموعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالتي هِيَ أحسَنُ »
والحوار يختلف حسب اختلاف المعتقدات ، فهو يتركّز على المفاهيم والافكار مع غير المسلمين ، وعلى اثارة العواطف مع المسلمين الذين آمنوا بالاسلام فكرا وعاطفة وسلوكا.
فقد كان حوار رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مع المشركين حول التوحيد والنبوّة واليوم الآخر ، أمّا حواره مع المسلمين فقد كان حول الممارسات العملية باثارة عواطفهم اتجاه الافكار والمفاهيم الإسلامية لتجسيدها في الواقع العملي ، فحينما وزّع صلىاللهعليهوآلهوسلم الاموال على المؤلفة قلوبهم ، اعترض الانصار وكثر الكلام ، فحاورهم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قائلاً : « أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال ، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم ... لولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار ... » ، فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا باللّه ربّا ورسوله قسما
سابعا : الاقتداء :
من الثوابت في حركة الناس أنّهم يقتدون بمن له القدرة على التأثير على عقولهم وقلوبهم وإراداتهم ، وأصحاب القدرة هم الشخصيات التي يحترمهم الناس ، ويكرمونهم ، ويبجّلونهم ، وهم الطبقة العليا في المجتمع ، كالرؤساء والقادة وجميع من يتصدر المناصب الحساسة السياسية والدينية والاجتماعية.
والاقتداء بالاسلاف أكثر من الاقتداء بالطبقة العليا ؛ لأنّ الناس يتأثرون بالتراث الفكري والسلوكي لأسلافهم.
وإذا كانت الشخصية المؤثرة تتصف بصفات فريدة ونادرة فإنّها تساعد على تشبّه الناس بها في جميع المقومات إلى أن يصل الأمر إلى التشبّه بها في المظاهر الخارجية كاللباس وطريقة العيش.
ويمكن للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقوم بواجبه من خلال دعوته الصامتة ليقتدي به المجتمع في أقواله وأفعاله ، إن كان يملك الموقع الذي يؤهله للتأثير.
فحينما يجد أفراد المجتمع القدوة الصالحة فإنّهم يقتبسون منه ما يمارسه من أعمال وأفعال ، ويتشبهون به ، ويحاكونه في سيرته ليصبح الاقتباس والتشبّه والمحاكاة تقليدا ؛ في علاقته باللّه تعالى ، وفي ارتباطه بالقرآن وولائه لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام ، وفي زهده وتقواه وتواضعه وصدقه وايثاره.
قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : « من نصَّب نفسه للناس إماما ، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه »
وكلّما ازداد عدد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، حتى إذا كانوا أُمّة وجماعة ، فإنّ الاقتداء بهم سيكون آكد وأشدّ.
وخير أُسلوب لتعميق الاقتداء هو الترويج المتزايد والمستمر لسيرة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام والسلف الصالح من أتباعهم.
التعلیقات