فضيلة عيد الفطر المبارك وأعماله المستحبة
السيد حسين الهاشمي
منذ يومينعيد الفطر المبارك هو أحد أهم الأعياد الإسلامية التي يحتفل بها المسلمون في جميع أنحاء العالم، ويأتي في نهاية شهر رمضان المبارك، الشهر الذي يُعتبر فترة للتعبد والتقرب إلى الله، حيث يُمارس المسلمون الصيام ويزيدون من أعمال الخير والعبادة. يتجلى عيد الفطر كفرحة جماعية تجسد قيم المشاركة والتواصل بين الأفراد، حيث يُعبر عن الانتصار على النفس وبلوغ مرحلة من الصفاء الروحي. تتعدد أهمية عيد الفطر المبارك في حياة المسلمين، فهو ليس مجرد احتفال يُقام، بل هو تجسيد لمجموعة من القيم والمبادئ التي تعزز الروابط الأسرية والاجتماعية. يبدأ العيد بصلاة خاصة تُقام في المساجد والساحات العامة، حيث يجتمع المسلمون في أجواء مليئة بالسكينة والطمأنينة، مما يعكس روح الوحدة والمودة بين أفراد المجتمع. كما يُعتبر العيد فرصة لتبادل التهاني والهدايا، وزيارة الأهل والأصدقاء، مما يُعزز من أواصر المحبة والتآلف.
بالإضافة إلى جميع هذه الأمور، يحمل عيد الفطر في طياته معاني العطاء والمشاركة، حيث يُلزم المسلمون بدفع زكاة الفطر قبل صلاة العيد، كنوع من التكافل الاجتماعي الذي يضمن أن تشمل فرحة العيد جميع أفراد المجتمع، بما في ذلك الفقراء والمحتاجين. بهذه الطريقة، يُعبر عيد الفطر عن قيم الرحمة والتسامح، ويُذكّر المسلمين بأهمية العطاء والمشاركة في بناء مجتمع متماسك.
تسمية عيد الفطر
سمي عيد الفطر بهذا الاسم نسبةً إلى (الفطر) الذي يعني الإفطار (1) ، وذلك لأنه يأتي في اليوم الأول من شهر شوال بعد انتهاء شهر رمضان، الذي يُعتبر شهر الصيام. خلال شهر رمضان، يمتنع المسلمون عن الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشمس، وعندما ينتهي هذا الشهر الفضيل، يُحتفل بعيد الفطر كفرحة بالإفطار بعد فترة من الصيام.
عيد الفطر كان أول عيد للمسلمين في السنة الثانية للهجرة. لأنه قد أوجب الله سبحانه وتعالى الصوم على المسلمين في هذه السنة حيث أنزل الله سبحانه وتعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ... شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (2). وفي هذه السنة أيضا قد أوجب الله سبحانه وتعالى زكاة الفطرة على المسلمين ولهذا، أصبح عيد الفطر المبارك أول عيد للمسلمين في السنة الثانية للهجرة.
وقد قال العلامة المجلسي رحمة الله عليه وكتابه حول السنة الثانية للهجرة:« وفي هذه السنة نزلت فريضة رمضان في شعبان هذه السنة ، وأمر بزكاة الفطر على ما روي عن أبي سعيد الخدري قال : نزل فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في هذه السنة بزكاة الفطر قبل أن يفرض الزكاة في الاموال.» (3).
فضيلة عيد الفطر
عيد الفطر المبارك يوم فضيل بالنسبة إلى المسلمين وهو اليوم المسمى بيوم الجوائز في الروايات. لأن الله سبحانه وتعالى يعطي جوائز معنوية في يوم عيد الفطر المبارك للصائمين والعابدين في شهر رمضان المبارك. فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام:« قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ نَادَى مُنَادٍ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ اغْدُوا إِلَى جَوَائِزِكُمْ ثُمَّ قَالَ يَا جَابِرُ جَوَائِزُ اللَّهِ لَيْسَتْ بِجَوَائِزِ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ ثُمَّ قَالَ هُوَ يَوْمُ الْجَوَائِزِ.» (4). وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام:« إِذَا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْفِطْرِ نَادَى مُنَادٍ اغْدُوا إِلَى جَوَائِزِكُمْ» (5).
وروى عبدالله بن عباس عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حول شهر رمضان وعيد الفطر:« فَإِذَا كَانَتْ غَدَاةُ يَوْمِ الْفِطْرِ بَعَثَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ- فَيَهْبِطُونَ إِلَى الْأَرْضِ وَ يَقِفُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَيَقُولُونَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ اخْرُجُوا إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَ يَغْفِرُ الْعَظِيمَ فَإِذَا بَرَزُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ مَلَائِكَتِي ... إِنِّي أُشْهِدُكُمْ مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ عَنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَ قِيَامِهِمْ فِيهِ رِضَايَ وَ مَغْفِرَتِي وَ يَقُولُ يَا عِبَادِي سَلُونِي فَوَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَا تَسْأَلُونِّي الْيَوْمَ فِي جَمْعِكُمْ لِآخِرَتِكُمْ وَ دُنْيَاكُمْ إِلَّا أَعْطَيْتُكُمْ» (6).
وخطب أميرالمؤمنين عليه السلام في يوم عيد الفطر فقال:« أَلَا وَ إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ عِيداً وَ جَعَلَكُمْ لَهُ أَهْلًا فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ وَ ادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ وَ أَدُّوا فِطْرَتَكُمْ فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ وَ فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ» (7).
الحكمة في عيد الفطر
ذكر البعض حِكَماً كثيرة لعيد الفطر المبارك. ولكن عندما نراجع الروايات المروية عن الأئمة عليهم السلام نرى أن الحكمة لهذا العيد هي الإجتماع والشكر لشهر رمضان المبارك. فإنه قد روى الفضل بن شاذان عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام:« إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَ يَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ يَوْمَ عِيدٍ وَ يَوْمَ اجْتِمَاعٍ وَ يَوْمَ فِطْرٍ وَ يَوْمَ زَكَاةٍ وَ يَوْمَ رَغْبَةٍ وَ يَوْمَ تَضَرُّعٍ وَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ يَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَ الشُّرْبُ لِأَنَّ أَوَّلَ شُهُورِ السَّنَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ شَهْرُ رَمَضَانَ فَأَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَجْمَعٌ يَحْمَدُونَهُ فِيهِ وَ يُقَدِّسُونَهُ وَ إِنَّمَا جُعِلَ التَّكْبِيرُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ إِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَ تَمْجِيدٌ عَلَى مَا هَدَى وَ عَافَى كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (8).
أعمال يوم عيد الفطر
ورد أعمال كثيرة لليوم الأول من شهر شوال الذي هو يوم عيد فطر المبارك. لكننا نقتصر بذكر البعض منها.
منها الدعاء بعد صلاة الفجر وهو دعاء طويل مذكور في كتاب مصباح المتهجد. يبدأ ب(للهم! إني توجهت إليك بمحمد أمامي وعلي من خلفي وأئمتي عن يميني و شمالي أستتر بهم من عذابك وسخطك وأتقرب إليك زلفى لا أجد أحدا أقرب إليك منهم...) (9).
منها اخراج زكاة الفطرة صاعاً عَن كُل نسمة قَبلَ صلاة العيد عَلى التفصيل المبين في الكتب الفقهية واعلم أن زكاة الفطرة مِن الواجبات المؤكدة وهِيَ شرط في قَبول صيام شَهر رَمَضان وهِيَ أمان عَن الموت إلى السنة القابلة.
منها الغسل ، والأحسن أن يغتسل مِن النهر إذا تمكّن ووقت الغسل مِن الفَجر إلى حين أداء صلاة العيد كما قالَ الشيخ وفي الحديث ليكن غسلك تَحتَ الظلال أو تَحتَ حائط فإذا هممت بذلِكَ فقل : اللَّهُمَّ إِيْماناً بِكَ وَتَصْدِيقاً بِكِتابِكَ وَاتِّباعَ سُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلىاللهعليهوآله. ثم سّم باسم الله واغتسل فإذا فرغت مِن الغسل فقل : اللَّهمَّ اجْعَلْهُ كُفَّارَةً لِذُنُوبِي ، وَطَهِّرْ دِيْنِي. اللَّهمَّ اذْهِبْ عَنِّي الدَّنَسَ. (10).
ومنها تحسين الثياب واستعمال الطّيب والاصحار في غير مكة للصلاة تَحتَ السّماء.
ومنها صلاة العيد. وهِيَ ركعتان يقرأ في الأوّلى الحَمد وسورة الاعَلى ويكبّر بَعد القراءة خمس تكبيرات وتقنت بَعد كُل تكبيرة فتقول :اللَّهُمَّ أَهْلَ الكَبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ ، وَأَهْلَ الجُودِ وَالجَبَرُوتِ ، وَأَهْلَ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ ، وَأَهْلَ التَّقوى وَالمَغْفِرَةِ ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذا اليَوْمِ الَّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيْداً ، وَلِمُحَمَّدٍ صلىاللهعليهوآله ذُخْراً وَمَزِيداً ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، وَأَنْ تُدْخِلَنِي فِي كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيْهِ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تُخْرِجَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ ما سَأَلَكَ عِبادُكَ الصَّالِحُونَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِمّا اسْتَعاذَ مِنْهُ عِبادُكَ الصَّالِحُونَ. ثّم تكبّر السّادِسَة وتركع وتسجد ثم تنهض للركعة الثّانِيَة فتقرأ فيها بَعد الحَمد سورة الشمس ثم تكبّر أربع تكبيرات تقنت بَعد كُل تكبيرة وتقرأ في القنوت ما مر فإذا فرغت كبّرت الخامِسَة فركعت وأتممت الصلاة. (11)
هذه كانت جملة من الفضائل والأعمال لعيد فطر المبارك. نرجوا أن لاتنسونا من صالح دعائكم في هذا اليوم المبارك.
1) المعجم الوسيط (لمجموعة من المؤلفين) / المجلد: 2 / الصفحة: 694 / الناشر: دار الدعوة – القاهرة / الطبعة: 1.
2) سورة البقرة / الآية: 183 إلى 185.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 19 / الصفحة: 194 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
4) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 4 / الصفحة: 168 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
5) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 4 / الصفحة: 168 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
6) الأمالي (للشيخ المفيد) / المجلد: 1 / الصفحة: 232 / الناشر: جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 1.
7) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 517 / الناشر: جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 2.
8) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 522 / الناشر: جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 2.
9) مصباح المتهجد (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 655 / الناشر: مؤسسة فقه الشيعة – بيروت / الطبعة: 1.
10) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 326 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – طهران / الطبعة: 1.
11) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 327 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – طهران / الطبعة: 1.
التعلیقات