لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟
السيد حسين الهاشمي
منذ 4 ثوانييعتبر موضوع شهادة المرأة في الإسلام من أكثر المسائل التي أثارت جدلاً واسعًا، ولكن من المهم أن نبدأ بالقرآن. قال الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم : ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ﴾ (1).
الإسلام هو دين كامل أنزله الله تبارك وتعالى على نبيه محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ليقدم للناس برنامجًا شاملاً ووافياً لدينهم ودنياهم. ومن أهم ما جاء به الله تبارك وتعالى في هذا الدين، محاربة التعاليم الباطلة التي كانت موجودة في الحضارات والمجتمعات السابقة، وخاصة المجتمع العربي في عصر الجاهلية، حيث لم يكن العرب، كغيرهم من الأمم السابقة، يمتلكون ثقافة ربانية. وهذا ما أشارت إليه مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها حين قالت: « وَ كُنْتُمْ عَلي شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، مُذْقَةَ الشَّارِبِ، وَ نُهْزَةَ الطَّامِعِ، وَ قُبْسَةَ الْعِجْلانِ، وَ مَوْطِيءَ الْاَقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ، وَ تَقْتاتُونَ الْقِدَّ، اَذِلَّةً خاسِئينَ، تَخافُونَ اَنْ يتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ، فَاَنْقَذَكُمُ اللَّـهُ تَبارَكَ وَ تَعالي بِمُحَمَّدٍ صَلَّي اللَّـهُ عَلَيهِ وَ الِهِ بَعْدَ اللَّـتَيا وَ الَّتي، وَ بَعْدَ اَنْ مُنِي بِبُهَمِ الرِّجالِ، وَ ذُؤْبانِ الْعَرَبِ، وَ مَرَدَةِ اَهْلِ الْكِتابِ » (2).
لكن هناك أسئلة مهمة حول بعض أحكام دين الإسلام وأحد أهم تلك الأسئلة هو أن الإسلام مع كونه أكمل الأديان وأقومهم، ، لماذا لم يُساوِ الإسلام بين الرجال والنساء في مسألة الشهادة أمام القضاء؟ حيث ساوى بين شهادة إمرأتين وبين شهادة رجل واحد. أليس هذا إختلافا فاحشا بين الرجال والنساء، أليس هذا مصداق الجاهلية التي كان شعار الإسلام، المحاربة والمقابلة معها ؟ أليس هذا تقليلا لمنزلة النساء في المحاكم القضائية ؟
للجواب على هذا السؤال يجب علينا أن نراجع الآيات والروايات الصادرة حول هذا الموضوع ونسمع رأي علماء النفس حول الاختلافات الموجودة بين الرجال والنساء.
اختلاف الرجال والنساء في كثير من الأحكام
إن الإسلام دين كامل وأحكامه مجعولة من قبل الله سبحانه وتعالى وإنه بحكمته البالغة، جعل الأحكام الشرعية للناس حتى نحظى بالسعادة الدنيوية والأخروية. ففي ظلّ هذا المقال نرى الكثير من الأحكام تختلف بين الرجال والنساء. فبعضها تُرى نفعا للرجال وبعضها الآخر ترى نفعا للنساء.
مثلا في أحكام الحدود، إن الرجل إذا ارتدّ عن الإسلام فيجب على حاكم الشرع أن يقتله مع وجود بعض الشرائط. لكن المرأة لاتقتل إذا إرتدّت. وأيضا إن الإسلام جعل بعض المسؤوليات والوظائف الشاقة على الرجال ولم يجعلها على النساء. كالجهاد والعمل خارج البيت وغيرها من الأمور الصعبة. وفي المقابل جعل بعض المسؤوليات على النساء فقط. وجميع هذه الاختلافات تنشأ من اختلاف الرجال والنساء في خلقتهم وصفاتهم النفسية التي خلقهم الله سبحانه وتعالى عليها.
والشهادة في الأمور القضائية تُعد من هذه الموارد، إذ إن إحساس النساء وعواطفهن وميولهن الروحية والأخلاقية أقوى من الرجال، مما يجعلهن أكثر عرضة للاشتباه والسهو والغفلة مقارنةً بالرجال. وفي هذا المجال يقول علماء علم النفس:« من خصوصيات النساء أنهن عاطفيات والإحساسات فيهن أكثر وأبرز، والمحبة والأعمال العاطفية والحماية الروحية للآخرين فيهن أعظم من الرجال. وهذه من الخصوصيات التي تخلق النساء معها. وفي المقابل، تكون صفات الاستقلال والسلطة والحاكمية والرقابة بين الرجال أكثر من النساء » (3).
في حالات أخرى، تُقبل شهادة المرأة وحدها ولا يشترط وجود الرجل، مثلما في حالات الولادة والإرضاع، حيث تكون للمرأة الخبرة والمعرفة. هذا يظهر أن الشريعة الإسلامية جاءت لتُراعي اختلاف الأدوار والمسؤوليات وفقاً للظروف وليس للتقليل من شأن أي طرف.
إن الشهادة في الأمور القضائية ليست بفضيلة بل إنها مسؤولية
إن تحمّل الشهادة وأداءها ليس حقًا شرعيًا أو عقلائيًا لأي شخص حتى نقول إن مساواة شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد تمثل إضاعةً لحق النساء في الشريعة الإسلامية. بل إن الشريعة الإسلامية ترى أن تحمل الشهادة وأداءها في المناصب والمحاكم القضائية، مسؤولية ووظيفة مهمة على رقاب الناس.
فعلى الناس أن يشهدوا الصراعات التي توجد في المجتمع الإسلامي في الشوارع والأسواق وغيرها وعليهم أن يحضروا المحاكم القضائية حتى يشهدوا بما شاهدوه في المجتمع كي يساعدوا القاضي على حصول الاطمئنان في إعطاء الأحكام القضائية وكي يصل كل حق إلى ذي حقه. ولهذا حرّم الله سبحانه وتعالى كتمان الشهادة حيث قال: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ (4).
ففي سياق هذه المسؤولية، عندما نرى أن شهادة النساء تكون في بعض الحالات نصف شهادة الرجال، فهذا يدلّ على أن الشريعة الإسلامية ساهمت النساء في هذا المجال، بل إن الشريعة الإسلامية قد أكرمت النساء في مجال الشهادات القضائية ؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل المسؤولية القضائية والشهادة عبئًا ثقيلاً على الرجال، ولم يجعلها بهذه الشدة والثقل على النساء.
فإذا شاهدت المرأة الواحدة شيئا من النزاعات والصراعات في المجتمع الإسلامي بين شخصين أو أشخاص ولم يكن هناك شخص غيرها، فمسؤولية أداء الشهادة في المحاكم القضائية ساقطة عن هذه المرأة. فهذا تخفيف ومساهمة للنساء في هذه المسؤولية الصعبة من قبل الشريعة الإسلامية. ولهذا يجب على النساء أن يفرحن بهذا الحكم وهذا التخفيف.
اختصاص النساء بالشهادة في بعض الموارد دون الرجال
عندما نقرء المقالات المكتوبة حول الشبهات الواردة في الأحكام الإسلامية نرى أنهم يحكون بعض الأحكام ولايعتنون ببعضها الآخر. كأنهم يؤمنون ببعض الأحكام والآيات ويكفرون ببعضهم الآخر. وفي هذا قال الله سبحانه وتعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا. أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾ (5).
فإذا قرأنا جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالمحاكم والقضاء والشهادات، نجد أن بعض الدعاوى لا يمكن عادةً إثباتها إلا بشهادة النساء. لإنه عادة لايمكن للرجال أن يتطلعوا على بعض الموارد والحالات أو يصعب لهم هذا الأمر. كالأمور المختصة بالنساء مثل الحمل والولادة والحيض والنفاس والبكارة. فإذا وقع اختلاف بين شخصين في أحد هذه الأمور، فلا يمكن أو يصعب للرجال أن يشهدوا بها لأنهم لن يطلعوا على الأمور المختصة بالنساء.
وأحد الأمور المتداولة في المجتمع الإسلامي خصوصا المجتمعات السابقة هي الأمراض والعيوب الجنسية والباطنية للنساء. لأن أحد أحكام الشريعة الإسلامية في باب الطلاق هي أنه إذا كان للمرأة أحد الأمراض أو العيوب الباطنية والجنسية، كالقرن والرتق والقرح في فرج المرأة، يمكن للرجل أن يفسخ عقد النكاح دون أيّ طلاق ودفع الصداق والمهرية. فأكثر هذه العيوب لايمكن الإطلاع عليها والشهادة حولها من قبل الرجال. فالنساء مخصوصات بالشهادة في هذه الموارد دون الرجال.
كرامة المرأة بعدم الشهادة
في المرتبة الأولى عندما نقرء عدم التساوي بين الرجال والنساء في الشهادة، نقول إن هذا الحكم تقليل للمرأة وتحقير لحقها. لكن عندما نتأمل أكثر في هذا الحكم نفهم إن هذا الحكم مطابق لكرامة النساء.
لأن أداء الشهادة في المحاكم القضائية يحتاج إلى أن الشاهد قد حضر في الصراع وشاهد الحق والباطل وبعد ذلك يأتي إلى المحكمة القضائية بدعوة الداعي ويشهد عند القاضي بما شاهده. وهذا يستلزم أن تحضر المرأة باستمرار في المجتمع من دون أي مبرر عقلائي، لتشهد الصراعات وتتمكن من تقديم شهادتها أمام القاضي عند الحاجة. لكن حضور المرأة في الأسواق والشوارع بلا أيّ مبرر عقلائي هي تقليل للمرأة وتحقير لحقها ومقامها. ففي الحقيقة هذا الحكم تعظيم وإكرام للمرأة.
إضافةً إلى أن بعض الصراعات قد تُعرِّض الآخرين للإصابة أو الأذى، إذ قد يؤدي العراك عندما يشتد إلى جرح الأشخاص المحيطين به. فلو كانت مسؤولية النساء في تحمل الشهادة وأدائها بنفس الشدة المطلوبة من الرجال، لربما تعرضت النساء للإصابة أو الأذى. لذلك، فإن هذا الحكم من الشارع المقدس يُعتبر إكرامًا للنساء وحفظًا لمقامهن السامي في المجتمع الإسلامي.
تذكير أحد المرأتين الحق إلى الآخر
جاء في الآية الواردة في صدر البحث:﴿ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ﴾ (6).
ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في ذيل هذه الآية: « إذا ضلّت إحداهما عن الشهادة فنسيتها ، ذكرت أحداهما الأخرى بها فاستقاما في أداء الشهادة عند الله شهادة امرأتين بشهادة رجل. ثم قال : معاشر النساء ، احترزن من الغلط في الشهادات ، فان الله يعظم ثواب المتحفظين والمتحفظات في الشهادة ، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما من امرأتين احترزتا في الشهادة ، فذكرت إحداهما الأخرى حتى تقيما الحق وتنفيا الباطل إلا واذا بعثهما الله يوم القيامة عظم ثوابهما ، ثم ذكر حديثا طويلاً يتضمن ثوابا جزيلا » (7).
ويقول الشيخ ناجي العاملي في توضيح هذه الآية الشريفة:« أنّ المرأة قد تهتمّ بالمال أكثر ممّا تهتمّ بدِينها وآخرتها. هذا القصور الفطري تشعر به نفس المرأة ـ فضلاً عن الرجل ـ ، فهي ترى نفسها خُلِقت لأشياء وأمورٍ تغاير أمور الرجال ، وهي تشعر بذلك حين تـنجب صبـياً أو تـنجب أنـثى ، وهي تعلم أنه ليس الذكر كالأنـثى في الكثير من أمور الحياة. نعم لا شكّ أنّ الله جلّ وعلا خَلَقَ المرأةَ لدورٍ كبـير وخطير كتربـية الأطفال وغير ذلك ، ممّا يقتضي لزومَ قرارهنّ في بـيوتهنّ وتحصينهنّ بالبـيت من أنظار الرجال الطوامح والتستّر وعدم الإختلاط والمكالمة مع الرجال الأجانب » (8).
1) سورة البقرة / الآية: 282.
2) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 216 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
3) روانشناسي رشد (جمع من علماء النفس) / المجلد: 1 / الصفحة: 330 / الناشر: نشر السمت للطباعة والنشر – طهران / الطبعة: 2.
4) سورة البقرة / الآية: 283.
5) سورة النساء / الآية: 150 و 151.
6) سورة البقرة / الآية: 282.
7) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 20 / الصفحة: 335 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
8) دروس في علم الأصول (للشيخ ناجي آل فقيه العاملي) / المجلد: 1 / الصفحة: 170 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات