شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والتقرب إلى الله
الشيخ مهدي المجاهد
منذ أسبوعيحلّ علينا شهر رمضان كضيف كريم، يحمل معه نفحات إيمانية وفرصًا عظيمة لتجديد العلاقة مع الله. إنه شهر الرحمة والمغفرة، حيث تتضاعف فيه الحسنات، وتُفتح أبواب الجنة، وتصفّد الشياطين، فيعيش المسلم أجواء روحانية تملؤها الطاعة والتقرب إلى الله بالصيام والصلاة وتلاوة القرآن.
ليس الصيام مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تهذيب للنفس، وتعزيز للصبر، وتقوية للإرادة. في رمضان، يشعر المسلمون بروح التكافل والتعاطف، حيث يتذكرون معاناة الفقراء والمحتاجين، ويجودون عليهم بالعطاء، ليكون هذا الشهر مدرسة عملية في الإحسان والكرم.
فرصة رمضان لا تتكرر إلا مرة واحدة في العام، ومن يدرك قيمته الحقيقية يسعى لاستغلال كل لحظة فيه بالدعاء والعبادة والعمل الصالح. فمن صامه إيمانًا واحتسابًا، نال المغفرة، ومن أحياه بالطاعة، خرج منه بنفسٍ نقية وقلبٍ مطمئن. إنه شهر التغيير والتجديد الروحي، فهنيئًا لمن اغتنمه وكان من الفائزين.
شهر رمضان ربيع القرآن
شهر رمضان هو ربيع القلوب وروح الإيمان، وهو أيضًا ربيع القرآن، كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : « لِكُلِّ شَيءٍ رَبيعٌ ، ورَبيعُ القُرآنِ شَهرُ رَمَضانَ « (1). فهذا الشهر المبارك ليس كغيره من الشهور، بل هو فرصة ذهبية تغمر الإنسان بالنفحات الروحية، حيث تتنزل فيه البركات، وتكثر فيه الطاعات، وتتجدد فيه صلة العبد بربه من خلال الصلاة والذكر وقراءة القرآن الكريم.
القرآن هو روح هذا الشهر، فهو الكتاب الذي أنزل فيه، وهو الدليل الذي يضيء طريق المسلمين نحو الهداية والنجاة. لذلك، فإن شهر رمضان يعد أفضل وقت للتدبر في آياته، والتقرب من معانيه، والعمل بأحكامه. عندما يقرأ الإنسان القرآن بقلب خاشع، فإنه يشعر براحة نفسية وسكينة روحية لا تضاهيها أي لذة دنيوية، ويكتشف معاني أعمق للحياة، ويدرك مدى رحمة الله بعباده.
الشباب خاصةً بحاجة إلى الاستفادة من أجواء رمضان الروحانية، حيث يمنحهم هذا الشهر المبارك فرصة لإعادة ترتيب أولوياتهم، والابتعاد عن الملهيات، والتركيز على بناء أنفسهم دينيًا وأخلاقيًا. يمكنهم وضع خطة يومية لتلاوة القرآن، حتى ولو كانت بضع آيات، وتخصيص وقت للتدبر في معانيه، والعمل به، لأن القرآن ليس مجرد كلمات تُقرأ، بل هو منهج حياة يدعو إلى الخير والعدل والصلاح.
عندما يدرك الإنسان فضل هذا الشهر، فإنه يستغل كل لحظة فيه ليكون أقرب إلى الله، ويغذي روحه بالإيمان، ويجعل تلاوة القرآن عادةً لا تنتهي بانتهاء رمضان، بل تستمر معه طوال العام، ليظل دائمًا في رحاب الهداية والنور.
شهر رمضان؛ شهر استجابة الدعاء
الدعاء هو صلة العبد بربه، وهو من أعظم العبادات التي تقرب الإنسان من خالقه، وقد جعل الله لشهر رمضان خصوصية في استجابة الدعاء، كما جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : « دَعوَةُ الصّائِمِ تُستَجابُ عِندَ إفطارِهِ » (2). هذا الحديث الشريف يؤكد أن لحظة الإفطار ليست مجرد وقت لإنهاء الصيام، بل هي لحظة مميزة يفتح الله فيها أبواب رحمته ويستجيب لدعاء الصائم، مما يجعل رمضان فرصة ذهبية لمن يريد التقرب إلى الله وطلب حاجاته.
في هذا الشهر الفضيل، يعيش الإنسان في أجواء روحانية تدفعه للإكثار من الدعاء، حيث يشعر بالقرب من الله أكثر من أي وقت آخر. فالجوع والعطش طوال النهار يذكرانه بضعفه واحتياجه الدائم لرحمة الله، مما يجعله يتوجه إليه بقلب صادق وخاشع، طالبًا المغفرة والرحمة والرزق والهداية. لذلك، على كل مسلم، وخاصة الشباب، أن يستغلوا هذه اللحظات المباركة، ويجعلوا الدعاء جزءًا أساسيًا من عبادتهم اليومية، سواء كان ذلك في السجود، أو عند الإفطار، أو خلال صلاة التراويح، أو في أوقات السحر.
الدعاء في رمضان لا يقتصر على طلب الحاجات الشخصية فقط، بل هو فرصة للدعاء للوالدين، وللأهل، وللأمة الإسلامية، وللنجاح في الدنيا والآخرة. إن من يستغل هذه الأيام المباركة في الدعاء بصدق، سيشعر بقوة روحية عظيمة، وسيرى أثر ذلك في حياته بعد رمضان، حيث يفتح الله له الأبواب المغلقة، وييسر له الخير، ويمنحه الراحة والطمأنينة. لذا، علينا أن نرفع أيدينا بالدعاء في هذا الشهر العظيم، ونتأكد أن الله يسمعنا، ويستجيب لنا برحمته الواسعة.
شهر رمضان؛ شهر الجزاء المضاعف
شهر رمضان هو موسم الرحمة والمغفرة، وهو أيضًا شهر تتضاعف فيه الأجور بشكل لا يُقارن ببقية الشهور، كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: « مَنْ قَرَأَ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ آیةً مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ كَانَ كَمَنْ خَتَمَ القُرْآنَ فِی غَیرِهِ مِنَ الشُّهُورِ » (3). هذا الحديث يعكس عظمة رمضان، حيث يمنح الله عباده فرصًا لا مثيل لها لتحصيل الأجر والثواب بأقل جهد ممكن، مما يجعل كل عمل صالح فيه مضاعفًا في ميزان الحسنات.
قراءة القرآن في رمضان لها مكانة خاصة، حتى أن تلاوة آية واحدة تعادل ختم القرآن في غيره من الشهور، مما يحفز المؤمنين على استغلال هذا الشهر في الإكثار من تلاوة كتاب الله. ففي هذا الشهر الفضيل، تتفتح القلوب لاستقبال نور الهداية، ويكون العبد أكثر استعدادًا لفهم معاني القرآن والتأمل فيها، مما يجعله أقرب إلى الله، وأكثر وعيًا بدينه.
هذه الفرصة الذهبية ينبغي أن يدركها الشباب بشكل خاص، حيث يمكنهم وضع برنامج يومي لتلاوة القرآن، حتى ولو بضع آيات فقط، فكل حرف يُقرأ في رمضان يحمل أجرًا عظيمًا لا يمكن تفويته. كما أن التفاعل مع القرآن من خلال التدبر والتفسير والعمل بما فيه، يجعل رمضان نقطة تحول في حياة الإنسان، حيث يخرج منه بروح نقية وعزيمة أقوى لمواصلة الطاعة طوال العام.
لذلك، فإن رمضان ليس مجرد شهر للصيام، بل هو مدرسة إيمانية متكاملة تمنح المسلمين فرصة لا تعوض لجمع الحسنات، والتقرب من الله، والاستفادة من مضاعفة الأجر، فكل عمل صغير في هذا الشهر يصبح عظيمًا، وكل جهد يبذل في الطاعة يثمر خيرًا لا حدود له.
شهر رمضان؛ شهر الشعور بالفقراء ومواساتهم
الصيام ليس مجرد عبادة فردية تهدف إلى الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو وسيلة عظيمة لغرس معاني الرحمة والتعاطف مع المحتاجين، كما أشار الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال : « إِنَّما فَرَضَ اللهُ الصِّيَامَ لِيَسْتَويَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ « (4). هذا الحديث يوضح أن أحد أهداف الصيام الرئيسية هو جعل الأغنياء يشعرون بمعاناة الفقراء، ويدركون معنى الجوع والعطش الذي يعيشه المحتاجون يوميًا، مما يدفعهم إلى الإحسان والعطاء.
عندما يجوع الصائم ويشعر بالعطش، يدرك حجم النعمة التي أنعم الله بها عليه، ويتذكر أن هناك من يقضي أيامه ولياليه دون أن يجد قوت يومه. هذه المشاعر تفتح باب العطف والرحمة، وتدفع الإنسان إلى مساعدة الفقراء، سواء من خلال الصدقة، أو تقديم الطعام، أو المساهمة في الأعمال الخيرية. فالصيام يُحوّل الإحساس بالجوع إلى دافع لفعل الخير، ويجعل المجتمع أكثر تماسكًا وتعاونًا، حيث يشعر الجميع بأنهم جزء من كيان واحد، يتعاونون لمساعدة بعضهم البعض.
الشباب على وجه الخصوص يمكنهم الاستفادة من هذه الفكرة في رمضان، من خلال تخصيص جزء من وقتهم ومواردهم لمساعدة المحتاجين، سواء عن طريق التبرع بالمال، أو توزيع وجبات الإفطار، أو حتى زيارة الأيتام والفقراء ورسم الابتسامة على وجوههم. فالصيام لا يقتصر على الامتناع عن الطعام فقط، بل هو تدريب عملي على الشعور بالآخرين، وإحياء قيم التراحم والتكافل التي تجعل المجتمع أكثر إنسانية.
خاتمة: فضل شهر رمضان والصائم
شهر رمضان ليس مجرد أيام معدودة تمضي سريعًا، بل هو فرصة ذهبية للتغيير الروحي والارتقاء بالنفس. فهو شهر يجمع بين العبادة والطهارة الروحية والتكافل الاجتماعي، حيث يتعلم المسلم الصبر، ويقترب أكثر من ربه، ويعيش معاني الرحمة والمغفرة.
من أحسن استغلال شهر رمضان، خرج منه بروح أنقى وإيمان أقوى، ومن ضيّعه فقد خسر فرصة عظيمة قد لا تتكرر. فلنجعل من هذا الشهر محطة لتجديد العهد مع الله، ولتبقى آثاره معنا طوال العام، فنستمر في الطاعات ونبتعد عن المعاصي، ليكون رمضان بدايةً لحياة مليئة بالإيمان والبركة.
اللهم اجعلنا من الذين فازوا برضاك في هذا الشهر الكريم، وتقبل منا صيامنا وقيامنا، واغفر لنا ذنوبنا، ووفقنا لما تحب وترضى.
1ـ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول / العلامة المجلسي / المجلّد : 12 / الصفحة : 519.
2ـ شهر الله في الكتاب و السنّة / الشيخ محمد المحمدي الري شهري / المجلّد : 1 / الصفحة : 176.
3ـ فضائل الأشهر الثلاثة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 1 / الصفحة : 97.
4ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 10 / الصفحة : 7 / ط - آل البیت.
التعلیقات