تحرير المرأة في الاسلام
موقع راسخون
منذ 10 سنواتلما انبثق فجر الاسلام وأطل على الدنيا بنوره الوضّاء، أسقط کل تقاليد الجاهلية وأعرافها البالية، وأشاد للانسانية دستوراً
خالداً يلائم العقول النيّرة والفطر السليمة، ويواكب البشرية عبر الحياة،فكان من اصلاحاته أنه صحح قيم المرأة وأعاد اليها اعتبارها، ومنحها حقوقها المادية والأدبية بأسلوب قاصد حكيم، لا إفراط فيه ولا تفريط، فتبوأت المرأة المسلمة في عهده الزاهر منزلة رفيعة لم تبلغها نساء العالم.
لقد أوضح الاسلام واقع المرأة، ومساواتها بالرجل في المفاهيم الانسانية، واتحادها معه في المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأخروي على الأعمال، ليُسقط المزاعم الجاهلية أزاء تخلف المرأة عن الرجل في هذه المجالات.
«يا أيها الناس، انّا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ اكرمكم عند اللّه اتقاكم» (1)
«من عمل صالحاً من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» (2)
وكان بعض الأعراب يئد البنات ويقتلهن ظلماً وعدواناً، فجاء ناعياً ومهدداً على تلك الجريمة النكراء، ومنح البنت شرف الكرامة وحق الحياة «واذا الموؤودة سُئلت، بأي ذنب قتلت»(3)
«ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق، نحن نرزقهم واياكم، إن قتلهم كان خطأً كبيراً» (4)
وقضت الأعراف الجاهلية ان تسوم المرأة ألوان التحكم والافتئات، فتارة تقسرها على التزويج ممن لا ترغب فيه، او تعضلها من الزواج.
وأخرى تُورث كما يورث المتاع، يتحكم بها الوارث كيف يشاء، فله ان يزوجها ويبتز مهرها، أو يعضلها حتى تفتدي نفسها منه أو تموت، فيرثها كُرهاً واغتصاباً. وقد حررها الاسلام من ذلك الأسر الخانق والعبودية المقيتة، ومنحها حرية اختيار الزوج الكفوء، فلا يصح تزويجها الا برضاها، وحرم كذلك استيراثها قسراً واكراهاً:
«يا .يها الذين امنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرهاً، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن» (5)
وكانت التقاليد الجاهلية، وحتى الغربية منها، الى عهد قريب تمنع المرأة حقوق الملكية، كما حرمتها الجاهلية العربية حقوق الارث، لأن الارث في عرفهم لا يستحقه الا رجال القبيلة وحماتها المدافعون عنها بالسيف. وقد اسقط الاسلام تلك التقاليد الزائفة، ومنح المرأة حقوقها الملكية والارثية، وقرر نصيبها من الارث.. أمّاً كانت، أو بنتاً، او اختاً او زوجة:
«للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن»(6)
«للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون»(7)
وفرض للزوجة على زوجها حق الاعالة، ولو كانت ثرية موسرة.
وقد عرضنا في حقوق الزوجة طرفاً من وصايا أهل البيت عليهم السلام في رعايتها وتكريمها، تعرب عن اهتمام الشريعة الاسلامية بشؤون المرأة ورفع معنوياتها.
واستطاع الاسلام بفضل مبادئه وسمو آدابه أن يجعل المرأة المسلمة قدوة مثالية لبناء الامم، في رجاحة العقل وسمو الايمان وكرم الأخلاق، ورفع منزلتها الاجتماعية، حتى استطاعت ان تناقش وتحاجّ الخليفة الثاني ابّان خلافته، وهو يخطب في المسلمين وينهاهم عن المغالاة في المهور، فانبرت له امرأة من صف الناس، وقالت: ما ذاك لك.
فقال: ولمه؟
اجابت: لأن اللّه تعالى يقول «وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا » (8).فرجع عمر عن رأيه، وقال: أخطأ عمر واصابت امرأة.
وقد سجل التاريخ صفحات مشرقة بأمجاد المرأة المسلمة ومواقفها البطولية في نصرة الاسلام، يقصّها الرواة بأسلوب رائع ممتع يستثير الاعجاب والاكبار.
فهذه «نسيبة المازنية» كانت تخرج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في غزواته، وكان ابنها معها، فأراد أن ينهزم ويتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بني، الى اين تفر عن اللّه وعن رسوله؟ فردته.
فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فقتلته. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: بارك اللّه عليك يانسيبة.
وكانت تقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، حتى أصابتها جراحات كثيرة(9)
وحجّ معاوية سنة من سنيّه ، فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالجحون، يقال لها «دارميّة الجحون» وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث اليها. فجيء بها، فقال: ما حالك يا بنة حام؟ قالت: لست لحام إن عبتني، إنّما أنا امرأة من بني كنانة، ثمت من بني ابيك.
قال: صدقت، أتدرين لم بعثت اليك؟
قالت: لا يعلم الغيب الا اللّه.
قال: بعثت اليك لأسألك، علامَ أحببت علياً وأبغضتني، وواليته وعاديتني؟
قالت: أوَتعفيني يا أمير المؤمنين.
قال: لا أعفيك.
قالت: أما اذا أبيت، فأني أحببت علياً على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية. وأبغضتك على قتال من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق. وواليت علياً على ما عقد له رسول اللّه صلی الله علیه وآله وسلم من الولاء، وعلى حبه للمساكين، وإعظامه لاهل الدين، وعاديتك على سفك الدماء، وشقك العصا وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى.
قال: فلذلك انتفخ بطنك.
قالت: يا هذا، بهند واللّه يضرب المثل في ذلك لا بي.
قال معاوية: يا هذه، اربعي، فانا لم نقل الا خيراً، فرجعت وسكنت.
فقال لها: يا هذه، هل رأيت علياً؟
قالت: أي واللّه لقد رأيته.
قال: فكيف رأيتيه.
قالت: رأيته واللّه لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك.
قال: هل سمعت كلامه.؟
قالت: نعم واللّه، كان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الصدأ.
قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟
قالت: أوَتفعل اذا سألتك؟ قال: نعم.
قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها.
قال: تصنعين بها ماذا؟
قالت: أغدو بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، وأصلح بها العشائر.
قال: فان أعطيتك ذلك، فهل أحلّ عندك محل عليّ؟
قالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك.
ثم قال: أما واللّه لو كان علي حيّاً ما اعطاك منها شيئاً.
قالت: لا واللّه ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.
واستدعى معاوية امرأة من أهل الكوفة تسمى «الزرقاء بنت عديّ» كانت تعتمد الوقوف بين الصفوف وترفع صوتها صارخة، يا أصحاب علي، تسمعهم كلامها كالصوارم، مستحثة لهم بقول لو سمعه الجبان لقاتل،والمدبر لأقبل، والمسالم لحارب، والفار لكرّ، والمتزلزل لاستقر.فلما قدمت على معاوية، قال لها: هل تعلمين لم بعثت اليك؟
قالت: لا يعلم الغيب الا اللّه سبحانه وتعالى.
قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وانت بين الصفوف توقدين نار الحرب، وتحرضين على القتال؟
قالت: نعم. قال: فما حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، انه قد مات الرأس، وبتر الذنب، ولن يعود ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر.
قال: صدقت، فهل تعرفين كلامك وتحفظين ما قلت؟
قالت: لا واللّه، ولقد انسيته.
قال: للّه أبوك، فلقد سمعتك تقولين «أيها الناس، ارعوا وارجعوا، انكم أصبحتم في فتنة، غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء، لا تسمع لناعقها ولاتسلس لقائدها. ان المصباح لا يضيء في الشمس، وان الكواكب لا تنير مع القمر، وانّ البغل لا يسبق الفرس، ولا يقطع الحديد الا بالحديد، ألا من استرشد ارشدناه، ومن سألنا أخبرناه.
أيها الناس: ان الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص، فكأنكم وقد التأم شمل الشتات، وظهرت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فانه لا يستوي المحق والمبطل. أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون. فالنزال النزال، والصبر الصبر، ألا ان خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير الأمور عاقبة، أئتوا الحرب غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده».
ثم قال: يا زرقاء، أليس هذا قولك وتحريضك؟
قالت: لقد كان ذلك.
قال: لقد شاركت علياً في كل دم سفكه.
فقالت: أحسن اللّه بشارتك أمير المؤمنين، وادام سلامتك، فمثلك من بشر بخير، وسرّ جليسه.
فقال معاوية: أوَيسرك ذلك؟
قالت: نعم واللّه، لقد سرّني قولك، وأنى لي بتصديق الفعل. فضحك معاوية، وقال: واللّه لوفاؤكم له بعد موته اعجب عندي من حبكم له في حياته(10)
وهذه ام وهب ابن عبد اللّه بن خباب الكلبي، قالت لابنها يوم عاشوراء: قم يابني، فانصر ابن بنت رسول اللّه.
فقال: أفعل يا أماه ولا أقصّر.
فبرز وهو يقول رجزه المشهور، ثم حمل فلم يزل يقاتل، حتى قتل منهم جماعة، فرجع الى امّه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أماه أرضيت؟
فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام.
فقالت امرأته: باللّه، لا تفجعني في نفسك.
فقالت أمّه: يابني، لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللّه، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي اللّه.
فرجع ولم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، ثم قطعت يداه. واخذت امه عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك ابي وامي، قاتل دون الطيبين - حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - . فأقبل كي يردها الى النساء، فأخذت بجانب ثوبه «لن أعود او أموت معك».
فقال الامام الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيتٍ خيراً، ارجعي الى النساء، رحمك اللّه. فانصرفت. وجعل يقاتل حتى قتل رضوان اللّه عليه (11)
هذه لمحة خاطفة من عرض تاريخي طويل زاخر بأمجاد المرأة المسلمة، ومواقفها البطولية الخالدة، اقتصرنا عليها خشية الاطالة.
واين من هذه العقائل المصونات، نساء المسلمين اليوم، اللاتي يتشدق الكثيرات منهن بالتبرج، ونبذ التقاليد الاسلامية، ومحاكاة المرأة الغربية، في تبرجها وخلاعتها. فخسرن بذلك أضخم رصيد ديني وأخلاقي تملكه المرأة المسلمة وتعتز به، وغدون عاطلات من محاسن الاسلام، وفضائله المثالية.
المصادر :
1- الحجرات: 13
2- النحل: 97
3- التكوير: 8 - 9
4- الاسراء: 31
5- النساء: 19
6- النساء: 32
7- النساء: 7
8- النساء: 20
9- عن سفينة البحار ج 2 ص 585
10- هاتان القصتان (الثانية والثالثة) عن قصص العرب ج 2، وقد نقلتا بتصرف واختصار
11- نفس المهموم للشيخ عباس القمي (ره) بتصرف وتلخيص
التعلیقات