نموذج من إنصاف الإسلام للمرأة
الشيخ حسن الصفار
منذ 16 سنةفطرة الانسان, وثقته بعدالة الشارع, وكمال التشريع الالهي, تدفعه للبحث عن الحل والعلاج, لاي معضلة تواجهه, او محنة يتعرض لها في حياته الاجتماعية.
فاذا ما وجد فراغا تشريعيا في قضية من القضايا, عليه ان يعود الى مصادر التشريع جادا مجتهدا, للحصول على الحكم المطلوب لملء ذلك الفراغ, ومعالجة ذلك المعضل.
يتحدث القرآن الكريم عن امرأة واجهت هذا التحدي في بدء تكوين المجتمع الاسلامي, حيث كانت لاتزال بعض الاعراف والتقاليد الجاهلية حاكمة سائدة, لان التشريع كان يتكامل تدريجيا.
رأت هذه المرأة ان الحكم السائد في القضية التي واجهتها يضر بمصلحتها, ويهدد مستقبلها ومستقبل عائلتها بالضياع والدمار, فلم تسكت على ذلك, ولم تقبل الخضوع لعرف وتقليد يلحق بها الظلم والاذى, فانطلقت نحو جهة التشريع, النبي محمد , تعلن معارضتها ورفضها القبول بالعرف السائد, وتطالبه بتشريع عادل يعالج مشكلتها وامثالها بواقعية وانصاف, وحينما اعتذر لها النبي بانه بعد لم ينزل عليه وحي حول هذا الـوضع, لم يقنعها ذلك, ودخلت معه في نقاش وجدال, تلح وتضغط لجهة الاسراع في وضع حل.
لم ينهرها النبي , ولم يغضب من جدالها واصرارها, ولا استنكر عليها المطالبة والشكوى لحماية مصالحها, بل ان الله تعالى اشاد بموقفها وخلده بان جعله عنوانا لسورة كاملة في القرآن الكريم, تبدأ بالحديث عن المشكلة التي طرحتها تلك المرأة, وتضع التشريع الالهي لمعالجتها, وهي السورة رقم 58 واسمها سورة (المجادلة) .
تبدأ السورة بقوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير).
قال اكثر المفسرين: ان تلك المرأة صحابية من الانصار اسمها "خولة بنت ثعلبة بن مالك الخزرجية" وزوجها اوس بن الصامت, وكان شيخا كبيرا, قد ساء خلقه, فدخل عليها يوما, فراجعته بشيء, فغضب, فقال: انت علي كظهر امي, وكان الرجل في الجاهلية, اذا قال ذلك لامرأته حرمت عليه, ويسمى ظهارا, ولانه اول حادث من نوعه في المجتمع الاسلامي, ولم يكن قد نزل حوله تشريع, فان الحكم السابق يبقى ساري المفعول في عرف المجتمع.
ورغم ان الزوج قد تراجع عن كلامه, لكن التراجع لا يجدي وقد انتهت الى الابد العلاقة الزوجية بينه وبين زوجته.
فأتت الزوجة (خولة) رسول الله وقالت: يا رسول الله ان اوسا تزوجني وانا شابة مرغوب في فلما خلا سني, ونثرت له بطني ـ جعلني عليه كأمه, وتركني الى غير احد, فان كنت تجد لي رخصة يا رسول الله, تنعشني بها واياه فحدثني بها؟
قال : "والله ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن"
وفي رواية: "ما اراك الا قد حرمت عليه".
قالت: ما ذكر طلاقا. وجادلت رسول الله مرارا. ثم قالت: اللهم اني اشكو اليك شدة وحدتي, وما يشق علي من فراقه.
وفي رواية قالت: اشكو الى الله تعالى فاقتي, وشدة حالي, وان لي صبية صغارا, ان ضممتهم اليه ضاعوا, وان ضممتهم الي جاعوا!!
وجعلت ترفع رأسها الى السماء وتقول: اللهم اني اشكو اليك, اللهم فأنزل على لسان نبيك. وما برحت حتى نزل القرآن فيها. فقال : "يا خولة ابشري".
قالت: خيرا؟ فقرأ عليها اوائل آيات سورة المجادلة, والتي تتضمن تشريعا جديدا, يتيح للزوج التراجع عن تحريم زوجته عليه بتشبيهه لها بأمه, شريطة ان يقوم بالتكفير عن ذلك, بعتق رقبة ، فان لم يستطع يصوم شهرين متتابعين, فان لم يكن قادرا يطعم ستين مسكينا. وعند ذلك يستعيد علاقته الزوجية يقول تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا...).
اصبحت هذه المرأة الجريئة التي طالبت بتشريع يحمي حقوقها ومصالحها, ذات موقعية واحترام في وسط المسلمين, بعد ان خلد موقفها الذكر الحكيم.
ينقل السيد محمود الآلوسي البغدادي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن) انه كان (عمر يكرمها اذا دخلت عليه, ويقول: قد سمع الله تعالى لها, وروى ابن ابي حاتم, والبيهقي في الاسماء والصفات انها لقيته ـ رضي الله عنه ـ وهو يسير مع الناس, فاستوقفته فوقف لها, ودنا منها, واصغى اليها, ووضع يده على منكبيها, حتى قضت حاجتها وانصرفت, فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجال قريش على هذه العجوز؟ قال: ويحك اتدري من هذه؟ قال: لا, قال: هذه امرأة سمع الله تعالى شكواها من فوق سبع سماوات, هذه خولة بنت ثعلبة, والله لو لم تنصرف حتى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها. وفي رواية للبخاري في تاريخه: انها قالت: قف يا عمر.
فوقف فأغلظت له القول. فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما رأيت كاليوم! فقال: وما يمنعني ان استمع اليها وهي التي استمع الله تعالى لها فأنزل فيها ما انزل).
وجميل ما قاله الشيخ ابن عاشور عند تفسيره لسورة المجادلة: (افتتحت آيات احكام الظهار بذكر سبب نزولها, تنويها بالمرأة التي وجهت شكواها الى الله تعالى, بانها لم تقصر في طلب العدل في حقها وحق بنيها. ولم ترض بعنجهية زوجها وابتداره الى ما ينثر عقد عائلته دون تبصر ولا روية, وتعليما لنساء الامة الاسلامية ورجالها, واجب الذود عن مصالحها).
فرص العلم والمعرفة في مختلف مستوياتها, يجب ان تتاح للنساء كما للرجال على حد سواء, واذا ما لاحظت المرأة نقصا او غبنا لها في هذا المجال, فعليها الا تسكت على ذلك, بل تطالب بحقها في كسب المعرفة والعلم. وهذا ما حدث في عهد رسول الله , وأقر لهن بمشروعية طلبهن, واستجاب لرغبتهن.
جاء في صحيح البخاري عن ابي سعيد الخدري: قالت النساء للنبي : غلبنا عليك الرجال, فاجعل لنا يوما من نفسك. فوعدهن يوما لقيهن فيه, فوعظهن وأمرهن.
فاذا ما وجد فراغا تشريعيا في قضية من القضايا, عليه ان يعود الى مصادر التشريع جادا مجتهدا, للحصول على الحكم المطلوب لملء ذلك الفراغ, ومعالجة ذلك المعضل.
يتحدث القرآن الكريم عن امرأة واجهت هذا التحدي في بدء تكوين المجتمع الاسلامي, حيث كانت لاتزال بعض الاعراف والتقاليد الجاهلية حاكمة سائدة, لان التشريع كان يتكامل تدريجيا.
رأت هذه المرأة ان الحكم السائد في القضية التي واجهتها يضر بمصلحتها, ويهدد مستقبلها ومستقبل عائلتها بالضياع والدمار, فلم تسكت على ذلك, ولم تقبل الخضوع لعرف وتقليد يلحق بها الظلم والاذى, فانطلقت نحو جهة التشريع, النبي محمد , تعلن معارضتها ورفضها القبول بالعرف السائد, وتطالبه بتشريع عادل يعالج مشكلتها وامثالها بواقعية وانصاف, وحينما اعتذر لها النبي بانه بعد لم ينزل عليه وحي حول هذا الـوضع, لم يقنعها ذلك, ودخلت معه في نقاش وجدال, تلح وتضغط لجهة الاسراع في وضع حل.
لم ينهرها النبي , ولم يغضب من جدالها واصرارها, ولا استنكر عليها المطالبة والشكوى لحماية مصالحها, بل ان الله تعالى اشاد بموقفها وخلده بان جعله عنوانا لسورة كاملة في القرآن الكريم, تبدأ بالحديث عن المشكلة التي طرحتها تلك المرأة, وتضع التشريع الالهي لمعالجتها, وهي السورة رقم 58 واسمها سورة (المجادلة) .
تبدأ السورة بقوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير).
قال اكثر المفسرين: ان تلك المرأة صحابية من الانصار اسمها "خولة بنت ثعلبة بن مالك الخزرجية" وزوجها اوس بن الصامت, وكان شيخا كبيرا, قد ساء خلقه, فدخل عليها يوما, فراجعته بشيء, فغضب, فقال: انت علي كظهر امي, وكان الرجل في الجاهلية, اذا قال ذلك لامرأته حرمت عليه, ويسمى ظهارا, ولانه اول حادث من نوعه في المجتمع الاسلامي, ولم يكن قد نزل حوله تشريع, فان الحكم السابق يبقى ساري المفعول في عرف المجتمع.
ورغم ان الزوج قد تراجع عن كلامه, لكن التراجع لا يجدي وقد انتهت الى الابد العلاقة الزوجية بينه وبين زوجته.
فأتت الزوجة (خولة) رسول الله وقالت: يا رسول الله ان اوسا تزوجني وانا شابة مرغوب في فلما خلا سني, ونثرت له بطني ـ جعلني عليه كأمه, وتركني الى غير احد, فان كنت تجد لي رخصة يا رسول الله, تنعشني بها واياه فحدثني بها؟
قال : "والله ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن"
وفي رواية: "ما اراك الا قد حرمت عليه".
قالت: ما ذكر طلاقا. وجادلت رسول الله مرارا. ثم قالت: اللهم اني اشكو اليك شدة وحدتي, وما يشق علي من فراقه.
وفي رواية قالت: اشكو الى الله تعالى فاقتي, وشدة حالي, وان لي صبية صغارا, ان ضممتهم اليه ضاعوا, وان ضممتهم الي جاعوا!!
وجعلت ترفع رأسها الى السماء وتقول: اللهم اني اشكو اليك, اللهم فأنزل على لسان نبيك. وما برحت حتى نزل القرآن فيها. فقال : "يا خولة ابشري".
قالت: خيرا؟ فقرأ عليها اوائل آيات سورة المجادلة, والتي تتضمن تشريعا جديدا, يتيح للزوج التراجع عن تحريم زوجته عليه بتشبيهه لها بأمه, شريطة ان يقوم بالتكفير عن ذلك, بعتق رقبة ، فان لم يستطع يصوم شهرين متتابعين, فان لم يكن قادرا يطعم ستين مسكينا. وعند ذلك يستعيد علاقته الزوجية يقول تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا...).
اصبحت هذه المرأة الجريئة التي طالبت بتشريع يحمي حقوقها ومصالحها, ذات موقعية واحترام في وسط المسلمين, بعد ان خلد موقفها الذكر الحكيم.
ينقل السيد محمود الآلوسي البغدادي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن) انه كان (عمر يكرمها اذا دخلت عليه, ويقول: قد سمع الله تعالى لها, وروى ابن ابي حاتم, والبيهقي في الاسماء والصفات انها لقيته ـ رضي الله عنه ـ وهو يسير مع الناس, فاستوقفته فوقف لها, ودنا منها, واصغى اليها, ووضع يده على منكبيها, حتى قضت حاجتها وانصرفت, فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجال قريش على هذه العجوز؟ قال: ويحك اتدري من هذه؟ قال: لا, قال: هذه امرأة سمع الله تعالى شكواها من فوق سبع سماوات, هذه خولة بنت ثعلبة, والله لو لم تنصرف حتى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها. وفي رواية للبخاري في تاريخه: انها قالت: قف يا عمر.
فوقف فأغلظت له القول. فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما رأيت كاليوم! فقال: وما يمنعني ان استمع اليها وهي التي استمع الله تعالى لها فأنزل فيها ما انزل).
وجميل ما قاله الشيخ ابن عاشور عند تفسيره لسورة المجادلة: (افتتحت آيات احكام الظهار بذكر سبب نزولها, تنويها بالمرأة التي وجهت شكواها الى الله تعالى, بانها لم تقصر في طلب العدل في حقها وحق بنيها. ولم ترض بعنجهية زوجها وابتداره الى ما ينثر عقد عائلته دون تبصر ولا روية, وتعليما لنساء الامة الاسلامية ورجالها, واجب الذود عن مصالحها).
فرص العلم والمعرفة في مختلف مستوياتها, يجب ان تتاح للنساء كما للرجال على حد سواء, واذا ما لاحظت المرأة نقصا او غبنا لها في هذا المجال, فعليها الا تسكت على ذلك, بل تطالب بحقها في كسب المعرفة والعلم. وهذا ما حدث في عهد رسول الله , وأقر لهن بمشروعية طلبهن, واستجاب لرغبتهن.
جاء في صحيح البخاري عن ابي سعيد الخدري: قالت النساء للنبي : غلبنا عليك الرجال, فاجعل لنا يوما من نفسك. فوعدهن يوما لقيهن فيه, فوعظهن وأمرهن.
التعلیقات