آثار الغيرة في حركة الحياة
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 4 سنواتإنّ الغيرة إذا استعملت بصورة صحيحة ومعتدلة إيجابية، فإنّها بمثابة قوّة دفاعية عظيمة تدفع الإنسان إلى التصدّي للأعداء والانتصار عليهم؛ لأنّ مثل هذه القوّة الباطنية عندما تتعرّض نفس الإنسان وأمواله وناموسه ودينه وإيمانه أو استقلال وطنه إلى الخطر المحدق فإنّ هذه القوّة تعبيء جميع الطاقات والقوى الذاتية والباطنية في الإنسان، وتوحّدها تحت قيادة عنصر الغيرة؛ لتعين الشخص في عملية الدفاع الشريف.
وأحياناً يعيش الإنسان الغيور تحت عنصر الغيرة، حيث تتضاعف قوّته إلى قوّة عشرة أشخاص، وتدفع به إلى حد التضحية بنفسه والصمود البطولي بشجاعة وشهامة كبيرة؛ ولهذا السبب كانت الغيرة أحد العوامل المهمّة في طريق العزّة والافتخار والحياة الشريفة.
أمّا الأشخاص الذين يعيشون الانحراف والانحطاط الخلقي فعندما يواجهون إنساناً غيوراً في تحرّشهم بأعراض الناس، فإنّهم يفقدون مقاومتهم بسرعة، ويتراجعون أمامه في صورة من التخاذل والذلّة، وهذا هو أيضاً من بركات الغيرة. (1)
الغيرة في الرجال ممدوحة:
عن عبد الله بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب». (2) أي: أنّه يبيت لا يستقر فيه شئ من الخير كالإناء المكبوب أو المراد بنكس القلب تغير صفاته وأخلاقه التي ينبغي أن يكون عليها.
وعن الإمام الصادق عليه السلام أيضا يقول: «إِنّ المَرَأ يَحتاجُ فِيمَنزِلِهِ وَعيالِهِ إِلى ثَلاثِ خَلالِ يَتَكَلَّفُها، وَإِنْ لَم يَكُن فِي طَبعِهِ ذَلِك: مَعاشِرَةٌ جمِيلَةٌ، وَسِعَةٌ بِتَقدِيرٍ، وَغَيرَةٌ بِتَحصِينٍ». (3)
الغيرة في المرأة غير ممدوحة:
وقد دلّنا الإمام الصادق عليه السلام على معيار معنوي نميّز من خلاله المرأة المتكاملة عن سواها، وذلك من خلال إثارة غيرتها، فعن خالد القلانسي قال: ذكر رجل لأبي عبدالله عليه السلام امرأته فأحسن عليها الثناء، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: «أغرتها؟ قال: لا، قال: فأغرها. فأغارها فثبتت، فقال لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي أغرتها فثبتت، فقال: هي كما تقول». (4)
وقد ذكرت الأحاديث آثار وفوائد للغيرة منها: العفاف، والوقاية من الفساد، واستحكام الأسرة وثباتها، وكذلك ذكرت الروايات مجموعة من الأعمال تؤدي إلى فقدانها، ومنها: اختلاط النساء بالرجال، والموسيقى المحرّمة، والنظر إلى الأجنبيات، وشرب الخمر، وقد حذّر الإمام علي عليه السلام من الغيرة في غير موضعها؛ فإنها تُنتج نتائج عكسية، وتؤدي إلى الفساد كما جاء في كتاب له عليه السلام كتبه لابنه الإمام الحسن عليه السلام: «إِيَّاكَ وَالتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السُّقْمِ وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرَّيْبِ». (5)
1ـ الأخلاق فى القرآن: ج 3، 394.
2ـ الكافي: ج 5، ص 536.
3ـ بحار الأنوار، ج 75، ص 236.
4ـ الكافي: ج 5، ص 504.
5ـ غرر الحكم: ص 169، ح 60.
التعلیقات