تأثير الصيام على الحميمية والسلام النفسي
السيد حسين الهاشمي
منذ 8 أشهرالصيام في شهر رمضان المبارك هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، ويقصد به الامتناع عن الطعام والشراب وأمور محددة من الفجر وحتى دخول وقت المغرب. يشتمل شهر رمضان على العديد من الفوائد الجسدية والنفسية. وعلى الرغم من أن فوائد الصيام النفسية أقل شهرة من فوائد الصيام الجسدية إلا أنها ذات أهمية كبيرة.
يساعد الصيام في شهر رمضان من الناحية النفسية على تطوير وغرس مهارة ضبط النفس، ويعتبر مفهوم ضبط النفس من عوامل النجاح الأساسية على المدى الطويل. وعند التأمل في فلسفة الصيام، نجد أنه أسلوب ديني تربوي عظيم، يتم من خلاله تربية النفس وتهذيبها، والارتقاء بها عن الشهوات، فيصبح الإنسان من خلاله قادراً على اكتساب عادات حميدة والتخلص من عادات سيئة، إذ يكون الصيام بمثابة دافع قوي للمسلم لمقاومة النفس ودفع الهوى. فنحاول في هذا المقال، التعرف على فوائد الصيام الروحية والنفسية وتأثير الصيام على تقوية الحميمية والسلام النفسي في الصائمين والعائلة.
التأثيرات الإيجابي للصيام على السلام النفسي
يمكن للفرد من خلال صيام شهر رمضان المبارك لمدة شهر تقريباً على الحصول على فوائد الصيام. فنذكر البعض منها.
الأول: تعزيز مهارة ضبط النفس
يعتبر علماء النفس التنمويّ أن ضبط النفس أحد جوانب الذكاء العاطفي، فهو يلعب دوراً مهماً في نجاح حياة الفرد، بما في ذلك اتخاذ القرارات الجيدة والسيطرة على ردود الأفعال. حيث تتطلب هذه المهارة قوة الإرادة والتصميم، وهما الشيئان الرئيسيان اللذان يحتاجهما الإنسان لمتابعة مهام حياته دون استسلام، والمثابرة على التقدم للوصول إلى أهدافه عندما تصبح صعبة المنال. للصوم آثار إيجابية في تقوية الإرادة التي تعدّ نقطة ضعف لدى معظم المرضى النفسيين. فالصوم يمنحهم العزيمة والإرادة من خلال الصبر على الجوع والعطش. فهذا يزيد من الثقة بالنفس ويساهم في مضاعفة القدرة على التحمل. وهذا يزيد من قدرة المواجهة في مقابل الأمراض النفسية.
الثاني: التدريب على الصبر
يعدّ الصبر من ركائز النجاح في جميع نواحي حياة الإنسان. من فوائد الصيام أنه ينمي الشخصية ويزيد من النضوج وتحمل المسؤولية والهدوء النفسي والسكينة. فالصيام يمنح الإنسان فرصة لكي يفكر في ذاته وينمي قدرة الإنسان على التحكم في الذات. ويعمل على التوازن الذي يؤدي إلى تحسين المشاعر والحلات النفسية واليقوي قدرة الصبر على جميع الأمور في الحياة.
الثالث: تحسين الحالة المزاجية للصائمين
من فوائد الصيام هي تحسين الحالة المزاجية وتعزيز الشعور بالإنجاز، وينتج ذلك من خلال إدراك الإنسان لقدرته القوية على إنجاز مهمة صعبة، مما يؤدي بالتالي إلى زيادة تقدير الذات. والعبد المسلم إذا قام بإحدى العبادات التي تقرّبه من الله عز وجلّ يشعر بالسعادة وحب الحياة، فلا توجد راحة ولا سعادة في الدنيا إلّا بعبادة الله عزّ وجل وتنفيذ أوامره والابتعاد عن ما نهى عنه، ومن يسلك الطريق المعاكس، فقد توعّده الله عزّ وجل فی کتابه الکریم بأنّ له معيشة ضنكا. وهذا توعيد لايُخلف.
الرابع: التقليل من التوتر والقلق
حيث أن من التأثيرات المباشرة للصيام على الدماغ هو إنتاج البروتينات التي تحاكي آثار الأدوية المضادة للاكتئاب، وبذلك تقلل من مستوى القلق والتوتر، وتزيد من مستوى السعادة والتفاؤل وحب الحياة، ومن الجدير بالذكر لجوء الأطباء النفسيين لاستخدام الصيام كوسيلة مساندة لعلاج بعض الاضطرابات النفسية في الوقت الحالي. الصيام يعطي للإنسان إحساسا قويا بالطمأنينة ويقترب به إلى الله سبحانه وتعالى. مما يحقق له الإحساس بالعدالة. كما يقوي من قدرة تحمل الظروف الصعبة التي يواجهه الجميع في الدنيا مما يعطيه الراحة النفسية والهدوء والصبر على البلايا والمشاكل. فالصيام يساهم في التخلص من التوتر والقلق والاضطراب. والجدير بالذكر أن الدراسات الجارية في عام 2021 كشفت أن الصيام قد تكون طريقة فعالة في تحسين أعراض الإكتئاب الشديد. حيث سجل الباحثون انخفاضًا ملحوظًا في الأعراض لدى مرضى الاكتئاب المتوسط والشديد أثناء الصيام.
الخامس: تقوية النشاط الفردي والاجتماعي
من فوائد الصيام هي زيادة النشاط واليقظة. فعند أكل الطعام يشعر الإنسان بالكسل والخمول العقلي، وذلك نتيجة تركيز تدفق الدم إلى الجهاز الهضمي، أما عند الصيام فيحافظ الإنسان على يقظته ونشاطه العقلي. لكن من الجدير بالذكر أن الإنسان يحتاج إلى الراحة والنوم الجيد للحصول على النشاط واليقظة.
السادس: تحسين الإنتباه والذاكرة
يسبب الصيام بتحسين الإنتباه وينتج ذلك عن زيادة اليقظة، وذلك يحسن من قدرة الفرد على القيام بمهماته اليومية بدءاً من الأنشطة البسيطة مثل الاستيقاظ صباحاً، ومروراً بالمهارات المعقدة مثل القيادة. وأيضا يسبب في تحسين الذاكرة للصائمين حيث أن زيادة التركيز تزيد بالنهاية من قوة الذاكرة، وقد يستخدم الصيام كعلاج لضعف الذاكرة، وعدم القدرة على التركيز.
السابع: ارتقاء كيفية النوم
تؤثر نوعية النوم على الحالة المزاجية للشخص وجوانب صحية أخرى، لذا من المهم الحفاظ على أخذ قسط كاف من النوم. فالصيام من أهم الأمور التي ترتقى بها كيفية النوم لدى الأشخاص. لأن عدم الأكل في زمان مشخص يؤدي إلى توليد هرمونات في الجسد ويساعد هذه الهرمونات على النوم بشكل جيد. فإذا حافظ الشخص على هذه الحالة والكيفية الجيدة للصوم بعد شهر رمضان أيضا، يكون قد حصل على نوم كامل في جميع حياته.
الثامن: السيطرة على الغضب والعصبية
من أهم فوائد الصيام عندنا نحن المسلمون خاصة وعند كافة الناس عامة هو السيطرة والتحكم على الغضب والعصبية. حيث لا يقتصر الصوم على الامتناع عن الطعام والشراب فقط، ولكنه يشمل أيضاً الامتناع عن إيذاء الآخرين جسدياً ولفظياً، مما يؤدي في النهاية إلى تعزيز الانضباط الشخصي وتحسين السلوك، وزيادة الشعور بالسلام والهدوء الداخليين.
التاسع التواضع إلى الله وعدم التكبر
يعمل الصيام على تذليل النفس، وهذا ما بيّنه الامام أميرالمؤمنين بقوله عليه السلام:(ولُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلًا.1)، وهنا نرى في الكلام كناية عن الجوع الشديد الذي يصيب الإنسان في بعض مراحل الصوم حتَّى يصل به الأمر أن تلصق بطنه وهي وعاء الطعام بمتونه من شدَّة فراغها من الغذاء، وهذا الأمر يؤدِّي إلى ذلِّ النَّفس؛ لأنَّ الجوع الشديد يذلُّ النَّفس ويجعلها خاضعة ساكنة لا تبتغي أكثر من شبعة بطنٍ. وهنا يجب التنبيه أنَّ المقصود ذُلِ الطاعة لله تعالى التي هي ارتقاء عباديٌّ بوجهها الآخر لا الذِلة بمعناها المؤدِّي إلى ذهاب الكرامة؛ لأنَّ المؤمن عزيزٌ عند الله تعالى .
وقد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه حال نبي الله موسى عليه السلام الذي أصابه الجوع في بعض أيَّامه فقال:(وَإِنْ شِئْتُ ثَنَّيْتُ بِمُوسَى كَلِيمِ اَللَّهِ عليه السلام إِذْ يَقُولُ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.2 وَاَللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ اَلْأَرْضِ، وَلَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ اَلْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَتَشَذُّبِ لَحْمِهِ3)
فالغاية من هذه العبادات الخشوع والخضوع والتذلل الى الله تعالى، وقمع التفاخر والكبر، وقد حكى سبحانه على لسان لقمان في قوله لابنه وهو يعظه:(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ.4) وقال تعالى في آية أخرى:(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.5) فالصيام جوع وعطش وإحساس بالضعف، ويكفي في ذلك إذلالاً وانكساراً، وبهذا يكون الإنسان بعيدًا كل البعد عن الكبر، وهذه من أهم فوائد الصيام؛ لأنَّ التكبر أساس العصبية.
وما جرى على إبليس عليه لعائن الله وطرده من رحمة الله خير واعظ لنا؛ إذ صغَّره الله وجعله مرجومًا مدحورًا، وكلُّ ذلك بسبب كبر ساعة واحدة، يقول الإمام: (فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّه بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَه الطَّوِيلَ وجَهْدَه الْجَهِيدَ، وكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّه سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ، لَا يُدْرَى أَمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الآخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ6).
يساعد الصيام في شهر رمضان من الناحية النفسية على تطوير وغرس مهارة ضبط النفس، ويعتبر مفهوم ضبط النفس من عوامل النجاح الأساسية على المدى الطويل. وعند التأمل في فلسفة الصيام، نجد أنه أسلوب ديني تربوي عظيم، يتم من خلاله تربية النفس وتهذيبها، والارتقاء بها عن الشهوات، فيصبح الإنسان من خلاله قادراً على اكتساب عادات حميدة والتخلص من عادات سيئة، إذ يكون الصيام بمثابة دافع قوي للمسلم لمقاومة النفس ودفع الهوى. فنحاول في هذا المقال، التعرف على فوائد الصيام الروحية والنفسية وتأثير الصيام على تقوية الحميمية والسلام النفسي في الصائمين والعائلة.
التأثيرات الإيجابي للصيام على السلام النفسي
يمكن للفرد من خلال صيام شهر رمضان المبارك لمدة شهر تقريباً على الحصول على فوائد الصيام. فنذكر البعض منها.
الأول: تعزيز مهارة ضبط النفس
يعتبر علماء النفس التنمويّ أن ضبط النفس أحد جوانب الذكاء العاطفي، فهو يلعب دوراً مهماً في نجاح حياة الفرد، بما في ذلك اتخاذ القرارات الجيدة والسيطرة على ردود الأفعال. حيث تتطلب هذه المهارة قوة الإرادة والتصميم، وهما الشيئان الرئيسيان اللذان يحتاجهما الإنسان لمتابعة مهام حياته دون استسلام، والمثابرة على التقدم للوصول إلى أهدافه عندما تصبح صعبة المنال. للصوم آثار إيجابية في تقوية الإرادة التي تعدّ نقطة ضعف لدى معظم المرضى النفسيين. فالصوم يمنحهم العزيمة والإرادة من خلال الصبر على الجوع والعطش. فهذا يزيد من الثقة بالنفس ويساهم في مضاعفة القدرة على التحمل. وهذا يزيد من قدرة المواجهة في مقابل الأمراض النفسية.
الثاني: التدريب على الصبر
يعدّ الصبر من ركائز النجاح في جميع نواحي حياة الإنسان. من فوائد الصيام أنه ينمي الشخصية ويزيد من النضوج وتحمل المسؤولية والهدوء النفسي والسكينة. فالصيام يمنح الإنسان فرصة لكي يفكر في ذاته وينمي قدرة الإنسان على التحكم في الذات. ويعمل على التوازن الذي يؤدي إلى تحسين المشاعر والحلات النفسية واليقوي قدرة الصبر على جميع الأمور في الحياة.
الثالث: تحسين الحالة المزاجية للصائمين
من فوائد الصيام هي تحسين الحالة المزاجية وتعزيز الشعور بالإنجاز، وينتج ذلك من خلال إدراك الإنسان لقدرته القوية على إنجاز مهمة صعبة، مما يؤدي بالتالي إلى زيادة تقدير الذات. والعبد المسلم إذا قام بإحدى العبادات التي تقرّبه من الله عز وجلّ يشعر بالسعادة وحب الحياة، فلا توجد راحة ولا سعادة في الدنيا إلّا بعبادة الله عزّ وجل وتنفيذ أوامره والابتعاد عن ما نهى عنه، ومن يسلك الطريق المعاكس، فقد توعّده الله عزّ وجل فی کتابه الکریم بأنّ له معيشة ضنكا. وهذا توعيد لايُخلف.
الرابع: التقليل من التوتر والقلق
حيث أن من التأثيرات المباشرة للصيام على الدماغ هو إنتاج البروتينات التي تحاكي آثار الأدوية المضادة للاكتئاب، وبذلك تقلل من مستوى القلق والتوتر، وتزيد من مستوى السعادة والتفاؤل وحب الحياة، ومن الجدير بالذكر لجوء الأطباء النفسيين لاستخدام الصيام كوسيلة مساندة لعلاج بعض الاضطرابات النفسية في الوقت الحالي. الصيام يعطي للإنسان إحساسا قويا بالطمأنينة ويقترب به إلى الله سبحانه وتعالى. مما يحقق له الإحساس بالعدالة. كما يقوي من قدرة تحمل الظروف الصعبة التي يواجهه الجميع في الدنيا مما يعطيه الراحة النفسية والهدوء والصبر على البلايا والمشاكل. فالصيام يساهم في التخلص من التوتر والقلق والاضطراب. والجدير بالذكر أن الدراسات الجارية في عام 2021 كشفت أن الصيام قد تكون طريقة فعالة في تحسين أعراض الإكتئاب الشديد. حيث سجل الباحثون انخفاضًا ملحوظًا في الأعراض لدى مرضى الاكتئاب المتوسط والشديد أثناء الصيام.
الخامس: تقوية النشاط الفردي والاجتماعي
من فوائد الصيام هي زيادة النشاط واليقظة. فعند أكل الطعام يشعر الإنسان بالكسل والخمول العقلي، وذلك نتيجة تركيز تدفق الدم إلى الجهاز الهضمي، أما عند الصيام فيحافظ الإنسان على يقظته ونشاطه العقلي. لكن من الجدير بالذكر أن الإنسان يحتاج إلى الراحة والنوم الجيد للحصول على النشاط واليقظة.
السادس: تحسين الإنتباه والذاكرة
يسبب الصيام بتحسين الإنتباه وينتج ذلك عن زيادة اليقظة، وذلك يحسن من قدرة الفرد على القيام بمهماته اليومية بدءاً من الأنشطة البسيطة مثل الاستيقاظ صباحاً، ومروراً بالمهارات المعقدة مثل القيادة. وأيضا يسبب في تحسين الذاكرة للصائمين حيث أن زيادة التركيز تزيد بالنهاية من قوة الذاكرة، وقد يستخدم الصيام كعلاج لضعف الذاكرة، وعدم القدرة على التركيز.
السابع: ارتقاء كيفية النوم
تؤثر نوعية النوم على الحالة المزاجية للشخص وجوانب صحية أخرى، لذا من المهم الحفاظ على أخذ قسط كاف من النوم. فالصيام من أهم الأمور التي ترتقى بها كيفية النوم لدى الأشخاص. لأن عدم الأكل في زمان مشخص يؤدي إلى توليد هرمونات في الجسد ويساعد هذه الهرمونات على النوم بشكل جيد. فإذا حافظ الشخص على هذه الحالة والكيفية الجيدة للصوم بعد شهر رمضان أيضا، يكون قد حصل على نوم كامل في جميع حياته.
الثامن: السيطرة على الغضب والعصبية
من أهم فوائد الصيام عندنا نحن المسلمون خاصة وعند كافة الناس عامة هو السيطرة والتحكم على الغضب والعصبية. حيث لا يقتصر الصوم على الامتناع عن الطعام والشراب فقط، ولكنه يشمل أيضاً الامتناع عن إيذاء الآخرين جسدياً ولفظياً، مما يؤدي في النهاية إلى تعزيز الانضباط الشخصي وتحسين السلوك، وزيادة الشعور بالسلام والهدوء الداخليين.
التاسع التواضع إلى الله وعدم التكبر
يعمل الصيام على تذليل النفس، وهذا ما بيّنه الامام أميرالمؤمنين بقوله عليه السلام:(ولُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلًا.1)، وهنا نرى في الكلام كناية عن الجوع الشديد الذي يصيب الإنسان في بعض مراحل الصوم حتَّى يصل به الأمر أن تلصق بطنه وهي وعاء الطعام بمتونه من شدَّة فراغها من الغذاء، وهذا الأمر يؤدِّي إلى ذلِّ النَّفس؛ لأنَّ الجوع الشديد يذلُّ النَّفس ويجعلها خاضعة ساكنة لا تبتغي أكثر من شبعة بطنٍ. وهنا يجب التنبيه أنَّ المقصود ذُلِ الطاعة لله تعالى التي هي ارتقاء عباديٌّ بوجهها الآخر لا الذِلة بمعناها المؤدِّي إلى ذهاب الكرامة؛ لأنَّ المؤمن عزيزٌ عند الله تعالى .
وقد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه حال نبي الله موسى عليه السلام الذي أصابه الجوع في بعض أيَّامه فقال:(وَإِنْ شِئْتُ ثَنَّيْتُ بِمُوسَى كَلِيمِ اَللَّهِ عليه السلام إِذْ يَقُولُ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.2 وَاَللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ اَلْأَرْضِ، وَلَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ اَلْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَتَشَذُّبِ لَحْمِهِ3)
فالغاية من هذه العبادات الخشوع والخضوع والتذلل الى الله تعالى، وقمع التفاخر والكبر، وقد حكى سبحانه على لسان لقمان في قوله لابنه وهو يعظه:(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ.4) وقال تعالى في آية أخرى:(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.5) فالصيام جوع وعطش وإحساس بالضعف، ويكفي في ذلك إذلالاً وانكساراً، وبهذا يكون الإنسان بعيدًا كل البعد عن الكبر، وهذه من أهم فوائد الصيام؛ لأنَّ التكبر أساس العصبية.
وما جرى على إبليس عليه لعائن الله وطرده من رحمة الله خير واعظ لنا؛ إذ صغَّره الله وجعله مرجومًا مدحورًا، وكلُّ ذلك بسبب كبر ساعة واحدة، يقول الإمام: (فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّه بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَه الطَّوِيلَ وجَهْدَه الْجَهِيدَ، وكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّه سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ، لَا يُدْرَى أَمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الآخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ6).
1) الهاشمي القرشي، الشريف الرضي، نهج البلاغة، بيروت، نشر دار المعرفة للطباعة، الخطبة 192.
2) سورة القصص، الآية 24.
3) الهاشمي القرشي، الشريف الرضي، نهج البلاغة، بيروت، نشر دار المعرفة للطباعة، الخطبة 160.
4) سورة لقمان، الآية 18.
5) سورة القصص، الآية 83.
6) الهاشمي القرشي، الشريف الرضي، نهج البلاغة، بيروت، نشر دار المعرفة للطباعة، الخطبة 192.
التعلیقات