العنف ضد المرأة في المجتمع العراقي
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 أياميُعَدّ العنف ضد النساء أحد أكبر الانتهاكات لحقوق الإنسان في العراق، حيث يشكل ظاهرة مؤلمة تؤثر بعمق على المجتمعات والأسر. وعلى الرغم من ارتفاع مستوى الوعي المجتمعي بضرورة التصدي لهذه القضية، فإن العديد من النساء ما زلن يُعانين من العنف بأشكاله المختلفة، مما يتطلب من المجتمع والحكومة والمنظمات غير الحكومية اعتماد استراتيجيات فعالة لرصد هذه الظاهرة ومواجهتها.
الخلفية الثقافية والاجتماعية للعنف ضد النساء في العراق
يمتلك العراق تاريخًا غنيًا وثقافة متنوعة، إلا أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد خلال العقود الماضية، بما في ذلك الحروب والنزاعات، ساهمت بشكل كبير في تفشي العنف ضد النساء. كما أن التقاليد الموروثة التي تقلل من الفهم الصحيح لدور المرأة تُسهم أيضًا في تبرير هذا العنف.
عوامل العنف ضد النساء في العراق
يوجد بشكل أساسي عاملان رئيسيان وراء العنف ضد النساء في المجتمع العراقي: العوامل الثقافية والعوامل الاجتماعية. يشكل العنف ضد النساء في العراق مشكلة متعددة الأبعاد، حيث تتفاعل هذه العوامل لتخلق بيئة قد تتسامح مع هذه الظاهرة أو حتى تبررها. وللوصول إلى فهم أعمق لهذه المشكلة، من الضروري دراسة السياقين الثقافي والاجتماعي اللذين يسهمان في تفشي العنف ضد النساء.
العوامل الثقافية للعنف ضد النساء
الأول) المفاهيم المتعلقة بالشرف
يشكل الشرف جزءًا من القيم الأساسية في المجتمع العراقي، وغالبًا ما يُرتبط بالنساء وعفتهن. تُعتبر أي سلوكيات تُحْتَمَل أن تزعزع فهم المجتمع للشرف، حتى لو لم تكن خاطئة، مدعاة للعنف من أجل حفظ الكرامة. يعتبر مفهوم الشرف أحد المحاور الأساسية في المجتمعات العراقية التقليدية. ترتبط قيمة العائلة أو القبيلة بشكل وثيق بسلوكيات النساء. فعادةً ما يُنظر إلى النساء على أنهن حارسات لشرف العائلة. مما يضع ضغوطًا هائلة عليهن للسلوك بطرق معينة والالتزام بمعايير صارمة. لأجل هذا يُنظر إلى مخالفة المرأة لهذه القواعد كتهديد للشرف الجماعي. هذا التصور يمكن أن يبرر العنف الجسدي أو النفسي ضد النساء كوسيلة لحفظ الشرف.
الثاني) التقاليد الاجتماعية والثقافية
تلعب التقاليد والعادات دورًا كبيرًا في تشكيل المواقف تجاه المرأة. في العديد من المجتمعات العراقية، تُعتبر مفهوم القوامة الذكورية بمعناها التي ليس صحيحا، جزءًا أساسيًا من النظام الاجتماعي الذي يعطي الرجال السيطرة والتحكم في صنع القرارات داخل الأسرة، مما يساهم في استمرار الأمور والفعاليات القائمة على السلطة والتي تؤدي إلى العنف.
العوامل الاجتماعية للعنف ضد النساء
الأول) النظام الأبوي القوي
يُشكّل الهيكل الأسري التقليدي في العراق، مع تبايناته الجغرافية والطائفية، أرضية خصبة لنمو العنف ضد المرأة. بينما تختلف ممارسات العنف وتفاصيلها بحسب المنطقة والطبقة الاجتماعية. إلا أن بعض سمات البنية الأسرية التقليدية تسهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في إضفاء الشرعية على هذا العنف أو تعزيزه. يتميز الهيكل الأسري التقليدي في العراق بنظام أبوي قوي، حيث يملك الرجل السلطة المطلقة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأسرة. هذا النظام يُمنحه السيطرة على موارد الأسرة، ويُحدد دور المرأة داخل الأسرة كخاضعة لرغبته. تُعتبر هذه السلطة غير المتنازع عليها بيئة خصبة للعنف، إذ يجد الرجل فيها شرعية لفرض إرادته على المرأة، بغض النظر عن رغباتها أو احتياجاتها.
الثاني) عدم التعامل مع الأسرة وعدم المساواة
يفتقر الهيكل الأسري التقليدي إلى المساواة بين الجنسين، حيث تُحدَّد أدوار الرجال والنساء بشكلٍ تقليديٍّ وصارم. يُكلف الرجل بواجبات معيل الأسرة، بينما تُكلف المرأة بأدوار ربة المنزل ومربية الأطفال فقط. وإذا انحصرت المرأة في هذه الأدوار ستُهمش إنجازاتها وتُقلّل من قيمتها الاجتماعية. هذا التمييز يُخلق بيئة تُسهّل ممارسة العنف ضد المرأة، حيث لا تعامل على قدم المساواة مع الرجل.
الثالث) التدخل القبلي والعشائري
في بعض المناطق، تتدخل القبائل أو العشائر في حلّ النزاعات الأسرية، وغالبًا ما تُعطي الأولوية لحفظ الشرف العائلي على حقوق المرأة. هذا التدخل قد يُفضي إلى إفلات الجناة من العقاب، ويُسهم في تشجيع العنف، إذ تُحمي العائلة أو القبيلة الجاني بدلاً من دعم الضحية. ويتضاعف هذه الحالة في الأماكن التي لا توجد فيها آليات حماية فعالة. حيث نرى أنه في الماضي كان غياب آليات حماية فعالة للنساء داخل الأسرة أو خارجها، يعني عدم وجود مساحة آمنة للنساء للابلاغ عن حالات العنف أو طلب المساعدة، مما زاد من انتشاره واستمراره.
أنواع العنف ضد النساء في العراق
يعد العنف ضد النساء والفتيات أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً في العالم، خصوصا في العراق. ويحدث بشكل يومي مراراً وتكرارً في جميع أنحاء العالم وله عواقب جسدية واقتصادية ونفسية خطيرة على المدى القصير و الطويل على النساء والفتيات مما يحول دون مشاركتهن الكاملة والمتساوية في المجتمع وله أنواع متعددة. لكننا نشير إلى أكثر أنواع العنف إنتشارا في العراق.
الأول) العنف الأسري
يعد العنف الأسري أحد أكثر أشكال العنف شيوعًا على النساء في العراق. يشمل هذا النوع من العنف الاعتداء الجسدي والنفسي، والذي غالبًا ما يُمارس من قبل الأزواج أو أفراد الأسرة. وأثبتت الدراسات أن النساء المتزوجات أكثر عرضة للعنف من غير المتزوجات.
العنف الجسدي ضد النساء يشمل جميع الأفعال التي تستخدم القوة الجسدية لإيذاء المرأة، مثل الضرب أو الركل أو الدفع أو استخدام السلاح. هذا النوع من العنف غالباً ما يترك إصابات جسدية واضحة ويمكن أن يؤدي في أسوأ الأحوال إلى الموت.
العنف النفسي يتضمن الأفعال التي تهدف إلى تدمير الثقة بالنفس لدى المرأة أو إذلالها، مثل الإهانة المستمرة والتهديد والإذلال أو عزلهن عن الأصدقاء والعائلة. هذا النوع من العنف يترك ندوبًا عميقة وغالبًا ما يكون له آثار طويلة الأمد على الصحة العقلية والنفسية للمرأة.
الثاني) التحرش الجنسي
العنف الجنسي يشمل أي فعل جنسي يتم دون موافقة المرأة ويشمل الاغتصاب والتحرش الجنسي والاستغلال الجنسي. هذا النوع من العنف يعتبر انتهاكاً صارخاً للكرامة الإنسانية والحقوق الفردية. يشكل التحرش الجنسي في الأماكن العامة أو في العمل أزمة متزايدة حيث تتعرض النساء لمواقف غير آمنة. يتحرك العديد من الضحايا عادةً دون الإبلاغ عن هذه الانتهاكات بسبب الخوف من وصمة العار.
الثالث) زواج القاصرات
لا تزال ظاهرة زواج الفتيات في مراحل مبكرة شائعة في بعض المناطق، حيث يتم زواجهن قبل بلوغهن سن الرشد، مما يعرضهن لمخاطر الصحة النفسية والبدنية والتعليميّة.
من الأمور المهمة و المؤکدة عليها هو رفع مستوى الوعي حول زواج القاصرات. زواج القاصرات و الفتيات تمنعهن من النمو الشخصي و تعرضهن للعديد من التحديات و المشاکل. فمن الأمور التي توجب إرتفاع معدل زواج القاصرات في المجتمع هي العادات الإجتماعية و التقاليد العشائرية و الفقر والعوز. حيث يعُدُّ البعض، البنتَ التي بلغت 15 سنة و لم تتزوج، مريضةً أو كئيبةً وما شابه ذلك. و هذا تفكر باطل ، لا اَصْلَ لَهُ و لافَصْلَ. لأن طبيعة كل شخص مختلفة عن طبيعة الآخر ولايمكن أن نتوقع من كل شخص، ما نتوقعه عن الآخر. والفقر والعوز أيضا من أسباب زواج القاصرات. حيث إن والد البنت لا يستطيع أن يحقق مطالباتها بسبب الفقر والحاجة المالية. ولهذا يزوجها من أي رجل يخطبها لكي يتخلص من مخارجها. وهذا خطأ فادح يوجب إنهمار حياة البنت وعدم تقوية العلقة بين الزوج والزوجة التي تؤدي إلى العنف والطلاق.
المكافحة مع العنف ضد النساء في العراق
القوانين والسياسات الحكومية في العراق
في السنوات الأخيرة، اتخذت الحكومة العراقية عدة خطوات قانونية لمكافحة العنف ضد النساء. تم إصدار قانون مكافحة العنف الأسري عام 2014، الذي يهدف لحماية النساء من جميع أشكال العنف. ومن جملتها حرصت وزارة الداخلية على أن يحظى المجتمع ككل والأسرة خصوصا ًبالأمن والعلاقات القائمة على العـــدالة والمشاركة والإحترام وتعزيز وتكريس المفهوم الاجتماعي للأمن من خلال قيامها بالعديد من الإجراءات كان في مقدمتها استحداث المديريات والأقسام الاختصاصية. ومن بينها مديرية حماية الأسرة والطفل مــــــن العنف الأسري وذلك بناء ًعلى توصية من اللجنة العليا لحماية الأسرة والمشكّلة بموجب الأمر الديوانــــي لسنة 2009 وانسجاما ًمع حقوق الأسرة وخاصة المرأة والطفل التي كفلها الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 التي تعتبر الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيــــــانها وقيمتها الدينية والأخلاقية وتعطي الفرد الحق في الحياة والأمن والحرية وتمنع كافة أشكـــال العنف والتعسف والتمييز بكل أشكاله.
ومع ذلك، على الرغم من وجود نصوص قانونية، فإن معوقات تتعلق بالتطبيق الفعلي للقوانين تظل قائمة، مما يجعل من الصعب تحقيق العدالة. لأن غالبية النساء غير واعيات لحقوقهن القانونية، مما يعيق قدرتهن في الحصول على المساعدة. وأيضا وجود الفساد في النظام القانوني يعوّق المكافحة مع العنف ضد النساء في العراق. لأن الفساد يلعب دورًا كبيرًا في تعطيل العدالة، حيث تظل العديد من الادعاءات بلا معالجة.
المجتمعات المدنية
تلعب المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني دوراً محورياً في مكافحة العنف ضد النساء في العراق. تقوم هذه المنظمات بتنفيذ برامج توعية وتقديم المساعدة القانونية والمشورة للنساء الضحايا. كما يوفر المجتمع المدني المساعدات القانونية للنساء ويساعد على إبلاغ السلطات عن حالات العنف. وأيضا يمكن للمجتمع المدني تنظيم دورات التوعية. حيث يتم تنظيم ورش عمل تهدف إلى رفع الوعي حول حقوق النساء وأساليب التعافي. وأيضا مراكز الإيواء والدعم تساعد النساء على الهروب من بيئاتهن العنيفة وتوفير المأوى والرعاية الصحية والنفسية.
الاستراتيجيات المستقبلية
تتطلب مكافحة العنف ضد النساء في العراق استراتيجيات شاملة تعزز من حقوق المرأة وتساهم في إزالة التقاليد الضارة. إليكم بعض التوصيات:
توعية المجتمع:
يجب إطلاق حملات توعية تتعلق بحقوق النساء والتأكيد على أهمية المساواة بين الجنسين.
تحسين التعليم:
يجب تعزيز الوصول إلى التعليم للفتيات وتعليمهن كيفية حماية أنفسهن.
تعزيز البنية القانونية:
من الضروري دعم التعديلات على القوانين الحالية لتكون أكثر تكاملاً وفاعلية في حماية النساء.
مراقبة الأداء:
يجب إنشاء آليات لمراقبة تنفيذ القوانين وتقييم فعالية البرامج.
الكلمة الأخيرة
والكلمة الأخيرة هي أن العراق يحتاج إلى جهود موحدة لمكافحة العنف ضد النساء وضمان حقوقهن. من خلال التعليم والتوعية وتعزيز القوانين ودعم المجتمع المدني، يمكن تحقيق تغييرات حقيقية تؤدي إلى بيئة أمنية وعادلة للنساء. إن العمل على تعزيز حقوق المرأة لا يُعتبر مجرد واجب، بل هو استثمار في مستقبل أكثر توازنًا وعدلاً.
التعلیقات