اول من طبخ الطعام في عزاء الامام الحسين عليه السلام
السيد حسين الهاشمي
منذ يومينالإمام علي بن الحسين عليهما السلام هو الإمام الرابع من أهل البيت العصمة والطهارة عليهم السلام وهو المُلقّب بالسجاد لكثرة عبادته وسجوده خضوعا وخشوعا لله تبارك وتعالى. ولد في الخامس من شعبان سنة 38 للهجرة وأصبح الإمام الرابع من أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا حيث قال: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ (1) بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين عليه السلام في واقعة عاشوراء سنة 61 للهجرة. واستمرت إمامته عليه السلام 35 عاما.
استشهاد الإمام السجاد عليه السلام
استشهد علي بن الحسين السجاد عليه السلام في 25 من شهر محرم الحرام. لكن هناك اختلاف في سنة شهادته. فنقل الشيخ الكليني رواية عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: « قُبض علي بن الحسين وهو ابن سبع وخمسين سنة، في عام خمس وتسعين » (2). لكن الشيخ الطوسي قال إنّ وفاته عليه السلام كان في سنة 94 للهجرة (3). وقد روى المؤرخون حول كيفية استشهاده عليه السلام: « وأجمع رأي الوليد بن عبد الملك على اغتيال الإمام حينما جلس على كرسي الحكم، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسه للإمام وهكذا استشهد الإمام مسموماً بأمر الوليد ودُفن في البقيع مع عمه الإمام الحسن، بقرب مدفن العباس بن عبد المطلب » (4).
الإمام السجاد عليه السلام ومصيبة أبيه الحسين عليه السلام
الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام كان من الحاضرين في كربلاء وكان شاهد عيان لواقعة الطف الفجيعة. وقد روي أنه عليه السلام عندما سمع واعية أبيه الإمام الحسين عليه السلام: « نهض السجّاد عليه السلام يتوكأ على عصا و يجرّ سيفه، لأنه لا يقدر على حمله لمرضه، و أم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع. فقال: يا عمتاه!. ذريني أقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم. فصاح الحسين عليه السلام بأم كلثوم: احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمّد صلى الله عليه و آله و سلم، فأرجعته إلى فراشه » (5).
وعندما رجعت السبايا إلى المدينة المنورة، قاموا بالعزاء والنياح والنحيب على الإمام الحسين عليه السلام وكان الإمام السجاد عليه السلام يصنع لهن الطعام فقد روي: « لما قتل الحسين بن علي عليه السلام لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح وكن لا يشتكين من حر ولا برد، وكان علي بن الحسين عليه السلام يعمل لهن الطعام للمأتم » (6).
لهذا ولحلول ذكرى استشهاد الإمام علي بن الحسين السجاد عليهما السلام قررنا أن نكتب لكم حول إطعام الطعام والنذورات في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام، خصوصا في شهري محرم وصفر.
الإنفاق والإطعام في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام
هناك روايات كثيرة حول زيارة الإمام الحسين عليه السلام والإنفاق والإطعام في مصيبته عليه السلام. فقد قال معاذ بن أبان أنه سمع الإمام الصادق عليه السلام يقول: « مَنْ أَتَى قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَدْ وَصَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ وَصَلَنَا وَ حَرُمَتْ غِيبَتُهُ وَ حَرُمَ لَحْمُهُ عَلَى النَّارِ وَ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ أَنْفَقَهُ عَشَرَةَ أَلْفِ مَدِينَةٍ لَهُ فِي كِتَابٍ مَحْفُوظٍ وَ كَانَ اللَّهُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ حَوَائِجِهِ وَ حُفِظَ فِي كُلِّ مَا خَلَّفَ وَ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ وَ أَجَابَهُ فِيهِ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهُ وَ إِمَّا أَنْ يُؤَخِّرَهُ لَهُ » (7).
وأيضا يقول قائد الحنّاط: قلت لأبي الحسن عليه السلام: « إِنَّهُمْ يَأْتُونَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام بِالنَّوَائِحِ وَ الطَّعَامِ. قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ. قَالَ: فَقَالَ: يَا قائد فَائِدُ مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ » (8).
وجاء في حديث مناجاة النبي موسى عليه السلام: « يَا رَبِّ لِمَ فَضَّلْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ؟ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى : فَضَّلْتُهُمْ لِعَشْرِ خِصَالٍ. قَالَ مُوسَى : وَمَا تِلْكَ الْخِصَالُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا حَتَّى آمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَهَا؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى : الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَالْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ وَالْعَاشُورَاءُ قَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ وَمَا الْعَاشُورَاءُ؟ قَالَ : الْبُكَاءُ وَالتَّبَاكِي عَلَى سِبْطِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَالْمَرْثِيَةُ وَالْعَزَاءُ عَلَى مُصِيبَةِ وُلْدِ الْمُصْطَفَى ، يَا مُوسَى مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بَكَى أَوْ تَبَاكَى وَتَعَزَّى عَلَى وُلْدِ الْمُصْطَفَى إِلَّا وَكَانَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ثَابِتاً فِيهَا ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ فِي مَحَبَّةِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِ طَعَاماً وَغَيْرِ ذَلِكَ دِرْهَماً أَوْ دِينَاراً إِلَّا وَبَارَكْتُ لَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا الدِّرْهَمَ بِسَبْعِينَ وَكَانَ مُعَافاً فِي الْجَنَّةِ وَغَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَهُ ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ سَالَ دَمْعُ عَيْنَيْهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَغَيْرِهِ قَطْرَةً وَاحِدَةً إِلَّا وَكَتَبْتُ لَهُ أَجْرَ مِائَةِ شَهِيدٍ » (9).
وأيضا يروي معاوية بن وهب: « اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقِيلَ لِي ادْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِي مُصَلَّاهُ فِي بَيْتِهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُهُ وَ هُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ وَ يَقُولُ: يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ ... اغْفِرْ لِي وَ لِإِخْوَانِي وَ لِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ عليه السلام الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَ أَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا ...» (10).
فهذه الروايات وأمثالها تبين لنا مدى أهمية إطعام الطعام والإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى وفي مصيبة أبي عبدالله الحسين عليه السلام. ولهذا نرى أنّ من سيرة الإمام السجاد عليه السلام أنه: « كان علي بن الحسين عليه السلام يعمل لهن الطعام للمأتم ».
مقام سيد الشهداء عند الله سبحانه وتعالى
من أهم الأمور التي يجب التوجه إليه أنّ هذه الأجور والثواب ليس بالأمر البعيد في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام. لأنه عليه السلام أحد أصحاب العباء وأحد أهل البيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول فيهم: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ﴾ (11).
حكاية السيد بحر العلوم
لأجل أن تعرفوا حقيقة مقام سيد الشهداء وأحد العلل في هذا الأجر والثواب، نحكي لكم حكاية السيد بحر العلوم رحمة الله عليه.
كان السيّد بحر العلوم متوجّهًا نحو مدينة سامراء قاصدًا زيارتها، وبينما هو في الطريق، كان يفكر في مسألةٍ شغلته: كيف يكون البكاء على الإمام الحسين عليه السلام سببًا لمغفرة الذنوب؟ وبينما هو غارق في تفكيره، إذا بفارسٍ عربي على فرسٍ يظهر إلى جانبه فجأة. سلّم الفارس على السيّد بحر العلوم، ثم قال له:يا سيد! أراك منشغلاً بالتفكير، فبِمَ تفكّر؟ إن كانت مسألة علمية، فاطرحها عليّ، فلعلّني أملك فيها علماً. فأجابه السيّد بحر العلوم:كنتُ أتأمّل في سرّ ما ورد في الروايات من عظيم الأجر والثواب الذي يمنحه الله تعالى لزائري الإمام الحسين عليه السلام والبكّائين عليه. فكنت أتساءل: كيف يمكن لهذا البكاء وهذه الزيارة أن تُثمر مثل هذا الثواب الجزيل؟ فقال له الرجل العربي :لا تتعجّب من هذا الفضل العظيم الذي أعدّه الله تعالى لزائري الإمام الحسين عليه السلام والبكّائين عليه، وسأقرّب لك الأمر بمثالٍ يُجلي لك الفكر: خرج ملكٌ في يومٍ من الأيام إلى الصيد، ومعه خدمه وعبيده، فطارد غزالة حتى ابتعد عن مرافقيه وتاه عنهم في الصحراء. اشتدّ عليه الجوع والعطش، وأخذ التعب منه كلّ مأخذ، حتى لمح من بعيد خيمةً سوداء. توجّه نحوها، فوجد فيها امرأةً عجوزًا وابنها، وكانت لديهما عنزةٌ حلوب، يعيشان من لبنها. فرحّبا بالضيف المجهول، مع أنهما لم يعرفاه، إكرامًا للضيف، فحلبا له من لبن العنزة، ثم ذبحاها وشووا لحمها ليطعموه، إذ لم يكن لديهما شيء آخر يُكرمانه به. أكل الملك من لحم العنزة وشرب من لبنها، فعاد إليه نشاطه، ونجا من الهلاك المحقّق، وبات ليلته في الخيمة. وفي صباح اليوم التالي، لحق الملك بمرافقيه، وأمر أن يُحضروا العجوز وابنها إلى قصره مكرّمين. ثم جمع وزراءه ومستشاريه، وقال لهم: لقد تهتُ بالأمس في الصحراء، وكنتُ على وشك الهلاك من الجوع والعطش، حتى آواني خِباءُ هذه المرأة وابنها. لم يكن لديهما سوى عنزةٍ واحدةٍ يعيشان منها، وقد ذبحاها من أجلي. فماذا ترون أن أُعطيهم مكافأةً على ما فعلوه؟ فقال أحدهم: أعطهم مئة شاة.وقال آخر:بل مئة شاة ومئة دينار ذهب.وقال ثالث:أهدِهم مزرعة من مزارع الدولة! فقال الملك: كلّ ما تقترحونه قليلٌ بحقّهم، لأنهم ضحّوا بكلّ ما يملكون من أجلي، فيجب أن أُجازيهم بكل ما أملك من مُلكٍ وسلطان، لأُكافئهم بما يليق بتضحيتهم.
ثم التفت ذلك الفارس العربي إلى السيّد بحر العلوم، وقال له:يا جناب السيد! إنّ الإمام الحسين عليه السلام قد قدّم في سبيل الله كلّ ما يملك: ماله، أهله، أولاده، إخوته، بناته، أخواته، بل حتى نفسه ورأسه الشريف! فإذا منح الله تعالى زائريه والبكّائين عليه هذا الفضل والثواب، فلا ينبغي أن تتعجّب، فذلك جزاء التضحيات العظيمة التي قُدّمت في سبيله. وما إن أنهى الفارس كلامه، حتى غاب عن نظر السيّد بحر العلوم، ولم يُرَ له أثر (12).
1) سورة الأحزاب / الآية: 33.
2) الكافي ( للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 2 / الصفحة: 519 / الناشر: دار الحديث – قم / الطبعة: 1.
3) مصباح المتهجد (للشيخ الطوسي) / المجلد: 2 / الصفحة: 787 / الناشر: مؤسسة فقه الشيعة – بيروت / الطبعة: 1.
4) مناقب آل أبي طالب ( لإبن شهر آشوب) / المجلد: 4 / الصفحة: 189 / الناشر: نشر العلامة – قم / الطبعة: 1.
5) الخصائص الحسينية (للشيخ جعفر التستري) / المجلد: 1 / الصفحة: 129 / الناشر: نشر الأعلمي – بيروت / الطبعة: 1.
6) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 2 / الصفحة: 890 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
7) كامل الزيارات (لإبن قولويه القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 127 / الناشر: دار المرتضوية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
8) كامل الزيارات (لإبن قولويه القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 139 / الناشر: دار المرتضوية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
9) مجمع البحرين (لفخر الدين الطريحي النجفي) / المجلد: 3 / الصفحة: 406 / الناشر: نشر المرتضوي – قم / الطبعة: 1.
10) الكافي (للشيخ ممد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 4 / الصفحة: 583 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
11) سورة الشورى / الآية: 23.
12) العبقري الحسان (للنهاوندي) / المجلد: 1 / الصفحة: 119 / الناشر: نشر جمكران – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات