مرثیة دامعة للسيدة رقيّة بنت الحسين عليها السلام
البكاء للحسين عليه السلام
منذ 10 ساعاتفي ليلةٍ تتوشّح بالأسى، وتتناثر فيها ، نتقلب بين صفحات الحزن الأبدي، نستذكر طفلةً لم تتجاوز الثلاث سنوات، لكنّها حملت من المصائب ما تنوء به الجبال... طفلةٌ اسمها رقيّة، ابنة الحسين، زهرة كربلاء الصغيرة، التي لم تعرف من الحياة سوى حضن والدٍ مفجوع، ووداعٍ أليم، وعطشٍ يحرق الأكباد.
هذه الكلمات دمعة في عين الزمان، وآهة في قلب كلّ مؤمنٍ يتذكّر رقية بنت الحسين عليه السلام على رمال كربلاء.
١. نداء الطفلة يوم عاشوراء
في بعض الروايات، يُروى أن السيّدة سكينة (عليها السلام) في يوم عاشوراء، قالت لأختها الصغيرة ذات الثلاث سنوات – وهي على الأرجح السيدة رقيّة (عليها السلام):
"تعالي نمسك بطرف ثوب أبينا، ولا ندعه يذهب ليستشهد."
عندما سمع الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الكلام، بكى بكاءً شديدًا، فقالت له رقيّة:
“لا أمنعك، فقط انتظر حتى أراك."
فأخذها الإمام في حضنه، وقبّل شفتيها اليابستين.
عندها صاحت تلك الطفلة البريئة:
“العطش العطش ، فان الظما قـدا احرقنی."
فقال لها الإمام:
"اجلسي عند الخيمة حتى آتي لك بالماء."
نهض الإمام ليتوجه إلى الميدان، ولكن الطفلة عادت لتتعلّق بطرف ثوبه وتبكي قائلة: یا ابه این تمضی عنا؟
فاحتضنها مرة أخرى، وهدّأها، ثمّ افترق عنها بقلبٍ مفجوعٍ ممزّق. (1)
2. رؤية هلال بن نافع لمشهد مفجع
يروي هلال بن نافع، أحد جنود العدو:
"كنت واقفًا في مقدمة الصفوف، فرأيت الإمام الحسين (عليه السلام) بعدما ودّع أهله، متوجهًا نحو المعركة. وإذا بي أرى فتاةً صغيرةً تخرج من الخيمة، تمشي بخطوات مرتجفة، وتجري خلف الإمام حتى أدركته، فأمسكت بثوبه، وقالت:
'يا أبه! انظر إليّ، فإني عطشانة.' ردّ الإمام وهو يبكي: الله يسقيكِ، فإنه وكيلي
سأل هلال من تكون هذه الطفلة؟ فقيل له: هي رقيّة، ابنة الحسين عليه السلام (2)
3. مشهدٌ مؤلم من عطش السيّدة رقيّة عليها السلام يوم عاشوراء
في عصر عاشوراء، حينما هجم الأعداء على خيام أهل البيت عليهم السلام للسلب والنهب، وجدوا في داخلها ثلاثةً وعشرين طفلاً من أبناء العترة الطاهرة. فرفعوا الأمر إلى عمر بن سعد وقالوا له إنّ هؤلاء الأطفال في خطر الموت من شدّة العطش، فأذن بأن يُسقَوا الماء.
وعندما جاء دور السيّدة رقيّة عليها السلام، أخذت الإناء وركضت مسرعة نحو ميدان المعركة. فسألها أحد جنود العدو: «إلى أين تذهبين؟» فأجابت سلام الله عليها: «أبي كان عطشاناً، أُريد أن أبحث عنه لأُعطيه الماء».
قال لها الرجل: «اشربيه أنتِ، فإنّ أباكِ قد استُشهد عطشاناً!»
فبكت السيّدة رقيّة عليها السلام وقالت: «إذاً، لن أشرب الماء».
وفي كتاب مفاتيح الغيب لابن الجوزي، يروي صالح بن عبد الله فيقول: عندما أُضرمت النيران في الخيام، وبدأ أهل البيت عليهم السلام يفرّون من هول الموقف، رأيت فتاةً صغيرةً قد اشتعل طرف ثوبها، وكانت تصرخ باكية، وتركض يميناً وشمالاً والدموع تملأ عينيها.
أثّر فيّ حالها، فأسرعت إليها لأطفئ النار عن ثوبها. وما إن سمعت صوت حوافر فرسي حتى ازداد اضطرابها وخوفها. فقلت: «يا بنيّة، لا أُريد لكِ سوءاً»، فتوقفت وهي خائفة، فنزلت من فرسي وأطفأت النار وهدّأتها.
فقالت لي فجأة: «يا هذا، شفتاي قد ازرقتا من شدّة العطش، أَسقِني جرعةً من الماء».
تأثّرتُ بكلامها وأعطيتُها إناءً من الماء. أخذت الإناء وتنهدت، ثمّ مشت بهدوء. فسألتها: «إلى أين تمضين؟»
قالت: «لدي أختٌ صغيرةٌ هي أشدّ عطشاً منّي».
قلت لها: «لا تخافي، فقد انتهى وقت منع الماء، إشربيه».
فقالت: «يا رجل، أُريد أن أسألك: هل سقى أحدٌ أبي الحسين عليه السلام الماء؟»
فأجبتها: «يا ابنتي، لا والله، لقد كان في ساعاته الأخيرة يقول: (اسقوني شربةً من الماء)، ولكن لم يُسقوه، بل لم يجيبوه حتى بكلمة».
عندما سمعت هذا الكلام، لم تشرب الماء.
ويقول بعض كبار العلماء إنّ هذه الطفلة كانت السيّدة رقيّة خاتون عليها السلام. (3)
رقیة علیها السلام تنتظر أباها عند سجادة الصلاة
نُقل في كتاب سرور المؤمنين أنّ السيّدة رقيّة علیها السلام، كانت كلّما جاء وقت الصلاة، تبسط سجادة أبيها، فيأتي الإمام عليه السلام ويصلّي عليها. وفي ظهر يوم عاشوراء، كعادتها، بسطت السجادة وجلست تنتظر. وبعد برهة، دخل شمر فجأة إلى الخيمة.
قالت له رقيّة علیها السلام: «أما رأيت أبي؟»
فلمّا رأى شمر تلك الطفلة جالسة بجانب السجادة تنتظر أباها، قال لغلامه: «اضرب هذه البنت!»
فلم يُطِع الغلام أمره. فتقدّم شمر بنفسه، وصفع وجه تلك الطفلة صفعةً ارتجّ لها عرش الله عزّ وجلّ.
وينقل المحدث الخبير المرحوم الشيخ عباس القمّي (قدّس سرّه) في كتاب كامل البهائي (ج٢، ص١٧٩):
إنّ نساء بيت النبوّة، أثناء السبي، كانوا يخفون عن أطفال الشهداء من قَتْلى كربلاء ما أصاب آباءهم، وكانوا يسلّون كلّ طفل ويقولون له: إنّ أباك قد سافر إلى مكان كذا وسيعود قريباً، حتى أُدخلوا إلى بيت يزيد.
وكانت هناك فتاة صغيرة تبلغ من العمر أربع سنوات، استيقظت ذات ليلة وقالت: «أين أبي الحسين عليه السلام؟ لقد رأيته الساعة في المنام، وكان حاله مؤلماً ومُفزعاً».
فبكى جميع النساء والأطفال وارتفعت أصواتهم بالبكاء. وكان يزيد نائماً، فاستيقظ على الضجيج وسأل عن الخبر، فحُكي له ما جرى.
فقال اللعين في الحال: «خذوا إليها رأس أبيها، وضعوه عندها».
فجاؤوا بالرأس الشريف، ووضعوه إلى جانب تلك الطفلة الصغيرة.
قالت: «ما هذا؟»
قالوا: «هذا رأس أبيكِ!»
فصرخت الطفلة ، واشتدّ مرضها، ولم تمضِ أيّام حتى سلّمت روحها إلى بارئها.
رؤيا السيّدة زينب لأمّها الزهراء في شامِ غريبان وبكاء رقيّة على صدر الحسين
ورد في كتاب مبكي العيون أنّ السيّدة زينب (سلام الله علیها) غفت قليلاً تحت خيمةٍ شبه محترقة في ليلة شام غريبان. وفي عالم الرؤيا، رأت أمّها السيّدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها).
فقالت لها: «يا أمّاه! أما تعلمين ما حلّ بنا؟!»
فأجابت السيّدة الزهراء (سلام الله علیها): «لا طاقة لي على سماع ذلك».
فقالت السيّدة زينب (سلام الله علیها): «فإلى من أبثّ شكواي؟!»
فقالت السيّدة الزهراء (سلام الله علیها): «كنتُ حاضرةً حينما فُصل رأس ولدي الحسين (عليه السلام) عن بدنه، وشهدتُ ذلك المصاب. والآن، قومي وابحثي عن رقيّة (سلام الله علیها) ».
فاستيقظت السيّدة زينب (سلام الله علیها) من نومها، وبدأت تنادي على رقيّة (سلام الله علیها) ولكن لم تسمع جواباً. فخرجت من الخيمة مع أختها السيّدة أمّ كلثوم، وهما تبكيان وتنتحبان، وسارتا تبحثان عنها.
فجأة، سمعا صوت السيّدة رقيّة (سلام الله علیها) قريباً من ميدان الشهادة، فتقدّمتا حتى وصلتا إلى الأجساد المضرّجة بالدماء.
وإذا بهما ترى رقيّة (سلام الله علیها) قد ألقت بنفسها على جسد أبيها الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد ألصقت كفّيها بصدره الطاهر، وهي تناجيه وتشكو إليه.
فقامت السيّدة زينب (سلام الله علیها) بمواساتها وتلطيف خاطرها. وفي هذه الأثناء جاءت السيّدة سكينة (سلام الله علیها)، فعادت الثلاث إلى الخيمة معاً.
وفي الطريق، سألت السيّدة سكينة (سلام الله علیها) أختها رقيّة (سلام الله علیها):
«كيف وجدتِ جسد أبيك في هذه الليلة المظلمة؟!»
فأجابتها رقيّة (سلام الله علیها):
«ناديت أبي كثيراً، وكرّرت: "أبتاه... أبتاه..." حتى سمعت صوت أبي يقول: "تعالي إلى هنا... أنا هنا"» (4).
مخاطبة الرأس الشريف للإمام الحسين عليه السلام مع ابنته رقيّة عليها السلام
جاء في كتاب بحر الغرائب، الجزء الثاني، مضمونٌ قريب من هذا: قال الحارث، وكان من جند يزيد: أمر يزيد أن يُبقوا أهل البيت عليهم السلام ثلاثة أيام عند باب دمشق، حتى تكتمل الزينة والأنوار في المدينة.
يقول الحارث: في الليلة الأولى، كنتُ في حالةٍ بين النوم واليقظة، فرأيت فتاةً صغيرة قامت ونظرت حولها، فرأت الجنود نائمين من شدة التعب ولا أحد مستيقظ. فتقدّمت خطوات نحو رأس الإمام الحسين عليه السلام، الذي كان معلّقاً على شجرة قرب الخرابة عند باب الشام، ثم عادت خائفة. وتكرّر هذا عدّة مرات، ثم وقفت تحت الشجرة، ونزلت إلى حيث الرأس الشريف، فوقفَت أمامه.
فقالت رقيّة سلام الله علیها:
«السلام عليك يا أبتاه، وا مصيبتاه بعد فِراقك، واغربتاه بعد شهادتك!»
فرأيتُ الرأس الشريف يتكلّم بلسانٍ فصيحٍ ويقول:
«يا بُنيّتي، قد انتهت مصيبتك، وانتهى الركض على الشوك، والضرب بالسياط، وذُلّ الأسر، يا نور العين، بعد ليالٍ قلائل ستأتين إلينا، فاصبري على ما نزل بكم، فإنّ الصبر جزاؤه الشفاعة».
يقول الحارث: كان بيتي قريباً من الخرابة، فبقيتُ أنتظر متى سترحل هذه الطفلة، حتى كانت ليلة سمعت فيها نحيباً وصراخاً من جهة الخرابة، فسألت: «ما الخبر؟»
فقالوا: «السيّدة رقيّة عليها السلام قد تُوفّيت».
وجاء أيضاً في كتاب حضرت رقیه، ص ۲۶، وكذلك في كتاب ثمرات الحیاة للعلامة صدر الدين القزويني، الجزء الثاني، بسنده، أنّ السيّدة رقيّة علیها السلام وضعت شفتيها على شفتي أبيها الإمام الحسين علیه السلام، فقال لها:
«إليّ، إليّ، هلمي، فإني لك بالانتظار».
أي: «تعالي إليّ يا نور العين، فإني في انتظارك».
وكانت هذه اللحظة التي فاضت فيها روح السيّدة رقيّة علیها السلام إلى بارئها. (5)
نداءُ الفراق و وداعُ الشهید مع ابنته الطفلة
يقولُ صاحبُ كتاب "مصباح الحرمَين": إنّ الطفلةَ ذات الثلاث سنوات، بنت الإمام الحسين عليه السلام، رأت أباها في المنام في إحدى الليالي، فابتهجت برؤياه واطمأنّت تحت ظلّ رأفته، غير أنّ السماء المعادية لم تحتمل هذا الهدوء لتلك الصغيرة، فلمّا استيقظت من نومها ولم تجد أباها، بدأت تبكي. فمهما حاول أهلُ البيت عليهم السلام أن يهدّئوها، لم تسكن. فسألوها عن سبب بكائها، فقالت المظلومة:
«أين أبي؟ ائتوني بأبي وقرّة عيني».
ففهم أولئك المكلومون أنّ تلك اليتيمة رأت أباها في المنام، وكلّما حاولوا تسليتها لم تهدأ. وكان أهل البيت أنفسهم ينتظرون ذريعة للبكاء، فانفجر الصراخ وملأ سكون الليل، وشاركت الصغيرة الجميع النواح والعويل، فبعثروا شعورهم ولطموا وجوههم ونثروا تراب الخرابة على رؤوسهم، وبلغ صوت بكائهم أسماعَ يزيد الكافر الخبيث.
وفي رواية أخرى، قال طاهر بن عبد الله الدمشقي: كنتُ نديماً لذلك اللعين (يزيد)، وكنت أمضي معظم الليالي معه وأؤنسه، وذات ليلة، وقد مضى شيء من الليل، قال لي:
«يا طاهر، الليلة تغلبت عليّ الوحشة، وقلبي يرتجف، وهمّي وحزني كثير، ولا طاقة لي على الجلوس أو الحديث، فاجعل رأسي في حجرك وحدثني عمّا اقترفت من قبيح الأفعال».
قال طاهر: جعلتُ رأسه النحس في حجري، وكان رأسُ سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في طَشتٍ من الذهب أمامنا. وبعد ساعة رأيتُ فجأة ستائر حريم الحسين ترتفع في الخرابة. وكان يزيد نائماً وأنا في حزنٍ عظيم، أقول: أيّ ظلم هذا الذي فعله يزيد بأولاد أبي تراب؟
نظرتُ نحو الطشت، فرأيتُ دموعاً تنهمر من عيني الإمام الحسين عليه السلام، فتملّكني العجب. ثم رأيتُ الرأس الشريف يرتفع بقدر أربعة أذرع، وبدأت شفتاه المباركتان تتحرّكان، وخرج صوتٌ حزين ضعيف من فمه المبارك يقول:
«اللهم هؤلاء أولادُنا وأكبادُنا، وهؤلاء أصحابُنا».
قال طاهر: حين رأيتُ هذا المشهد، استولى عليّ الخوف والدهشة، وبدأت أبكي. صعدتُ إلى سطح قصر يزيد، والخرابة خلفه، وظننت أنّ أحد أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله قد تُوفّي، مما سبّب هذا العويل والنحيب. فلمّا وصلتُ إلى أعلى القصر، رأيت أهل البيت الأطهار عليهم السلام مجتمعين حول طفلة صغيرة تنثر التراب على رأسها وتنادي:
«يا عمتي، يا أختَ أبي، أين أبي؟ أين أبي؟»
فناديتهن وسألتُ عن سبب هذا النواح والبكاء، فقالوا: أيّها الرجل، هذه الطفلة الصغيرة، بنت الإمام الحسين عليه السلام، رأت أباها في المنام، والآن استيقظت وهي تطلبه، ولا تهدأ مهما سلّيناها.
قال طاهر: بعد هذه المشاهدة الأليمة، عدتُ إلى يزيد، فوجدته قد استيقظ، وكان يحدّق في رأس الحسين بن عليّ عليه السلام، وقد أخذ الخوف والرهبة تتملّكانه حتى صار يرتجف كغصن الصفصاف.
وفي تلك اللحظة، توجّه الرأس الشريف نحو يزيد، وقال له:
«يا بن معاوية، ما الذي صنعتُ بك حتى تعاملني بهذه الطريقة، وتسكن أهلي في الخرابة؟»
ثم توجّه الرأس الشريف إلى الله الخبير اللطيف، وقال:
«اللهم انتقم منه بما عمل بي وظلمني وظلم أهلي»
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾
فلمّا سمع يزيد هذا الدعاء، ارتعد جسده حتى كاد أن يتفكّك من شدّة الخوف.
ثم سألني عن سبب بكاء أهل البيت عليهم السلام، فأُخبر بما جرى، فأمر أن يُؤتى بالرأس الشريف إلى الخرابة ويُوضع عند تلك الطفلة، لعلّها تهدأ برؤيته.
فأخذ خُدّام يزيد الرأس الشريف، ولما علم أهل البيت عليهم السلام بأنّهم جاءوا برأس الإمام الحسين عليه السلام، هرعوا إليه، واستقبلوه وشرعوا في العزاء، خصوصاً زينب الكبرى عليها السلام، التي كانت تطوف كالفراشة حول تلك الشمعة النبوية.
فلمّا وقعت عينا الطفلة على الرأس المبارك، سألت: «ما هذا الرأس؟»
فقالوا: «هذا رأس أبيكِ».
فأخذت المظلومة ذلك الرأس الشريف من الطشت واحتضنته، وبدأت تبكي وتقول:
«يا أبتاه، ليتني فداؤك، ليتني كنت عمياء قبل هذا اليوم، ليتني متّ ودفنت في التراب قبل أن أرى لحيتك المضيئة مخضّبة بالدماء».
ثم وضعت فمها على فم أبيها الكريم، وبكت حتى أغمي عليها
وحين حرّكها أهل البيت عليهم السلام، وجدوا أنّ روحها المباركة قد فارقت الدنيا، ورحلت إلى جوار جدّتها فاطمة الزهراء عليها السلام في ملأ القدس.
فما إن رأى أولئك المساكين هذا المشهد، حتى ارتفعت أصواتهم بالبكاء والنحيب، وجُدّد الحزن والعزاء. وهذه الفتاة التي تُوفيت في خرابة الشام، يُحتمل أن يكون اسمها الشريف «رقيّة» عليها السلام، وهي من بنات سيد الشهداء عليه السلام، كما أن القبر المنسوب لها في خرابة الشام معروف بمقام السيدة رقية عليها السلام. (منتخب التواريخ، الباب الخامس، ص ٢٩٩)
أما وفاة ابنة الإمام الحسين عليه السلام في خرابة الشام، وحديثها مع السيدة زينب عليها السلام، وغُسلها من قبل زينب وأمّ كلثوم عليهما السلام، وما كُتب من كلمات وروايات عنها، فهي تقطع الحجر وتُذيب الحديد وتُبكي الطيور والأسماك، ومعلوم حال السيدة زينب عليها السلام في ذلك المشهد المؤلم.
وقد كُتب أن عمرها كان ثلاث سنوات، وذكر بعضهم أن اسمها زينب، وبعضهم قال رقيّة، وآخرون قالوا سُكينة عليها السلام.
وذكر بعضهم أنّه بأمر من يزيد، بُني قصر نُقشت فيه وقائع عاشوراء وأحوال الشهداء وأسر أهل البيت، وأُدخلوا إلى ذلك القصر، وإن صحّت هذه الرواية، فإنّ حالة أهل البيت ومحنهم في تلك المشاهد لا يعلمها إلا الله الأحد. (6)
1. الوقائع العاشورائية، السیّد محمّد تقي المقدّم، ص ٤٥٥ / السیّدة رقیّة علیها السلام، تألیف الشیخ علي الفلسفي، ص ٥٥٠
2. سَرْدُ المِحْنَةِ المُؤْلِمَةِ لِلسيّدةِ رُقَيّة علیها السلام، ص ٢٢، نَقلاً عن الوقائع والحوادث، محمّد باقر ملبوبي، ج ٣، ص ١٩٢
3. / السیّدة رقیّة علیها السلام، تألیف الشیخ علي الفلسفي، ص 13
4. ۲۰۰ قصة من فضائل وكرامات السيّدة زينب، ص ۱۱۳
5. كلام الإمام الحسين عليه السلام في ١٢٠ موضعاً، ص ٥٩
6. ناسخ التواريخ، حياة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، ج ٢، ص ٤٥٦
التعلیقات