وصول السبايا إلى المدينة المنورة
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 4 سنواتاتّجه موكب سبايا أهل البيت عليهم الصلاة والسلام من كربلاء بعد أيام الأربعين إلى يثرب، وأخذ يجدّ في السير لا يلوي على شيء، وقد اغرورقت عيون بنات رسول الله صلّى الله عليه وآله بالدموع، وهن ينجبن ويندبن قتلاهنّ، ويذكرن بمزيد من اللوعة ما جرى عليهن من الذلّ، وكانت يثرب قبل قدوم السبايا إليها ترفل في ثياب الحزن على أمّ المؤمنين السيّدة اًمّ سلمة زوجة النبيّ صلّى الله عليه وآله،(1) فقد توفّيت بعد قتل الحسين عليه السّلام بشهر كمداً وحزناً عليه،(2) وكان وصولهم إلى مدينة المنورة في الثاني من شهر ربيع الأول سنة 61 للهجرة.
نعي بشر للإمام عليه السّلام
ولمّا وصل الإمام زين العابدين عليه السّلام بالقرب من المدينة نزل وضرب فسطاطه، وأنزل العلويات، وكان معه بشر بن حذلم، فقال له:«يا بشر، رحم الله أباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شيء منه؟«
قال: بلى يا بن رسول الله.
فقال له الإمام عليه السلام: «فادخل المدينة وانع أبا عبد الله«.
وانطلق بشر إلى المدينة، فلمّا انتهى إلى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعاً بالبكاء قائلاً:
يا أهلَ يثربَ لا مقامَ لكم بها *** قُتلَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ
الجسمُ منهُ بكربلاء مُضرّجٌ *** والرأسُ منهُ على القناةِ يُدارُ
وخرجت الجماهير نحو الجامع النبوي وهي ما بين نائح وصائح تنتظر من بشر المزيد من الأنباء، وأحاطوا به قائلين: ما النبأ؟
فقال: هذا علي بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم، وأنا رسوله إليكم اُعرّفكم مكانه.
وعجّت الجماهير بالبكاء، ومضوا مسرعين لاستقبال آل رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي برّ بدينهم ودنياهم، وساد البكاء، وارتفعت أصوات النساء بالعويل، وأحطنَ بالعلويات، كما أحاط الرجال بالإمام زين العابدين عليه السّلام وهم غارقون بالبكاء، فكان ذلك اليوم كاليوم الذي مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وخطب الإمام زين العابدين (عليه السّلام) خطبة مؤثرة تحدّث فيها عمّا جرى على آل البيت (عليهم السّلام) من القتل والتنكيل والسبي والذلّ، ولم يكن باستطاعة الإمام (عليه السّلام) أن يقوم خطيباً؛ فقد أحاطت به الأمراض والآلام، فاستدعى له بكرسي فجلس عليه.
وعرض الإمام (عليه السّلام) في خطابه إلى المحن السود التي عانتها الاُسرة النبويّة، وما جرى عليها من القتل وسبي النساء، وغير ذلك ممّا تتصدّع من هوله الجبال.(3)
وجاء صعصعة إلى الإمام (عليه السّلام)، فألقى إليه معاذيره في عدم نصرته للحسين (عليه السّلام)، فقبل الإمام عذره، وترحّم على أبيه. ثمّ زحف الإمام (عليه السّلام) مع عمّاته وأخواته وقد أحاطت به الجماهير، وعلت أصواتهم بالبكاء والعويل، فقصدوا الجامع النبوي، ولمّا انتهوا إليه أخذت العقيلة بعضادتي باب الجامع، وأخذت تخاطب جدّها الرسول وتعزيه بمصاب ريحانته قائلة: يا جدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين.(4)
وأقامت العلويات المأتم على سيد الشهداء (عليه السّلام)، ولبسنَ السواد، وأخذن يندبنه بأقسى وأشجى ما تكون الندبة.
مكافأة الحرس
وقام الحرس بخدمات ورعاية إلى السيدات، فالتفتت السيدة فاطمة بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فقالت للعقيلة زينب عليها السّلام: لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟
فأجابتها العقيلة عليها السّلام: والله ما معنا شيء نصله به إلاّ حليّنا.
- نعم، هو ما تقولين.
وأخرجن سوارين ودملجين وبعثتا بهما إليه، واعتذرتا له، وتأثّر الرجل من هذا الكرم الغامر، وهو يعلم ما هنَّ فيه من الضيق والشدّة، فقال لهما باحترام: لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني، ولكن والله ما فعلته إلاّ لله، ولقرابتكم من رسول الله صلّى الله عليه وآله.(5)
نعي بشر للإمام عليه السّلام
ولمّا وصل الإمام زين العابدين عليه السّلام بالقرب من المدينة نزل وضرب فسطاطه، وأنزل العلويات، وكان معه بشر بن حذلم، فقال له:«يا بشر، رحم الله أباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شيء منه؟«
قال: بلى يا بن رسول الله.
فقال له الإمام عليه السلام: «فادخل المدينة وانع أبا عبد الله«.
وانطلق بشر إلى المدينة، فلمّا انتهى إلى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعاً بالبكاء قائلاً:
يا أهلَ يثربَ لا مقامَ لكم بها *** قُتلَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ
الجسمُ منهُ بكربلاء مُضرّجٌ *** والرأسُ منهُ على القناةِ يُدارُ
وخرجت الجماهير نحو الجامع النبوي وهي ما بين نائح وصائح تنتظر من بشر المزيد من الأنباء، وأحاطوا به قائلين: ما النبأ؟
فقال: هذا علي بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم، وأنا رسوله إليكم اُعرّفكم مكانه.
وعجّت الجماهير بالبكاء، ومضوا مسرعين لاستقبال آل رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي برّ بدينهم ودنياهم، وساد البكاء، وارتفعت أصوات النساء بالعويل، وأحطنَ بالعلويات، كما أحاط الرجال بالإمام زين العابدين عليه السّلام وهم غارقون بالبكاء، فكان ذلك اليوم كاليوم الذي مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وخطب الإمام زين العابدين (عليه السّلام) خطبة مؤثرة تحدّث فيها عمّا جرى على آل البيت (عليهم السّلام) من القتل والتنكيل والسبي والذلّ، ولم يكن باستطاعة الإمام (عليه السّلام) أن يقوم خطيباً؛ فقد أحاطت به الأمراض والآلام، فاستدعى له بكرسي فجلس عليه.
وعرض الإمام (عليه السّلام) في خطابه إلى المحن السود التي عانتها الاُسرة النبويّة، وما جرى عليها من القتل وسبي النساء، وغير ذلك ممّا تتصدّع من هوله الجبال.(3)
وجاء صعصعة إلى الإمام (عليه السّلام)، فألقى إليه معاذيره في عدم نصرته للحسين (عليه السّلام)، فقبل الإمام عذره، وترحّم على أبيه. ثمّ زحف الإمام (عليه السّلام) مع عمّاته وأخواته وقد أحاطت به الجماهير، وعلت أصواتهم بالبكاء والعويل، فقصدوا الجامع النبوي، ولمّا انتهوا إليه أخذت العقيلة بعضادتي باب الجامع، وأخذت تخاطب جدّها الرسول وتعزيه بمصاب ريحانته قائلة: يا جدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين.(4)
وأقامت العلويات المأتم على سيد الشهداء (عليه السّلام)، ولبسنَ السواد، وأخذن يندبنه بأقسى وأشجى ما تكون الندبة.
مكافأة الحرس
وقام الحرس بخدمات ورعاية إلى السيدات، فالتفتت السيدة فاطمة بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فقالت للعقيلة زينب عليها السّلام: لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟
فأجابتها العقيلة عليها السّلام: والله ما معنا شيء نصله به إلاّ حليّنا.
- نعم، هو ما تقولين.
وأخرجن سوارين ودملجين وبعثتا بهما إليه، واعتذرتا له، وتأثّر الرجل من هذا الكرم الغامر، وهو يعلم ما هنَّ فيه من الضيق والشدّة، فقال لهما باحترام: لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني، ولكن والله ما فعلته إلاّ لله، ولقرابتكم من رسول الله صلّى الله عليه وآله.(5)
1ـ الكامل في التاريخ: ج 3، ص 196.
2ـ السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام: 319.
3ـ اللهوف: 116.
4ـ مقتل الحسين عليه السّلام للمقرّم: 472.
5ـ تاريخ الطبري: ج 6، ص 366؛ تاريخ ابن الأثير: ج 3، ص 300.
التعلیقات