يكفي في عظمة واقعة عاشوراء أن أشخاصا لم يحضروا في هذه الواقعة الأليمة والبعض منهم لم يشاهدوا الإمام الحسين عليه السلام قط، إلا أن هذه الواقعة أثرت فيهم وقاموا بأفعال حسنة في قبال الإمام الحسين عليه السلام. وهذا هو قول الإمام الصادق عليه السلام:« نظر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الحسين بن علي عليهما السلام وهو مقبل ، فأجلسه في حجره وقال : إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا ، ثمّ قال عليه السلام بأبي قتيل كلّ عبرة ، قيل : وما قتيل كلّ عبرة يا بن رسول الله؟ قال : لا يذكره مؤمن إلّا بكى» (1)، فنذكر لكم بعض النساء اللاتي لم يحضرن في واقعة الطف الأليمة لكنهن أثروا في هذه الواقعة بشكل ما أو تأثروا منها.
النساء المؤثرات في واقعة عاشوراء
1) أم البنين
إسمها الحقيقي هو فاطمة الكلابية ولقبت بأم البنين لأنها ولدت لأميرالمؤمنين عليه السلام أربع بنين استشهدوا جميعا على رمضاء كربلاء دفاعا عن أخيهم الإمام الحسين عليه السلام. وهم العباس بن علي، و عبد اللّه بن علي، و جعفر بن علي، و عثمان بن علي (2). وقد ورد في قضية زواج أم البنين عليها السلام من أمير المؤمنين عليه السلام بعد استشهاد فاطمة الزهراء سلام الله عليها: « أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام قال لأخيه عقيل ـ وكان نسابة عالما بأنساب العرب وأخبارهم ـ : انظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا. فقال له: تزوج ام البنين الكلابية فانّه ليس في العرب أشجع من آبائها. فتزوجها، ولما كان يوم الطف قال شمر بن ذي الجوشن الكلابي للعباس واخوته : أين بنو اختي؟ فلم يجيبوه ، فقال الحسين لإخوته : أجيبوه وإن كان فاسقا فإنّه بعض أخوالكم. فقالوا له : ما تريد؟ قال : اخرجوا إلي فانّكم آمنون ولا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم. فسبّوه وقالوا له : قبحت وقبح ما جئت به أنترك سيّدنا وأخانا ونخرج الى أمانك؟ وقتل هو وإخوته الثلاثة في ذلك اليوم» (3). فهكذا أثرت أم البنين عليها السلام في واقعة الطف. لكنها أيضا تأثرت منها. فقد ورد في كتاب مقاتل الطالبيين: « وكانت أم البنين أم هؤلاء الاربعة الاخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها اشجى ندبة واحرقها فيجتمع الناس إليها يسمعون منها فكان مروان يجئ فيمن يجئ لذلك فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي» (4).
2) أم سلمة
أم سلمة هي إحدى زوجات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. وقد أخبرها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام. حيث قالت أم سلمة للإمام الحسين عليه السلام في المدينة المنورة حول الذهاب إلى العراق والكوفة: « لا تحزنّي بخروجك إلى العراق فإنّي سمعت جدك رسول اللّه يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلا و عندي تربتك في قارورة دفعها إلي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. فقال الحسين عليه السّلام يا أماه وأنا اعلم أني مقتول مذبوح ظلما وعدوانا وقد شاء عزّ وجل أن يرى حرمي ورهطي مشردين وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا. يا أماه إن لم اذهب اليوم ذهبت غدا وإن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد وما من الموت واللّه بد وإني لأعرف اليوم الذي اقتل فيه والساعة التي اقتل فيها والحفرة التي ادفن فيها كما اعرفك وانظر إليها كما انظر إليك وإن أحببت يا أماه أن أريك مضجعي ومكان أصحابي، فطلبت منه ذلك فأراها تربة أصحابه ثم اعطاها من تلك التربة وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة فإذا رأتها تفور دما تيقنت قتله! وفي اليوم العاشر بعد الظهر نظرت إلى القارورتين فإذا هما يفوران دما» (5). وأيضا رأت أم سلمة في ليلة عاشوراء، زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام. فقد روي في المقتل: « لقد عمَّ الاستياء في هذه الليلة عالَم المُلك والملكوت ، وللحور في غرف الجنان صراخ وعويل ، وللملائكة بين أطباق السّماوات نشيج ونحيب ، وندبته الجنّ في مكانها. رأت رسولَ الله صلى الله عليه وآله اُمُ سلمة في المنام ، أشعث مغبراً وعلى رأسه التراب ، فقالت له : يا رسول الله ما لي أراك أشعث مغبراً؟ قال صلى الله عليه وآله : «قُتل ولدي الحسين، وما زلتُ أحفر القبور له ولأصحابه »، فانتبهتُ فزعة ونظرتُ إلى القارورة التي فيها تراب أرض كربلاء فإذا به يفور دماً وهو الذي دفعه النّبي إليها وأمرها أنْ تحتفظ به ، وزاد على ذلك سماعها في جوف الليل هاتفاً ينعى الحسين عليه السلام فيقول :
أيّها القاتلون جهلاً حسيناً * أبشروا بالعذاب والتنكيل
قد لُعنتم على لسان ابن داود * وموسى وصاحب الإنجيل
كلّ أهل السّماء يدعو عليكم * من نبيًّ ومرسل وقتيل.
وكانت تسمع في جَوف الليل أصوات نعي الحسين عليه السلام ولَم ترَ أحداً ، فمن ذلك :
ألا يا عينُ فاحتفلي بجهدٍ * ومَنْ يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهُمُ المنايا * إلى متجبرٍ في ملك عبد.» (6)
3) طوعة
طوعة هي إمرأة مؤمنة أوت مسلم بن عقيل بعد غربته في الكوفة. فإنها حينما جلس مسلم بن عقيل عليه السلام على بابها، قالت له: « يا عبد الله ألم تشرب! قال: بلى، قالت: فاذهب إلى أهلك؛ فسكت؛ ثم عادت فقالت مثل ذلك، فسكت؛ ثم قالت له: في الله سبحان الله يا عبد الله! فمر إلى أهلك عافاك الله؛ فانه لا يصالح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك. فقام فقال: يا أمة الله، مالي في المصر منزل ولا عشيرة فهل لك إلى أجر ومعروف، ولعلي مكافؤك به بعد اليوم؟! فقالت: يا عبد الله وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغروني! قالت: أنت مسلم. قال: نعم. قالت: ادخل. فأدخلته بيتا في دارها - غير البيت الذي تكون فيه- و فرشت له، وعرضت عليه العشاء فلم يتعش» (7).
النساء المتأثرات من واقعة عاشوراء
1) النوار الحضرمية
النوار الحضرمية هي زوجة خولي بن يزيد لعنة الله عليه. يروي الطبري في تاريخه:« و ما هو الا ان قتل الحسين، فسرح برأسه من يومه ذلك مع خولى بن يزيد و حميد بن مسلم الأزدي الى عبيد الله بن زياد، فاقبل به خولى فاراد القصر، فوجد باب القصر مغلقا، فاتى منزله فوضعه تحت إجانة في منزله. فلما اصبح غدا بالراس الى عبيد الله بن زياد. و له امرأتان: امراة من بني اسد، و الاخرى من الحضرميين يقال لها النوار ابنة مالك بن عقرب، و كانت تلك الليلة ليلة الحضرمية قال هشام: فحدثني ابي، عن النوار بنت مالك، قالت: اقبل خولى برأس الحسين فوضعه تحت إجانة في الدار، ثم دخل البيت، فاوى الى فراشه، فقلت له: ما الخبر؟ ما عندك؟ قال: جئتك بغنى الدهر، هذا راس الحسين معك في الدار، قالت: فقلت: ويلك - جاء الناس بالذهب و الفضه و جئت برأس ابن رسول الله صلى الله عليه وآله! لا و الله لا يجمع راسي و راسك بيت ابدا، قالت: فقمت من فراشي، فخرجت الى الدار، فدعا الأسدية فادخلها اليه، و جلست انظر، قالت: فو الله ما زلت انظر الى نور يسطع مثل العمود من السماء الى الإجانة، و رايت طيرا بيضا ترفرف حولها» (8).
2) إمرأة من بني بكر بن وائل
هي كانت مع زوجها الذي كان حاضرًا في جيش عمر بن سعد، ولها موقف مؤثر تجاه بنات رسول الله صلى الله عليه وآله: « وروى حميد بن مسلم قال رأيت امرأة من بني بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام وفسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفا وأقبلت نحو الفسطاط وقالت يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله لا حكم إلا لله يالثارات رسول الله فأخذها زوجها وردها إلى رحله» (9).
هذه كانت بعض النساء اللاتي أثرن في واقعة عاشوراء أو تأثرن بها.
1) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 10 / الصفحة: 318 / الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
2) مروج الذهب ومعادن الجوهر (علي بن الحسين المسعودي) / المجلد: 3 / الصفحة: 74 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
3) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب (لإبن عنبة) / المجلد: 1 / الصفحة: 357 / الناشر: منشورات الشريف الرضي – النجف الأشرف / الطبعة: 2.
4) مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الإصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 56 / الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر – قم / الطبعة:2.
5) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 177 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
6) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 291 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
7) وقعة الطف (لأبي مخنف الأزدي) / المجلد: 1 / الصفحة: 151 / الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام – بيروت / الطبعة:3.
8) تاريخ الأمم والملوك (لأبي جرير الطبري) / المجلد: 5 / الصفحة: 455 / الناشر: دار التراث – بيروت / الطبعة: 1.
9) الملهوف على قتلى الطفوف (لسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 132 / الناشر: نشر بين الملل – قم / الطبعة: 2.
التعلیقات