قصة اقامة الصلاة في كربلا
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتإنّ الأطفال كثيرا ما يتأثرون برواية القصص ويستطيع كل من الأبوين أن يستفاد من هذا الأمر والفرصة؛ لتربية الأولاد؛ لأن الأطفال لهم شغف لاستماع القصص، ويتأثرون إلى حد كبير بها، ويتفاعلون معها، وللقصص تأثير أكبر من النصحية المباشرة؛ لأن القصة تمنحه الفرصة بأن يفكر ويستلهم منها، ومن هذا المنطلق سوف نروي لكم قصة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام؛ لكي نستلهم من حياتهم الدروس، ونتعلم منهم كيف وصلوا إلى هذا المقام الرفيع.
أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي، من فرسان قبيلة همْدان وجنود أمير المؤمنين عليه السلام ومن خلّص أصحابه، ولم يفارق الإمام في مشهد من مشاهده، ملازماً لركابه، وصحب الإمام الحسن (ع) أيضاً بعد شهادة أبيه عليهما السلام إلى أن هلك معاوية، وكان يسكن الكوفة، ولمّا بلغ أهلها موت معاوية وانتشر الخبر، اجتمع الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، وكان أبو ثمامة من الحاضرين في ذلك المجلس، وكتبوا إلى الإمام كتباً أن يأتي إليهم حتّى أرسل مسلم بن عقيل عليه السلام إليهم.
وكانت مهمة أبي ثَمامة أن يشتري السلاح لمسلم بن عقيل، ويجمع له العُدّة والعتاد، وكانت مساعيه في هذا السبيل ناجحة، كما كان يستلم الأموال الموجّهة إلى مسلم، وكان بصيراً بالسلاح، يعرفه معرفة تامّة. (1)
فلمّا دخل ابن زياد الكوفة وثار أصحاب مسلم عليه، عقد مسلم لأبي ثَمامة الصائدي على ربع بني تميم وهمْدان، فلمّا بلغ ابن زياد إقباله تحرّز في القصر واختفى هناك، وأغلق الباب، وأحاط مسلم بالقصر، وامتلأ المسجد والسوق من الناس، وما زالوا يجتمعون حتّى المساء، وضاق بعبيد الله أمره.
وثبت أبو ثَمامة مع مسلم حتّى تفرّق الناس عنه، واختفى مسلم عليه السلام، ثم خانت الكوفة به وحدث ما حدث له إلى أن استشهد، فلجأ أبو ثَمامة إلى قبيلته.
فجدّ عبيد الله بن زياد في طلبه، وبالغ في ذلك حتّى اضطرّه للخروج من الكوفة متخفياً إلى أن لحق بالحسين مع نافع بن هلال حين تلاقيا في الطريق.
ثم أنّ عمر بن سعد لمّا وصل إلى كربلاء هو عسكره أراد أن يرسل إلى الحسين (ع)، ويطلّع على رأيه، ويقف على السبب الذي جعله أن يأتي إلى العراق، فكلّ من أراد أن يبعثه للإمام يأبى من الذهاب، ويقول: أنا أستحيي من الحسين لأنّني كتبت إليه، وامتنع رؤساء الجيش كلّهم إلى أن قام كثير بن عبد الله الشعبي، وقال: أرسلوني إليه، وإن شئت لأفتكنّ به. فقال عمر بن سعد: ما أُريد أن تفتك به، ولكن اذهب إليه، واسأله ما الذي جاء به.
فأقبل إليه (وكان رجلاً فتّاكاً خبيثاً)، فلمّا رآه أبو ثَمامة الصائدي قال للحسين عليه السلام: أصلحك الله أبا عبد الله، قد جاءك شرّ أهل الأرض، وأجرأه على دم وأفتكه.
فقام إليه أبو ثمامة، وقال له: ضع سيفك.
قال: لا والله ولا كرامة، إنّما أنا رسول، فإن سمعتم منّي أبلغتكم ما أُرسلت به إليكم، وإن أبيتم انصرفت عنكم.
فقال له: فإنّي آخذ بقائم سيفك ثمّ تكلّم بحاجتك.
قال: لا والله ولا تمسّه.
فقال: أخبرني ما جئت به، وأنا أُبلّغه عنك، ولا أدعك تدنو منه؛ فإنّك فاجر.
قال: فاستبّا، ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، قال: فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قرّة، اذهب إلى حسيناً فاسأله لماذا أتي ونزل بكربلاء؟ وماذا يريد؟ قال: فأتاه قرّة بن قيس فلمّا رآه مقبلاً، قال: أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من حنظلة تميميّ وهو ابن أُختنا، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد.
قال: فجاء حتّى سلّم على الحسين، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له، فقال الحسين عليه السلام: كتب إليّ أهل مدينتكم هذه (أي: الكوفة) أن أقدم، فأمّا إذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم. قال:
ثمّ قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرّة بن قيس! إنّك ترجع إلى القوم الظالمين؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك. فقال له قرّة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي. قال: فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره الخبر. (2)
وحينما حاصر العدوّ في يوم عاشوراء بجيوشه الجرّارة الإمام الحسين (ع) وأهل ببيته وأنصاره، وتقدموا للقتال، وتهاوى كالنجوم الواحد تلو الآخر أمام إمامهم مضحين النفيس والرخيص في سيبيل اعتلاء كلمة الله المتمثلة بحجته وخليفته، فكان النقص يبيّن في جماعتهم إذا قتل منهم الواحد والإثنان لقلّتهم، ولا يبيّن النقص في جيش ابن سعد لكثرتهم، فلمّا شاهد ذلك أبو ثَمامة قال للحسين: يا أبا عبد الله، نفسي لك
الفداء، إنّي أرى هؤلاء القوم قد اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتّى أُقتل دونك إن
شاء الله، وأُحبّ أن ألقى ربّي، وقد صلّيت هذه الصلاة، وقد دنى وقتها.
قال: فرفع الحسين رأسه ثمّ قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أوّل وقتها. ثمّ قال: سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي.
فتقدّم حبيب بن مظاهر عليه السلام إلى عسكر ابن سعد ورفع عقيرته فيهم، وصاح بهم: يا ابن سعد، أنسيت شرائع الإسلام؟! هلّا أوقفت الحرب، وتركتمونا نصلّي، وتصلّون، ثمّ قاتلونا إن شئتم.
فقال الحصين بن نمير لعنه الله: صلّ يا حسين فإنّ صلاتك لا تقبل، فأجابه حبيب: لا تقبل صلاة ابن رسول الله وتقبل صلاتك يا حمار! وأخيراً أجابهم أصحاب الحسين جواباً شديداً بعد هذا الحوار، ونشبت الحرب بينهم واستشهد فيها حبيب بن مظاهر.(3)
واستعدّ أبو ثَمامة بعد أداء صلاة الخوف لمواجهة الحتوف، فقال للحسين عليه السلام: إنّي قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلّف، وأراك وحيداً من أهلك وقتيلاً. فقال الحسين عليه السلام: تقدّم يا أبا ثَمامة، فإنّا لاحقون بك عن ساعة. عند ذلك انحدر أبو ثَمامة عليهم كالسيل المنصبّ من أعلى، ووثب عليهم كالنمر
الشرس، وحمل عليهم ذات اليمين وذات الشمال، وقال:
عزاء لآل المصطفى وبناته |
|
على حبس خير الناس سبط محمّد |
عزاء لبنت المصطفى وزوجها |
|
خزانة علم الله من بعد أحمد |
حتّى خضّبت الأرض من دمائهم، وأُثخن بالجراح وعجز عن القتال، فقتله ابن عمّه قيس بن عبد الله.
وجاء في الزيارة الرجبيّة وزيارة الناحية المقدّسة غير المشهورة وهي زيارة الشهداء: «السلام على أبي ثَمامة
عمرو بن عبد الله الصائدي ...».
ــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الإرشاد: ج 2 ص 45.
2ـ الإرشاد: ج 2 ص 86؛ تاريخ الطبري: ج ٤، ص ٣١٠ و٣١١.
3ـ فرسان الهيجاء: ص 25.
التعلیقات