كيفيَّة الإحتفال بعيد الغدير في العائلة
السيد حسين الهاشمي
منذ 4 أشهر﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (1)، ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (2).
عيد الغدير هو أعظم أعياد المسلمين في كل سنة، وهو اليوم الذي نصب فيه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام وصياً له، وإماماً وقائداً للمسلمين من بعده، بأمر من الله تبارك وتعالى. ويعبّر القرآن بشكل جميل عن هذا اليوم بيوم إكمال الدين. حيث يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾، وروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الاسلام دينا» (3)، ولهذه المناسبة أصبح هذا اليوم يوم عيد للمسلمين حيث روى الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام: «قال: قلت: جعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم، يا حسن! أعظمها وأشرفها، قال: قلت له: وأي يوم هو؟ قال: يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام فيه علما للناس» (4)، فعلينا الاحتفال بهذا العيد وتربية أبنائنا على تعظيم هذا اليوم والاحتفال به، لنكون بحق من أتباع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. فالإحتفال بهذا العيد من السنن الدائرة بين الأئمة عليهم السلام حيث روي عن داوود الرقي قال: « دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائما، فقال لي: هذا يوم عظيم عظم الله حرمته (إلى أن قال:) فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال: إنه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكرا لله، وأن صومه يعدل ستين شهرا من أشهر الحرم» (5)، ولهذا قمنا بكتابة بعض الأعمال والتقاليد التي يمكننا أن نفعل للإحتفال بعيد الغدير في العائلة.
كيفية الإحتفال بعيد الغدير في العائلة
الأول: بيان حكاية الغدير في العائلة
الأطفال يحبون أن يسمعوا الحكايات الجميلة والقصص الجذابة من أفواه الأبوين، وهذا يؤدي إلى فهم المطالب بشكل جيد وعميق. فمن الجميل أن نجلس مع العائلة ونروي حكاية الغدير وتنصيب الإمام علي عليه السلام أميراً للمؤمنين، كما نحكي بعض القصص التاريخية التي تتحدث عن شجاعة أمير المؤمنين وفضله عليه السلام. بذلك يفرح الأطفال بسماع هذه القصص الجميلة ويستفيدون منها، ونكون قد أبلغنا رسالة الغدير إلى الجيل القادم. فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام حول واقعة غدير خم: « لمّا أنزل الله على نبيه يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين. قال: فأخذ رسول الله بيد علي ثم قال: يا معشر المسلمين ليبلغ الشاهد الغائب، اوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي، ألا إن ولاية علي ولايتي، وولايتي ولاية ربي، عهدا عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه، ثم قال : هل سمعتم؟ ـ ثلاث مرات يقولها ـ فقال قائل : قد سمعنا يا رسول الله» (6).
الثاني: طبخ مأكولات شهيّة
إن الأطفال والعائلة يحبون أن يأكلوا مأكولات شهية ويشربوا مشروبات طازجة وإذا تمّ طبخ مأكولات شهية لهم في يوم مخصوص في السنة، فهذا يبقى في أذهانم ويسبب في بقاء عيد الغدير في قلوب العائلة بعنوان يوم العيد الذي نأكل فيه مأكولات شهية.
الثالث: إطعام الطعام
ذكر إطعام الطعام في روايات متعددة في أعمال عيد الغدير المبارك. فعلى كلّ مؤمن وشيعي في هذا اليوم أن يطعم الآخرين خصوصا الفقراء والمساكين قدر ما يستطيع. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام حول عيد الغدير: « إنه اليوم الذي أقام رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام للناس علما وأبان فيه فضله ووصيه فصام شكرا لله عز وجل ذلك اليوم وإنه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الاخوان، وفيه مرضاة الرحمن، ومرغمة الشيطان» (7)، والنكتة الحائزة للأهمية أنه ينبغي في هذا العيد المبارك أن نطعم الفقراء بنفس طعامنا الذي نأكله. يعني أن نساوي بين عائلتنا وأبنائنا وبين الفقراء والمساكين في أطعام الطعام. فقد روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال في خطبته في يوم الغدير: «وساووا بكم ضعفاءكم في مآكلكم ، وما تناله القدرة من استطاعتكم ، على حسب إمكانكم ، فالدرهم فيه بمائتي ألف درهم ، والمزيد من الله عزوجل.... وليعد الغني على الفقير ، والقوي على الضعيف أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك» (8).
الرابع: إهداء الهدايا إلى العائلة والمسلمين
من الآداب الجميلة في الشريعة الإسلامية إهداء الهدايا في الأعياد والمناسبات الدينية والتاريخية. فما أجمل أن يتبادل جميع أفراد العائلة الهدايا الجميلة فيما بينهم، لنعيد العيد بحفاوة وصداقة ونرسخ روح المحبة والتواصل. ونحن في عصرنا الحالي غالبا نعبر عن الهدايا التي نعطيها في الأعياد بالعيدية. وقد قال أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبته في يوم الغدير: « عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، والبر باخوانكم والشكر لله عزوجل على ما منحكم ... وهبوا لاخوانكم وعيالكم من فضله بالجهد من جودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم» (9)، وقد روى الإمام الرضا عليه السلام عن أبيه عن جده عليهما السلام في فضل يوم الغدير أنه قال: « ولدرهم فيه بألف درهم لاخوانك العارفين، فأفضل على إخوانك في هذا اليوم وسر فيه كل مؤمن ومؤمنة»(10).
الخامس: الفرح والسرور
عيد الغدير هو أعظم الأعياد فينبغي لنا أن نفرح بهذه المناسبة ونفرّح العائلة بهذا العيد المبارك ونعقد مجالس الفرح والسرور حتى يبقى الغدير خالدا في الأجيال القادمة. وقد قال الإمام الصادق عليه السلام في حق يوم عيد الغدير: « هو يوم عبادة وصلاة، وشكر لله وحمد له، وسرور لما من الله به عليكم من ولايتنا»(11).
السادس: صلة الأرحام وزيارة الإخوان
صلة الأرحام والذهاب إلى منازلهم أو دعوتهم إلى منزلنا من أجمل عادات المسلمين خصوصا في الدول العربية. فإن الكرم من عادات العرب. فمن الجميل أن نزور الأقارب والأصدقاء وإخواننا المسلمين في يوم عيد الغدير حتى نفرح بزيارتهم ويفرحوا بزيارتنا. وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في أعمال يوم عيد الغدير:« ينبغي لكم أن تتقربوا إلى الله تعالى بالبر والصوم والصلاة وصلة الرحم وصلة الاخوان فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا إذا أقاموا أوصياءهم فعلوا ذلك وأمروا به» (12)، وينبغي لنا إذا شاهدنا البعض، أن يبارك بعضنا البعض بمناسبة عيد الغدير. فقد قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: «وَ هُوَ يَوْمُ التَّهْنِيَةِ يُهَنِّي بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَإِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَ هُوَ يَوْمُ التَّبَسُّمِ فِي وُجُوهِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ فَمَنْ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِ أَخِيهِ يَوْمَ الْغَدِيرِ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالرَّحْمَةِ وَ قَضَى لَهُ أَلْفَ حَاجَةٍ وَ بَنَى لَهُ قَصْراً فِي الْجَنَّةِ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ وَ نَضَّرَ وَجْهَهُ» (13).
السابع: لبس الملابس الجديدة والجميلة
يوم عيد الغدير هو يوم التزين والاحتفال بولاية أمير المؤمنين عليه السلام. فعلينا أن نلبس الملابس الجديدة والفاخرة ونستعمل العطور حتى نبرز سرورنا بهذه المناسبة. فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام: «وَ هُوَ يَوْمُ الزِّينَةِ فَمَنْ تَزَيَّنَ لِيَوْمِ الْغَدِيرِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ خَطِيئَةٍ عَمِلَهَا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً وَ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَائِكَةً يَكْتُبُونَ لَهُ الْحَسَنَاتِ وَ يَرْفَعُونَ لَهُ الدَّرَجَاتِ إِلَى قَابِلِ مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ مَاتَ مَاتَ شَهِيداً وَ إِنْ عَاشَ عَاشَ سَعِيداً» (14).
هذه كانت جملة من الموارد التي يمكننا الإحتفال بها في يوم عيد الغدير المبارك. نتمنا لكم جميعا عيدا مباركا والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية مولانا أميرالمؤمنين والأئمة المعصومين عليهم السلام.
1) سورة المائدة، الآية:67.
2) سورة المائدة، الآية: 3.
3) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 188 / الناشر: مؤسسة البعثة – طهران / الطبعة: 1.
4) مصباح المتهجد (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 736 / الناشر: مؤسسة فقه الشيعة – بيروت / الطبعة: 1.
5) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 7 / الصفحة: 326 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
6) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 37 / الصفحة: 141 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
7) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 7 / الصفحة: 328 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
8) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 97 / الصفحة: 117 و 118 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
9) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 97 / الصفحة: 117 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
10) مصباح المتهجد (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 737 / الناشر: مؤسسة فقه الشيعة – بيروت / الطبعة: 1.
11) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 7 / الصفحة: 328 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
12) مصباح المتهجد (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 736 / الناشر: مؤسسة فقه الشيعة – بيروت / الطبعة: 1.
13) إقبال الأعمال (للسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 464 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 2.
14) إقبال الأعمال (للسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 464 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 2.
التعلیقات