علاج للسعال في تعاليم أهل البيت
شيخ مهدي المجاهد
منذ 10 ساعاتالسعال هو أحد الأعراض المرضية الشائعة التي يعاني منها الكثيرون، وقد يختلف في شدته وطبيعته بين الأفراد. قد يكون نتيجة لنزلات البرد أو الأنفلونزا، وقد يكون دليلاً على مشكلات صحية أخرى أكثر خطورة، مثل التهاب الشعب الهوائية أو الربو. وعلى الرغم من أن السعال في العصر الحديث يمكن أن يعالج بسهولة باستخدام الأدوية والعلاجات الحديثة، إلا أن التراث الإسلامي، وبالأخص تعاليم أهل البيت عليهم السلام، يقدم رؤية شاملة وعميقة لهذا العارض، تجمع بين الجوانب الروحية والجسدية في علاج المرض.
في الثقافة الإسلامية، يعتبر الطب ليس مجرد شفاء جسدي، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالروح والعلاقة مع الله سبحانه وتعالى. ففي العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، يظهر السعال ليس فقط كعرض جسدي، بل كعلامة على حاجة الإنسان إلى التوبة والدعاء، وتذكير له بالعجز أمام قدرة الله. وقد قدّم أهل البيت عليهم السلام حلولًا روحية وطبية لعلاج السعال، تضمّنت الأدعية الموجهة إلى الله عز وجل، كما اشتملت أيضًا على الوصفات العلاجية التي تعتمد على الأعشاب الطبيعية، والتي كانت سائدة في عصرهم.
من خلال الأدعية التي رويت عن الأئمة الأطهار عليهم السلام، نجد أن السعال كان يُعتبر بمثابة "بلاء" يجب التعامل معه بتوجيه النفس إلى الله في الدعاء، والتضرع إليه طلبًا للشفاء. وقد كانت هذه الأدعية تُمثل وسيلة لإصلاح الروح قبل الجسد، مما يعكس النهج الشامل الذي تبناه أهل البيت في الطب الروحي والجسدي. بالإضافة إلى ذلك، قدموا وصفات طبية متعلقة بالسعال باستخدام الأعشاب التي كانت متوفرة في زمانهم، وهي وصفات تعتمد على التجربة والخبرة، وفي بعض الأحيان تتناسب مع المعايير الطبية الحديثة التي نتعرف عليها اليوم.
هذا المقال يهدف إلى استكشاف مفهوم السعال في روايات أهل البيت عليهم السلام، مع التركيز على كيفية علاج السعال في ضوء الأدعية والتوجيهات الطبية التي وردت عن الأئمة عليهم السلام. سنعرض الأدعية الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الرضا عليه السلام، بالإضافة إلى وصفات طبية مهمة مثل الوصفات التي قدمها الإمام الصادق عليه السلام في علاج السعال باستخدام الأعشاب الطبيعية. سنتناول أيضًا دلالات هذه العلاجات في الجانب الروحي والطبّي، مع محاولة تفسير كيف يمكن دمج هذين الجانبين في معالجة الأمراض في حياتنا اليومية.
علاج السعال بالكاشم
عن ابن ابي عمير عن ابن أُذينة قال : شكا رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام السعال وأنا حاضر فقال له : « خذ في راحتك شيئا من كاشم ومثله من سكر فاستفه يوما أو يومين » قال ابن أذينة : فلقيت الرجل بعد ذلك فقال ما فعلته إلا مرة حتى ذهب.
بيان : الكاشم الأنجدان الرومي ذكره الفيروزآبادي وقال الأطباء إنه حار يابس في الثالثة وكأنه كان سعاله بلغميا باردا مع أنه يمكن أن يكون ليبسه يمنع انصباب الأخلاط إلى الرئة وقال في القانون ينفع من الدبيلات الباطنة (1).
علاج السعال عن الامام رضا عليه السلام
طب الأئمة عليهم السلام عن أحمد بن صالح عن محمد بن عبد السلام قال : « دخلت مع جماعة من أهل خراسان على الرضا عليه السلام فسلمنا عليه فرد وسأل كل واحد منهم حاجة فقضاها ثم نظر إلي فقال لي وأنت تسأل حاجتك.
فقلت يا ابن رسول الله أشكو إليك السعال الشديد فقال أحديث أم عتيق قلت كلاهما قال خذ فلفلا أبيض جزءا وإبرفيون جزءين وخربقا أبيض جزءا واحدا ومن السنبل جزءا ومن القاقلة جزءا واحدا ومن الزعفران جزءا ومن البنج جزءا وينخل بحريرة ويعجن بعسل منزوع الرغوة مثل وزنه وتتخذ للسعال العتيق والحديث منه حبة واحدة بماء الرازيانج عند المنام وليكن الماء فاترا لا باردا فإنه يقلعه من أصله » (2).
لا تكرهوا السعال
عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي : قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تكرهوا أربعة فانها لاربعة : لا تكرهوا الزكام فانه أمان من الجذام ، ولا تكرهوا الدماميل فانها أمان من البرص ، ولا تكرهوا الرمد فانه أمان من العمى ، ولا تكرهوا السعال فانه أمان من الفالج » (3).
دعاء للسعال والسل
عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، عن الحسين : قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من اشتكى حلقه وكثر سعاله واشتد يبسه ، فليعوذ بهذه الكلمات ، وكان يسميها الجامعة لكل شيء : « اللهم أنت رجائي وأنت ثقتي وعمادي وغياثي ورفعتي ، وجمالي ، وأنت مفزع المفزعين ، ليس للهاربين مهرب إلا إليك ، ولا للعالمين ، معول إلا عليك ، ولا للراغين مرغب إلا لديك ، ولا للمظلومين ناصر إلا أنت ، ولا لذي الحوائج مقصد إلا إليك ، ولا للطالبين عطاء إلا من لدنك ، ولا للتائبين متاب إلا إليك ، وليس الرزق والخير والفتوح إلا بيدك.
حزنتني الامور الفادحة ، وأعيتني المسالك الضيقة ، وأحوشتني الاوجاع الموجعة ، ولم أجد فتح باب الفرج إلا بيدك ، فأقمت تلقاء وجهك ، واستفتحت عليك بالدعاء إغلاقه ، فافتح يا رب للمستفتح ، واستجب للداعي ، وفرج الكرب واكشف الضر ، وسد الفقر ، وأجل الحزن ، وأنف الهم ، واستنقذني من الهلكة فاني قد أشفيت عليها ، ولا أجد لخلاصي منها غيرك ، يا الله يا من يجيب المضطر إذادعاه ويكشف السوء ، ارحمني واكشف ما بي من غم وكرب ووجع وداء ، رب إن لم تفعل لم أرج فرجي من عند غيرك ، فارحمني يا أرحم الراحمين.
هذامكان البائس الفقير ، هذا مكان المستغيث ، هذا مكان المستجير ، هذا مكان المكروب الضرير ، هذا مكان الملهوف المستعيذ ، هذا مكان العبد المشفق الهالك الغرق الخائف الوجل ، هذا مكان من انتبه من رقدته واستقيظ من غفلته ، وأفرق من علته وشدة وجعه ، وخاف من خطيئته ، واعترف بذنبه ، وأخبت إلى ربه ، وبكى من حذره ، واستغفر واستعبر واستقال واستعفا والله إلى ربه ، ورهب من سطوته وأرسل من عبرته ، ورجا وبكى ودعا ونادى : رب إني مسني الضر فتلافني.
قد ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، وتعلم سرائري وعلانيتي وتعلم حاجتي وتحيط بما عندي ، ولا يخفى عليك شئ من أمري من علانيتي وسري ، وما ابدي وما يكنه صدري ، فأسئلك بأنك تلي التدبير ، وتقبل المعاذير ، وتمضي المقادير سؤال من أساء واعترف ، وظلم نفسه واقترف ، وندم على ما سلف ، وأناب إلى ربه وأسف ، ولاذ بفنائه وعكف ، وأناخ رجاه وعطف ، وتبتل إلى مقيل عثرته ، وقابل توبته ، وغافر حوبته ، وراحم عبرته ، وكاشف كربته ، وشافي علته ، أن ترحم تجاوزي بك ، وتضرعي إليك ، وتغفرلي جميع ما أخطأته كتابك ، وأحصاه كتابك ، وما مضى من علمك ، من ذنوبي وخطاياي وجرائري في خلواتي وفجراتي وسيئاتي وهفواتي وهناتي وجميع ما تشهد به حفظتك وكتبته ملائكتك في الصغر وبعد البلوغ ، والشيب والشباب ، بالليل والنهار ، والغدو والاصال ، وبالعشي والابكار ، والضحى والاسحار ، في الحضر والسفر ، في الخلاء والملاء ، وأن تجاوز عن سيئاتي في أصحاب الجنة ، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
اللهم بحق محمد وآله أن تكشف عني العلل الغاشية في جسمي وفي شعري وبشري وعروقي وعصبي وجوارحي ، فان ذلك لا يكشفها غيرك يا أرحم الراحمين ويا مجيب دعوة المضطرين » (4).
1ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 62 / الصفحة : 182 / ط مؤسسة الوفاء.
2ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 62 / الصفحة : 181 ـ 182 / ط مؤسسة الوفاء.
3ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 81 / الصفحة : 179 / ط مؤسسة الوفاء.
4ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 95 / الصفحة : 102 ـ 104 / ط مؤسسة الوفاء.
التعلیقات