اليهود ودورهم في عصر الظهور
الشيخ علي الكوراني
منذ 14 سنةاليهود ودورهم في عصر الظهور
لو لم يكن عندنا عن دور اليهود في آخر الزمان وعصر ظهور المهدي عليه السلام إلا الآيات الشريفة في مطلع سورة الإسراء لكان فيها كفاية ، لأنها على اختصارها وحيٌ إلهيٌَ بليغ ، تكشف خلاصة تاريخهم ، وتسلط الضوء على مستقبلهم ، بدقة واعجاز!
على أنه يوجد بالإضافة إليها وإلى آيات القرآن الأخرى ، عدة أحاديث شريفة ، بعضها يتعلق بتفسير الآيات ، وبعضها يتعلق بوضعهم في عصر ظهور المهدي عليه السلام وحركته المقدسة.
وسوف نذكرها بعد تفسير الآيات الشريفة.
الوعد الإلهي بتدمير اليهود
قال الله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِى إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِى وَكِيلا.
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا.
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا.
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا.
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا.
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَاعَلَوْا تَتْبِيرًا.
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَ جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ).
( سورة الإسراء : 1 ـ 8 )
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا.
أي حكمنا في القضاء المبرم في التوراة الذي أنزلنا عليهم أنكم سوف تنحرفون عن الصراط المستقيم ، وتفسدون في المجتمع مرتين ، كما أنكم سوف تستكبرون على الآخرين وتعلون عليهم علواً كبيراً.
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ .
.
فإذا جاء وقت عقوبتكم على إفسادكم الأول ، أرسلنا عليكم عباداً منسوبين إلينا ، أصحاب بطش ومكروه ينزلونه بكم.
فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا .
.
وهو كناية عن سهولة الفتح الأول لفلسطين على يد المسلمين ، وأن جنود المسلمين تجولوا خلال بيوتكم يتعقبون بقايا مقاتليكم ، وكان ذلك وعداً قطعياً حاصلاً.
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا.
ثم أعدنا لكم الغلبة على هؤلاء المسلمين الذين بعثناكم عليكم.
وأعطيناكم أموالاً وأولاداً ، وجعلناكم أكثر منهم أنصاراً في العالم يستنفرون لكم ضدهم.
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .
.
ثم يستمر وضعكم على هذه الحال فترة من الزمن ، لابد ان تكون مستبطنة في الآية ، فإن تبتم وعملتم خيراً بما أعطيناكم من أموال وأولاد فهو خير لأنفسكم ، وإن أسأتم وطغيتم وعلوتم فهو لكم أيضاً.
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا.
ولكنكم سوف تُسيؤون ولاتحسنون فنمهلكم ، حتى إذا جاء وقت العقوبة على إفسادكم الثاني سلطنا عليكم نفس العباد المنسوبين إلينا بأشد من المرة الأولى ، فأنزلوا بكم مكروهاً يسوء وجوهكم ، ودخلوا المسجد الأقصى فاتحين كما دخلوه عندما جاسوا خلال دياركم في المرة الأولى.
ثم يسحقون علوكم وإفسادكم سحقاً.
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَ جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا.
لعل الله أن يرحمكم بعد هذه العقوبة الثانية بالهداية.
وإن عدتم إلى إفسادكم بعد العقوبة الثانية ، عدنا إلى معاقبتكم ، وحصرناكم عن ذلك في الدنيا ، ثم جعلنا لكم جهنم حبساً وحصراً في الآخرة.
والنتيجة الأولى من الآيات الكريمة : أن تاريخ اليهود من بعد موسى عليه السلام إلى آخر حياتهم يتلخص بأنهم يفسدون في المجتمع في المرة الأولى ، حتى إذا جاء وقت عقوبتهم على ذلك بعث الله تعالى عليهم قوماً فيغلبونهم بسهولة.
ثم يجعل الله تعالى الغلبة لليهود على أولئك القوم لحِكَمٍ ومصالح ، ويعطي اليهود أموالاً وأولاداً ويجعلهم أكثر أنصاراً منهم في العالم.
ولكن اليهود لايستفيدون من أموالهم وأنصارهم بل يسيئون ويفسدون للمرة الثانية ، وفي هذه المرة يضيفون إلى إفسادهم العلو ، فيستكبرون ويعلون على الناس كثيراً.
فإذا جاء وعد عقوبتهم على ذلك سلط الله عليهم نفس أولئك القوم مرة ثانية فأنزلوا بهم عقاباً أشد من العقاب الأول على ثلاث مراحل.
والنتيجة الثانية : أن القوم الذين يبعثهم الله عليهم في المرة الأولى يغلبونهم بسهولة ويدخلون المسجد الأقصى ، ويتعقبون مقاتليهم في بيوتهم ( فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ ) ويُنهون قوتهم العسكرية.
ثم يرسلهم الله عليهم ثانيةً على رغم غلبة اليهود عليهم وكثرة أنصارهم ضدهم ، فينزلون بهم العقوبة على ثلاث مراحل ، حيث يوجهون إليهم أولاً ضربات تسوء وجوههم ، ثم يدخلون المسجد فاتحين كما دخلوه أول مرة ، ثم يسحقون علوهم على الشعوب سحقاً.
كما تدل عليه اللام في قوله تعالى : ( لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ) وفي قوله تعالى : ( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ .
.
.
.
وَلِيُتَبِّرُوا .
.
).
والسؤال الأساسي الذي طرحه المفسرون : هل أن هذين الإفسادين ـ اللذين يرافق أحدهما علو كبير ـ قد مضيا ، ووقعت العقوبتان الموعودتان عليهما ، أم لا ؟
فقال بعضهم : إنهما مضيا ووقعت العقوبة على الإفساد الأول على يد نبوخذ نصر ، وعلى الإفساد الثاني على يد تيطس الروماني.
وقال بعضهم : لم تقع العقوبتان بعد.
والرأي الصحيح : أن العقوبة الأولى على إفسادهم الأول وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين ، ثم رد الله الكرة لليهود على المسلمين عندما ابتعد المسلمون عن الإسلام ، وأن اليهود أفسدوا مرة ثانية وعلوا في الأرض ، وستكون على أيدي المسلمين أيضاً ، عندما يعودون إلى رشدهم مجدداً.
وبهذا التفسير وردت الأحاديث الشريفة عن الأئمة عليهم السلام ، فقد فسرت هؤلاء القوم الذين سيبعثهم الله تعالى على اليهود في المرة الثانية بأنهم المهدي عليه السلام وأصحابه ، وبأنهم أهل قم ، وأنهم قوم يبعثهم الله تعالى قبل ظهور القائم عليه السلام.
ففي تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال بعد أن قرأ قوله تعالى : ( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) : هو القائم وأصحابه ، أولو بأس شديد ).
وفي تفسير نور الثقلين عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في تفسيرها : ( قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ، فلا يدعون وتراً لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه ).
وفي بحار الأنوار : 60/216 عن الإمام الصادق عليه السلام ( أنه قرأ هذه الآية .
.
فقلنا : جعلنا فداك من هؤلاء ؟ فقال ثلاث مرات : هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ).
والروايات الثلاث متفقة في المقصود ولاتعارض بينها ، لأن أهل قم بمعنى شيعة أنصار المهدي عليه السلام من إيران الذين ورد أنهم ينهضون معه وينصرونه.
ويبدو أن مقاومة اليهود من أتباع المهدي عليه السلام تكون على مراحل حتى يظهر المهدي عليه السلام فيكون القضاء النهائي على اليهود بقيادته وعلى يده أرواحنا فداه.
ومما يدل على أن العقوبة الثانية الموعودة لليهود ستكون على أيدي المسلمين ، أن القوم الذين وعد الله تعالى أن يبعثهم عليهم في المرتين أمة واحدة ، والصفات التي ذكرت لهم ، وصفات حربهم لليهود لاتنطبق إلا على المسلمين.
فملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والروم وغيرهم ، ممن تسلط على اليهود لايوصفون بأنهم ( عباداً لنا ) ، ولاحدث أنْ غلبهم اليهود بعد العقوبة الأولى ، كما ذكرت الآيات الشريفة.
بينما غلَبَ اليهودُ المسلمين بعد عقوبتهم بأيديهم في صدر الإسلام ، وأمدَّ الله اليهود بأموال وبنين وجعلهم أكثر منا أنصاراً في العالم ، ونفيراً بمساعدة الدول الكبرى.
وهاهم يفسدون في الأرض ويستعلون علينا وعلى الشعوب.
وهاهم مجاهدونا بدؤوا يوجهون إليهم ضربات تسئ وجوههم.
ومما يدل على ذلك أيضاً أن مراجعة تاريخ اليهود من بعد موسى عليه السلام تدل على أنهم قد تحقق منهم الإفساد في تاريخهم وحاضرهم ، ولكن علوهم الموعود لم يتحقق على أيِّ شعب إلا في عصرنا الحاضر ، فهو العلو الوحيد الموعود ، الذي تأتي على أثره العقوبة الموعودة بتتبيرهم!
وهو أمر واضح لكل ناظر في خلاصة تاريخهم التي سنذكرها.
الوعد الإلهي بالتسليط الدائم عليهم
قال الله عزوجل :
( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَارَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ).
( سورة الأعراف : 167 ـ 168 ).
معنى الآيتين الشريفتين : أنه تعالى أعلن وقضى بأنه سيسلط على اليهود من يعاقبهم ويعذبهم إلى يوم القيامة ، فهو سريع العقوبة وهو الغفور الرحيم.
ومن عقوبته لهم أن شتتهم في الأرض جماعات جماعات ، منهم الصالح ومنه الطالح ، وامتحنهم بالخير والشر ، لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الهدى.
ونجد تصديق هذا الوعد الإلهي بمعاقبة اليهود في كل أدوار تاريخهم ما عدا فترات حكم الأنبياء موسى ويوشع وداود وسليمان عليهم السلام ، فقد سلط عليهم أنواعاً من الأقوام والشعوب ، وساموهم سوء العذاب.
قد يقال : نعم لقد تسلط عليه ملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والرومان وغيرهم فساموهم سوء العذاب ، ولكن المسلمين لم يسومونهم سوء العذاب ، بل اكتفوا بأن قضوا على قوتهم العسكرية ، ثم قبلوا منهم أن يعيشوا في ظل الدولة الإسلامية ، ويتمتعوا بحريتهم وحقوقهم ضمن قوانين الإسلام ، ويعطوا الجزية.
والجواب : أن سومهم سوء العذاب لايعني استمرار قتلهم ونفيهم وسجنهم كما كانت تفعل بهم أكثر الدول التي تسلطت عليهم قبل الإسلام.
بل تعني إخضاعهم عسكرياً وسياسياً لسلطة من يسلطه الله عليهم.
والمسلمون وإن كانوا أرحم من غيرهم في معاقبة اليهود وتعذيبهم ، ولكنه يصدق عليهم أنهم تسلطوا على اليهود وساموهم سوء العذاب.
وقد يقال : نعم ، إن تاريخ اليهود يشهد بتطبيق هذا الوعد الإلهي عليهم ، ولكن قد مضى عليهم في عصرنا الحاضر قرن من الزمان أو نصف قرن على الأقل ، ولم يتسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب ، بل مضى عليهم أكثر من نصف قرن من سنة 1936 م.
وهم يسومون المسلمين في فلسطين وفي غيرها سوء العذاب ، فكيف نفسر ذلك ؟
الجواب : أن هذه الفترة من حياة اليهود مستثناة ، لأنها فترة رد الكرة ، ومرحلة العلو الكبير الموعود لهم بقوله تعالى في سورة الإسراء : ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) ( سورة الاسراء : 6 ) فتكون خارجة تخصصاً عن عموم الوعد بالتسليط عليهم ، حتى يجئ وعد العقوبة الثانية على يد المسلمين أيضاً.
وقد وردت الأحاديث الشريفة عن الأئمة عليهم السلام بأن هذا الوعد الإلهي قد انطبق عليهم أيضاً على أيدي المسلمين.
فقد نقل صاحب مجمع البيان في تفسير هذه الآية إجماع المفسرين على ذلك فقال : ( والمعنيُّ به أمة محمد صلى الله عليه وآله عند جميع المفسرين ، وهو المروي عن أبي جعفر ).
أي الإمام الباقر عليه السلام.
ورواه القمي في تفسيره عن أبي الجارود عن الباقر عليه السلام أيضاً.
الوعد الإلهي بإطفاء نار اليهود
قال الله عزوجل :
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ).
( سورة المائدة : 64 )
وهو وعد إلهي بإطفاء نار الحروب التي يوقدونها ، سواء كانوا طرفاً مباشراً فيها أو حركوا لها الآخرين.
وهو وعد لااستثناء فيه لأنه بلفظ : ( كُلَّمَا أَوْقَدُوا ).
والتاريخ البعيد والقريب يشهد بأنهم كانوا وراء إشعال عدد كبير من الفتن والحروب ، ولكن الله تعالى حقق وعده باللطف بالمسلمين والبشرية ، وأبطل كيد اليهود وأحبط خططهم ، وأطفأ نارهم.
ولعل أكبر نار وفتنة أوقدوها على المسلمين والعالم ، نار الحرب الفعلية التي حركوا لها الغرب والشرق ، وكانوا طرفاً مباشراً فيها في فلسطين ، وطرفاً غير مباشر في أكثر بلاد العالم.
ولم يبق إلا أن يتحقق الوعد الإلهي بإطفائها.
ويفهم من الآية الشريفة أن عدوانهم وصراعاتهم الداخلية أحد أبواب اللطف الإلهي لإطفاء نارهم ، بقرينة ذكر إطفاء النار في الآية بعدها وكأنه متفرع عليها : ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لايُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ).
( المائدة : 64 )
أما الأحاديث الشريفة عن دورهم في عصر الظهور :
فمنها ، ما يتعلق بتجمعهم في فلسطين قبل المعركة القاضية عليهم تفسيراً لقوله تعالى : ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَابِكُمْ لَفِيفاً ) ( سورة الاسراء : 104 ) ، أي جئنا بكم من كل ناحية جميعاً ، كما في تفسير نور الثقلين.
ومن ذلك ، الحديث الشريف عن مجيئهم وغزوهم لعكا ، فعن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( هل سمعتم بمدينة جانب منها في البحر؟ قالوا نعم.
قال لاتقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ).
( مستدرك الحاكم : 4/476 ).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : ( لأبنين بمصر منبراً ، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ، ولأخرجن اليهود من كل كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه.
فقال الراوي وهو عباية الأسدي : قلت له يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت؟ فقال : هيهات ياعباية ذهبت غير مذهب.
يفعله رجل مني ، أي المهدي عليه السلام ).
( البحار : 53/60 ).
وهذا يدل على أن اليهود يتسلطون أو يتواجدون في كثير من بلاد العرب.
وسوف نذكر معركة المهدي عليه السلام مع السفياني ومعهم ، في أحداث بلاد الشام وأحداث حركة الظهور.
ومنها ، حديث كشفهم للهيكل.
فقد ورد في تعداد علامات الظهور عبارة : ( وكشف الهيكل ) ، الذي يبدو أنه كشف هيكل سليمان عليه السلام.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( ولذلك آيات وعلامات : أولهن إحصار الكوفة بالرصد والقذف.
وتخريق الزوايا في سكك الكوفة.
وتعطيل المساجد أربعين ليلة.
وكشف الهيكل وخفق رايات تهتز حول المسجد الأكبر ، القاتل والمقتول في النار ).
( البحار : 52/273 ).
ويحتمل أن يكون الهيكل أثراً تاريخياً غير هيكل سليمان عليه السلام ، أو في محل آخر غير القدس ، حيث ورد ذكره بصيغة ( كشف الهيكل ) بنحو مطلق ، ولم يذكر من يكشفه.
والفقرات الأولى من الرواية تتحدث عن حالة حرب في الكوفة ، التي يرد ذكرها أحياناً بمعنى العراق ، وقد تكون هنا بمعنى مدينة الكوفة.
وحصارها وقذفها واتخاذ المتاريس في زوايا شوارعها.
أما الرايات المتصارعة حول المسجد الحرام ، فهي تشير إلى صراع القبائل في الحجاز على الحكم قبيل ظهور المهدي عليه السلام ، وفيه أحاديث كثيرة.
ومنها ، الأحاديث التي تعين القوم الذين يسلطهم الله تعالى عليهم بعد إفسادهم وعلوهم في العالم.
وقد تقدم بعضها في تفسير الآيات الشريفة ، ويأتي ذكر بعضها في الحديث عن إيران وشخصياتها في عصر الظهور ، من قبيل حديث الرايات السود المستفيض : ( تخرج من خراسان راياتٌ سودٌ فلا يردها شئ حتى تنصب في إيلياء ).
وغيره.
ومنها ، أحاديث استخراج المهدي عليه السلام للتوراة الأصلية من غار بأنطاكية ، وجبل بالشام ، وجبل بفلسطين ، ومن بحيرة طبرية ، ومحاجته اليهود بها.
فعن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( يستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية ) ( البحار : 51/25 )
وعنه صلى الله عليه وآله قال : ( يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية ، وأسفار التوراة من جبل بالشام يحاج بها اليهود فيسلم كثير منهم ).
( منتخب الأثر ص 309 )
وعنه صلى الله عليه وآله قال : ( يظهر على يديه تابوت السكينة من بحيرة طبرية ، يحمل فيوضع بين يديه ببيت المقدس فإذا نظرت إليه اليهودأسلمت إلا قليلاً منهم ) ( الملاحم والفتن ص 57 )
وتابوت السكينة هو المذكور في قوله تعالى :
( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ( سورة البقرة : 247 )
وقد ورد أن هذا الصندوق الذي فيه مواريث الأنبياء عليهم السلام كان آية وعلامة لبني إسرائيل على إمامة من يكون عنده ، وأن الملائكة جاءت به تحمله بين جموع بني إسرائيل حتى وضعته أمام طالوت عليه السلام ، ثم سلمه طالوت لداود ، وداود لسليمان ، وسليمان لوصيه آصف بن برخيا ، على نبينا وآله وعليهم السلام.
ثم فقده بنو إسرائيل بعد وصي سليمان عليهما السلام عندما أطاعوا غيره.
ومعنى : ( فيسلم كثير منهم ) أو ( أسلمت إلا قليلاً منهم ) من الذين يرون تابوت السكينة ، أو الذين يحاجهم المهدي عليه السلام بنسخ التوراة الأصلية ، أو من الذين يبقيهم المهدي عليه السلام في فلسطين بعد تحريرها وهزيمتهم.
وفي رواية أخرى أنه يسلم له من اليهود ثلاثون ألفاً ، وهو عدد قليل بالنسبة إلى مجموعهم.
ومنها ، أحاديث معارك الإمام المهدي عليه السلام واصحابه مع اليهود ، كالحديث الذي تقدم عن إخراج المهدي عليه السلام لليهود من جزيرة العرب ، ولايكون ذلك إلا بالإنتصار عليهم وطردهم من فلسطين ، فقد روت مصادر السنة والشيعة أحاديث معركة المهدي عليه السلام الكبرى وأن طرفها المباشر يكون السفياني وخلفه اليهود والروم ، ويمتد محورها من أنطاكية إلى عكا ، أي على طول الساحل السوري اللبناني الفلسطيني ، ثم إلى طبرية ودمشق والقدس.
وفيها تحصل هزيمتهم الكبرى الموعودة : حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي فاقتله .
.
وسيأتي ذكرها في أحداث حركة ظهور المهدي أرواحنا فداه.
ومنها ، أحاديث معركة مرج عكا ، وقد تكون جزءً من المعركة الكبرى المتقدمة ، ولكن المرجح أنها جزء من المعركة الثانية التي يخوضها المهدي عليه السلام مع الغربيين ومن يأتي معهم من اليهود بعد سنتين أو ثلاث سنوات من فتح فلسطين وهزيمة اليهود والغربيين.
فقد ذكرت الأحاديث أن المهدي عليه السلام يعقد بعدها اتفاقية هدنة وعدم اعتداء مع الروم أي الغربيين مدتها سبع سنين أو عشر سنين ، ويبدو أن عيسى عليه السلام يكون الوسيط فيها ، ثم يغدر الروم وينقضونها بعد سنتين أو ثلاثة ، ويأتون ثمانين فرقة كل فرقة اثنا عشر ألفاً ، وتكون هذه المعركة الكبرى التي يقتل فيها كثير من أعداء الله تعالى ، وقد وصفت بأنها الملحمة العظمى ، ومأدبة مرج عكا ، أي مأدبة سباع الأرض وطيور السماء من لحوم الجبارين! فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفاً من المسلمين يشهدون الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا ).
( بشارة الإسلام ص 297 ).
ومنها ، أحاديث تدل على موقع عكا العسكري في عهد المهدي عليه السلام ، وأنه يجعلها قاعدة بحرية لفتح أوربا ، فقد ورد أنه عليه السلام ( يبني أربع مئة سفينة في ساحل عكا.
ويتوجه إلى بلاد الروم فيفتح رومية مع أصحابه ).
( الزام الناصب ص 224 ).
وسيأتي ذكر ذلك في أحداث حركة ظهوره عليه السلام.
خلاصة تاريخ اليهود
نورد في هذه الخلاصة الحالة العامة لليهود من زمن موسى عليه السلام الى زمن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وقد اعتمدنا فيها على كتاب ( معجم الكتاب المقدس ) الصادر عن مجمع الكنائس للشرق الأدنى ، وكتاب ( تاريخ اليهود من أسفارهم لمحمد عزت دروزة ).
وينقسم تاريخ اليهود في هذه المدة إلى عشرة عهود :
1 ـ عهد موسى ويوشع عليهما السلام 1270 ق.
م 1130 ق.
م
2 ـ عهد القضاة 1130 ق.
م 1025 ق.
م
3 ـ عهد داود وسليمان عليهما السلام 1025 ق.
م 931 ق.
م
4 ـ عهد الإنقسام والصراع الداخلي 931 ق.
م 859 ق.
م
5 ـ عهد السيطرة الأشورية 859 ق.
م 612 ق.
م
6 ـ عهد السيطرة البابلية 597 ق.
م 539 ق.
م
7 ـ عهد السيطرة الفارسية 539 ق.
م 331 ق.
م
8 ـ عهد السيطرة اليونانية 331 ق.
م 64 ق.
م
9 ـ عهد السيطرة الرومانية 64 ق.
م 638 م
10 ـ عهد السيطرة الإسلامية 638.
م 1925.
م
عهد موسى ويوشع
عاش النبي موسى عليه السلام مئة وعشرين سنة ، منها نحو ثلاثين سنة أول عمره الشريف في قصر فرعون مصر.
ونحو عشر سنوات عند النبي شعيب عليه السلام ، في قادش برنيع الواقعة في آخر سيناء من جهة فلسطين ، قرب وادي العربة.
وتذكر التوراة الموجودة أن عدد بني إسرائيل الذين خرجوا معه عليه السلام ست مئة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد.
( سفر الخروج ص 12 : 37 ، وسفر العدد ص 33 : 36 ) ويقدرهم بعض الباحثين الغربيين بستة آلاف نسمة.
ويرجح المؤرخون أن الخروج من مصر حدث في مطلع القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، حدود 1230 ق.
م.
على عهد الفرعون منفتاح.
وفي الجبل عند قادش توفي موسى عليه السلام فدفنه وصيه يوشع بن نون عليه السلام ، وأخفى قبره.
وقد تحمل من بني إسرائيل أنواع الأذى في حياته وبعد وفاته!
تقول توراتهم عنه وعن هارون عليهما السلام : ( كلم الرب موسى قائلاً : مت في الجبل كما مات أخوك هارون في جبل هور.
لأنكما خنتماني.
عند ماء برية مريبة قادش في برية سين إذ لم تقدساني.
فإنك تنظر الأرض من قبالتها ولكنك لا تدخل إلى هناك إلى الأرض التي أنا أعطيتها لبني إسرائيل ) ( سفر التثنية ص 32 : 5– 53 )!!
وتقول : ( يوشع بن نون هو يدخل إلى هناك ).
( سفر التثنية ، ص 1 : 38 ).
وتولى قيادة بني إسرائيل بعد موسى وصيه النبي يوشع عليهما السلام ، فسار بهم إلى الضفة الغربية لنهر الأردن وبدأ بمدينة أريحا وفتح معها 31 مملكة صغيرة الواحدة منها عبارة عن مدينة أو بلدة قد يتبعها قرى زراعية.
وكان السكان من الوثنيين الكنعانيين.
وقسم المنطقة على أسباط بني إسرائيل المتحاسدين!
وقد ذكرت الإصحاحات 15 إلى 19 من سفر يوشع أسماء مدن وقرى المنطقة ، مئتين وستة عشر مدينة ، حسب تعبيرها.
وتوفي يوشع عليه السلام عن عمر قارب مئة وعشر سنوات ، حوالي 1130 ق.
م.
عهد القضاة أو الخلفاء وسيطرة الدول المحلية عليهم
انتقلت قيادة بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام إلى القضاة من قبائل اليهود ، وهم أشبه بالخلفاء من قبائل قريش ، وحكم منهم خمسة عشر قاضياً.
وتميز عهدهم بأمرين سنراهما مرافقين لبني إسرائيل دائما هما : انحرافهم عن خط الأنبياء عليهم السلام ، وتسليط الله تعالى عليهم من يسومهم سوء العذاب ، كما ذكر سبحانه في القرآن.
يتحدث سفر القضاة في الإصحاح الثالث والخامس عن انحراف بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام فيقول : ( سكنوا في وسط الكنعانيين والحيثيين والأموريين والفرزيين والحيويين واليبوسيين ، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا لبنيهم ، وعبدوا آلهتهم ).
ويذكر في الإصحاح : 3 : 8 أن أول من تسلط عليهم وأخضعهم كوشان رشتعايم ملك آرام النهرين ، مدة ثمان سنين.
ثم هاجمهم بنو عمون والعمالقة واستولوا على مدينة أريحا.
قضاة ، إصحاح3ـ13.
ثم تسلط عليهم يابين ملك كنعان في حاصور عشر سنين.
قضاة ، اصحاح 4 : 3.
ثم استعبدهم بنو عمون والفلسطينيون ثمان عشرة سنة.
قضاة ، اصحاح 1 : 8.
ثم نكل بهم الفلسطينيون وتسلطوا عليهم مدة أربعين سنة.
قضاة ، اصحاح13 : 1
وقد امتد حكم القضاة من بعد يوشع عليه السلام إلى زمن النبي صموئيل عليه السلام ، الذي ذكره الله تعالى في القرآن بقوله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاقَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ).
( سورة البقرة : 246 )
ويقدر المؤرخون هذه المدة بحوالي قرن ، من سنة 1130 ق.
م.
إلى عهد طالوت وداود عليه السلام 1025 ق.
م بينما يفهم من سفر القضاة في التوراة أنها أكثر من ذلك.
عهد داود وسليمان عليهما السلام
جعلنا عهد طالوت ( شاول ) جزءً من عهد داود وسليمان عليهما السلام ، لأنه كان ملكاً على خط الأنبياء عليهم السلام ولم يكن نبياً.
ويذكر المؤرخون أنه حكم خمس عشرة سنة 1025 إلى1010 قبل الميلاد ، وحكم بعده داود وسليمان عليهما السلام من 1010 ق.
م.
إلى 931 ق.
م.
سنة وفاة سليمان.
ويلاحظ أن مؤلفي التوراة الموجودة قد أكثروا من ظلمهم وافترائهم على أنبياء الله موسى وداود وسليمان عليهم السلام ، ورموهم بعظائم التهم الأخلاقية والسياسية والعقائدية! وقد تبعهم في ذلك وزاد عليهم أكثر المؤرخين النصارى الغربيين ، ثم تبعهم على ذلك المسلمون أصحاب الثقافة الغربية.
صلوات الله على أنبيائه جميعاً ، ونبرأ إلى الله ممن اتهمهم بسوء.
لقد أنقذ داود عليه السلام بني إسرائيل من الوثنية التي تورطوا فيها ، ومن تسلط الوثنيين ، ومد نفوذ دولته الإلهية إلى المناطق المجاورة ، وعامل الشعوب التي دخلت تحت حكمه بالحسنى ، كما وصف الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله.
وأراد داود أن يبني مسجداً في مكان عبادة جده إبراهيم عليهما السلام في القدس على جبل ( المَرِيَّا ) وكان المكان بيدراً للحبوب لأحد سكان القدس من اليبوسيين اسمه أرونا ، فاشتراه منه بخمسين شاقلاً فضة كما تذكر التوراة الموجودة ( سفر صموئيل الثاني : إصحاح 24 : 24 ، وسفر الأخبار الأول : إصحاح 21 : 22 ، 28 ) وبنى فيه مسجداً أقام فيه الصلاة ، وفي جانب منه كانت تذبح الأضاحي لله تعالى.
وورث سليمان ملك أبيه عليهما السلام وبلغ مكة ما ذكره الله تعالى في قرآنه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ، وبنى مسجد أبيه داود وإبراهيم ، بناء جديداً فخماً عرف باسم هيكل سليمان.
إن فترة حكم سليمان عليه السلام هي فترة استثنائية في تاريخ الأنبياء عليهم السلام جسَّد الله تعالى فيها للعالم نموذجاً للإمكانات الهائلة المتنوعة التي يمكن أن يسخرها لحياتهم إذا هم أقاموا كيانهم السياسي بقيادة الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام ، ولم يستغلوها في البغي على بعضهم : ( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَايَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ).
( سورة الشورى : 27 ).
وتوفي سليمان عليه السلام وهو جالس على كرسيه كما وصف القرآن ، ويحدد المؤرخون ذلك بسنة 931 ق.
م.
وبمجرد وفاته وقع الإنحراف في بني إسرائيل والإنقسام في الدولة ، وسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب.
تقول التوراة الموجودة في سفر الملوك الأول : إصحاح 11 : 1 ـ 13 ، بعد أن تفتري على سليمان عليه السلام بأنه ترك عبادة الله تعالى وعبد الأصنام : ( وقال لسليمان : من أجل أن ذلك عندك ، ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها ، فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً ).
عهد الانقسام والصراع الداخلي
وقد اشتد صراعهم الداخي حتى استعانوا على بعضهم بالقوى الوثنية المتبقية حولهم ، وبفراعنة مصر وآشور وبابل.
فقد اجتمع اليهود بعد موت سليمان عليه السلام في شكيم ( نابلس ) وبايعت أكثريتهم يربعام بن نباط الذي كان عدواً لسليمان في حياته ، وهرب منه إلى فرعون مصر ، فلما توفي سليمان رجع ورحب به اليهود ، وأقام في الضفة الغربية كياناً باسم دولة إسرائيل وجعل عاصمته شكيم أو السامرة ، وبايعت قلة منهم رحبعام بن سليمان وجعل عاصمته القدس ، وعرفت دولته باسم يهوذا.
أما وصي سليمان آصف بن برخيا الذي يصفه الله تعالى بأنه ( عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ) فلم يكن نصيبه من بني إسرائيل إلا التكذيب!
وتذكر التوراة أن الكفر وعبادة الأصنام كان علنياً في أتباع يربعام وأنه : ( صنع عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إيل والثاني في دان وجعل عندهما مذابح وقال لهم : هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر فاذبحوا عندها ولاتصعدوا إلى أورشليم ، فاستجاب له الشعب )! ( سفر الملوك إصحاح 12 : 26 ـ 33 ).
وإلى جانب العجلين أمر يربعام بعبادة آلهة أخرى منها عشتروت إلهة الصيدونيين وكموش إله الموآبيين ، ومكلوم إله العمونيين! ( سفر أخبار الملوك الأول ، إصحاح 12 : 31 وأخبار الملوك الثاني ، إصحاح 11 : 13 ـ 15 وإصحاح 13 : 9 ).
وبعد ثلاث سنوات سارت مملكة يهوذا في ذات الطريق فعبدت الأصنام! ( سفر أخبار الملوك الأول ، إصحاح14 : 21 ـ 24 والملوك الثاني ، إصحاح11 : 13 ـ 17 وإصحاح 12 ).
وقد اغتنم شيشق فرعون مصر هذه الفرصة وقام في سنة 926 ق.
م.
بحملة لمساعدة يربعام ، والقضاء على دولة ابن سليمان وجماعته ، فاحتل القدس : ( وأخذ خزائن بيت الرب وبيت الملك ، وأخذ كل شئ ، وأخذ أتراس الذهب التي عملها سليمان ).
( سفر أخبار الملوك ، إصحاح 14 : 25 ـ 26 ).
ويبدو أن ظروف فرعون مصر لم تساعده لفرض سيطرته المستمرة أو سيطرة حليفه يربعام.
فبعد انسحاب شيشق استعادت المملكة الصغيرة شيئاً من كيانها ، ولكن الحروب استمرت مع يربعام.
كما استغل الأراميون ضعف الدولتين فهاجموا مملكة يهوذا وساقوا رؤساءهم سبايا إلى عاصمتهم دمشق ، وفرضوا عليهم الجزية وذلك في عصر الملك الأرامي بن هدد : 879 ـ 843 ق.
م.
( سفر الملوك الثاني إصحاح 13 : 3 ـ 13 ).
ثم فرضوا الجزية والحماية على مملكة يربعام في زمن مملكة آخاب بن عومري 874 ق.
م 853 ق.
م.
وتذكر التوراة أيضاً غزو الفلسطينيين والعرب الذين بجانب الكوشسيين لمملكة يهوذا في زمن الملك يهورام ، حيث احتلوا القدس واستولوا على الأموال في بيت الملك وسبوا أبناءه ونساءه! ( الملوك الثاني ص 21 : 16 ـ 17 ).
و تذكر أن الجيش الأرامي غزا بيت المقدس وأهلك كل الرؤساء وأخذ جميع الخزائن وقدمها إلى حزائيل ملك الأراميين )! ( سفر الملوك الثاني ، إصحاح 24 : 3 وإصحاح 12 ـ 17 ـ 18 ).
وكذلك هجم يوآش ملك إسرائيل على يهوذا وهدم سورها ، وأخذ كل الذهب والفضة وجميع الآنية الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك ).
( سفر الملوك الثاني إصحاح 14 : 11 ـ 14 وإصحاح 25 : 21 – 24 ).
وقد استمرت هذه الحالة من الصراع فيما بينهم ، وتسلط الممالك المجاورة عليهم إلى الاحتلال الآشوري!!
عهد السيطرة الآشورية
بدأت السيطرة الآشورية على اليهود بحملة شلمنصر الثالث ملك الآشوريين 859 ق .
م.
ـ 824 ق.
م.
على مملكة الأراميين ومملكة إسرائيل حيث أخضع المنطقة لحكمه وحكم من بعده من الآشوريين ، ويبدو أن مملكة يهوذا كانت محافظة على طاعة الآشوريين بعكس مملكة إسرائيل ، لأن التوراة تذكر طلب ملكها آحاز بن يوثام من تغلث فلاسر ملك آشور القيام بحملة على مملكة إسرائيل والأراميين فاستجاب له الأخير وقام بحملة في سنة 732 ق.
م ، وتابع مهمته خلفه شلمنصر الخامس ولكنه توفي أثناء حصاره لعاصمتها شكيم ( السامرة ) فأكمل خلفه سرجون الثاني احتلال السامرة ، وقضى على هذه المملكة نهائياً.
وقد استعمل الآشوريين في القضاء على مملكة إسرائيل خطة الإجلاء لليهود ، فقد سباهم تغلث فلا سر إلى بلاده ، وأسكن مكانهم آشوريين ، كما وورد في سفر أخبار الملوك الثاني إصحاح 15 : 29.
وقام بعده الملك فقح بإكمال الخطة فسبى سبط منسي وغيره ، كما في أخبار الأيام ، إصحاح 5 : 29.
وسرجون الثاني الذي أجلى منهم حوالي ثلاثين ألفاً إلى حران وضفة الخابور وميديا ، وأسكن مكانهم الأراميين.
الملوك الثاني إصحاح 17 : 5 ، 6 و 18.
ثم خرجت مملكة يهوذا عن طاعة الآشوريين في عهد ملكها حزقيا الذي قام على ما يبدو بالإتصال بالمصريين ، فغضب عليه سنحاريب ملك آشور وقام بآخر حملة آشورية لإخضاع مملكة يهوذا حوالي سنة 701 ق.
م وأخضع المنطقة واحتل القدس ودفع له حزقيا ( جميع الفضة الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك )! ( سفر أخبار الملوك الثاني ، إصحاح 18 : 13 – 15 ).
وتذكر التوراة الموجودة غير من تقدم من ملوك آشور : أسرحدون ، وآشور بانيبال آخر ملوكهم ، وأنهما نقلا أقواماً من آشور وأسكنوهم في السامرة.
سفر عزرا ، إصحاح4 : 10.
عهد السيطرة البابلية
سقطت عاصمة الآشوريين نينوى سنة 612 ق.
م.
على يد الماذيين والبابليين ( الكلدانيين ) فتقاسموا ممتلكاتها ، وكان العراق وبلاد الشام وفلسطين من حصة البابليين ، وأشهر ملوكهم نبوخذ نصر الذي قام بحملتين لإخضاع بلاد الشام وفلسطين ، الأولى سنة 597 ق.
م والثانية سنة 586 ق.
م.
في الحملة الأولى ، حاصر القدس وفتحها وأخذ خزائن بيت الملك ، وسبى عدداً كبيراً من اليهود من جملتهم الملك يهوياكين ورجاله ، وعين صدقيا عم يهوياكين على من بقي من اليهود ، وأسكن المسبيين في منطقة نيبور عند نهر الخابور ببابل ) ( أخبار الملوك الثاني ، إصحاح 24 : 1 – 6 ).
وجاءت الحملة الثانية بسبب صراع النفوذ بين نبوخذ نصر وفرعون مصر خوفرا ، حيث قام الأخير بتحريض ملوك بلاد الشام وفلسطين ومنهم صدقيا ملك القدس على التحالف معه ضد البابليين فاستجابوا له ، فوجه حملته إلى المنطقة ، ولكن نبوخذ نصر سارع بإرسال حملة تمكن بها من هزيمة المصريين واحتلال كافة المنطقة ، ودخل الجيش البابلي القدس ودمر الهيكل وأحرقه ونهب خزائنه ، وكذلك فعل ببيوت كبار اليهود ، وسبى منهم حوالي خمسين ألف شخص ، وذبح أولاد صدقيا أمامه ، ثم فقأ عينيه وحمله مقيداً مع الأسرى ، وقضى بذلك على مملكة يهوذا )! ( سفر الملوك الثاني ، إصحاح 24 : 17 ـ 20 و 25 وسفر الأخبار الثاني إصحاح 36 : 11 ـ 21 وسفر أرميا ، إصحاح 39 : 1 ـ 4 ).
عهد السيطرة الفارسية
احتل كورش ملك فارس بلاد بابل وقضى على دولتها سنة 539 ق.
م ، ومضى في حملته ففتح بلاد الشام وفلسطين ، وسمح لمن أراد من أسرى نبوخذ نصر واليهود الموجودين في بابل بالرجوع إلى القدس ، وأعاد إليهم كنوز الهيكل ، وسمح لهم بإعادة بنائه ، وعين زر بابل حاكماً عليهم ).
( سفر عزرا إصحاح 6 : 3 ـ 7 وإصحاح 1 : 7 – 11 ).
وبدأ الحاكم اليهودي التابع لكورش ببناء الهيكل ، ولكن الأقوام المجاورة توجست من ذلك واشتكت إلى قمبيز خليفة كورش ، فأمر بايقاف البناء ، ثم سمح لهم دارا الأول فأتموا بناءه سنة 515 ق.
م.
) ( سفر عزرا ، إصحاح 6 : 1 – 15 ).
واستمرت السيطرة الفارسية على اليهود من سنة 539 ق.
م ـ 331 ق.
م حكم فيها كورش ، وقمبيز ، وداريوش الأول ( دارا ) ، وأحشوريوش ، وأرتحشستا المعاصر لعزير عليه السلام ، وحكم بعده عدة ملوك منهم داريوس الثاني وأرتحشست الثاني ، والثالث ، وكان آخر ملوكهم داريوس الثالث الذي قضى عليه الإسكندر اليوناني.
وأكثر هؤلاء الملوك ورد ذكرهم في التوراة الموجودة.
عهد السيطرة اليونانية
زحف الإسكندر المقدوني على مصر وبلاد الشام وفلسطين ففتحها ، وهزم الحاميات الفارسية والقوى المحلية التي وقفت في وجهه ، ودخل القدس وأخضعها فيما أخضع ، ثم اتجه الى ايران فقضى على داريوس الثالث وجيشه في معركة أربيل الحاسمة بشمال العراق ، وتابع زحفه فاحتل إيران وغيرها.
وبذلك دخل اليهود تحت السيطرة اليونانية سنة 331 ق.
م.
وقد تنازع قادة جيش الإسكندر بعد وفاته على امبراطوريته الكبيرة ، وبعد صراع دام عشرين سنة سيطر البطالسة في مصر ( نسبة إلى بطليموس ) على أكثر أجزاء الدولة ، والسلوقيون في سوريا ( نسبة إلى سلقس ) على أجزاء أخرى ، ودخلت القدس تحت سيطرة البطالسة في سنة 312 ق.
م.
حتى انتزعها منهم انطيوخوس الثالث السلوقي سنة 198 ق.
م.
ثم غلب عليها البطالسة مرة أخرى حتى الفتح الروماني سنة 64 ق.
م.
وذكرت التوراة الموجودة ستة من البطالسة باسم بطليموس الأول والثاني.
الخ.
وأن الأول دخل أورشليم يوم السبت ، وسبى عدداً من اليهود إلى مصر ( سفر دانيال ، إصحاح 11 : 5 ).
كما ذكرت خمسة من السلوقيين باسم انطيوخوس الأول والثاني.
الخ.
وأن الرابع منهم ( 175 ق.
م.
163 ق.
م.
) زحف على القدس ونهب جميع النفائس من المعبد ، وبعد سنتين ضربها ضربة عظيمة ونهبها وهدم بيوتها وأسوارها ، وسبى نساءها وأطفالها ، ونصب تمثالاً لإلهه زفس في الهيكل وأمر اليهود بعبادته فاستجاب له كثير منهم.
بينما لجأ بعضهم إلى المخابئ والمغاور ، فكان ذلك سبب ثورة اليهود المكابيين سنة 168 ق.
م ( سفر المكابيين ص 1 : 41 ـ 53 ).
وهذه الثورة التي يفتخر بها اليهود كثيراً أشبه بحرب عصابات قام بها متدينو اليهود ضد اليونانيين الوثنيين ، وقد حققت انتصارات محدودة في فترات مختلفة ، واستمرت حتى جاءت السيطرة الرومانية.
عهد السيطرة الرومانية
في سنة 64 ق.
م.
احتل القائد الروماني بومبي سورية وضمها إلى إمبراطورية روما ، وفي السنة الثانية احتل القدس وجعلها تابعة لحاكم سوريا الروماني.
وفي سنة 39 ق.
م.
عين القيصر أغسطس هيرودس الأدومي ملكا على اليهود ، وبدأ ببناء الهيكل بناء جديداً واسعاً مزيناً ، وتوفي سنة 4 ق.
م.
وقد ذكره إنجيل متى ص 2.
كما ذكرت الأناجيل ابنه هيرودس الثاني الذي حكم من سنة 4 ق.
م.
إلى سنة 39 م.
والذي ولد في زمانه المسيح عليه السلام ، والذي قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام وأهدى رأسه على طبق من ذهب إلى سالومة إحدى بغايا بني إسرائيل! ( إنجيل مرقس 6 : 16 – 28 ).
وتذكر الأناجيل والمؤرخون الإضطرابات التي وقعت في القدس وفلسطين على عهد نيرون 54 م ـ 68 م والتي كانت بين اليهود والرومان ، وبين اليهود أنفسهم ، فقام القيصر فسبسيان بتعيين ابنه تيطس سنة 70 م.
ملكاً على المنطقة وقام تيطس بحملة على القدس ، فتحصن فيها اليهود حتى نفدت مؤنهم وضعفوا ، واخترق تيطس السور واحتل المدينة وقتل الألوف من اليهود ، ودمر بيوتهم ودمر الهيكل وأحرقه وأزاله من الوجود تماماً ، بحيث لم يعد يهتدي الناس إلى موضعه ، وساق الأحياء الباقين إلى روما.
ويذكر المسعودي في كتابه التنبيه والأشراف ص 110 أن عدد القتلى في هذه الحملة بلغ من اليهود والمسيحيين ثلاثة آلاف ألف ، أي ثلاثة ملايين! والظاهر أن فيه مبالغة.
وقد اشتدت قبضة الرومان على اليهود بعد هذه الحوادث ، ثم بلغت ذروتها عندما تبنى قسطنطين ومن بعده من القياصرة الديانة المسيحية فنكلوا باليهود ولهذا استبشر اليهود بغزو كسرى أبرويز لبلاد الشام وفلسطين وانتصاره على الروم سنة 620 م.
في عهد النبي صلى الله عليه وآله ، وفرح بذلك إخوانهم يهود الحجاز واستفتحوا على المسلمين ، فنزل قوله تعالى :
( أ.
ل.
م.
غُلِبَتِ الرُّومُ.
فِي بِضْعِ سِنِينَ للهٍ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ.
فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ.
بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ).
( سورة الروم : 1ـ5 )
ويذكر المؤرخون أن اليهود اشتروا من الفرس عند انتصارهم عدداً كبيراً من الأسرى النصارى الروم بلغ تسعين ألفاً ، وذبحوهم!
وعندما انتصر هرقل على الفرس بعد بضع سنين نكَّل باليهود وطرد من بقي في القدس منهم ، وأصبحت القدس عند النصارى محرمة اليهود ، ولذلك اشترطوا على الخليفة عمر بن الخطاب أن لايسكن فيها يهودي فأجابهم إلى طلبهم ، وكتب ذلك في عهد الصلح لهم كما ذكر الطبري في تاريخه : 3/105 وكان ذلك في سنة 638 م.
، أي سنة 17 هجرية حيث أصبحت القدس وفلسطين جزءً من الدولة الإسلامية إلى سنة 1343 هـ.
1925 م.
عندما سقطت الخلافة العثمانية بأيدي الغربيين.
هذه الخلاصة لتاريخ اليهود تكشف لنا أموراً عديدة ، منها تفسير الآيات الشريفة حولهم في سورة الإسراء.
وحاصل تفسيرها : أن المقصود بقوله تعالى : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً ) ، مرة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله ومرة بعدها ، فهو التقسيم الوحيد المناسب لإفسادهم الكثير الملئ به تاريخهم.
وأن المقصود بقوله تعالى : ( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) : هم المسلمون ، حيث سلطهم الله تعالى عليهم في صدر الإسلام فجاسوا خلال ديارهم ، ثم دخلوا المسجد الأقصى.
ثم رد الكرة لليهود على المسلمين عندما ابتعدوا عن الإسلام ، وأمدهم بأموال وبنين ، وجعلهم أكثر نفيراً وأنصاراً علينا في العالم.
ثم يسلطنا الله تعالى عليهم في المرة الثانية في حركة التمهيد للمهدي عليه السلام وحركة ظهوره.
ولا نجد في تاريخ اليهود قوماً سلطهم الله عليهم ، ثم رد الكرة لليهود عليهم ، غير المسلمين.
أما علو اليهود الموعود على الشعوب والأمم الأخرى ، فهو مرة واحدة لا مرتين ، وهو مقارن لإفسادهم الثاني ، أو ناتج عنه.
ولا نجد شيئاً من هذا العلو في أي فترة من تاريخهم إلا في حالتهم الحاضرة بعد الحرب العالمية الثانية.
فاليهود اليوم بحكم نص القرآن في مرحلة الإفساد الثاني والعلو الكبير.
ونحن في بداية تسليط الله تعالى لنا عليهم ، في مرحلة إساءة وجوههم ومقاومتهم.
.
حتى يفتح الله تعالى وندخل المسجد قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام أو معه ، كما دخله أسلافنا أول مرة ، ونُتَبِّرَ علوهم في العالم تتبيراً ، أي نسحقه سحقاً.
أما قوله تعالى : ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَ
التعلیقات