مسير الإمام الى الكوفة
السيد علي الميلاني
منذ 14 سنةالمرحلة الثالثة : الكوفة العاصمة
بعد مُقام المدينة ، يخرج الامام المهدي ( عليه السلام ) الى حرم أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) الكوفة بعد أن يستعمل عليها رجلاً من أصحابه ، كما في الحديث (1).
وفي حديث الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« ... ويسير نحو الكوفة ، وينزل على سرير النبي سليمان ( عليه السلام ) ، وبيمينه عصا موسى ، وجليسه الروح الأمين ، وعيسى بن مريم ، متّشحاً ببرد النبي ( صلى الله عليه وآله ) متقلّداً بذي الفقار ، ووجهه كدائرة القمر في ليالي كماله ، يخرج من بين ثناياه نورٌ كالبرق الساطع ، على رأسه تاجٌ من نور » (2).
وللكوفة يومئذ شأنٌ عظيم ومجد كريم ، حيث تكون عاصمة حكومته ودار خلافته ومركز شيعته. فيتجلى فيها السموّ والرفعة ، وتصير مهد الحياة الزاهرة في دولة العترة الطاهرة ، ببركة الامام المهدي ارواحنا فداه.
ففي حديث المفضل : قلت : يا سيدي ، فأين تكون دار المهديّ ومجتمع المؤمنين ؟
قال :
« دار ملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها ، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة ، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريّين.
1 ـ البحار ، ج 52 ، ص 308 ، ح 82.
2 ـ يوم الخلاف ، المترجم ، ج 1 ، ص 495.
قال المفضّل : يا مولاي كلُّ المؤمنين يكونون بالكوفة ؟
قال : إي والله ، لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها ، وليبلغنّ مجالة فرس منها ألفي درهم ...
وليصيّرنّ الكوفة أربعة وخمسين ميلاً (1) ، ويجاوزن قصورها كربلاء.
وليصيّرنّ الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون ، وليكوننّ لها شأن من الشأن ، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربّه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا الف مرّة » (2).
وفي الحديث العلوي الشريف :
« ثم يقبل الى الكوفة ، فيكون منزله بها. فلا يترك عبداً مسلماً الا اشتراه واعتقه ، ولا غارماً الا قضى دينه ، ولا مظلمة لاحد من الناس الا ردّها ، ولا يُقتل منهم عبد الا أدّى ثمنه دية مسلَّمة الى أهلها ، ولا يُقتل قتيل الا قضى عنه دينه ، وألحق عياله في العطاء ، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً.
ويسكن هو وأهل بيته الرحبة ، والرحبة انما كانت مسكن نوح وهي أرض طيبة ولا يسكن رجل من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ولا يقتل الا بأرض طيّبة زاكية ، فهم الأوصياء الطيّبون » (3).
وأنه ليكثر فيها الخيرات والبركات حتى تمطر السماء فيها ذهباً ، كما تلاحظه في
1 ـ الميل يساوي ( 1860 ) متر ، كما في الأوزان والمقادير ، ص 132.
وعليه يكون امتداد الكوفة آنذاك ( 54 ) ميل ، ويساوي ( 440/100 ) متر.
فامتدادها فقط يكون أكثر من ( 100 ) كيلومتر ، ولذلك تجاوز قصورها كربلاء المقدسة.
2 ـ البحار ، ج 53 ، ص 11 ، ب 25 ، ح 1.
3 ـ تفسير العياشي ، ج 1 ، ص 66. والرُحبَة بضم الراء وسكون الحاء : موضع بالكوفة كما في مجمع البحرين ، مادة رحب.
الحديث الصادقي :
« وتمطر السماء بها جراداً من ذهب » (1).
هذا ، مضافاً الى مرغوبية نفس الكوفة في حدّ ذاتها ، كما تلاحظها في احاديث فضلها وعظيم منزلتها (2).
وأنه يكون مسجدها اكبر مسجد في العالم ، حتى يُبنى مسجدها الأعظم ويكون له الف باب (3).
ولا بأس بالمناسبة بيان ما لهذا المسجد من فضل عظيم وشرف كبير :
1 ـ ففي حديث أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :
« مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة ، صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبيّاً وميمنته رحمة ، وميسرته مكرمة.
فيه عصا موسى ، وشجرة يقطين ، وخاتم سليمان ، ومنه فار التنّور ونجرت السفينة ، وهي صرة بابل (4) ومجمع الأنبياء » (5).
2 ـ وفي حديث الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا نحن ذات يوم حول أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في مسجد الكوفة ، إذ قال :
« يا أهل الكوفة ! لقد حباكم الله عزّوجلّ بما لم يَحْبُ به أحداً. ففضّل مصلاّكم وهو بيت آدم ، وبيت نوح ، وبيت إدريس ، ومصلّى إبراهيم الخليل ، ومصلّى أخي الخضر ( عليهم السلام ) ، ومصلاّي.
1 ـ البحار ، ج 53 ، ص 34 ، ب 25 ، ح 1.
2 ـ البحار ، ج 100 ، ص 396 ، ب 6 ، ح 33.
3 ـ البحار ، ج 52 ، ص 330 ، ب 27 ، ح 76.
4 ـ في بيان البحار : صرة بابل : أشرف أجزاءها.
5 ـ البحار ، ج 100 ، ص 389 ، ب 6 ، ح 13.
وإنّ مسجدكم هذا أحدٌ الأربع المساجد التي اختارها الله عزّوجلّ لأهلها ، وكأنّي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم ، يشفع لأهله ولمن صلّى فيه ، فلا تُردّ شفاعته ، ولا تذهب الأيّام حتّى ينصب الحجر الأسود فيه (1).
وليأتينَّ عليه زمان يكون مصلّى المهدي من ولدي ، ومصلّى كلّ مؤمن ، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلاّ كان به أو حنّ قلبه إليه.
فلا تهجرنّ ، وتقرّبوا الى الله عزّوجلّ بالصلاة فيه ، وارغبوا اليه في قضاء حوائجكم. فلو يعلم الناس ما فيه من البركة ، لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج » (2).
3 ـ وفي حديث عبدالله بن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
« يا ابن مسعود ، لما اُسري بي الى السماء الدنيا ، أراني مسجد كوفان ، فقلت : يا جبرئيل ، ما هذا ؟
قال : مسجد مبارك ، كثير الخير ، عظيم البركة. اختار الله لأهله ، وهو يشفع لهم يوم القيامة » (3).
4 ـ وفي حديث محمد بن سنان ، قال : سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول :
« الصلاة في مسجد الكوفة فرادى أفضل من سبعين صلاة في غير جماعة » (4)
.
1 ـ في بيان البحار هنا : أن نصب الحجر الأسود في مسجد الكوفة كان في زمن القرامطة ، حيث خرّبوا الكعبة المعظمة ، ونقلوا الحجر الى المسجد الكوفة ، ثم ردّوه الى موضعه ، ونصبه الامام القائم ( عليه السلام ) بحيث لم يعرفه الناس كما مر ذكره في كتاب الغيبة.
2 ـ البحار ، ج 100 ، ص 389 ، ب 6 ، ح 14.
3 ـ ا لبحار ، ج 100 ، ص 394 ، ب 6 ، ح 27.
4 ـ البحار ، ج 100 ، ص 397 ، ب 6 ، ح 34.
5 ـ وفي حديث المفضل ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال :
« صلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد » (1).
وأما مسجد السهلة بالكوفة ، فهو أيضاً من المساجد العظمى ، ذات الفضيلة الكبرى :
1 ـ ففي حديث أبي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال لي :
« يا أبا محمد ، كأني أرى نزول القائم ( عليه السلام ) في مسجد السهلة بأهله وعياله.
قلت : يكون منزله جعلت فداك ؟
قال : نعم ، كان فيه منزل إدريس ، وكان منزل إبراهيم خليل الرحمان ، وما بعث الله نبيّاً إلاّ وقد صلّى فيه ، وفيه مسكن الخضر.
والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلاّ وقلبه يحنّ إليه ، وفيه صخرة فيها صورة كلّ نبي.
وما صلّى فيه أحد فدعا الله بنيّة صادقة إلاّ صرفه الله بقضاء حاجته.
وما من أحد استجاره الاّ أجاره الله مما يخاف.
قلت : هذا لهو الفضل.
قال : نزيدك ؟
قلت : نعم.
قال : هو من البقاع التي احبّ الله أن تدعى فيها ، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والملائكة تزور هذا المسجد ، يعبدون الله فيه. أما إنّي لو كنت بالقرب منكم ما صلّيت صلاة إلاّ فيه.
يا أبا محمد ، وما لم أصف أكثر.
1 ـ البحار ، ج 100 ، ص 397 ، ب 6 ، ح 36.
قلت : جعلت فداك ، لا يزال القائم فيه أبداً ؟
قال : نعم.
قلت : فمن بعده ؟
قال : هكذا من بعده الى انقضاء الخلق (1).
2 ـ وفي حديث العلاء ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) :
« تصلّي في المسجد الذي عندكم الذي تسمّونه مسجد السهلة ، ونحن نسميه مسجد الشرى ؟
قلت : إنّي لأصلي فيه جعلت فداك.
قال : ائته ، فانّه لم يأته مكروب إلاّ فرّج الله كربته ، أو قال : قضى حاجته ، وفيه زبرجدة فيها صورة كلّ نبيّ وكلّ وصي » (2).
3 ـ وفي حديث الحضرمي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أو عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : أيُّ بقاع الله أفضل ، بعد حرم الله جلّ وعزّ ، وحرم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فقال : « الكوفة يا أبابكر. هي الزكيّة الطاهرة ؛ فيها قبور النبيّين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء الصادقين.
وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبيّاً إلاّ وقد صلّى فيه ، ومنه يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده ، وهي منازل النبيّين والأوصياء والصالحين » (3).
وفي هذا المسجد المبارك دعا الامام الصادق ( عليه السلام ) لخلاص المرأة الصالحة في
1 ـ البحار ، ج 100 ، ص 436 ، ب 7 ، ح 7.
2 ـ البحار ، ج 100 ، ص 437 ، ب 7 ، ح 9.
3 ـ البحار ، ج 100 ، ص 440 ، ب 7 ، ح 17.
حديث بشار المكاري المعروف (1).
وفي هذا المسجد حصلت التشرفات الشريفة للأولياء والمؤمنين ، وعباد الله الصالحين.
فبانتظار ذلك اليوم الزاهر ، والعصر المشرق ، والحياة الذهبيّة ، مع المراقى المعنويّة ، تحت ظل الامام المنتظر الحجة بن الحسن المهدي أرواحنا فداه ، أمل المؤمنين.
1 ـ البحار ، ج 47 ، ص 379 ، ب 11 ، ح 101.
(( ضمن كتاب الإمام المهدي (ع) ))
التعلیقات