العراق و دورهم في عصر الظهور
الشيخ علي الكوراني
منذ 14 سنةالعراق ودوره في عصر الظهور
الأحاديث الواردة حول أحداث العراق وأوضاعه في عصر الظهور كثيرة ، يظهر منها أن العراق يكون ساحة صراع لاتهدأ بين قوى متعددة ، وأنه تمر عليه أربعة عهود أو فترات :
الفترة الأولى : فترة تسلط الجبابرة على العراق مدة طويلة قبل ظهور المهدي عليه السلام ، وشمول أهله قتل ذريع وخوف لا يقر لهم معه قرار.
الفترة الثانية : صراع النفوذ فيه بين اتجاه أتباع أهل البيت عليهم السلام ، والإتجاه المؤيد للسفياني حاكم بلاد الشام.
الفترة الثالثة : احتلال السفياني العراق وتنكيله بأهله ، ثم دخول جيش الإمام المهدي عليه السلام ، وهزيمته جيش السفياني وطرده من العراق.
الفترة الرابعة : دخول الإمام المهدي عليه السلام العراق وتطهيره من مؤيدي السفياني وفئات الخوارج ، واتخاذه مقراً له عليه السلام وعاصمةً لدولته.
وقد وردت روايات عن أحداث فيه خلال هذه المراحل الأربع مثل : خروج الشيصباني المعادي للإمام المهدي عليه السلام قبل السفياني ، وشهادة نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وخروج عوف السلمي من الجزيرة أو تكريت ، ومنع أهل العراق من الحج ثلاث سنين ، وخسف البصرة وخرابها قبيل ظهور المهدي عليه السلام ، وخسف في بغداد والحلة. ودخول قوات مغربية أو غربية إلى العراق. وخروج أحد الصالحين في مجموعة قليلة لمقاومة جيش السفياني. وخروج عدة فئات من الخوارج على المهدي عليه السلام من الشيعة والسنة. وآخر فئة منهم خوارج ( رميلة الدسكرة ) الواقعة قرب شهربان في محافظة ديالى.
وفيما يلي عرض لأهم أحاديث هذه الفترات :
الفترة الأولى والثانية
وأبرز ما في أحاديثها شدة البلاء على أهل العراق من حكامه الجبابرة ، واختلاف هؤلاء الحكام مع أصحاب الرايات السود الإيرانيين.
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري عليهم السلام قال : ( يوشك أهل العراق أن لايجبى إليهم قفيز ولادرهم. قلنا : من أين ذلك؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذلك ) ( البحار : 51/92 ).
والقفيز كيل للغلات ، والمعنى أنه لا يكاد يصل إليهم مواد تموينية أو مساعدات مالية ، بسبب الإيرانيين وحربهم معهم.
وقد تكون هذه الأزمة هي الجوع والخوف الموعود الذي وردت فيه رواية عن جابر الجعفي قال : ( سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام ( أي الإمام الباقر ) عن قول الله تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئٍْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ، فقال : يا جابر ذلك خاص وعام. فأما الخاص من الجوع فبالكوفة يخص الله به أعداء آل محمد فيهلكهم. وأما العالم فبالشام يصيبهم خوف وجوع ما أصابهم قط. أما الجوع فقبل قيام القائم. وأما الخوف فبعد قيام القائم ). البحار : 52/229.
ولا أجد وجهاً لأن يكون الجوع خاصاً بأعداء أهل البيت عليهم السلام إلا أن يكون أزمة اقتصادية تعاني منها حكومة الجبابرة في العراق.
وهذا الخوف المذكور في بلاد الشام بعد ظهور المهدي عليه السلام ، لاينفي وجوده قبل ظهوره ، وقد نصت الرواية التالية على أنه يكون شديداً في العراق قبل الظهور ، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء ، وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة ، ودماء تسفك بها ، وخراب دورها ، وفناء يقع في أهلها. وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار ) ( البحار : 52/221 ) ، وليس من الضروري أن تكون هذه العلامات متسلسلة حسب ما وردت في الرواية ، بل قد يكون الخوف والخسف قبل الآيات السماوية.
والظاهر أن نار السماء وحمرتها آية ربانية وليست نار انفجارات مثلاً.
وتذكر الرواية التالية عن أمير المؤمنين عليه السلام عدة أحداث في العراق في مرحلة حكم الجبابرة قبل السفياني وظهور المهدي عليه السلام.
فعن أنس بن مالك قال : ( لما رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من قتال أهل النهروان نزل براثا وكان بها راهب في قلايته وكان اسمه الحباب فلما سمع الراهب الصيحة والعسكر أشرف من قلايته إلى الأرض فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين فاستفظع ذلك ونزل مبادراً فقال : من هذا ، ومن رئيس هذا العسكر؟ فقيل له : هذا أمير المؤمنين وقد رجع من قتال أهل النهروان. فجاء الحباب مبادراً يتخطى الناس حتى وقف على أمير المؤمنين فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين حقاً حقاً. فقال له : وما علمك بأني أمير المؤمنين حقاً حقاً ؟ قال له : بذلك أخبرنا علماؤنا وأحبارنا. فقال له : يا حباب! فقال الراهب : وما علمك باسمي؟! فقال : أعلمني بذلك حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له الحباب : مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأنك علي بن أبي طالب وصيه. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام وأين تأوي ؟ فقال : أكون في قلاية لي هاهنا. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : بعد يومك هذا لا تسكن فيها ، ولكن ابن هاهنا مسجداً وسمه باسم بانيه ( فبناه رجل اسمه براثا فسمي المسجد ببراثا باسم الباني له ) ثم قال : ومن أين تشرب يا حباب؟ فقال : يا أمير المؤمنين من دجلة هاهنا. قال : فلم لا تحفر عيناً أو بئراً ؟ فقال له : يا أمير المؤمنين كلما حفرنا بئراً وجدناها مالحة غير عذبة. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : إحفر هاهنا بئراً فحفر فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها ، فقلعها أمير المؤمنين عليه السلام فانقلعت عن عين أحلى من الشهد ، وألذ من الزبد. فقال له : يا حباب يكون شربك من هذه العين. أما إنه يا حباب ستبنى إلى جنب مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ، ويعظم البلاء ، حتى أنه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام ، فإذا عظم بلاؤهم شدوا على مسجدك بفطوة ثم ـ وابنه بنين ثم وابنه لايهدمه إلا كافر ثم بيتاً ـ فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثلاث سنين ، واحترقت خضرهم وسلط الله عليهم رجلاً من أهل السفح لا يدخل بلداً إلا أهلكه وأهلك أهله ، ثم ليعد عليهم مرة أخرى ، ثم يأخذهم القحط والغلا ثلاث سنين حتى يبلغ بهم الجهد ، ثم يعود عليهم ، ثم يدخل البصرة فلا يدع فيها قائمة إلا سخطها وأهلكها وأسخط أهلها. وذلك إذا عمرت الخربة وبني فيها مسجد جامع ، فعند ذلك هلاك البصرة ، ثم يدخل مدينة بناها الحجاج يقال لها واسط ، فيفعل مثل ذلك ، ويتوجه نحو بغداد فيدخلها عفواً ، ثم يلتجئ الناس إلى الكوفة. ولا يكون بلد من الكوفة تشوش الأمر له. ثم يحرج هو والذي أدخله بغداد نحو قبري لينبشه فيتلقاهما السفياني فيهزمهما ثم يقتلهما ، ويوجه جيشاً نحو الكوفة فيستعبد بعض أهلها. ويجئ رجل من أهل الكوفة فيلجؤهم إلى سور فمن لجأ إليها أمن. ويدخل جيش السفياني إلى الكوفة فلا يدعون أحداً إلا قتلوه ، وإن الرجل منهم ليمر بالدرة المطروحة العظيمة فلا يتعرض لها ، ويرى الصبي الصغير فيلحقه فيقتله.
فعند ذلك يا حباب يتوقع بعدها هيهات هيهات وأمور عظام ، وفتن كقطع الليل المظلم. فاحفظ عني ما أقول لك يا حباب ). ( البحار : 52/217 ).
والتشويش في نص الرواية ظاهر ، وقد قال المجلسي رحمه الله بعد نقلها : ( إعلم أن النسخة كانت سقيمة فأوردت الخبر كما وجدته ).
وأمر سندها ومتنها قابل للمناقشة ، ولكن مهما يكن أمر صحتها فهي تتضمن أموراً عما يعانيه أهل العراق من حكم الجبابرة وبطشهم وردت في روايات أخرى بعضها صحيح ، وقد يكون الأحداث المذكورة فيها من هدم مسجد براثا ، وتفاقم الفساد في بغداد ، وتسلط قادة عسكريين عليها من جبال كردستان أو إيران وغيرها .. قد مرت وحدثت في القرون السابقة ، ولكن الأحداث المتعلقة بالسفياني لم تحدث.
قال الشيخ المفيد قدس سره : ( قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام ، وحوادث تكون أمام قيامه ، وآيات ودلالات : فمنها خروج السفياني ، وقتل الحسني ، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي ، وكسوف الشمس في النصف من رمضان ، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات ، وخسف بالبيداء ، وخسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ، وهدم حائط مسجد الكوفة ، وإقبال رايات سود من قبل خراسان ، وخروج اليماني ، وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات ، ونزول الترك الجزيرة ، ونزول الروم الرملة ، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر ، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه ، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام ، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد ، وخروجها عن سلطان العجم ، وقتل أهل مصر أميرهم ، وخراب الشام ، واختلاف ثلاث رايات فيه. ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ، ورايات كندة إلى خراسان ، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة ، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها ، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة ، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه ، وإحراق رجل عظيم القدر من بني العباس بين جلولاء وخانقين ، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام ، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار ، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها ، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد ، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات ، وقلة ريع لما يزرعه الناس ، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم ، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم ، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير ، وغلبة العبيد على بلاد السادات ، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض ، كل أهل لغة بلغتهم ، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس ، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون.
ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة ، تتصل فتحيا بها الأرض بعد موتها ، وتعرف بركاتها ، ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام ، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته ، كما جاءت بذلك الأخبار.
وجملة من هذه الأحداث محتومة ، ومنها مشروطة. والله أعلم بما يكون ، وإنما ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول ، وتضمنها الأثر المنقول. وبالله نستعين. ( الإرشاد للمفيد ص 336 والبحار : 52/219 ـ 221 )
وما ذكره المفيد قدس سره تعدادٌ مجملٌ لعلامات الظهور البعيدة والقريبة ، ولايقصد أنها متسلسلة حسب ما عددها ، فمنها علامات قريبة لايفصلها عن ظهوره عليه السلام أكثر من أسبوعين ، مثل قتل النفس الزكية بين الركن والمقام. بل هو في الحقيقة جزء من حركة الظهور لأنه رسول المهدي عليه السلام.
ومنها ما يفصله عن ظهور المهدي عليه السلام قرون عديدة مثل اختلاف بني العباس فيما بينهم ، وظهور المغربي في مصر وتملكه الشامات في حركة الفاطميين.
وقصده رحمه الله بالمحتوم والمشروط من هذه العلامات أن منها حتمي الوقوع على كل حال ، كما ورد في عدة علامات النص على حتميتها ، مثل السفياني واليماني وقتل النفس الزكية والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني وغيرها. ومنها مشروط بأحداث أخرى في علم الله سبحانه ومقاديره ، والله الأمر من قبل ومن بعد فيها وفي غيرها.
ويبدو أن المقصود بالحسني النفس الزكية في مكة ، أو الغلام الذي يقتله جيش السفياني في المدينة قرب ظهور المهدي عليه السلام ، وإن كان يحتمل أنه سيد حسني صاحب حركة الإسلامية في العراق ، فقد ورد في بعض الروايات ( وتحرك الحسني ).
أما ( قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ) فيحتمل بعضهم أن ينطبق على الشهيد الصدر قدس سره والذين استشهدوا معه حيث كان عددهم نحو سبعين رضوان الله عليهم. وظهر الكوفة هو النجف ، وتسمى أيضاً نجف الكوفة ، ونجفة الكوفة أي مرتفعها وجبلها.
وقد وردت روايات في خيل المغرب التي تنزل في فناء الحيرة ، أي تستقر قرب الكوفة ، وأن هذا الحدث يكون في أيام السفياني أو قربه. ولكن الملفت في نص المفيد رحمه الله قوله : ( وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة ) ، فيحتمل أن تكون هذه القوات غربية تدخل العراق لمعاونة السفياني ، أو تكون قبل السفياني.
والمقصود برايات المشرق : الرايات السود الخراسانية التي تدخل مع قوات اليماني لمواجهة السفياني عندما يغزو العراق.
أما بثق الفرات وفيضانه في الكوفة ، فقد ورد في الأحاديث أنه يكون في سنة الظهور ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( عامـ أو سنة ـ الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل أزفة الكوفة ) ( البحار : 52/217 ).
وشهادة الشيخ المفيد بأن هذه العلامات والأحداث ثبتت في الأصول الحديثية ، تعطي رواياتها قيمة كبيرة لدقته وجلالة قدره ، ولأنه أقرب إلى المصادر والتابعين والأئمة عليهم السلام فقد توفي رحمه الله سنة 413 هجرية.
كما تتحدث روايات أخرى عن العراق في فترة ما قبل السفياني :
منها ، ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام التي تقول : ( ثم يقع التدابر والاختلاف بين أمراء العرب والعجم ، فلا يزالون يختلفون إلى أن يصير الأمر إلى رجل من ولد أبي سفيان ) ( الزام الناصب : 2/160 ).
ومنها ، رواية ( تحرك الحسني ) الذي توجد قرائن على أنه يكون في العراق ، والذي قد يكون قتله بعد حكمه.
ومنها ، ما يفهم منها استمرار حكم الجبابرة في العراق إلى ظهور المهدي عليه السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إذا هدم حائط مسجد الكوفة مؤخره مما يلي دار عبد الله بن مسعود فعند ذلك زوال ملك القوم ( بني فلان ) وعند زواله خروج القائم عليه السلام ) ( الإرشاد للمفيد ص 360 ) وفي رواية غيبة الطوسي ص 271 ( أما إن هادمه لايبنيه ) يعني أن هادمه يقتل أو يذهب قبل أن يعيد بناءه.
كما تشير بعض روايات غزو السفياني للعراق إلى أنه يقاتل حكومة عدوة للاسلام والإمام المهدي عليه السلام ، كما ورد في رواية البحار : 52/273 : ( وأمير الناس يومئذ جبار عنيد يقال له الكاهن الساحر ).
الحسني والشيصباني وعوف السلمي
ورد ذكر الحسني في عدة أحاديث تشير إلى أنه يقوم بحركة ثم يقتل ، ولكنها لاتنص على أنه في العراق ، فبعضها يذكر حسني المدينة ، وحسني مكة ، وحسني العراق ، والحسيني الخراساني الذي تسميه روايات مصادر السنة ( الحسني ) والذي يدخل العراق بجيشه في سنة الظهور ، فيحتمل أن يكون تحركه هو المقصود في روايات تحرك الحسني في العراق ويحتمل أن يكون حسني قبله.
أما الشيصباني فقد ورد فيه حديث في غيبة النعماني عن جابر بن يزيد الجعفي قال : ( سألت أبا جعفر ( الإمام الباقر عليه السلام ) عن السفياني فقال : ( وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني يخرج بأرض كوفان ، ينبع كما ينبع الماء فيقتل وفدكم ، فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم عليه السلام ). ( البحار : 52/250 )
وقد تضمن عدة نقاط عن شخصيته :
منها ، وصفه بالشيصباني نسبة إلى الشيصبان وهو وصف يعبر به الأئمة عليهم السلام عن الطواغيت والأشرار ، لأنه بالأصل اسم للشيطان ، كما في شرح القاموس.
ومنها ، أنه يخرج قبل السفياني ، ويظهر أنه لايكون بينه وبينه مدة طويلة ، أو يكون السفياني بعده مباشرة ، بدليل قوله عليه السلام : ( فتوقعوا بعد ذلك السفياني ).
ومنها ، أنه يخرج في العراق الذي هو أرض كوفان ، ويحتمل أن يكون في مدينة الكوفة. ويكون خروجه أي ثورته أو حكمه فجأة بنحو غير متوقع ( ينبع كما ينبع الماء ) وأنه يكون طاغية سفاكاً يقتل المؤمنين.
والظاهر أن معنى ( يقتل وفدكم ) أي وجهاء المؤمنين الذي يتقدمون الوفد عادة ، حيث يقال وفد القبيلة ووفد المدينة بمعنى وجهائها ورهطها.
ويحتمل أن ينطبق على صدام كما يرى بعضهم لأنه مستجمع للصفات المذكورة. فإن ظهر بعده السفياني في الشام يكون هو شيصباني العراق الموعود.
أما عوف السلمي فقد ورد فيه رواية في غيبة الطوسي ، عن حذلم بن بشير عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ( قلت لعلي بن الحسن عليه السلام صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته فقال : يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة ، ويكون مأواه تكريت وقتله بمسجد دمشق. ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند ، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس ، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ، ثم يخرج بعد ذلك ) ( البحار : 52/213 ).
وما يتعلق بشعيب من هذا الحديث وأنه من سمرقند مخالف لما هو مشهور في مصادرنا الشيعية من أنه من أهل الري ، إلا أن يفسر بأن أصله من أهل سمرقند. وكذلك أمر خروجه قبل السفياني كما ذكرنا في محله.
ويبدو أن عوفاً السلمي هذا يخرج على الحكومة السورية وليس العراقية ، وأنه إن صحت روايته يكون قبل السفياني بمدة غير طويلة.
أما الجزيرة التي هي مركز حركته فهي اسم لمنطقة عند الحدود العراقية السورية ، وهو المعنى المفهوم للجزيرة عندما تطلق بدون إضافة كما نلاحظ في كتب التاريخ والحديث ، وتسمى أيضاً جزيرة ربيعة أو ديار بكر ، ولا يفهم منها جزيرة العرب إلا بالإضافة.
والظاهر أن معنى مأواه تكريت أنها تكون ملجأه قبل حركته أو بعد فشل حركته وفراره. وهي المدينة المعروفة في العراق.
ويؤيد ذلك أنها قريبة من مركز حركته الجزيرة فيكون ما ورد في بعض النسخ بدلها ( ومأواه بكريت أو بكويت ) مصحفاً عن تكريت. ويؤيد ذلك أن الموجود في البحار وغيبة الطوسي ( تكريت ) فقط.
وتشير الرواية إلى أنه بعد ذلك يقتل في مسجد دمشق أي يغتال فيه ، أو يقبض عليه ويقتل عنده. وعلى هذا يكون خروجه من أحداث بلاد الشام ، وله صلة بأحداث العراق.
الفترة الثالثة : غزو السفياني ، وخراب البصرة
وتصف أحاديثها غزو السفياني العراق واحتلاله ، وتنكيله بأهله ، خاصة بشيعة المهدي وأهل البيت عليهم السلام ، وقد تعرضنا لها في حركة السفياني. ويفهم من مجموعها أن السلطة في العراق تكون ضعيفة إلى حد لاتستطيع أن ترد حملة السفياني لاعسكرياً ولاشعبياً ، ثم لاتستطيع أن تمنع دخول القوات اليمانية والإيرانية التي تدخل العراق لمواجهة قوات السفياني.
ومن المحتمل أن يكون دخول الجيش السفياني إلى العراق بطلب من حكومته الضعيفة ، وأن تكون الروايات عن قتال يخوضه جيش السفياني في الدجيل وبغداد وغيرها تتحدث عن قتاله مع فئات ثائرة عليه.
كما يفهم من الرويات أن القوات اليمانية والإيرانية يكون لها تأييد شعبي من العراقيين ، وأنهم يستبشرون بها ويساعدونها في تعقب قوات السفياني.
أما خراب البصرة فرواياته ثلاثة أنواع : خرابها بالغرق. وخرابها بثورة الزنج. و ( خرابها ) بوقوع خسف وتدمير فيها.
وأكثر كلمات أمير المؤمنين عليه السلام الواردة في نهج البلاغة وغيره تقصد الخرابين الأولين اللذين وقعا في زمن العباسيين كما ذكر عامة المؤرخين.
قال عليه السلام في الخطبة رقم 13 : ( كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق. المقيم بينكم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه. كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ، وقد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من في ضمنها ).
قال ابن أبي الحديد : ( فأما إخباره عليه السلام أن البصرة تغرق ما عدا المسجد الجامع بها ، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها ، فتغرق ويبقى مسجدها.
والصحيح أن المخبر به قد وقع. فإن البصرة غرقت مرتين ، مرة في أيام القائم بأمر الله ، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر ، حسب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام ، وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها ، وهلك كثير من أهلها ، وأحد هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم ). انتهى.
وأما خرابها بسبب ثورة الزنج التي وقعت في زمن العباسيين في منتصف القرن الرابع ، فقد أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام أكثر من مرة ، من قبيل الخطبة 128 التي قال فيها : ( يا أحنف كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ، ولا قعقعة لجم ، ولاحمحمة خيل ، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام ).
قال الشريف الرضي رحمه الله : ( يومئ بذلك إلى صاحب الزنج ). ثم قال عليه السلام : ( ويل لسكككم العامرة ، والدور المزخرفة ، التي لها أجنحة كأجنحة النسور. وخراطيم كخراطيم الفيلة ، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ، ولا يفقد غائبهم ).
وثورة الزنج بدأت في القرن الثالث بقيادة القرمطي الذي ادعى أنه علوي ، وهي مدونة في مصادر التاريخ ، وقد انطبقت عليها الأوصاف التي وصفها بها أمير المؤمنين عليه السلام بشكل دقيق ، وكانت ردة فعل للظلم والترف واضطهاد العبيد ، وكان عامة جيشها من الزنوج العبيد الحفاة الذين لا خيل لهم.
وأما ( خرابها ) الذي هو من علامات ظهور المهدي عليه السلام ، فقد وردت فيه روايات تذكر أن البصرة من المؤتفكات المذكورة في القرآن الكريم أي المدن المنقلبات بأهلها بالخسف والعقاب الإلهي ، وأن البصرة ائتفكت ثلاث مرات وبقيت الرابعة.
ففي شرح النهج لابن ميثم البحراني قال : ( لما فرغ أميرالمؤمنين عليه السلام من أمر الحرب لأهل الجمل ( من أمر أهل الجمل ) أمر منادياً أن ينادي في أهل البصرة أن الصلاة جامعة لثلاثة أيام ( من غد إن شاء الله ) ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو عذر ، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً. فلما كان اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج عليه السلام فصلى بالناس الغداة في المسجد الجامع ، فلما قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي فخطب الناس ، فحمد الله وأنثى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، ثم قال : يا أهل البصرة ، يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة!
يا جند المرأة وأعوان البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، بلادكم أنتن بلاد الله تربة ، وأبعدها من السماء ، بها تسعة أعشار الشر. المحتبس فيها يذنبه ، والخارج منها بعفو الله.
كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر.
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له : يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟ قال : يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان ، وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم ، لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً ، فالهرب الهرب فإنه لا بصرة لكم يومئذ. ثم التفت عن يمينه فقال : كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذرين الجارود : فداك أبي وأمي ، أربعة فراسخ. قال له : صدقت ، فوالذي بعث محمد صلى الله عليه وآله وأكرمه بالنبوة ، وخصه بالرسالة ، وعجل بروحه إلى الجنة ، لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال : يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وسيكون بالتي تسمى أبلة موضع أصحاب العشور ، يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألف شهيد ، هم يومئذ بمنزلة شهداء بدر.
فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم ، فذاك أبي وأمي ؟ قال : يقتلهم إخوان وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم ، منتنة أرواحهم ، شديد كلبهم ، قليل سلبهم طوبى لمن قتلوه. ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان ، مجهولون في الأرض ، معروفون في السماء ، تبكي عليهم السماء وسكانها ، والأرض وسكانها ـ ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال : ويحك يا بصرة من جيش لارهج له ولاحس. فقال له المنذر : وما الذي يصيبهم من قبل ( قبل ) الغرق مما ذكرت؟ فقال : هما بابان : فالويح باب الرحمة ، والويل باب عذاب.
يا بن الجارود ، نعم : ثارات عظيمة. منها عصبة يقتل بعضهم بعضاً. ومنها فتنة يكون فيها إخراب منازل وخراب ديار وانتهاب أموال وسباء نساء يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجيب. ومنها أن يستحل الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى ممزوجة لكأنها في الحمرة علقة ، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء ، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء ، أنا جيلهم في صدورهم ، يقتل من يقتل ، ويهرب من يهرب. ثم رجف ، ثم قذف ، ثم خسف ثم مسخ. ثم الجوع الأغبر ، ثم الموت الأحمر وهو الغرق.
يا منذر : إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في زبر الأول ، لا يعلمها إلا العلماء. منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة.
إلى أن قال : يا أهل البصرة ، إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولاكرم إلا وقد جعل فيكم أفضل من ذلك ، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم. أنتم أقوم الناس قبلة ، قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة ، وقارؤكم أقرأ الناس ، وزاهدكم أزهد الناس ، وعابدكم أعبد الناس ، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ، ومتصدقكم أكرم الناس صدقة ، وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً ، وشريفكم أكرم الناس خلقاً ، وأنتم أكثر الناس جواراً ، وأقلهم تكلفاً لما لا يعنيه ، وأحرصهم على الصلاة في جماعة ، ثمرتكم أكثر الثمار ، وأموالكم أكثر الأموال ، وصغاركم أكيس الأولاد ، ونساؤكم أمنع الناس وأحسنهن تبعلاً ، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم ، والبحر سبباً لكثرة أموالكم ، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلاً وظلاً ظليلاً ، غير أن حكم الله ماض ، وقضاءه نافذ ، لامعقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ، يقول الله : وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً. إلى أن قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوماً ، وليس معه غيري : إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها ، وأعطاني أقاليدها ، وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها ، وما يكون إلى يوم القيامة ، ولم يكبر ذلك على كما لم يكبر على أبي آدم ، علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة المقربون. وإني رأيت على شاطئ البحر قرية ( بلدة ) تسمى البصرة ، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء ، وأنها لأسرع الأرض خراباً ، وأخشنها تراباً ، وأشدها عذاباً. ولقد خسف بها في القرون الخالية مراراً ، وليأتين عليها زمان وإن لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوماً عظيما بلاؤه. وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم هذه. ثم أمور قبل ذلك تدهمكم ، عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها ، فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له. ومن بقي فيها غير مرابط فبذنبه ، وما الله بظلام للعبيد ) ( البحار : 60/224 ـ 226 )
وقد أضفنا لها فقرة من نهج السعاة في مستدرك نهج البلاغة ص 325 ، وقد روى فقرة منها عن عيون الأخبار لابن قتيبة عن الحسن البصري ، وفيها : ( غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : تفتح أرض يقال لها البصرة أقوم الأرضين قبلة ، قارؤها أقرأ الناس ، وعابدها أعبد الناس ، وعالمها أعلم الناس ، ومتصدقها أعظم الناس صدقة ، وتاجرها أعظم الناس تجارة. منها إلى قرية يقال لها الأبلة أربعة فراسخ ، يستشهد عند مسجد جامعها أربعون ألفا ، الشهيد منهم يومئذ كالشهيد معي يوم بدر ).
لكن لو صحت هذه الصيغة للخطبة الشريفة فلا تدل على أن هذا الخراب متصل بالظهور لأن بعض صيغها تذكر أنه يكون في الرجعة.
ويظهر من مصادر التاريخ أن خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة وحديثه فيها عن الملاحم قطعية ومشهورة ، ولكن رواياتها المتعددة تختلف في الطول والقصر وبعض المضامين.
وتنفرد الروايتان اللتان ذكرناهما بأن خرابها يكون بالغرق بعد الخسف ، وهو ما لم يحدث في غرقها في المرتين أو في ثورة الزنج.
وتنفردان أيضاً بذكر شهداء البصرة السبعين ألفاً أو الأربعين ألفاً ، وأنهم في درجة شهداء بدر ، وأن أمير المؤمنين عليه السلام بكى عليهم ، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله بكى عليهم.
وتحدد الرواية الأولى مكان شهادتهم بين البصرة والأبلة ، التي هي اليوم حي من البصرة تقع قربه محطة القطار ، بينما تذكر رواية ابن قتيبة أن مكان شهادتهم عند مسجدها الجامع الذي يظهر أن المقصود بمسجد البصرة.
ولابد أن تكون حادثة استشهادهم قبل ظهور المهدي عليه السلام ، لأنه لاجبابرة ولامستكبرون بعد ظهوره عليه السلام ليكون هؤلاء الشهداء مستضعفين عندهم كما وصفتهم الرواية.
كما لا تحدد الرواية بوضوح من يقتلهم ، ولعل كلمة ( إخوان ) مصحفة عن كلمة أخرى ، والدجال المذكور أنه يكون بعدهم وأتباعه السبعون ألفاً من النصارى أصحاب الأناجيل ، لايبعد أن يكون غير الدجال الموعود ، لأنه يظهر بعد المهدي عليه السلام.
على أن رواية ابن قتيبة تقتصر على ذكر شهداء الأبلة فقط ولاتذكر هذا الدجال ، ولم يذكر ابن ميثم رحمه الله المصدر الذي أخذ منه الرواية.
وجاء في تفسير نور الثقلين في قوله تعالى : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ) ( الحاقة : 9 ) ، أن المؤتفكات هي البصرة.
وفي تفسير قوله تعالى : ( وَالْمُؤْتَفِكَةَأَهْوَى ) ( النجم : 53 ) ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( هم أهل البصرة ، وهي المؤتفكة ).
وفي تفسير قوله تعالى : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ) ( الحاقة : 9 ) ، عن الإمام الصادق عليه السلام : ( أولئك قوم لوط ، ائتفكت عليهم : انقلبت عليهم ).
وفيه نقلاً عن ( كتاب من لايحضره الفقيه : ( عن جويرية بن مسهر العبدي قال : ( أقبلنا مع أمير المؤمنين عليه السلام من قتل الخوارج حتى إذ قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر ، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس ، فقال علي عليه السلام : أيها الناس إن هذه الأرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات ( وفي خبر آخر مرتين ) وهي تتوقع الثالثة ، وهي إحدى المؤتفكات ). انتهى.
هذا ، لكن بعد التأمل في روايات أحداث البصرة وخرابها قبل ظهور المهدي عليه السلام ، نرى أنه يمكن المناقشة في ارتباطها بعلامات الظهور واتصالها بحدثه ، ما عدا بعضها مثل رواية المفيد رحمه الله في الإرشاد ص 361 عن الإمام الصادق عليه السلام يقول : ( يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء ، وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة ، ودماء تسفك بها ، وخراب دورها ، وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار ).
وقد أوردنا هذا الحديث في معجم أحايث الإمام المهدي عليه السلام برقم : 1047 ، وأورده في إعلام الورى ص 429 كما في الإرشاد بتفاوت يسير ، وفي سنده ( الحسن بن يزيد بدل الحسين بن سعيد ). وفي إثبات الهداة : 3/733 عن إعلام الورى ، وفي سنده ( الحسين بن يزيد ) بدل ( الحسين بن سعيد ) ، وفي : ص 742 عن الإرشاد ، وفي سنده ( منذر الخوزي بدل منذر الجوزي ) ، وفيه : ( وخسف بمنارة البصرة ). وهذا يعطينا احتمال أن يكون الخسف محدوداً بمكان أو منطقة منها. والله العالم.
الفترة الرابعة : فتح العراق على يد الإمام المهدي عليه السلام
وأحاديثه كثيرة جداً في مصادر الجميع ، عن دخول المهدي عليه السلام إلى العراق ، وتحريره من بقايا قوات السفياني ، ومن مجموعات الخوارج المتعددة ، واتخاذه قاعدة دولته وعاصمتها.
ولم أجد تحديداً دقيقاً لوقت دخوله عليه السلام إلى العراق ، ولكن يأتي في حركة ظهوره عليه السلام أنه يكون بعد بضعة شهور من الظهور المقدس ، وبعد تحرير الحجاز ، وربما معركة الأهواز أو بيضاء إصطخر التي يهزم فيها قوات السفياني هزيمة ساحقة.
وتصف بعض الروايات دخوله الى العراق جواً بسرب من الطائرات كما في الحديث التالي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لاتَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ ) ، قال : ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور لايعلم في أيها هو ، حتى ينزل ظهر الكوفة ).
وهذه الرواية بالإضافة إلى ما فيها من جانب إعجازي تدل على أن الوضع الأمني يستوجب من الإمام المهدي عليه السلام هذا الإحتياط ، فبالإضافة إلى معاداة الوضع العالمي له ، لا يكون قد أتم تطهير الساحة الداخلية في العراق.
وتعبير ( ينزل ) وبعده ( حتى ينزل ظهر الكوفة ) يفهم منه أنه لاينزل الكوفة أو النجف رأساً ، فقد ينزل في العاصمة أولاً ، أو في قاعدة عسكرية ، أو في كربلاء ، كما تذكر بعض الروايات.
وتذكر الأحاديث عدداً كبيراً من أعماله عليه السلام في العراق ومعجزاته. وسوف نستعرضها في حركة ظهوره ، ونذكر منها هنا مايتعلق بالوضع العام في العراق ، وأهم ذلك تصفيته عليه السلام لوضعه الداخلي والقضاء على القوى المضادة الكثيرة ، حيث تذكر الأحاديث أنه يدخل الكوفة ـ أي العراقـ وفيه ثلاث اتجاهات متضاربة ، يبدو أنها الاتجاه المؤيد له عليه السلام ، والاتجاه المؤيد للسفياني والثالث اتجاه الخوارج.
فعن عمرو بن شمر عن الإمام الباقر عليه السلام قال ذكر المهدي عليه السلام فقال : ( يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له. ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء! ). ( الإرشاد للمفيد ص 362 ).
والكوفة في هذا الحديث وأمثاله تعبير عن العراق ، ووجود ثلاث رايات فيه لابد أن يكون منها أنصاره الخراسانيون واليمانيون ، كما يدل الحديث التالي المستفيض في مصادر الشيعة والسنة عن أمير المؤمنين وعن الإمام الباقر عليهما السلام قال : ( تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان ( إلى ) الكوفة ، فإذا ظهر المهدي بعثت له بالبيعة ) ( البحار : 52/217 ).
ويظهر أن الحركات المضادة له عليه السلام تكون كثيرة سواء من جماعات الخوارج ، أو جماعات السفياني وغيرهم ، وأنه عليه السلام يستعمل سياسة الشدة والقتل لمن يقف في وجهه ، تنفيذاً للعهد المعهود إليه من جده رسول الله صلى الله عليه وآله. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله سار في أمته باللين ، كان يتألف الناس ، والقائم يسير بالقتل ، بذلك أمر في الكتاب الذي معه ، أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً. ويلٌ لمن ناواه ). ( البحار : 52/353 ).
والكتاب الذي معه هو العهد المعهود إليه من رسول الله بإملائه صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام وفيه كما ورد : ( أقتل ، ثم أقتل ، ولا تستتيبن أحداً )!
وعن الباقر عليه السلام قال : ( يقوم القائم بأمر جديد ، وقضاء جديد ، على العرب شديد. ليس شأنه إلا السيف ولايستتيب أحداً ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ). ( البحار : 52/354 ).
والأمر الجديد هو الإسلام الذي يكون قد دثره الجبابرة وابتعد عنه المسلمون ، فيحييه المهدي عليه السلام ويحيي القرآن ، فيكون ذلك شديداً على العرب الذين يطيعون حكامهم المعادين له ويحاربونه عليه السلام.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إن القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله صلى الله عليه وآله ، لأن رسول الله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة الخشبة المنحوتة ، وأن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه ). ( البحار : 52/363 ).
وقد رأينا كيف يتأول الحكام وعلماء السوء التابعين لهم آيات القرآن في معاداة الإسلام وعلمائه.
وتذكر بعض الأحاديث أن بطش الإمام المهدي عليه السلام يشمل المنافقين المتسترين الذين قد يكون بعضهم من حاشيته فيعرفهم بالنور الذي جعله الله تعالى في قلبه ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( بينا الرجل على رأس القائم ، يأمره وينهاه ، إذ قال : أديروه ، فيديرونه إلى قدامه ، فيأمر بضرب عنقه! فلايبقى في الخافقين شئ إلا خافه ). ( البحار : 52/355 ).
وتذكر بعض الأحاديث أن الأمر يصل أحياناً إلى إبادة فئة بكاملها! فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس يدعون البترية عليهم السلاح ، فيقولون له : إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة ، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم. ثم يدخل الكوفة فيقتل كل منافق مرتاب ، ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عز وعلا ). ( البحار : 52/338 ).
وتذكر الرواية التالية أنه يقتل سبعين رجلاً هم أصل الفتنة والإختلاف داخل الشيعة ، ويبدو أنهم من علماء السوء المضلين ، فعن مالك بن ضمرة قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( يامالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا ؟ وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض. فقلت يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير. قال : الخير كله عند ذلك ، يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم ، ثم يجمعهم الله على أمر واحد ). ( البحار : 52/115 ).
كما تدل الرواية التالية على بقاء أنصار للسفياني في العراق رغم آية الخسف التي ظهرت في جيشه بالحجاز ، ورغم هزيمته في العراق ، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ( ثم يسير حتى ينتهي إلى القادسية ، وقد اجتمع الناس بالكوفة وبايعوا السفياني ). ( البحار : 52/387 ).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( ثم يتوجه إلى الكوفة فينزل بها ، ويبهرج دماء سبعين قبيلة من قبائل العرب ) ( غيبة الطوسي ص 284 ) ، أي يهدر دماء من التحق من هذه القبائل بأعدائه والخوارج عليه.
وعن ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق عليه السلام أن قال له : ( وإنه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لاتتحملونه ، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم ، وهي آخر خارجة تكون ). ( البحار : 52/375 ).
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( بينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنة ، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه ، فيقول لأصحابه : إنطلقوا ، فيلحقونهم بالتمارين فيأتون بهم أسرى ، فيأمر بهم فيذبحون. وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ) ( البحار ج 52 ص 345 ، والتمَّارين محلة بالكوفة ).
ويجمع بين الروايتين بأن خوارج رميلة الدسكرة يكونون آخر خارجة مسلحة ، وخارجة مسجد الكوفة يكونون آخر فئة تحاول الخروج عليه السلام.
وتدل الروايات الشريفة على أن خوارج رميلة الدسكرة يكونون أخطر فئات الخوارج على المهدي عليه السلام ، وأن قائدهم يكون فرعوناً وشيطاناً.
فعن أبي بصير رحمه الله قال : ( ثم لا يلبث إلا قليلاً حتى تخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة ، عشرة آلاف ، شعارهم يا عثمان يا عثمان. فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لايبقى منهم أحد ). ( البحار : 52/333 ).
وقد حددت الرواية المتقدمة رميلة الدسكرة بأنها دسكرة الملك ، وهي كما في معجم البلدان قرية قرب شهرابان من قرى بعقوبة في محافظة ديالى.
وقد تكون تسميتهم ( مارقة الموالي ) لأنهم من غير العرب ، أو لأن قائدهم من الموالي ، أي غير العرب.
وتذكر بعض الروايات نوعاً آخر من عمليات التصفية الكبيرة هذه ، وأنه عليه السلام يدعو اثني عشر ألف رجل من جيشه من العجم والعرب فيلبسهم زياً خاصاً موحداً ، ويأمرهم أن يدخلوا مدينة فيقتلوا كل من لم يكن لابساً مثلهم فيفعلون. ( البحار : 52/377 ).
ولا بد أن تكون تلك المحلة كلها من الكافرين أو المنافقين المعادين له عليه السلام حتى يأمر بقتل رجالها ، أو يكون قد أخبر المؤمنين من أهلها أن لا يخرجوا من بيوتهم في وقت الهجوم. أو يكون أرسل إليهم ألبسة من نفس الزي الذي ألبسه لجنوده مثلاً.
ولا بد أن تثير هذه التصفيات موجة رعب في داخل العراق وفي العالم ، وموجة تشكيك أيضاً.
وقد ورد في بعض الروايات أن بعض الناس يقولون عندما يرون كثرة تقتيله وسفكه دماء أعدائه : ( ليس هذا من ولد فاطمة ، ولو كان من ولد فاطمة لرحم ). بل تقدم أن بعض أصحابه الخاصين عليه السلام لايتحمل بعض أحكامه ، وقد ورد أن بعضهم يدخلهم الشك والريب من كثرة ما يرون من قتله لمناوئيه فيفقد أحدهم أعصابه ويعترض على المهدي عليه السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( يقبل القائم حتى يبلغ السوق ، فيقول له رجل من ولد أبيه : إنك لتجفل الناس إجفال النعم ، فبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أو بماذا ؟ قال وليس في الناس رجل أشد منه بأسا ، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له : لتسكتن أو لأضربن عنقك. فعند ذلك يخرج القائم عليه السلام عهداً من رسول الله صلى الله عليه وآله ). ( البحار : 52/387 ).
ومعنى من ولد أبيه أنه علوي النسب. وإجفال النعم أي تخويف الغنم. ومعنى ( حتى يبلغ السوق ) يبلغ مكاناً هو سوق المدينة ، أو إسمه السوق.
وقد ورد في رواية أخرى أن هذا الرجل الذي يأمر السيد المعترض بالسكوت هو ( المولى الذي يتولى البيعة ) ، أي المسؤول عن أخذ البيعة من الناس للإمام المهدي عليه السلام.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( حتى إذا بلغ الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر ، فيقول : يا هذا ما تصنع ؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم ، أفبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة : والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك. فيقول له القائم : أسكت يا فلان. إي والله ، إن معي عهدا من رسول الله صلى الله عليه وآله. هات يا فلان العيبة أو الزنفيلجة ، فيأتيه بها فيقرؤه العهد من رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول : جعلني الله فداك ، أعطني رأسك أقبله ، فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه ، ثم يقول : جعلني الله فداك جدد لنا بيعة ، فيجدد لهم بيعة ). ( البحار : 52/343 ) ، والعيبة والزنفيلجة بمعنى الصندوق الصغير. والثعلبية مكان بالعراق من جهة الحجاز.
وبهذا العرض المجمل لمن يقتلهم المهدي عليه السلام في العراق ، يظهر أنهم فئات متعددة من الشيعة والسنة ، من مؤيدي السفياني ومعارضيه ، من علماء السوء والمجموعات والأحزاب وعامة الناس.
ومن الطبيعي أن يكون فيهم فئات عميلة للروم وغيرهم أيضاً.
ولكن بعد ذلك ، يتنفس العراق الصعداء في ظل سلطة الإمام المهدي عليه السلام ، ويدخل حياة جديدة في مركزه العالمي بوصفه عاصمة الإمام عليه السلام ومحط أنظار المسلمين ومقصد وفودهم. وتصبح الكوفة والسهلة والحيرة والنجف وكربلاء محلات لمدينة واحدة يتردد ذكرها على ألسنة شعوب العالم وفي قلوبهم ، ويقصدها القاصدون من أقاصي المعمورة ليلة الجمعة ، ويبكرون لأداء صلاة الجمعة خلف المهدي عليه السلام ، في مسجده العالمي ذي الألف باب فلا يكاد الواحد أن يحصل على موضع صلاة بين عشرات الملايين القاصدة.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( دار ملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها ، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة. وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين. والله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها ( وفي رواية أو يجئ إليها ، وفي رواية أخرى أو يحن إليها وهو الصحيح ) ولتصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً ، ولتجاورن قصورها قصور كربلاء ، وليصيرن الله كربلاء ، معقلاً ومقاماً تختلف إليه الملائكة والمؤمنون ، وليكونن لها شأن من الشأن ) ( البحار : 53/11 ).
و ( مجلس حكمه ) أي مجلسه للمراجعات والحكم بين الناس ، في مسجد الكوفة الفعلي ، أو في مسجد الجمعة الكبير الذي يبنيه.
و ( موضع خلواته الذكوات البيض ) أي موضع اعتكافه للعبادة الربوات البيضاء قرب النجف وتسمى النجف الغري والغريين.
وأربعة وخمسين ميلاً : أي تصير مساحة الكوفة أو طولها نحو مئة كيلومتر.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( يبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ، وتتصل بيوت الكوفة بنهري كربلاء والحيرة ، حتى يخرج الرجل على بغلة سفواء يريد الجمعة فلايدركها ). ( الغيبة للطوسي ص 280 ) ، والسفواء الخفيفة السريعة ، أي يركب وسيلة خفيفة سريعة فلا يدرك صلاة الجمعة ، لأنه لايجد موقفاً فارغاً ومحلاً للصلاة.
والأحاديث عن التطور المعنوي والمادي في العراق مركز عاصمته عليه السلام كثيرة لايتسع لها المجال.
وبتصفية المهدي عليه السلام العراق وضمه إلى دولته وجعله عاصمتها ، تكون دولته قد شملت اليمن والحجاز وإيران والعراق ، ومعها بلاد الخليج. وبذلك يتفرغ لأعدائه الخارجيين ، فيبدأ أولاً بالترك فيرسل لهم جيشاً فيهزمهم.
ثم يتوجه بنفسه على رأس جيشه إلى الشام حتى ينزل ( مرج عذراء ) قرب دمشق استعداداً لخوض المعركة مع السفياني واليهود والروم ، معركة فتح القدس الكبرى ، كما سيأتي في أحداث حركة ظهوره عليه السلام.
(( ضمن كتاب عصر الظهور ))
التعلیقات