اخبار علي بن موسى الرضا من وقوع الغیبه بالقاْْئم (عج)
الشیخ الصدوق
منذ 13 سنة35
باب
* ( ما روى عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام في النص على القائم ) *
* ( وفي غيبته عليه السلام وأنه الثاني عشر ) *
1 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أيوب بن نوح قال : قلت للرضا عليه السلام : إنا لنرجو أن تكون صاحب هذا الامر وأن يرده الله (1) عزوجل إليك من غير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك ، فقال : ما منا أحد اختلفت إليه الكتب ، وسئل عن المسائل وأشارت إليه الاصابع ، وحملت إليه الاموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عزوجل لهذا الامر رجلا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه .
2 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا جعفر ابن محمد بن مالك الفزاري ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن الريان بن الصلت قال : سمعته يقول : سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن القائم عليه السلام فقال : لا يرى جسمه ولا يسمى باسمه
3 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد ابن هلال العبر تائي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال : قال لي : لا بد من فتنة صماء صيلم (2) يسقط فيها كل بطانة ووليجة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الارض وكل جرى وحران ، وكل حزين ولهفان .
ثم قال عليه السلام : بأبي وأمي سمي جدي صلى الله عليه وآله وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه السلام ، عليه جيوب النور ، يتوقد من شعاع ضياء القدس (3) يحزن لموته أهل الارض والسماء ، كم من حرى مؤمنة ، وكم من مؤمن متأسف حران حزين عند فقدان الماء المعين ، كأني بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب ، يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على الكافرين
4 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه قال : حدثنا أبي ، عن محمد ابن أحمد ، عن محمد بن مهران (4) ، عن خاله أحمد بن زكريا قال : قال لي الرضا علي ابن موسى عليهما السلام : أين منزلك ببغداد ؟ قلت : الكرخ ، قال : أما إنه أسلم موضع و لا بد من فتنة صماء صيلم تسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي
5 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد قال : قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام : لا دين لمن لا ورع له ، ولا إيمان لمن لا تقية له ، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية . فقيل له : يا ابن رسول الله إلى متى ؟ قال : إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت ، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا فقيل له : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت ؟ قال الرابع من ولدي ابن سيدة الاماء ، يطهر الله به الارض من كل جور ، ويقدسها من كل ظلم ، [ وهو ] الذي يشك الناس في ولادته ، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه ، فإذا خرج أشرقت الارض بنوره (5) ، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا ، وهو الذي تطوي له الارض ولا يكون له ظل ، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الارض بالدعاء إليه يقول : ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه ، فإن الحق معه وفيه ، وهو قول الله عزوجل : « إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين » (6)
6 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليهما السلام قصيدتي التي أولها :
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي :
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا عليه السلام بكاء شديدا ، ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الامام ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الارض من الفساد و يملاها عدلا [ كما ملئت جورا ] .
فقال : يا دعبل الامام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عزوجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملا الارض (7) عدلا كما ملئت جورا .
وأما « متى » فإخبار عن الوقت ، فقد حدثني أبي ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قيل له : يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال عليه السلام : مثله مثل الساعة التي « لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والارض لا تأتيكم إلا بغتة » (8) .
ولدعبل بن علي الخزاعي رضي الله عنه خبر آخر أحببت إيراده على أثر هذا الحديث الذي مضى .
حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنه ، عن أبيه ، عن جده إبراهيم بن هاشم ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي رضي الله عنه على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام بمرو فقال له : يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي (9) أن لا أنشدها أحدا قبلك ، فقال عليه السلام هاتها ، فأنشدها :
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما بلغ إلى قوله :
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
بكى أبو الحسن الرضا عليه السلام وقال : صدقت يا خزاعي
فلما بلغ إلى قوله :
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا عن الاوتار منقبضات
جعل أبو الحسن عليه السلام يقلب كفيه وهو يقول : أجل والله منقبضات ، فلما بلغ إلى قوله :
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لارجو الامن بعد وفاتي
قال له الرضا عليه السلام : آمنك الله يوم الفزع الاكبر .
فلما انتهي إلى قوله :
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنه الرحمن في الغرفات
قال له الرضا عليه السلام : أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين ، بهما تمام قصيدتك ؟ فقال : بلى يا ابن رسول الله ، فقال عليه السلام :
وقبر بطوس يالها من مصيبة * توقد في الاحشاء بالحرقات (10)
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات
فقال دعبل : يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟ فقال الرضا عليه السلام : قبري ، ولا تنقضي الايام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري في غربتي ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له
ثم نهض الرضا عليه السلام بعد فراغ دعبل من إنشاده القصيدة وأمره أن لا يبرح من موضعه فدخل الدار فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية ، فقال له : يقول لك مولاي : إجعلها في نفقتك ، فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي ورد الصرة وسأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السلام ليتبرك به ويتشرف ، فأنفذ إليه الرضا عليه السلام جبة خز مع الصرة وقال الخادم : قل له : يقول لك [ مولاي ] : خذ هذه الصرة فانك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها ، فأخذ دعبل الصرة والجبة وانصرف ، وسار من مروفي قافلة ، فلما بلغ ميان ـ قوهان (11) وقع عليهم اللصوص ، وأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها ، وكان دعبل فيمن كتف ، وملك اللصوص القافلة ، وجعلوا يقسمونها بينهم ، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل من قصيدته :
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
فسمعه دعبل فقال له : لمن هذا البيت ؟ فقال له : لرجل من خزاعة يقال له : دعبل بن علي ، فقال له دعبل : فأنا دعبل بن علي قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت ، فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تل وكان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل قال له : أنت دعبل ؟ فقال : نعم ، فقال له : أنشد القصيدة ، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة (12) ، ورد إليهم جميع ما اخذ منهم لكرامة دعبل وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في مسجد الجامع ، فلما اجتمعوا صعد دعبل المنبر فأنشدهم القصيدة ، فوصله الناس من المال والخلع بشئ كثير ، واتصل بهم خبر الجبة ، فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار ، فامتنع من ذلك ، فقالوا له : فبعنا شيئا منها بألف دينار ، فأبى عليهم ، وسار عن قم ، فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب فأخذوا الجبة منه ، فرجع دعبل إلى قم فسألهم رد الجبة عليه ، فامتنع الاحداث من ذلك ، وعصوا المشايخ في أمرها وقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبة ، فخذ ثمنها ألف دينار ، فأبى عليهم ، فلما يئس من رد الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأجابوه إلى ذلك فأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان له في منزله ، فباع المائة دينار التي كان الرضا عليه السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فتذكر قول الرضا عليه السلام : « إنك ستحتاج إليها » ، وكانت له جارية لها من قلبه محل فرمدت رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها ، فنظروا إليها فقالوا : أما العين اليمني فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت ، أما اليسري فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم ، فاغتم دعبل لذلك غما شديدا ، وجزع عليها جزعا عظيما .
ثم إنه ذكر ما معه من فضلة الجبة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أول الليل ، فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا [ و كأنه ليس لها أثر مرض قط ] ببركة [ مولانا ] أبي الحسن الرضا عليه السلام (13)
7 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الريان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه السلام : أنت صاحب هذا الامر ؟ فقال : أنا صاحب هذا الامر ولكني لست بالذي أملاها عدلا كما ملئت جورا ، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني ، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان ، قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الارض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ، يكون معه عصا موسى ، وخاتم سليمان عليهما السلام . ذاك الرابع من ولدي ، يغيبه الله في ستره ما شاء ، ثم يظهره فيملا [ به ] الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما
الهوامش :
(1) في بعض النسخ « يسديه الله » وفي بعضها « يسوقه الله » .
(2) الصيلم : الامر الشديد والداهية . والفتنة الصماء هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها لان الاصم لا يسمع الاستغاثة ولا يقلع عما يفعله ، وقيل : هي كالحية الصماء التى لا تقبل الرقي ( النهاية ) وبطانة الرجل صاحب سره والذي يشاوره . ووليجة الرجل : دخلاؤه وخاصته
(3) في بعض النسخ « سناء ضياء القدس » وقال العلامة المجلسي : المعنى أن جيوب الاشخاص النورانية من كمل المؤمنين والملائكة المقربين وأرواح المرسلين تشتعل للحزن على غيبته وحيرة الناس فيه وانما ذلك لنور ايمانهم الساطع من شموس عوالم القدس ـ إلى أن قال ـ : ويحتمل أن يكون « على » تعليلية أي بركة هدايته وفيضه ( ع ) يسطع من جيوب القابلين أنوار القدس من العلوم والمعارف الربانية
(4) في بعض النسخ « محمد بن حمدان »
(5) في بعض النسخ « بنور ربها » .
(6) الشعراء : 4 .
(7) في بعض النسخ « فيملاها » .
(8) الاعراف : 178 . وفي اكثر النسخ « لا يجليها لوقتها الا الله عزوجل ثقلت في السموات ـ الاية » لكن في العيون كما في المتن
(9) أي حلفت أو نذرت وجعلت على نفسي كذا وكذا .
(10) في بعض النسخ « ألحت على الاحشاء بالزفرات » .
(11) كذا أيضا في العيون . وفي هامش بعض النسخ : قوهان قرية بقرب نيسابور .
(12) الكتاف حبل يشد به
(13) لدعبل وقصيدته هذه حكايات ، وقيل : انه كتب هذه القصيدة على ثوب وأحرم فيه وأمر أن يجعل في جملة أكفانه وتوفى سنة 246 بشوش وقيل : ان ابنه رآه في المنام فسئل عن حاله فذكر أنه على سوء حال ومشقة لبعض أفعاله فلقى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له : انت دعبل ؟ قال : نعم قال : فانشدني ما قلت في أولادي فأنشده قوله :
لا أضحك الله سن الدهران ضحكت * وآل أحمد مظلومون قد قهروا
مشردون نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر
فقال له : احسنت فشفع صلى الله عليه وآله فيه وأعطاء ثيابه ، فأمن ونجا .
ضمن كمال الدّين وتمام النّعمة
التعلیقات