الغيبة
الشیخ محمد رضا الجعفری
منذ 13 سنةبسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على سيّد رسله وخاتم أنبيائه محمد وآله الطيبين الطاهرين الأئمة الهداة المعصومين ، لا سيما أولهم مولانا أمير المؤمنين وسيد الوصيّين ، وخاتمهم مولانا الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عجّل الله فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه ، ولعنة الله على أعدائهم والموالين لأعدائهم والمعادين لأوليائهم من الأولين والآخرين ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.
اللّهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والعن من آذى نبيّك فيها من الأولين والآخرين.
السلام عليكم أيّها الأخوة ورحمة الله وبركاته.
يسعدني أن أكون ممّن أمكنه الله أن يلبّي حاجة في نفوس المعتنقين لولاء أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين ، في أمسّ مسائل العقيدة التي يواجهها إيمانهم ، والتي قد يجد أعداؤهم الثغرة للطّعن في إيمانهم ، وهو ما يرجع إلى مولانا الإمام الحجّة المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه ، خاصّة فيما يرجع إلى غيبته.
يسعدني أن أكون ممّن وفّقهم الله تعالى لكي ألبّي هذه الحاجة في بحثٍ أطرحه وأؤطِّره بإطارين :
الاطار الأول : الوقت الذي حدّد لي أن يكون البحث يكتمل إلى حدّ ما ، ضمن هذا الوقت.
والثاني : الايجاز الذي تتطلبه مثل هذه البحوث التي تلقى مباشرة على السامعين ، فالبحوث إن كانت طويلة وجاءت في كتاب فللقارئ أن يتجاوز صفحات أو أن يغفل صفحات ويكتفي بما يحاول أو يتلذّذ بقراءته ، وأما السامع المسكين الذي لا يملك إلاّ أن يعصر أذنيه كي لا يسمع ، فهذا من الصعب جداً أن يكون البحث بالنسبة إليه ممتعاً ، إلاّ إذا كان إلى حدٍّ لا يجد السامع منه مللاً ولا يرى فيه نقصاً في الأداء أو إيجازاً مخلاً ، فلا تكون الأسئلة التي كانت تدور في ذهنه قد بقي منها ما لم يجد الاجابة عليه فيما سمعه.
ومن الله سبحانه وتعالى ومن وليّه وحجّة عصره مولانا الإمام المهدي المنتظر ـ الذي يرانا ولا نراه والذي يعلم بحالنا ولا نعلم بحاله إلاّ ما أخبرنا الوحي به ـ أستمدّ أن يعينني على حسن الأداء وأن يعينكم أو يحقق لكم حسن الاستماع ، إنه نعم المولى ونعم النصير.
موضوع البحث
الموضوع الذي طلب منّي أن يكون بحثي يدور في فلكه : هو ما يرجع إلى الإمام المهدي سلام الله عليه في غيبته ، وما انتهى إليه هذا العنصر الإعتقادي الهامّ الذي يميّز الشيعة في عددهم المبارك ، يعني في العدد الإعتقادي للأئمة الذي يعبّر عنه بالشيعة الإثني عشرية.
الكلام حول المهدي سلام الله عليه فيما أنا فهرستُ ووضعتُ المنهج له ، وأنا أقرأ نقاط البحث ، فإن وفقني الله سبحانه وتعالى كي أكمل هذه النقاط في جلستنا هذه فنعمت النتيجة للمتكلّم والسامع ، وإن بقي شيء فأرجوا الله سبحانه وتعالى أن لا يكون الفاصل بين هذه الحلقة والحلقة التي تستدعيها فيما بعد ، أن لا يكون الفاصل بحيث يُنسي الأولى أو لا يمكن المستمع إلى الأخرى من استماعها للفاصل الزمني الطويل.
البحث عن غيبة الإمام المهدي سلام الله عليه يرتبط بالبحث عن إمامته كأحد الأئمة ، ولا يمكن أن يستغني عنه الباحث عن إمامة المهدي سلام الله عليه وعن البحث في غيبته ، وقبل هذا نقاط أوجزها :
النقطة الأولى :
إن غيبة المهدي سلام الله عليه وظهوره كموت الخليقة وحشرها أمرٌ قدّره الله سبحانه وتعالى ـ حسب رأينا نحن الإمامية الاثنا عشرية ـ ولم يستشر فيه أحداً ولم يوكّل أمره إلى أحّد غيره.
يعني أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الخلق قدّر لهم النشأة الأولى هذه ، وقدّر لهم النشأة الأخرى ، شئنا أم أبينا ، كنّا في رضىً من ذلك أم كرهناه ، وذلك لحبنا لهذه العاجلة ، أو مع الأسف الشديد لأننا أسأنا العمل فنكره المواجهة مع آثام العمل وآثاره.
إنّ الله سبحانه وتعالى قدّر للخلق أن تكون لهم نشأتان : نشأة في حياتهم الدنيا ، ونشأة أخرى في حياتهم الأخرى ، وهكذا أيضاً قدّر الله سبحانه وتعالى أن يكون عدد أوليائه إثني عشر ، لا يزيدون واحداً ولا ينقصون واحداً ، وقدّر لهذا الثاني عشر أن يغيب من بيننا وهو حي وأن يظهر في الزمن الذي اختاره الله سبحانه وتعالى بحكمته وقدّره بعلمه ، شئنا أم أبينا.
وأعني أنّنا لسنا مختارين ، ولم يجعل الله سبحانه خياراً لنا في أن نحيا ونحشر بعد أن نموت ، بحيث أننا إذا وجدنا في حياتنا الأخرى تلك منشأ لذّة أحببنا الحياة ، وإن وجدنا فيها آثاماً وسوء نتائج لسوء أعمالنا في هذه الحياة اخترنا أن يكون موتنا موتاً دائماً.
والذين قرأوا جداول أبي ماضي يعلمون بأن شبهة المعاد عنده أساسها هذه ، هذه الشبهة لو أردنا أن ننظر إليها من ناحية تندّر وظَرَفْ ، لابدّ وأنكم سمعتم أن هناك من يتندر فيقول : بأن الجوزة إن كان لابدّ لها من حامل ولا يكون إلاّ شجرة باسقة سامقة كبيرة طويلة العمر ، فكيف بالبطيخة ، البطيخة لابدّ أن تكون شجرتها أكبر من شجرة الجوزة ، مع العلم بأن هذا تندّر أو تغفّل أو شيء آخر أسوء من هذين ، لماذا ؟ لأننا واجهنا في الحياة أنّ الله سبحانه وتعالى قدّر للجوزة أن تكون ثمرة لشجرة باسقة ، وأن لا يكون للبطيخ إلاّ هرش صغير.
فالعالم هو الذي يأخذ الحقائق كما هي ثم يستعين بها في حياته ، يعني بحيث أننا لو أردنا أن نستحصل الجوزة علينا أن نهيء أو نغرس شجرتها وننتظر وقد يكون انتظارنا يستمر سنين إلى أن نحصل على الثمرة ، وإذا أردنا أن نحصل على البطيخة ، فالبطيخة أهون بكثير في استحصالها من حيث الزمن ومن حيث الغرس ومن حيث العناية بالغرس ، وأسهل بكثير من الجوزة وشجرتها.
حقائق الحياة لا نملكها نحن ولا يملكها إلاّ الله سبحانه وهو الذي قدّرها واستمرّ عليها ويستمر عليها لحكمته ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
الإمام المهدي سلام الله عليه قدّر الله بحكمته أن يكون آخر الأئمة ، وأن يكون مهدي هذه الأمة ، وأن يكون هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أو بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، ولا فرق بين العبارتين ، إلاّ ما يتخيله الإنسان من أنّ كاف التشبيه قد تكون أهون من البعدية ، ولا فرق بين الأثنين بحسب الواقع ، وأنا أشير إلى مناقشات حصلت في الموضوع.
فالإمام المهدي سلام الله عليه إرادة الله في عالم الشريعة ، كما أنّ حشره سبحانه وتعالى لخلقه إرادته في عالم الخليقة والتكوين ، لا فرق بين الأثنين ، لم يستشر أحداً في الأولى أي في الحشر بعد الموت ، ولا يستشير أحداً في الثانية ، أي إنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي قدّر أن يكون لهذه الأمة مهدي يظهر في آخر الزمان ، وأن يكون من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن ولد أمير المؤمنين عليه السلاموالصديقة الكبرى سلام الله عليها ، وأن يكون من ولد الحسين عليه السلام، « إنّ الله تعالى عوّض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ... » (١).
وهذه حقيقة هامّة يجب أنْ لا نغفل عنها ، وهي أن إيماننا بالمهدي لا يرتبط بأنفسنا من ناحية ذاتية ، بحيث أني لو أحببت المهدي أؤمن به ، ولو لم أُحبّ لا أؤمن ، إيماني بالمهدي خضوع وتسليم لإرادة الله كإيماني بكل ما أراه من سنّة الله تبارك وتعالى في هذا الكون وسنّته في الخلق ، عليّ أن أنسجم وأن أجعل نفسي وحياتي ملائمة ومنسجمة مع سنّة الله ، سنن الله سبحانه وتعالى لا تكون بحيث يرضى بها أحد فتكون سنّة ويكرهها آخر فلا تكون سنّة بالنسبة إليه.
النقطة الثانية :
إنّني حينما أتكلم عن المهدي سلام الله عليه أتكلّم عن موقع المهدي والمهدوية في عقائدنا نحن الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ، وتفسير هذا أنّ المهدي سلام الله عليه قد يختلف عن باقي الأئمة ، ومنهم أمير المؤمنين سلام الله عليه ، فله جانبان : جانب اختصصنا به نحن الإمامية ، وجانب ثان اشترك فيه معنا غيرنا من فرق المسلمين ، وحتّى أمير المؤمنين سلام الله عليه له جانبان ، جانب أقرّ به غيرنا من فرق المسلمين ، وخاصة الفرق التي لها جانب رواية للسنّة وعناية بالحديث.
فلا أتكلم هنا عن المهدي والمهدوية عند المعتزلة ، لأن المعتزلة أطّروا مذهبهم باطار عقلي لا أقول بأنه صادق كلّه أو لا ، مائل عن الحق أو لا ، هذا خارج عن بحثي هنا ، أما فِرق المسلمين التي جعلت من السنّة أساساً لعقائدها فلا تشترك معنا في الإيمان بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، ولكنها تشترك معنا في القول بالمهدي وأنه يخرج في آخر الزمان.
وأنا أملك نصوصاً كثيرة تدلّ بوضوح على أنّ علماءهم في الحديث والمعنيين بالدراسات الحديثية قالوا بأن أحاديث المهدي متواترة ، فقد رواها أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية ، بل وبعض الحديث الذي جاء عن بعض الصحابة كعبد الله بن مسعود ، السند إلى عبد الله عندهم متواترة لكثرة مَن يرويه من رواتهم عن عبد الله.
ولكنهم حينما يجمعون أحاديثهم ويفسّرون بعضها ببعض قد يكون منهج التفسير عندهم يختلف عن منهج التفسير عندنا نحن الإمامية ، وقد تكون النتيجة عندهم تنتهي إلى ما لا تنتهي إليه بحوثنا العقائدية.
مثلاً نجدهم يقولون بأن الاصح أنّ المهدي سلام الله عليه من ولد الحسن عليه السلام، وهذا عندنا غير وارد.
أو أنّ المهدي الذي بشّر به رسول اللهصلي الله عليه واله كيف عرّفه ؟ يقولون بأنه جاء في كثير من الأحاديث : يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي (2)وبهذا يكون اسم أبيه الكريم عبد الله ، لا الإمام الحسن بن علي العسكري سلام الله عليهما.
أو أنه يخرج من أين ؟ في بعض رواياتهم ـ وإن كانت غريبة عندهم ويستغربونها ويقولون بأنها من غريب الأحاديث ـ أنه يخرج من المغرب.
أنا حينما أتكلم عن المهدي سلام الله عليه ، أتكلم عن موقعه الخاص في عقيدتنا نحن الإمامية الإثنا عشرية خاصة ، فاذا استعنت بحديث غيرنا أستعين به فيما يؤكد ويقوّي نظرتنا نحن الإمامية ، لا أنّي أتناول حديث غيرنا تناولاً مباشراً فأحل العقد وأبيّن جهة الإشكال وأشرح جهة النقض وحلّ هذه المشكلة ، هذه كلّها اتجنبها في حديثي هذا.
وإن كنت قد ذكرت في كتابي الّذي جمعت فيه أحاديث المهدي عليه السلاممن طرق غير الإمامية كل ما يرجع إليه عليه السلام، وهذه الأحاديث لو قدّر أن تطبع لكانت أكثر من أربعمائة أو خمسمائة صفحة بترتيب خاص ، والبحوث التي تأتي بعدها قد تفوقه بصفحات وصفحات.
المهدي عليه السلاملا يمكن أن ينفصل عن الغيبة
أصل الدعوى التي عليّ أن أقيم الحجة على صحتها : أنّ المهدي والمهدوية ـ لا يمكن في حكمة الله سبحانه وتعالى وعلمه بحاجة عباده وأنه اللطيف الخبير يفعل ما يشاء ولكنه لا يفعل إلاّ لحكمة ، ويحكم بما يريد ولكنه لا يحكم إلاّ بما كان فيه رأفة ورحمة لعباده والتزام بالعدل الذي ألزم الله به نفسه ـ لا يمكن أن ينفصل عن الغيبة.
وهذه الحجة أذكرها إن شاء الله بصورة عدّة مسالك ، كلّ مسلك ينتهي الى أنّ المهدي سلام الله عليه قدّر الله له أن يكون أحد الأئمة ، فيستحيل أن لا تكون له غيبة.
فالإمام العسكري سلام الله عليه ولد سنة مائتين واثنين وثلاثين من الهجرة ، وجاءته الإمامة سلام الله عليه بعد استشهاد أبيه الإمام الهادي علي ابن محمد 8 سنة مائتين وأربع وخمسين من الهجرة ، وفي أشهر الأقوال عند الإمامية استشهد في يوم الجمعة الثامن من شوال سنة مائتين وستّين من الهجرة.
فلو حذفنا الجهات الخاصة بالفكرة عن الإمام العسكري سلام الله عليه عند الإمامية وقلنا : إن الإمام سلام الله عليه جاءته الإمامة في سنة ٢٥٤ ه بعد موت أبيه موتاً طبيعياً ، وأنه جاءته الوفاة التي قدرها الله لكل أحد بصورة طبيعية ، ولم تكن هناك جريمة اشترك في إيجادها بالنسبة إلى الإمام العسكري أحد لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة ، فكانت إمامته ست سنوات.
قد نقول : بأن الله سبحانه وتعالى وجد من الحكمة أنّ الإمامة للإمام العسكري كافية لمدة ست سنوات ، فالله سبحانه وتعالى جعله إماماً واستوفى حاجة الناس إلى إمامته ضمن ست سنوات ، فست سنوات كافية في أننا نملك إماماً وضعه الله إماماً علينا ، وبهذا نستفيد ما أراد الله سبحانه وتعالى من نصبه إماماً في ضمن ست سنوات.
أما الإمام المهدي سلام الله عليه فلم يملك مدّة الإمامة ولا يوماً واحداً ، لماذا ؟ لأنه مادام والده الإمام العسكري حي فالإمامة خاصة بأبيه ، وإن كان هناك إمامان لابدّ وأن يكون أحدهما صامتاً عندما يكون بقضاء الله سبحانه وتعالى غيره ناطقاً بالإمامة ، ويوم أن مات الإمام العسكري سلام الله عليه ، غاب ، فما هي الحاجة إلى إمامته ؟
لا أقول ما هي الحاجة بأن نكون نحن نتدخل في حكمة الله سبحانه وتعالى بفضول لا يرتضيه الله ، لا ، نحن نستفهم من الله سبحانه وتعالى بأنه حينما قدّر للمهدي سلام الله عليه أن تكون له إمامة آنذاك ، قدرها لكي يستفيد الخلق من إمامته ، وإلاّ فالله سبحانه وتعالى في غنى عن رسله وأنبيائه وعن أئمته وحججه ، وإنما يرسل رسله وينصب حججه لكي يستفيد الخلق منهم ، لا لحاجة من الله سبحانه وتعالى في الخلق ولا لهداية للخلق برسول يرسله إليهم أو بحجة ينصبه عليهم ، وإنّما الذي يحتاج هو الخلق والعباد ، والله رأفةً بعباده يؤمِّن لهم ما يحتاجون إليه في هدايتهم كما أمّن لهم ما يحتاجون إليه في حياتهم.
أرجو أن تكونوا قد استوعبتم الدعوى ، كي أقوم بسلوك الطرق المختلفة لأثبت أنّ هذه الدعوى هي التي لابدّ وأن تكون الصحيحة في المجال الإعتقادي عند الإمامية الاثني عشرية ، الذين لهم تفسير خاص للإمامة لا يتجاوزونه ، وعدد خاص للأئمة لا يتجاوزونهم ، ليس لهم أن يحذفوا واحداً ، ولا أن يضيفوا واحداً ، ولا أن يؤخروا من قدّمه الله سبحانه وتعالى ، ولا أن يقدّموا من أخّره الله سبحانه وتعالى.
فالعقيدة الصحيحة لاستمرار حاجة الناس إلى النبوة وكون النبي مدّة حياته لا تتناسب مع الابدية لشريعته ، لابدّ لهذا النبي من أئمة يكونون مثله في العصمة في الأداء ، والعصمة في الهداية ، والعصمة في قيادة الخلق.
فعقيدة الإمام المهدي سلام الله عليه عند الإمامية لا يمكن أن تكون بلا غيبة ، لماذا ؟
لأنه في مقتبل عمره لم يتمكن ولا يوماً واحداً من هداية الأمة حتى بالقدر الذي كان يتمكن منه آباؤه ، ولم يتمكن لغيبته من اتّصال الشيعة به قدر ما كان يتمكن آبائه حتى في أحلك الظروف وأشدّها عليهم ، فإذن لا بد وأن تكون إمامته المتصرفة في خلقه بعد تلك الفترة ، أي بعد الغيبة ، فلابدّ لنا وأن نلتزم بأن الانتفاع بالإمام المهدي كإمام الذي يكون مشابهاً للانتفاع بآبائه الطاهرين كأئمة لابدّ وأن يأتي في فترة أخرى بعد الغيبة.
هذه خلاصة الدعوى ، وأنا إن شاء الله أبدأ بالطرق التي استخلصتها نتيجة بحثي وجمعي لمواد كثيرة من جهات شتى :
المسلك الأول
وعد الله بظهور دينه على الدين كلّه
إن الله سبحانه وتعالى وعد وعداً قاطعاً صريحاً بظهور دينه على الدين كلّه ، لا يقصد بذلك دينه الذي بدأ به من أول مَن أرسله رسولاً إلى خلقه وانتهى بمن أرسله رسولاً وسيداً على المرسلين وخاتم النبيين ، بل الدين الذي جاء به نبينا صلي الله عليه واله ، وعد الله سبحانه وعداً قاطعاً بأن يظهره على الدين كلّه.
وهذا الوعد جاء ضمن آيات ثلاث ، ومن غريب الأمر أن آيتين منها متماثلتان ، ولا أقول متشابهتان ، بل متماثلتان تماماً من أول حرف من الآية إلى آخر حرف منها ، وجاءتا في سورتين بينهما فاصل زمني وإن كانت السورتان كلتاهما مدنيتين.
الأولى : قوله تعالى في سورة التوبة(3):
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (4).
مفهوم الآية واضح ، ( هو الذي ) ، هذا كلّه تأكيد ، ( أرسل رسوله ) ، فلو قال سبحانه وتعالى : الله أرسل رسوله ، كان أوجز ، لكن هنا ( هو الذي أرسل رسوله ) ، يعني أن الذي أرسل عليه لحكمته وعلمه وموقع رسوله هذا وموقع شريعته هذه التي جاء بها رسوله هذا ، يقتضي أن يكون هو الذي يظهر هذا الدين على الدين كلّه ولو كره المشركون.
وهنا نكتة أشير إليها ، وهي قوله تعالى : ( بالهدى ودين الحق ) ، فالله سبحانه وتعالى أرسل رسله السابقين على رسولنا محمدصلي الله عليه واله بالهدى ودين الحق ، فلماذا سبحانه وتعالى يصف دينه هذا ورسوله هذا أنّه أرسله بالهدى ودين الحق ؟ والموجز في الجواب أن الأديان السابقة لم تكن هادية هداية عامة لجميع الخلق بالقياس إلى الهداية التي جاء بها نبينا صلي الله عليه واله ، لا لأنها ناقصة ، بل لأنها تهدي الإنسانية في فترة قصيرة جداً من عمرها الطويل ، فتلك لا تقاس بالنسبة الى الهداية التي جاء بها نبينا صلي الله عليه واله ، وذلك على ما يقولون : الفرد الأكمل الأبرز الأوضح للهدى الذي جاء به نبينا صلي الله عليه واله ، وهكذا دين الحق ، لماذا ؟ لأن هذا الدين دين شرعه الله سبحانه وتعالى للبشرية إلى آخر أيام حياتها على ظهر هذا الكوكب ، كم تطول ؟ لا نعلم ، كم ألوف من السنن ؟ لا نعلم ، كم عصور تتوالى عليها ، لا نعلم ، ولكننا نعلم شيئاً واحداً : أنّ البشرية إن كانت قد اكتملت واكتسبت مافيه كمالها ، سواء أكان هذا الكمال من ناحية مادية ، أم كمالاً من ناحية معنوية ، فانها لم تكتسبه إلاّ في عصور حياتها الأخيرة ، لا حياتها البدائية ، سواء أقلنا : إن الحياة البشرية البدائية بدأت برسول من الله سبحانه وتعالى كما تقوله الأديان السماوية ، أو قلنا : إن الإنسان قد مرّ بأشواط وأشواط طويلة قد يؤرّخونها بملايين السنين ، وقد يؤرّخون أسلاف الإنسانية ، وأنا أستميحكم عذراً حينما أقول بأسلاف الإنسانية ، سواءاً أكانوا يشبهون مثلاً القردة أو نفس القردة أنفسهم أو موجودات أخر ، فقد مرّ على الإنسانية شوط طويل إن لخصناه بامكاننا أن نقول كل ما امتدّ بها الزمن تكاملت عندها خصائصها الخاصة بها.
فكما يقولون ـ لا أقول : بأن هذا صحيح مائة بالمائة ، ولكني أحكي ما يقولون ـ بأن الإنسانية بدأت على ظهر هذا الكواكب تعيش من حيث المأكل كما يعيش سائر الأحياء ، فقد كانت تشترك مع القردة أو الدببة التي كانت تأتي إلى الساحل المائي ، فكان الدبّ يستعين بمخالبه فيصيد سمكة ويأكل كما يقولون ، وأن الإنسان البدائي كان يأخذ حجراً فيقف راصداً سمكة تمر عليه فيرميها بحجر ويصطادها.
والآن حينما نأتي إلى أواخر عصور الإنسانية حتى في التاريخ المجمل المبهم لها ، نجد أن الإنسانية تستقبل الكمال ولا تستدبره.
فالتكامل يكون في مستقبل حياة الإنسانية ، والدين الذي يكون لمستقبل حياة الإنسانية وحتى الشوط الأخير من هذه الحياة التي لا ندري متى يأتي ذلك الشوط الأخير ومتى يكون ، ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ (5).
فالدين الذي جاء لتلبية حاجة الإنسانية في أكمل صورها وأوفى استكمالها لكمالها الانساني ، ولا أدعي بأن هذا الكمال يكون في سنين عديدة ويقابله نقص في ملايين من السنين ، إن هذا شيءٌ أنا شخصيّاً أستبعده ولا أطلب الان من غيري أن يؤمن به مائة بالمائة ، ولكن من البعيد جداً أن الحكمة الإلهية تجعل من الشوط الكامل للإنسانيّة أقصر أشواطها مدّة ، وكيفيةً ، وزمناً ، ولا يأتي في ذهنكم أنّ الروايات التي تقول بأن الإمام المهدي سلام الله عليه إذا خرج يملك سبعاً أو تسعاً ، لا أتكلم عن هذا ، فهذه كلها إن وردت لا يُقصد بها العدد الخاص من جهة ، والجهة الثانية أن رجعة الأئمة هي التي تكمل هذا الشوط من حياة الإنسانية ، وهو أعلى أشواطه كمالاً وإنسانيةً وتلالؤاً وامتلاءاً بأحب الصفات الإلهية التي يريدها الله سبحانه وتعالى أن تتمثل في خلقه كالرحمة والمحبة و ... ، ولا أقصد تلك الصفات التي يذكرها العارفون بالمعنى المصطلح للعرفان ، الذي يرجع إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق على هيأته وأن الله خلق آدم على صورته ، لا أقصد هذا.
وإنّما أقول : إنّ من البعيد جداً أن تكون الإنسانية لا تكتمل إلاّ في آخر لحظات حياتها ، وإذا أردتُ أن أشبّه فكرتي هذه فأقول : بأن الله سبحانه وتعالى إن وعد فرداً معيناً منّا بأني سوف استوفي لك كل حاجة تحتاجها في حياتك الدنيا هذه ، وفي هذا الكوكب ، وفي هذه الحياة التي تسبق الموت ، أستوفي لك كل حاجاتك وأؤمّن وألبّي كل رغباتك ، ولكن في ساعة واحدة قبل موتك ، أنا واثق بأن أيّ واحد منّا لو أن الله سبحانه وتعالى خيّره بين هذه وبين أن يعيش عيشةً متواضعةً لا أمل فيها ولا ألم ، لاختار هذه العيشة المتواضعة دون أن يختار حياة مليئة بالآلام تزول آلامها في آخر ساعة من حياته هذه ، وأمّا أنها تعوض في الحياة الأخرى ، فذاك حديث آخر.
الانسانية أيضاً هكذا ، من غير المعقول لحكمة الله سبحانه وتعالى أن يقدّر لخلقه برحمته أن يخلقهم ، وبرأفته أن يهديهم ، وبحكمته وعلمه أن يفتح أمامهم مسلكاً يبلغون بسلوكه ما يريد الله سبحانه وتعالى منهم حينما خلقهم أن يجعل هذا في أقصر فترات حياتهم.
فأنا واثق من أن الحياة الكريمة التي تأتينا في دولة كريمة يُعزّ بها الإسلام وأهله ويضمحلّ فيها النفاق وأهله ، لا أنه يخذل ، بل يضمحل فيها النفاق وأهله ، وأن نكون سعداء كما أراد الله سبحانه وتعالى ، أن يكون دور الإنسانية هذا ، هي أقصر أدوار حياته على ظهر هذا الكوكب.
إذن فما وعد الله سبحانه وتعالى وَعْداً قاطعاً وهو أن يظهر دينه على الدين كله ، لابدّ وأن يكون على يد مهدي هذه الأمة ، لماذا ؟ لأن عدد الأئمة عندنا عدد معين ، اثنا عشر إماماً ، استوفى أحد عشر منهم مدّته.
ومع أسف الإنسانية وبؤسها وشقائها ومحنتها بل من أعظم محنها أن هذه المدّة لم تستوف كما أراد الله ، يعني بإرادة من الله سبحانه وتعالى أن تكون مدّة حياتهم الطبيعية وهم بين أظهر أمتهم يهدونهم ، فأمير المؤمنين عليه السلاملا نعلم بأن أشقى الآخرين لو لم يضربه على هامته كم كان يعيش ؟ وأن الإمام الحسن سلام الله عليه الذي لم تدم إمامته إلاّ عشر سنين أو أقل لو لم يُسم كم كان يعيش ؟ وأن سيد الشهداء سلام الله عليه لو لم يكن يُقتل تلك القتلة الفجيعة (6)كم كان يعيش ؟ هؤلاء لو لم يواجهوا من طاغية زمانهم بما جاء عليهم كم كانوا يعيشون ؟ ولكن مع هذا لا يصحّ لنا أن نقول بأن الله سبحانه وتعالى أظهر دينه على الدين كلّه ، فالوعد الإلهي لم يأت بعد.
ولو قلنا بأن الوعد الإلهي يكون على أيدي الهداة الإلهيين ، لماذا ؟ لأن الإنسانية جرّبت أحسن من يقودها إن لم يكن ممن أخذ الله العهد على نفسه بأن يرقبه بحيث لا يحيد ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ (7)، فالذين رحمهم الله سبحانه وتعالى لا يتجاوزون عمّا يريده الله سبحانه وتعالى منهم ، فالوعد الإلهي للإنسانيّة إن لم يكن من شخص يجري الوعد على يديه كفوءاً صحيحاً ، تقع الإنسانية في مآسي ويقع الوعد في مجافيات وفي تناقضات ، بحيث أن الوعد يفقد حكمته بل يفقد مصداقيّته.
فلا يكون الوعد إلاّ على يد معصوم ، يكون الله سبحانه وتعالى مراقباً له ، بحيث أن الله سبحانه وتعالى لو أراد أن يجري الوعد بنفسه لا يختلف عما يجريه وليّه.
فالآية الكريمة يكفي ورودها مرة واحدة ، مع أنها جاءت بهذا المضمون في ضمن ثلاث آيات كريمة :
الأولى : قوله في سورة البراءة أو التوبة : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (8).
ونفس هذه الآية بما بدأت به وبما انتهت به حتى من حيث الحرف ، لا الكلمة وحدها ، جاءت في سورة الصف :﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (9).
فالله سبحانه وتعالى ـ من باب التندر أقول ـ ليس كبعض شعرائنا الذي ينظم القصيدة فيجدها قصرت عما يريدها من عدد الأبيات فيأتي بأبيات قالها سابقاً في قصيدة أخرى يضمّنها ، يضمّن قصيدته هذه تلك الأبيات حتى تطول ، وهذا كثيراً ما يكون ، ولا يؤاخذه مؤاخذ بما فعل ، لأنه قول قاله ، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يعيد الآية كي تطول السورة ، يجلّ عن ذلك ، يعيد الآية كي يؤكّد لنا بأن هذا وعدٌ قاطعٌ صريحٌ لا خلف له ، ولن يخلف الله وعده.
وبالإضافة إلى ذلك نفس المعنى يرد في آية كريمة أخرى ، تختلف من حيث الانتهاء ، وهي قوله تعالى في سورة الفتح : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا﴾ (10).
هذا المقطع : ( وكفى بالله شهيداً ) حسب فهمنا أقوى بالدلالة على قوله تعالى حينما ختم به آيتيه الكريمتين : ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ ، ف : ﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا﴾ معناه : أن الله سبحانه وتعالى الذي وعد هو الذي يشهد ، لا أنه وعد وغاب أو مات ، وكان الوعد وصية منه ينجزها غيره ، فيكون ذلك الذي ينجّز من الممكن أنْ يتساهل ويتكاسل أو يتغافل أو يغفل أو ينسى أو يجهل ، ﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا﴾ الله سبحانه وتعالى الذي يشهد الخلق ، فان وعد وعداً فهو الذي يجعل وعده لا خلف فيه.
فهذا الوعد القاطع الذي لا يصح لمسلم أن لا يؤمن به ولا يصح لغير مسلم أن يغفله في تأريخ الفكر الإسلامي ، يعني غير المسلم قد لا يؤمن بالقرآن الكريم ككتاب منزل من قبل الله سبحانه وتعالى ، بل قد لا يؤمن بأن لهذا الكون خالقاً ، أو يشرك الله بغيره من أنداد يجعلها لله سبحانه وتعالى ، ولكنه حينما يقرأ القرآن الكريم يجد هذا الوعد وعداً قاطعاً صريحاً لا لبس فيه ولا إبهام فيه.
فإذن هذا الوعد وعدٌ يؤمن به كل مسلم ووعدٌ يأخذ به كلّ من يؤرّخ الدين الإسلامي ، ولا يتحقق هذا الوعد إلاّ إذا قلنا بأن أئمة الهدى سوف يتحقق بهم في شوطهم الأخير أكمل أشواط الإنسانية في تأريخها الطويل ، وخاتمهم وهو مهديهم سلام الله عليهم أجمعين سوف يكون هو الذي يحقق الله سبحانه وتعالى على يديه هذا الوعد الذي وعد به وعداً صريحاً أكده في ثلاث آيات كريمة.
وأيضاً قوله تعالى : ﴿ كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (11).
( كتب الله لاغلبن أنا ورسلي ) أي غلبة ؟ غلبة مادية ؟ الله سبحانه وتعالى لم يعد رسله ولا خلقه بأنه هو ورسله يغلبون غلبة ماديّة كما يعبر في هذا
العصر غلبة فيزيائية ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾ يخاطب اليهود ﴿ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ (12)، أمن الصحيح لكم هذا الخُلُق الذي سرتم عليه أيها اليهود بأنكم تحبون أن يكون الله سبحانه وتعالى هو الذي يؤمّن رغباتكم ، لا أنه هو الذي يهيمن عليكم ، ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ يؤكدها في آية اخرى : ﴿ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ (13)، ﴿ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّـهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (14)، آيات كثيرة تؤكد أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسلاً ، كُذِّبوا ، كُذِّب بعض وكُذِّب آخرون وقتلوا ، لا أنّ اليهود كانوا يقتلون الذين يصفونهم بالصدق من الأنبياء الصادقين الذين يؤمنون بصدقهم ، والذين يبقون على حياتهم كانوا يكذّبونهم.
إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لليهود بأنكم إن جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم أنتم تجدون أنفسكم أكبر من الله سبحانه وتعالى ، فإنكم تَرَوْن أنّ أنفسكم هي التي تفرض على الله سبحانه وتعالى أن يلبّي رغباتكم كما تشتهون ، لا أن الله سبحانه وتعالى يكون هو المهيمن عليكم كما يحب ويحكم به عدله وحكمته ، ففريقاً اكتفيتم بتكذيبهم لأنكم لم تتمكنوا من قتلهم أو لعوامل أخرى ، وفريقاً آخرين كذبتم وقتلتم.
الله سبحانه وتعالى لم يعد رسله ولا خلقه المؤمن منهم والكافر ، لم يعدهم بأنه يحمي رسله جسدياً بحيث لا تنالهم اليد الآثمة بأذى أو بقتل وهو أشد أنواع الأذى.
إذن ، فالله سبحانه وتعالى كتب ﴿ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ، يعني أنّ الله إذا يعد لا يخلف ، لأن الخلف إما أن يكون لضعف والله سبحانه وتعالى قويّ لا ضعف له ، أو لأن هناك من هو أقوى منه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فهذا الوعد متى يأتي ؟ لابدّ وأن يكون هذا الوعد هو الذي يأتي على يد مهدي هذه الأمة في آخر حياة الإنسانية ، وهو أكمل أشواط حياتها بصورة قطعية ، وتملك هذه الحياة من الزمن والمدة ما تقرّ بها عين الإنسانية ، وإلاّ لكانت الإنسانية لا تكون إلاّ كمن يأتي الله سبحانه وتعالى بأمنيته بعدما عاش مائة سنة في آخر لحظة من لحظات حياته ، هذه الامنية سوف تكون عليه حسرة ولا تكون ممن يستمتع بها.
وأيضاً قوله تعالى : ﴿ نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ (15).
( نريد أن نمن ) معنى ذلك أن هذه سيرة الله ، لا تختص بموسى وفرعون لأن الله سبحانه وتعالى يأتي ب ﴿ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾ لا : أردنا أن نمن ، كما قال عزّ مِنْ قائل : ﴿ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ (16)، أما هنا يقول : ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾ ، يعني : أن الله سبحانه وتعالى جرت سنته أن الذين واجهوا طواغيت البشرية ، لا طواغيت الأمة فحسب ، والطواغيت غلبوهم على أمرهم ، فالله سبحانه وتعالى جرت إرادته التي لا خلف فيها والتي لا يمنع منها مانع أن يأتي دور يغلب هؤلاء على طواغيت زمانهم ﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ إلى آخر الايات الكريمة.
إذن ، المسلك الأول الوعد الإلهي في القرآن الكريم ، هذا الوعد الإلهي إما أن نقول : بأن الله سبحانه وتعالى حينما وعد به أراد أن يقوّي قلوبنا وأن يملأ نفوسنا أملاً وأن يرينا في أسوء التعابير سراباً يتخيّله الضمآن ماءاً ، فالله سبحانه وتعالى أجل من هذا ، حينما وعد ، وعد وعداً قاطعاً وهو أصدق القائلين ولن يخلف الله وعده وهو أصدق من قال.
فالمسلك الأول أنّ وعد الله سبحانه في قرآنه الكريم ، هذا الوعد الذي جاء ضمن وعود مختلفة في صيغها ، متّفقة في معناها ، ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (17)، ﴿ كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ (18)، ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (19).
هذا الوعد جاء في صيغ مختلفة تختلف في التعبير وتتفق في المغزى والهدف ، هذا الوعد لا يمكن أن يتحقّق إلاّ على يد آخر حجج الله ، وهذا الآخر الذي ولد قبل ألف وحدود المائة أو يقرب من المائتين ، هذا الوعد لا بد أن يتحقق على يد هذا ، لأنه آخر الحجج ، ولن يرسل الله رسولاً ، لأن نبيه صلي الله عليه واله خاتم النبيين ، ولن يأتي بإمام يعيش عيشته الأولى في هذه الأرض ، لا العيشة بعد الرجعة لمن آمن بالرجعة ، يعيش عيشته الأولى في هذه الأرض لن يأتي به ، لماذا ؟ لأن عدد الأئمة عنده اثنا عشر إمام ، ومهدي هذه الأمة آخر الأئمة ، فهذا الوعد لا يمكن أن يكون وعداً صادقاً ، وهو مما نقطع بصدقه ، إلاّ أن يكون لمهدي هذه الأمة غيبة تفصل بين مولده وبين ظهوره وإنجاز وعد الله سبحانه وتعالى على يده ، سواء في ذلك طالت الغيبة أم قصرت ، كوعد الله سبحانه وتعالى : ﴿ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (20)، أما بعد مضي كم فترة ؟ قد تكون مليون سنة ، نحن لا ندري الفاصل بين أول نسل للانسانية وبين آخر عصور الإنسانية وبين حشرها بعد موتها وهو حشر تحشر فيه الإنسانية كلها ، كم مدّة من الزمن ؟ ألف سنة ؟ مائة ألف سنة ؟ مليون سنة ؟ لا ندري ، ولكن وعد الله صادق ( لن يخلف الله وعده ).
إذن فغيبة مهدي هذه الأمة غيبة لابدّ منها ، لأنه مهدي هذه الأمة ، ولأن وعد الله سبحانه وتعالى صادقٌ صريحٌ قاطع ، الذي أكده في آيات كريمة مختلفة وبألفاظ وتعابير مختلفة قد تختلف باللفظ وتتّفق في المغزى ، هذا الوعد لن يكون وعداً منجزاً إلاّ إذا كان لمهدي هذه الأمة غيبةٌ تفصل بين ولادته وبين ظهوره بما وعد الله سبحانه وتعالى به.
المسلك الثاني
الأئمة اثنا عشر
هذا المسلك أيضاً خاصٌ بالإمامية الاثني عشرية ، يعني من لا يقول بالإمامة الإلهية لا أقول إن هذا المسلك يلزمه ، ومن يقول بأن الأئمة لا يحصرون في عدد معين (21).
أيضاً هؤلاء أنا لا ألزمهم بهذا ، وأنا لا أتكلّم مع الذين قالوا بالإمامة وأنّ الإمامة منصب الهي على الله سبحانه وتعالى ألزم نفسه بأن يكون هو الذي يعيّن الإمام ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ لكنّ الله سبحانه وتعالى لم يلزم نفسه بعدد معيّن كعدد الاثني عشر (22)، وأيضاً أنا لا أتكلم مع الذين قالوا بأن الإمام السابع سلام الله عليه غاب ولم يمت بالسمّ في سجنه.
وإنما أتكلّم مع الذين يقولون بأن الأئمة اثنا عشر لا يزيدونهم واحداً ولا ينقصونهم ، وهم نحن أعني من آمن ، ومن أقرّ على نفسه والتزم بأنه إمامي اثنا عشري.
وهذا لا يمكنه إلاّ أن يقرّ بغيبة الثاني عشر وظهوره بعد غيبته ، والأبواق التي تنعق بما لا تعقل ـ وإن كان هذا التعبير فيه لذعة ، ولكني مع الأسف الشديد قد أجد نفسي ملجأً إلى أن أقول قولاً لاذعاً ، لأن الذين يعارضون ، لا يعارضون بما تسنّه الإنسانية من أصول وقواعد للمعارضات الفكريّة ، ينعقون كالذي ينعق بما لا يسمع كما يقول القرآن الكريم ـ فهم يأتون بأقوالٍ قالتها فرقٌ أخرى غير الشيعة وبأقوال قالها غير الاثني عشريّة من الشيعة ، فيردّون بها على الشيعة ويجعلونها مأخذاً عليهم ومطعناً فيهم ، هذا أقل ما يقال فيه أنه ليس من الإنصاف ولا من العقل في البحث ولا من حسن النيّة في النقاش الفكري ، فمن يلتزم بأنه إمامي إثنا عشري لا يسعه إلاّ أن يؤمن بأن هذا العدد قد اكتمل ، لأن الأئمة متناسلون إمامٌ من إمام ، وأن الثاني عشر هو الذي يكون إدامةً بحياته للإمامة الإلهية ومنجزاً ما وعد الله به خلقه ونبيّه ، وعن طريق نبيه وعدنا نحن أمته ـ ونفتخر بذلك ـ وعداً قاطعاً بأن يظهر دينه ، وأن يعلي كلمته ، وأن يحقّق الحكم الإلهي العادل الذي لا يميل والرحيم الرؤوف الذي لا يتجاوز الرأفة والرحمة على الخلق.
فحصر عدد الأئمة بالاثني عشر حصر يلزمه لزوماً قطعياً واضحاً صريحاً أن يكون الثاني عشر له ظهور ، وأن هذا الظهور قطعاً يكون بعد الغيبة ، لأنه لم يكن له ظهور قبل الغيبة.
المسلك الثالث
أحاديث الثقلين
كلكم سمعتم بها ، وهذه الأحاديث أيضاً متواترة.
ولا أتكلم عن قول القائل الذي قال بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي » (23)، إن صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وسنتي فهو أراد أن يلقم من قال : حسبنا كتاب الله (24)حجراً لا يقول به بعده ، ولكن مع ذلك قال ما قال ومنع الأمة من كتاب نبيها الذي يقول صلي الله عليه واله وهو أصدق قائل بعد الله سبحانه وتعالى : « لن تضلوا بعده أبداً » وإلاّ إيماننا بالإمامة والأئمة واتّباعنا للأئمة واهتداؤنا بهديهم واقتداؤنا بسنتهم من العمل بسنته صلي الله عليه واله وكتاب ربّه ، قال عزّ من قائل : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ﴾ (25)، آمنّا وصدّقنا وإن شاء الله نحن ممّن يتولّى الله ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (26)، وقال صلي الله عليه واله ثلاث أحرف بين أن يكون ثاني الثقلين أهل بيته سلام الله عليهم أجمعين ، أو تكون سنّته ، نعم لو ورد سنّته ، فهو لكي يلقم من قال : حسبنا كتاب الله ، حجراً لا يقوله ، ولكن مع الأسف الشديد قالها في أسوء الظروف وأنكاها : حسبنا كتاب الله.
فحديث الثقلين يقول : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
هذه جملة ما معناها ؟
الذي انطبعت عليه نفوسنا أننا نقول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي كل فرد من أفراد أمته بأنّ من أخذ بالكتاب العزيز عليه أن يأخذ بعدل الكتاب العزيز وهو الأئمة الذين ذكرهم وعيّنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فالأمة اختلفت ، وقد يقول قائل بأن البعض أخذ بالعترة وترك الكتاب والبعض الآخر أخذ بالكتاب وترك العترة ، لكن رسول الله لا يقول هذا ، لا يقول لا تفرّقوا بينهما فتأخذوا بأحدهما وتتركوا الآخر ، « لن يفترقا » يعني القرآن مع العترة والعترة مع القرآن ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض ، لا أنه لا تفرقوا بينهما حتّى يرد على أحدكم الموت ، يعني : لا تفرقوا بينهما حتّى يأتيكم الموت ، يقول : « لن يفترقا » ، معنى ذلك : أن من أخذ بالكتاب أخذاً كما يريده الله لا يمكن أن لا يأخذ بأهل البيت ، ومن أخذ بأهل البيت : كما أرادوه له أخذ بالكتاب كما أراد الله سبحانه وتعالى.
فالقضية ليست قضية اختيار منّا حتّى يكون الأمر الإلهي بأن نجمع بين العدلين ، لا أن نأخذ بواحدة سواء أكان الكتاب العزيز أم العترة الطاهرة ، وأن نترك الآخر سواءً أكان الكتاب العزيز ام العترة الطاهرة لا ، أنهما لن يفترقا ، وذلك كقوله صلي الله عليه واله : « علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » (27)، يعني أن عليّاً سلام الله عليه لا يمكن أن يكون في جانب ويكون الحق في الجانب الآخر ، فإن رأيتم علياً يسير سيراً خاصّاً فاعلموا أن الحقّ يسير معه.
إذن فحديث الثقلين لا مورد له إلاّ أن يكون للآخذ بالقرآن من قبل الأمة المسلمة ولو كانت بعد ألف وأربعمائة وعشرين سنة من هجرته صلي الله عليه واله ، وألف وأربعمائة وعشر سنين من رحلته صلي الله عليه واله ، فالآن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة لنا كلنا نحن الاخوة المجتمعون هنا يوصينا : « إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي الا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (28).
فنحن أيضاً القرآن الكريم ماثل أمامنا لا في طبعته الحاضرة ، وإنما بصورته الأصلية التي تمثلها طبعات القرآن الكريم إن شاء الله كاملةً غير منقوصة ولا مزادة ، فأين العترة التي نأخذهم ؟ الذين ماتوا ؟ فهم : قد انتهت أيام إمامتهم ، فلابد وأن يكون للثقل الآخر وجودٌ حي كوجود القرآن الكريم ، فعلينا نحن الأمة المسلمة أن نأخذ به كما نأخذ بالقرآن الكريم.
المسلك الرابع
فيما يرويه غير الإمامية
وهنا أستعين بما يرويه إخواننا غير الإمامية.
قلت بأن أحاديث المهدي كما هي متواترة عند الإمامية متواترة عند غيرهم ، بحيث أنهم يرون أن الإيمان بالمهدي وظهوره ايمان بما أخبر الله به خبراً قاطعاً صريحاً جاءت به الرواية أو السنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا أجدني بحاجة إلى أن أحكي نصوصهم بتواتر الحديث وأنّ من أنكره فقد أنكر أمراً ثبت ثبوتاً قاطعاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه أخبر به ، وإنما أحكي نصوصاً مختارة من نصوصهم ، هذه النصوص تدلّ على أن المهدي سلام الله عليه خليفة من نوع آخر ، لا من نوع خلفائهم الذين التزموا بصحة خلافتهم وصحة إمامتهم وأنهم خلفاء هدى وسمّوهم الخلفاء الراشدين واختصّوا بثلاثة منهم تقدّموا على مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.
أنا أحكي النصوص ثم آتي بالجهة التي أريد أن أستدلّ بها ، طبعاً المجموعة طويلة ، وأنا حذفتُ الأسانيد وحذفت المصادر المتكثرة واكتفيت بمصدر واحد أو مصدرين :
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً منّي أو من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» (29).
أيضاً بمثله : عن عبد الله بن مسعود بلفظ يقرب من هذا ، وعن علي بن أبي طالب ، وعن حذيفة بن اليمان ، وعن قرة بن أياس المزني ، وعن عبد الرحمن بن عوف.
كل هؤلاء اتّفقوا في بعض ما ورد من لفظ الحديث عندهم ، وبعضهم اكتفى بذلك اللفظ وحده ، نعم عبد الله بن مسعود جاء الحديث عنه بألفاظ مختلفة وفيها نوع من التناقض أو المجافأة أو عدم الملائمة بين الفاظها ، وهذا أيضاً أتركه إلى مجال آخر.
المهم هذه الكلمة : « حتى يبعث الله » ، معنى ذلك : أن قيام المهدي سلام الله عليه وظهوره بإرادة مباشرة من الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه وتعالى حينما يريد أن يخبر عن رسالة رسوله صلي الله عليه واله كيف يقول ؟ ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (30)إلى آخر الايات الكريمة ، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هنا يأتي بكلمة : « يبعث » كما قال الله سبحانه وتعالى عن رسالته ونفسه ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ﴾ ، وكلمة بعث جاءت للتعبير عن إرسال الرسول في آي كثيرة من آي الذكر الحكيم ، لا للدّلالة على أن المهدي سلام الله عليه رسول بعد رسول الله ، بل للدّلالة على أن العمل عملٌ مباشر قام به الله سبحانه وتعالى.
التعلیقات