ماهي دابة الأرض التي استدلو بها على الرجعه
الرجعة
منذ 11 سنة
ماهي دابة الأرض؟
الدابة تطلق في اللغة على كلِّ ما يدبُّ ويتحرك على وجه الأرض من الإنسان والحيوان وغيره ، قال تعالى : ( وَمَا مِن دابَّةٍ في الأرضِ إلاّ على اللّه رِزقُها ) (3) ، وقال تعالى : ( ولو يُؤاخِذُ اللّه النَّاسَ بِظُلمِهِم مَّا تَرَكَ عَليها مِن دَابّةٍ ) (4).
وخُصصت في بعض آي القرآن بالإنسان ، كقوله تعالى : ( إنَّ شرَّ الدّوابِّ عندَ اللّه الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لا يَعقِلُونَ ) (5) ، وفي بعض آخر بغير الإنسان ، كقوله تعالى : ( والدّوابُّ وكثيرٌ مِن النَّاسِ ) (6) ، وقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ والدّوابِّ ) (7).
وقد ذكرت الدابة التي في قوله تعالى : ( دابةٌ مِنَ الأرضِ ) بشكل
__________________
(1) الدر المنثور ، للسيوطي 6 : 380.
(2) مسند أحمد 2 : 201 دار الفكر. ونظم الدرر ، للبقاعي 5 : 451 دار الكتب العلميّة.
(3) سورة هود 11 : 6.
(4) سورة النحل 16 : 61.
(5) سورة الانفال 8 : 22.
(6) سورة الحج 22 : 18.
(7) سورة فاطر 35 : 28.
28
مجمل ، والوصف القرآني الوحيد المذكور لها بأنّها تكلّم الناس ، أما سائر أحوالها وخصوصياتها وكيفية ومكان خروجها ، فإنّها مبهمة في ظهر الغيب ولا يفصح عنها إلاّ المستقبل.
والروايات الواردة بشأن تفسير هذه الآية كثيرة ، ولا دلالة من الكتاب الكريم على شيءٍ منها ، فإن صحّ الخبر فيها عن الرسول الأكرم وآله عليهمالسلام قبلت ، وإلاّ لم يلتفت إليها ، ويمكن تلخيص مضمون هذه الروايات في نقطتين :
1 ـ إنَّ طائفة منها تدل على أنَّ هذه الدابة كائن حي غير معروف ومن غير جنس الإنسان ، ولها شكل مخيف ، فهي ذات وبر وريش ومؤلفة من كل لون ، ولها أربع قوائم ، ولها عنق مشرف يبلغ السحاب ، ويراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ، تخرج في آخر الزمان من الصفا ليلة منى ، وقيل : من جبل جياد في أيام التشريق ، لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، وتحدّث الناس عن الإيمان والكفر ، وتسم المؤمن بين عينيه ويكتب بين عينيه مؤمن ، وتسم الكافر بين عينيه ويكتب بين عينيه كافر.
2 ـ والطائفة الثانية تدل على أنّ وجهها كوجه إنسان وجسمها كجسم الطير ، وأنّها تصرخ بأعلى صوتها بلسان عربي مبين : ( إنَّ النَّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ ) وأن معها عصا موسى وخاتم سليمان ، وتميّز بهما بين المؤمنين والكافرين ، فتنكت وجه المؤمن بالخاتم فتكون في وجهه نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يضيء لها وجهه ، وتنكت أنف الكافر بالعصا فتكون في وجهه نكتة سوداء فتفشو تلك النكتة حتى يسودّ لها
29
وجهه (1).
وفي بعض الروايات ما يدل على أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام هو مصداق لهذه الآية ، فقد روي بالاسناد عن سفيان بن عيينة ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، أنّه قال : دابة الأرض عليّ عليهالسلام (2).
وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول ، وإنّي لصاحب العصا والميسم ، والدابة التي تكلم الناس » (3).
وروى الشيخ علي بن إبراهيم بالإسناد عن الإمام الصادق عليهالسلام ، أنّه قال : قال رجل لعمار بن ياسر ، يا أبا اليقظان ، آية في كتاب اللّه قد أفسدت قلبي وشككتني. قال عمار : أيّة آية هي؟ قال : ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الأرضِ تُكلّمُهُم أنَّ النَّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقنُونَ ) فأيّة دابة هذه؟
قال عمار : واللّه ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أُريكها ، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وهو يأكل تمرا وزبدا ، فقال : يا أبا اليقظان ، هلمّ ، فجلس عمار ، وأقبل يأكل معه ، فتعجّب الرجل منه ، فلمّا قام قال له الرجل : سبحان اللّه يا أبا اليقظان ، حلفت أنّك لا تأكل ولا تشرب
__________________
(1) مجمع البيان ، للطبرسي 7 : 366. وتفسير القرطبي 13 : 237. والدر المنثور 6 : 378. وروح المعاني ، للآلوسي 20 : 21. وتفسير الرازي 24 : 217. وتفسير ابن كثير 3 : 387. والآية من سورة النمل 27 : 82.
(2) ميزان الاعتدال ، للذهبي 1 : 384 دار المعرفة.
(3) الكافي 1 : 198 / 3 باب أنّ الأئمة عليهمالسلام هم أركان الأرض.
30
ولا تجلس حتى ترينيها. قال عمار : قد أريتكها ، إن كنت تعقل » (1).
وروي أيضا عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « انتهى رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وهو نائم في المسجد ، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه ، فحركه ثم قال له : قم يا دابة الأرض.
فقال رجل من أصحابه : يا رسول اللّه ، أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال : لا واللّه ، ما هو إلاّ له خاصة ، وهو الدابة التي ذكرها اللّه تعالى في كتابه : ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الأرضِ ) » (2).
وروي عن الأصبغ بن نباتة ، قال : دخلت على أمير المؤمنين عليهالسلام وهو يأكل خبزا وخلاً وزيتا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، قال اللّه عز وجل : ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الأرضِ تُكلّمُهُم ) الآية ، فما هذه الدابة؟ قال عليهالسلام : « هي دابة تأكل خبزا وخلاً وزيتا » (3).
ويقول أبو الفتوح الرازي في تفسيره : طبقا للأخبار التي جاءتنا عن طريق الأصحاب ، فإنَّ دابة الأرض كناية عن المهدي صاحب الزمان عليهالسلام (4).
ومع الأخذ بنظر الاعتبار لهذا الحديث والأحاديث المتقدمة ، يمكن
__________________
(1) تفسير القمي 2 : 131. ومجمع البيان 7 : 366.
(2) تفسير القمي 2 : 130. وتفسير البرهان ، للبحراني 4 : 228 / 8043 تحقيق مؤسسة البعثة.
(3) تأويل الآيات ، للسيد شرف الدين 1 : 404 / 109. والرجعة ، للاسترآبادي : 166 / 95 دار الاعتصام.
(4) تفسير الأمثل ، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي12 : 129 مؤسسة البعثة ـ بيروت. عن تفسير أبي الفتوح 8 : 423.
31
أن يستفاد من دابة الأرض مفهوم واسع ينطبق على أي إمام عظيم يرجع في آخر الزمان ، ويميّز الحق عن الباطل والمؤمن من الكافر ، وهو آية من آيات عظمة الخالق.
والتعبير الوارد في الروايات المتقدمة بأنّ معه عصا موسى التي ترمز إلى القوة والاعجاز ، وخاتم سليمان الذي يرمز إلى الحكومة الإلهية ، قرينة على كون الدابة إنسانا مسدّدا بالقدرة الإلهية العظيمة بحيث يكون آية للناس ، إضافة إلى ذلك فإنّ قوله تعالى : ( تُكلّمهم ) يساعد على هذا المعنى.
الحشر الخاص ، قوله تعالى : ( وَيَومَ نَحشُر من كُلِّ أُمّةٍ فَوجا ).
سبق أن بيّنا أنَّ الآية الاُولى ( أخرَجنَا لَهُم دابَّةً مِنَ الأرضِ ) تتعلق بالحوادث التي تقع قبل يوم القيامة ، وذلك باتّفاق المفسرين ، وعليه تكون آية الحشر الخاص ( ويومَ نَحشرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجا ) مكملة لها ومرتبطة بها من حيث التسلسل الزمني للأحداث فضلاً عن سياق الآيات وترتيبها ، فقد وقعت آية الحشر الخاص بين علامتين من العلامات التي تقع قبيل الساعة وهي الدابة والنفخة ( ويومَ يُنفَخُ في الصُورِ ) ممّا يدلُّ على أنّ الحشر الخاص يقع قبل القيامة وأنّه من علاماتها ، وعبّر تعالى عن الحشر العام بعد نفخة النشور بقوله : ( فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ وَمَن في الأرضِ ... وكُلٌّ أتوهُ داخِرينَ ) ، إذن فهناك حشران حشر يجمع فيه من كلِّ أمة فوجا وهو الرجعة ، وحشر يشمل الناس جميعا وهو يوم القيامة ، وبما أنّه ليس ثمة حشر بعد القيامة إجماعا فيتعين وقوع هذا الحشر بين يدي القيامة.
32
وبعبارة أُخرى أنّ ما يدلُّ على منافاة الحشر الخاص ليوم القيامة ، هو أنّ هذه الآية تدلُّ على حشر فوج من كلِّ أُمّة من أُمم البشرية ممّن كان يكذّب بآيات اللّه ، و ( من ) في قوله تعالى ( مِن كلِّ أُمّة ) تفيد التبعيض ، وهذا يعني الاستثناء ، وقد دلنا الكتاب الكريم في آيات عديدة على أنّ حشر القيامة لا يختصّ بقوم دون آخرين ، ولا بجماعة دون أُخرى ، بل يشمل الجميع دون استثناء ( ويومَ يَحشُرُهُم جميعا ) (1) ، فطالما حصل الاستثناء فإنَّ ذلك لا يتعلق بأحداث يوم القيامة الذي ينهي الحياة برمّتها على وجه الأرض ، ومن خلال ما تقدم اتضح الكلام عن دلالة الآية الثانية التي ذكرناها كعلامة بين يدي الساعة.
إذن فالآية تأكيد لحدوث الرجعة التي تعتقد بها الشيعة الإمامية في حق جماعة خاصة ممّن محضوا الكفر أو الإيمان ، وتعني عودة هذه الجماعة للحياة قبل يوم القيامة ، أما خصوصيات هذه العودة وكيفيتها وطبيعتها وما يجري فيها ، فلم يتحدث عنها القرآن الكريم ، بل جاء تفصيلها في السُنّة المباركة ، فإنّ صحت الأخبار بها توجّب قبولها والاعتقاد بها ، وإلاّ وجب طرحها (2).
استدلال الأئمة عليهمالسلام :
لقد استدل أئمة الهدى من آل البيت عليهمالسلام بهذه الآية على صحة الاعتقاد بالرجعة ، فقد روي عن أبي بصير ، أنّه قال : قال لي أبو جعفر عليهالسلام : « ينكر أهل العراق الرجعة؟ » قلتُ : نعم ، قال : « أما يقرأون القرآن ( ويومَ
__________________
(1) سورة الانعام 6 : 128.
(2) راجع نقض الوشيعة ، للسيد محسن الأمين : 473 طبعة 1951 م.
33
نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجا )؟ » (1).
وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بالاسناد عن حماد ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : « ما يقول الناس في هذه الآية ( ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجا )؟ ». قلتُ : يقولون إنّها في القيامة.
قال عليهالسلام : « ليس كما يقولون ، إنّ ذلك في الرجعة ، أيحشر اللّه في القيامة من كلِّ أُمّة فوجا ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة قوله : ( وَحَشَرناهُم فَلَم نُغادِر مِنهُم أحدا ) » (2).
( ضمن كتاب الرّجعة علي موسى الكعبي )
التعلیقات