باب الإعتقاد في الرجعة عند ابن بابويه القمي
الرجعة
منذ 11 سنةباب الإعتقاد في الرجعة
قال الشيخ رحمهالله : اعتقادنا في الرجعة أنها حق.
وقد قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم أُلوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ) (١).
كان هؤلاء سبعين ألف (٢) بيت ، وكان يقع فيهم الطاعون كل سنة ، فيخرج الأغنياء لقوّتهم ، ويبقى الفقراء لضعفهم. فيقل (٣) الطاعون في الّذين يخرجون ، ويكثر في الّذين يقيمون ، فيقولون الّذين يقيمون : لو خرجنا لم أصابنا الطاعون ، ويقول الّذين خرجوا : لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.
فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون ، فخرجوا بأجمعهم ، فنزلوا على شط بحر ، فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله : موتوا ، فماتوا جميعاً ، فكنستهم المارة عن الطريق ، فبقوا بذلك ما شاء الله.
ثم مرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرميا ، فقال : « لو شئت يا رب لأحييتهم فيعمروا بلادك ، ويلدوا عبادك ، وعبدوك مع من يعبدك ». فأوحى الله
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٤٣.
(٢) في بعض النسخ : ألف أهل البيت.
(٣) في ق ، س : يقع ، وفي م ، ر : فيدفع ، وما أثبتناه من هامش الأخيرتين.
تعالى إليه : « أفتحب أن أحييهم لك ؟ ». قال : « نعم ». فأحياهم الله وبعثهم معه.
فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلى الدنيا ، ثمّ ماتوا بآجالهم.
وقال تعالى : ( أو كالّذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للّناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحماً فلمّا تبين له قال أعلم أنّ الله على كل شيء قدير ) (١).
فهذا مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها ، ثم مات بأجله ، وهو عزير (٢).
وقال تعالى في قصة المختارين من قوم موسى لميقات ربّه : ( ثمّ بعثناكم من بعد موتكم لعلّكم تشكرون ) (٣).
وذلك أنّهم لما سمعوا كلام الله ، قالوا : لا نصدّق به (٤) حتى نرى الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا ، فقال موسى عليهالسلام : « يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم ؟ ». فأحياهم الله له فرجعوا إلى الدنيا ، فأكلوا وشربوا ، ونكحوا النساء ، وولد لهم الأولاد ، ثمّ ماتوا بآجالهم.
وقال الله عزّوجلّ لعيسى عليهالسلام : ( وإذ تخرج الموتى بإذني ) (٥).
فجميع الموتى الذين أحياهم عيسى عليهالسلام بإذن الله رجعوا إلى الدنيا
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٥٩.
(٢) في ر زيادة : وروي أنّه ارميا.
(٣) البقرة ٢ : ٥٦.
(٤) أثبتناها من م.
(٥) المائدة ٥ : ١١٠.
وبقوا فيها ، ثمّ ماتوا بآجالهم.
وأصحاب الكهف ( لبثوا في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا ) (١).
ثمّ بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم ، وقصّتهم معروفة.
فإن قال قائل : إنّ الله عزّوجلّ قال : ( وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ) (٢).
قيل له : فإنّهم كانوا موتى ، وقد قال الله تعالى : ( قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون ) (٣). وإن قالوا كذلك فإنّهم كانوا موتى. ومثل هذا كثير.
وقد صحّ أنّ الرجعة كانت في الأُمم السالفة ، وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يكون في هذه الأمة مثل ما يكون في الأُمم السالفة ، حذوا النعل بالنعل ، والقذة بالقذة » (٤).
فيجب على هذا الأصل أن تكون في هذه الأُمّة رجعة.
وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي نزل عيسى بن مريم فيصلّي خلفه ، ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته (٥) لأن الله تعالى قال : ( إني متوفّيك ورافعك إليّ ) (٦).
وقال : ( وحشرنهم فلم نغادر منهم أحداً ) (٧).
وقال تعالى : ( ويوم نحشر من كل أُمةً فوجاً مِّمَن يكذب بآيتنا ) (٨).
__________________
(١) الكهف ١٨ : ٢٥.
(٢) الكهف ١٨ : ١٨.
(٣) يس ٣٦ : ٥٢.
(٤) رواه مرسلاً المصنّف في كتاب الفقيه ١ : ١٣٠ باب فرض الصلاة ح ٦٠٩.
(٥) في م : الموت.
(٦) آل عمران ٣ : ٥٥.
(٧) الكهف ١٨ : ٤٧.
(٨) النمل ٢٧ : ٨٣.
فاليوم الذي يحشر فيه الجميع (١) غير اليوم الذي يحشر فيه فوج.
وقال تعالى : ( وأقسموا بالله جهد أيمنهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقّاً ولكن أكثر النّاس لا يعلمون ) (٢) يعني في الرجعة ، وذلك أنّه يقول تعالى (٣) : ( ليبيّن لهم الذي يختلفون فيه ) (٤) والتبيين يكون في الدنيا لا في الآخرة.
وسأُجرّد في الرجعة كتاباً أُبيّن فيه كيفيتها والدلالة على صحّة كونها إن شاء الله.
والقول بالتناسخ باطل (٥) ومن دان بالتناسخ فهو كافر ، لأنّ في التناسخ إبطال الجنّة والنار.
__________________
(١) في ق ، س : الجمع.
(٢) النحل ١٦ : ٣٨.
(٣) في ج ، وهامش ر زيادة : بعد ذلك.
(٤) النحل ١٦ : ٣٩.
(٥) العبارة في م : ونقول في التناسخ باطل.
التعلیقات