ما هي الحكمة من غياب الإمام، وكيف يتلاءم الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة
محمّد عليّ السيد يحيى الحلو
منذ 10 سنواتالحكمة من غيبة الإمام عليه السلام
الشبهة الثالثة:
ما هي الحكمة من غياب الإمام، وكيف يتلاءم الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة، خاصة وأن الاثني عشرية يجعلون وجود الإمام لطفاً للعباد، وهل يجوز غياب اللطف عن الملطوف بهم؟!
الجواب:
أن الحكمة من غيبته غائبة عنا، وانكشاف وجه الحكمة سيتم عند ظهوره، وإن كان انكشاف جزء الحكمة أو بعضها هو لحفظ نفسه الشريفة من كيد الأعداء ومطاردتهم إياه، فيجب أن يحفظ وجوده الذي تتم _ بهذا الوجود _ حكمة الله من خلقه، في تفصيل يأتي في محله.
أما واجبات الإمامة فلا تعارضها غيبته عليه السلام ، فمجرد وجوده عليه السلام هو من ضمن واجبات الإمامة كما أن معرفة الإمام _ بغض النظر عن حضوره أو غيبته _ تجعل المكلفين ضمن دائرة (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ودخول الأفراد ضمن هذه الدائرة أو خروجهم عنها يتعلق بمدى معرفتهم للإمام وعدم معرفتهم به، فإذن وجوده ومعرفة العباد له تكليف آخر يدخل ضمن تكاليف العباد.
على أن وجوده عليه السلام وجودٌ للحجة الإلهية التي لولاها لساخت الأرض بأهلها، فمجرد وجوده يُعد من أعظم الفوائد على العباد.
وكذلك الإمام يُعدُ واسطة الفيض الإلهي حاضراً كان أو غائباً، فإن فيوضات الله تعالى لا تنزل على الأرض وأهلها إلاّ بواسطة، ولا واسطة لفيوضاته تعالى إلاّ الإمام، فوجوده فائدة لنزول الفيض، كما في ليلة القدر فإنها تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم، على الإمام. ولولاه لما تم هذا التنزيل، فعلى من يتم النزول لولا الإمام؟! وإلى هذا أشار الإمام الصادق عليه السلام في زيارته لجده الإمام الحسين عليه السلام حيث ورد فيها: (... مَنْ أَرَادَ اللَّهَ بَدَأَ بِكُمْ، بِكُمْ يُبَيِّنُ اللَّهُ الْكَذِبَ وَبِكُمْ يُبَاعِدُ اللَّهُ الزَّمَانَ الْكَلِبَ وَبِكُمْ فَتَحَ اللَّهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ اللَّهُ وَبِكُمْ يَمْحُومَا يَشَاءُ وَ(بِكُمْ) يُثْبِتُ وَبِكُمْ يَفُكُّ الذُّلَّ مِنْ رِقَابِنَا وَبِكُمْ يُدْرِكُ اللَّهُ تِرَةَ كُلِّ مُؤْمِنٍ يُطْلَبُ بِهَا وَبِكُمْ تُنْبِتُ الْأَرْضُ أَشْجَارَهَا وَبِكُمْ تُخْرِجُ الْأَرْضُ ثِمَارَهَا وَبِكُمْ تُنْزِلُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا وَرِزْقَهَا وَبِكُمْ يَكْشِفُ اللَّهُ الْكَرْبَ وَبِكُمْ يُنَزِّلُ اللَّهُ الْغَيْثَ وَبِكُمْ تُسَبِّحُ الْأَرْضُ الَّتِي تَحْمِلُ أَبْدَانَكُمْ... ).(11)
وكذلك الإمام يُعدُ شاهداً على أعمال العباد كما في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(12) فقد ثبت في محله أن الله تعالى يُثيب ويعاقب على الشهادة وهو مقتضى عدله، فلا بدّ من شاهدٍ على أعمال العباد، وهذا الشاهد هو الحجة على الخلق غائباً كان أو حاضراً.
إضافةً إلى ذلك فإن وجود الإمام يبعث على طمأنة النفوس واستقرارها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند وجوده في المعركة، فهو وإن لم يشارك في قتال؛ إلاّ أن وجوده صلى الله عليه وآله وسلم طمأنة للنفوس وتقوية لعزيمة المقاتلين، كما أن شفقته عليه السلام على شيعته ورعايته لهم وحرصه عليهم يؤكده دعاؤه لهم، ودعاء الإمام مستجاب عند الله تعالى، وهذا ما نص عليه في رسالته للشيخ المفيد بقوله عليه السلام: (نحن وإن كنا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فانا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، وثبتوا العهد المأخوذ وراء ظهرهم كأنهم لا يعلمون.
إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم).(13)
وليس أدل على فائدة وجوده _ حتّى مع غيبته _ ما ورد عن الصادق عليه السلام حينما سئل عن فائدة غيبته عليه السلام فقال بما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما سئل بمثل ذلك فقال: (والذي بعثني بالنبوة انهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب).(14)
أما كون وجوده لطف فإن اللطف هذا لا يتخلف في حال غيبته، وعدم استفادة المكلفين من هذا اللطف يرجع سببه إليهم، فهم اللذين تسببوا في إبعاد اللطف عنهم، فلطف الإمام موجود على أي حال لكن ابتعاد الناس عن لطفه بسبب عدم تهيئة فرص الاستفادة من هذا اللطف, وليس الإمام سبباً في حرمان المكلفين من لطفه، كما أن معرفة الله لطف، وعدم معرفة الكافر لهذا اللطف لا ينفي اللطف عنه، وإنما الكافر فوّت على نفسه فرصة لطف معرفة الله على نفسه.
إذن لا ينافي لطف الإمامة غيبة الإمام عليه السلام.
* * *
(ضمن كتاب: محكمات السنن في الرد على شبهات أهل اليمن شبهات الزيدية حول الإمام المهدي عليه السلام )
التعلیقات