أصالة قضية المهدي في الإسلام
السيّد محمّد الشوكي
منذ 7 سنواتأصالة قضية المهدي في الإسلام
وبناء على ما تقدم فعقيدة الإمام المهدي عليه السلام ، وخروجه آخر الزمان وإقامته للدولة الكريمة ، وأنه من أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله هي مسألة أصيلة في الفكر الإسلامي ، وعقيدة عامة عند جميع المسلمين على مر العصور ، ولم يختص بها الشيعة في زمن من الأزمنة. نعم ربما تكون أكثر فاعلية في المجتمع الشيعي ، ولها رونق خاص في أوساطهم أكثر من بقية المسلمين ، وذلك أمر آخر.
فكون الشيعة يعتقدون أن المهدي عليه السلام هو أحد أئمتهم المعصومين عليهم السلام ، وأنه ولد في القرن الثالث الهجري ، ولا يزال حياً غائباً ، يعلم بهمومهم ، ويرعاهم بلطفه ، وينظر إليهم بعين عنايته ، وينتفعون بوجوده كما ينتفعون بالشمس إذا حجبها السحاب على حد تعبير الحديث الشريف .. كل ذلك جعل مسألة الإمام المهدي عليه السلام أكثر حيوية وفاعلية في المجتمع الشيعي ، مما جعلهم يرتبطون به وبقضيته أكثر من غيرهم ، لأنهم يتعاملون مع إمام حي موجود. وهذا بحد ذاته يمثل امتيازاً كبيراً للمذهب الشيعي لا يوجد عند الآخرين.
أما السنة ، فلكونهم لا يعتقدون على نحو العموم بالتفاصيل التي يعتقد بها الشيعة بالنسبة إليه ، من كونه أحد الأئمة المعصومين ، ومن ولادته وحياته كل هذه السنين ، ومن كونه يمتلك موقعاً وتاثيراً في الوجود ، كل ذلك لم يجعل قضية المهدي عليه السلام تمتلك نفس الحضور الفاعل في ساحتهم كما عند الشيعة 1.
ولكن هذا لا يعني أن هذه المسألة من مختصات الشيعة أو من مبتدعاتهم ، وإنما هي كما رأينا في الأحاديث المتقدمة مسألة إسلامية أصيلة اتفق عليها المسلمون على مختلف مشاربهم.
وقضية المصلح العالمي ليست قضية تناولتها المصادر الإسلامية فقط ، وإنما ظلت عقيدة المنقذ الذي يقوم في آخر الزمان ويقيم دولة الحق التي تسعد بها البشرية بعد شقائها ، وتزول فيها كل عوامل الخوف والظلم ، تستأثر باهتمام أبناء البشر على مر العصور ، تداولها الناس جيلاً بعد جيل ، وتناقلتها الكتب على اختلافها ، وبشّرت بها الشرائع على تنوعها.
وعندما نرجع إلى كتب العهدين نرى حضور هذه الفكرة بشكل ملموس فيها. ونشاهد فيها تفاصيل كثيرة تكاد تتطابق مع الكثير من الأحاديث الإسلامية الواردة في هذا المجال 2. وكذلك ورد ذكر المصلح الكبير الذي يظهر آخر الزمان ويخلص الناس من شقائهم في كتب الهنود والصينيين والإيرانيين القدماء وغيرهم 3.
وقد يرى بعض الباحثين أن ذلك اختلاق من الناس عندما يتعرضون لظروف إجتماعية عصيبة ، ويمرون بأزمات حادة ، حيث يحاولون الهروب من المشاكل التي تحيط بهم ، والتخفيف من ألمهم بانتظار مخلّص يخلّصهم من واقعهم المر.
والحقيقة هذا رأي غير دقيق. فصحيح أن الشعور بالمنقذ العالمي والإهتمام به يزداد عندما يتعرض الناس لهزات عنيفة ، ولمشاكل عويصة ، ولكن هذا لا يدل على خرافة هذا التصور واختلاقه. فإن ذلك أمر مغروس في النفس أولاً ، ووعدت به الرسالات السماوية المختلفة ثانياً.
فهناك طموح مغروس في فطرة الإنسان يشده نحو الكمال والسعادة. وهناك باعث فطري يدفعه نحو المزيد من التكامل والتطور المادي والمعنوي. وهذه غريزة من غرائز النوع البشري ، ولولاها لما تطور الإنسان على مر التاريخ ووصل إلى ما وصل إليه الآن ، ولظل رهين حياته البدائية الأولى.
ولم يجعل الله تبارك وتعالى غريزة في الإنسان إلا وجعل لها ما يكرسها. فلابد يوماً أن يصدق هذا الطموح ويصل الإنسان إلى كماله المنشود ، ويتحقق ما كان يأمل به على مر العصور. وهذا من المؤشرات الفطرية الواضحة على اليوم الموعود ، ودولة آخر الزمان ، وهو الذي ألهم الكثير من الأدباء والفلاسفة إلى الإيمان بقيام مجتمع انساني مثالي تنعدم فيه كل دواعي الشقاء ، وتسوده السعادة والأخاء.
فقد كتب أفلاطون ( الجمهورية ) ، وكتب الفارابي ( المدينة الفاضلة ) ، وكتب بيكون ( اتلانتا الجديدة ) ، ونلمح ذلك عند كامبانلا في كتابه ( مدينة الشمس ) الذي يتطلع فيه إلى المدينة الهادئة الهانئة ، التي لا تعرف الظلم ولا الاضطهاد ولا التفاوت الطبقي الفاحش. وأيضاً عند توماس مور في كتابه ( يوتوبيا ). وهكذا ألف سنت آغوستين ( مدينة الله ) على هذا المنوال أيضاً. وهكذا عندما نراجع كلمات الفلاسفة والمفكرين الغربيين نجد فيها لمسات واضحة عن هذا الطموح الإنساني.
يقول برتراند راسل : « إنّ العالم بانتظار مصلح يوحّد العالم تحت علم واحد ، وشعار واحد » 4.
ويقول ألبرت انشتاين : « إنّ اليوم الذي سيسود العالم كله الصفاء والصلح ويكون الناس متحابين ليس ببعيد » 5.
وغير ذلك من كلمات العلماء والفلاسفة والأدباء التي لا مجال لاستقصاءها هنا ، وهي تنبئك بوضوح عن تلك الرؤية وذلك الأمل والطموح الإنساني الذي يحمله جميع الناس على اختلاف طبقاتهم. بل إن هذا الشعور الفطري دفع حتى أشد المنكرين للغيب والغيبيات بوجود يوم موعود تتحقق فيه سعادة الإنسان ، كما نقرأ ذلك في الفكر الماركسي الإلحادي الذي آمن بالشيوعية كمرحلة أخيرة للتاريخ حيث سيسود الأمن والرفاه والسعادة.
الهوامش
1. مما تجدر الإشارة إليه أن كثيراً من علماء السنة ومحدثيهم اتفقوا مع الشيعة في ولادة الإمام المهدي عليه السلام سنة 255 للهجرة ، وأنه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام وصرحوا بذلك في كتبهم. وقد جمع شيخ نجم الدين جعفر بن محمد العسكري في كتابه ( المهدي الموعود المنتظر ) أسماء أربعين عالماً سنياً اعترف بولادة الإمام المهدي عليه السلام. وزاد عليه الشيخ لطف الله الصافي ستة وعشرين عالماً آخر ، فبلغ مجموعهم ستة وستين عالماً. منهم على سبيل المثال : محمد بن طلحة الشافعي المتوفى سنة (652) وسبط ابن الجوزي المتوفى سنة (654) ، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفى سنة (658) ، وابن خلكان المتوفى سنة (618) ، ومحيي الدين بن عربي المتوفى سنة (638) ، وابن حجر المتوفى سنة (974) ، وسليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي المتوفى سنة (127) ، وغيرهم من العلماء السنة الذين وافقوا الشيعة الأثني عشرية على ولادة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
2. جمعها السيد أسد الله الهاشمي في كتابه باللغة الفارسية : ظهور حضرت مهدي أز ديدكاه اسلام ومذاهب وملل جهان.
3. يراجع نفس المصدر.
4. أحمد حسين يعقوب : حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر : 74.
5. ن. م.
مقتبس من كتاب : [ آخر الدول ] / الصفحة : 69 ـ 73
التعلیقات