أضواء على علامات الظهور
السيد ضياء الخباز
منذ 7 سنواتأضواء على علامات الظهور
وهنا مباحث متعدّدة :
المبحث الأوّل : أقسام علامات الظهور.
يُمكن تقسيم علامات الظهور المبارك ـ كما هو المشهور إلى قسمين :
القسم الأوّل : العلامات المحتومة.
القسم الثاني : العلامات غير المحتومة ، أو الموقوفة كما في بعض الروايات (1).
والفرق بينهما :
أنّ العلامات المحتومة هي العلامات ضروريّة الوقوع ، ومن خلالها يمكن التمييز بأن يوم الظهور قد حان أو لا.
وأمّا العلامات غير المحتومة ، فهي العلامات التي تتساوى فيها نسبة التحقّق وعدمه ، أي : قد تتحقّق وقد لا تتحقّق ، لاحتمال جريان البداء فيها ، كما سيتّضح.
وبعبارة اُخرى : إنّ الفرق بين هذين القسمين هو الفرق بين الوجوب والإمكان ، ففي القسم الأوّل يكون ثبوت المحمول لموضوعه ضروريّاً لزوميّاً يمتنع سلبه عنه ، وفي الثاني يجوز السلب والإيجاب من غير ضرورة لتحقّق أحدهما ، فتبقى النسبة متساوية بينهما.
ولا يخفى أن مُستند التقسيم هو الروايات الكثيرة التي ذكرت هذين القسمين من العلامات ، وأشارت إلى ما هو المحتوم منها ـ كما سيأتي ـ وإلى غير المحتوم ، ولم تشر إلى قسم ثالث ، وهو مقتضى الحصر العقليّ أيضاً ؛ إذ العلامات ـ بما هي علامات ـ إمّا ضروريّة الوجود والتحقّق ، وإمّا ممكنة ، ولا ثالث ، إذ لا معنى لضروريّة عدمها بعد افتراضها علامة ، وإذا كان الأمر كذلك فما كانت ضروريّة الوقوع من العلامات فهي الحتميّة ، وما كانت ممكنة الوقوع فهي غير الحتميّة.
المبحث الثاني : العلامات المحتومة.
وفيه مطلبان :
المطلب الأوّل : نكتة منهجيّة مهمّة في التحقيق.
يلزم التنبية على نكتة منهجية تأسيسيّة دقيقة ، تنفع في مقام التحقيق والتنقيح المرتبط بفقه علامات الظهور.
وحاصلها : أنّنا أغفلنا دراسة العلامات الموقوفة ، لاُمور منهجيّة ينبغي الإشارة إليها وذكرها ، لما لها من مدخليّة في تحقيق البحوث المرتبطة بعلامات الظهور ووفقهها ، ويمكن بيانها في نقطتين :
الاُولى : إنّه بناءً على ما تقدّم من الفرق بين القسمين من العلامات ، فإنّه لا يصحّ للإنسان أن يركز معرفته على العلامات الموقوفة ، لأنّها ممكنة التحقّق ، وليس ينبغي أن يعلّق معرفته على أمر ممكن التحقّق ، ويحصرها فيه ، وإن كان الإلمام به مطلوباً ومفيداً في حدّ ذاته ، لأنّه يوسّع آفاق المعرفة ويعمّق ثقافة فقه الظهور.
الثانية : أنّ بحثنا بحثٌ معرفي تأسيسيّ ، ويترتّب عليه لزوم الاستدلال بما ثبت بالأدلّة اليقينيّة أو المتاخمة لليقين والموجبة للإطمئنان في مقام التأسيس ، وهذا الشرط ـ أعني يقينيّة الأدلّة ـ ليس متوفّراً في جلّ العلامات الموقوفة ، فكثير منها أخبار آحاد ومعظمها ضعيف السند ، بعكس العلامات المحتومة التي تثبت بالأدلّة اليقينيّة والطرق المعتبرة كما سترى.
المطلب الثاني : العرض الإجماليّ للعلامات الحتميّة .
المشهور أنّ العلامات المحتومة خمس ، ولكنّ الصحيح أنّها ستّ ، وقد عرضت لها الروايات المعتبرة وبيّنتها ، إلّا أن خمساً منها مذكورة في سياق واحد ، والسادسة منفصلةٌ عنها .
ويمكن تقسيمها إلى قسمين :
القسم الأوّل : العلامات الأرضيّة .
القسم الثاني : العلامات السماويّة .
والأوّل أربعُ علامات :
خروج السفيانيّ من الشام ، واليمانيّ من اليمن ، وقتل نفس الزكيّة ، والخسف بالبيداء.
والثاني علامتان : الصيحة ، وطلوع الشمس من المغرب.
وقد دلّت عليها روايات معتبرة ، فمنها :
صحيحة عن عمر بن حنظلة ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : خَمْسُ عَلَاماتٍ قَبْلَ قِيامِ الْقائِمِ : الصَّيْحَةُ ، وَالسُّفْيانِيُّ ، وَالْخَسْفُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ ، وَالْيَمانِيُّ » (2).
ومعتبرة أبي حمزة الثمالي ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول : خروج السفيانيّ من المحتوم وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم ، وأشياء كان يقولها من المحتوم » (3).
وهاتان الروايتان ـ كما ترى ـ نصٌّ في المطلوب.
المبحث الثالث : بيان خصوصيّات هذه العلامات.
العلامة الاُولى : السّفيانيّ
وقد ركّزت الروايات الشريفة على شخصيّة السفيانيّ وما يرتبط به ، ونحن نشير إلى ذلك إجمالاً تبعاً للروايات :
الخصوصيّة الاُولى : اسمه ونسبه وصفاته.
وقد شخّصت الروايات الشريفة سمات السفيانيّ تشخيصاً دقيقاً حتّى لا يلتبس أمره على الناس ، فبيّنت صفاته الجسميّة وما يرتبط بمكانه واسمه وغير ذلك ، فمنها :
الرواية الاُولى : عن عمر بن اُذينة ، قال : « قال أبو عبد الله عليه السلام : قال أبي عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة ، وحش الوجه ، ضخم الهامة بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور ، اسمه عثمان وأبوه عنبسة ، وهو من ولد أبي سفيان حتّى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها » (4).
لقد تحدّثت الروايات الشريفة عن خمس خصوصيات للصيحة، نشير إليها:
الخصوصية الأولى: حقيقة الصيحة
ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان، قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسمعت رجلا من همدان يقول له: إنّ هؤلاء العامة يعيّرونا، ويقولون لنا: إنكم تزعمون أنّ مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئاً فغضب وجلس، ثم قال: لا ترووه عنّي، وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي عليه السلام يقول: والله إنّ ذلك في كتاب الله عز وجل لبيّن حيث يقول: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعينَ)، فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إنّ الحق في علي بن أبي طالب عليه السلام وشيعته)
وفي (صحيح أبي حمزة الثمالي) أنه سأل الإمام الباقر عليه السلام قال: (فقلت له: كيف يكون ذلك النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إنّ الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إنّ الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون).
وفي الخبر عن الإمام الباقر عليه السلام: (وعلامة ذلك أنه ينادى باسم القائم واسم أبيه حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرّض أباها وأخاها على الخروج).
وغير ذلك من الروايات، التي يُستفاد منها أنّ الصيحة تتم بذكر القائم عليه السلام والتصريح بأنّ الحق مع علي عليه السلام وشيعته.
الخصوصية الثانية: شخص الصائح
المُستفاد من خبر أبي بصير رحمه الله أنّ المنادي السماوي هو جبرئيل عليه السلام، فقد روى عن الإمام الباقر عليه السلام : (الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان، لأنّ شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي منادٍ من السماء باسم القائم عليه السلام فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعا من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين عليه السلام).
الخصوصية الثالثة: وقت الصيحة
وُيستفاد من صحيحة الحارث بن المغيرة أنه في ليلة القدر المباركة في شهر رمضان المبارك، فعنه عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: (الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان).
الخصوصية الرابعة: لسان الصيحة ولغتها
ففي صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: (ينادي مناد باسم القائم عليه السلام، قلت: خاص أو عام ؟ قال: عام يسمع كل قوم بلسانهم، قلت : فمن يخالف القائم عليه السلام وقد نودي باسمه؟ قال: لا يدعهم إبليس حتى ينادي في آخر الليل ويشكك الناس).
وهذه الرواية نصٌ في أنّ الصيحة عامةٌ لكل ناس، فيسمعها كل قوم بلسانهم، ولكن جرت السنّة الإلهية على تمحيص الخلق وغربلتهم حتى يصفو وينجو منهم الخلّص، فيكون نداء آخر لإبليس ليلبس به على الناس، ولكن المؤمنين على بصيرة من أمرهم، ويعلمون من أئمتهم أنّ الحق مع النداء الأوّل فيتّبعونه.
الخصوصية الخامسة: الاختبار بالصيحة
فقد تقدّم في الأخبار السابقة وجود نداءين، النداء الأول سماوي ينادى فيه باسم القائم وأنّ الحق مع علي وشيعته، والثاني أرضي إبليسي، وقد أمرنا باتّباع الأول للنجاة من هذه الفتنة، والظفر في هذا الاختبار.
ولا بأس بالتنبيه على أنّ ما ذُكر من فرق بين عنواني النداء والصيحة الواردين في الروايات الشريفة محلّ نظر؛ إذ الظّاهر من الروايات الشريفة أنهما علامة واحدة.
الهوامش
1. إشارة إلى ما رواه النعماني في الغيبة : 313 بسنده عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ من الاُمور اُموراً موقوفة واُموراً محتومة ، وإنّ السفياني من المحتوم الذي لا بدّ منه ».
2. كمال الدين وتمام النعمة : 650. الكافي : 8 : 310. بطريق آخر إلى عمر بن حنظلة ، وهو صحيح.
3. الغيبة للطوسي : 435.
مقتبس من كتاب : [ المهدوية الخاتمة فوق زيف الدعاوى وتضليل الأدعياء ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 117 ـ
التعلیقات