الوعد الإلهي في القرآن الكريم
السيّد محمّد الشوكي
منذ 7 سنواتالوعد الإلهي في القرآن الكريم
أشارت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة إلى المستقبل وطبيعته ودور المؤمنين فيه. وجاءت الروايات الكثيرة لتفسر لنا آيات متعددة في ظهور وقيام المهدي المنتظر عليه السلام آخر الزمان. وقد ملئت بطون الكتب والتفاسير بتلك النصوص ، حتى ألفت مصنفات خاصة.
ونحن سوف نذكر ثلاث آيات فقط تدل دلالة واضحة على الدولة المهدوية المباركة :
1. قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) 1. وقد وردت هذه الآية الكريمة بتمامها في سورة الصف ، ووردت في سورة الفتح بتفاوت يسير.
هذا الوعد الإلهي بإظهار الإسلام على الدين كله وانتصاره على كل الكافرين في الأرض لم يتحقق لا في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله ولا في غيره. إذ ظلت كثير من الأديان قائمة إلى يومنا هذا ، ولم يسيطر الاسلام على كل الأرض. فلابد أن يأتي يوم يظهر فيه الإسلام على جميع الأديان ، ويسيطر على كل أرجاء المعمورة ، وقد نطقت الروايات بذلك عندما حددت ذلك اليوم بيوم ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
وأما ما قد يقال في تفسير الآية الكريمة : من أن المراد بظهور الإسلام ظهوره بالحجة والمنطق ، وأن الآية الكريمة تتحدث عن خصوصية في ذات الإسلام ، وهي كونه ظاهراً بحجته ومنطقه ، فغير تام. لأن ذلك خلاف ظاهر الآية الكريمة ، إذ أنها ظاهرة بالغلبة المطلقة. بالإضافة إلى أن القرآن الكريم استخدم هذه كلمة ( الظهور ) في الغلبة المادية ، والإقتدار الظاهري كثيراً 2. مع أنه لو كان المراد من الظهور الظهور الفكري والعقائدي لما كان هناك حاجة للوعد به في الآية الكريمة ، لأنه حاصل منذ بداية الدعوة الإسلامية المباركة. فمذ قام الإسلام قام قوي المنطق ، ظاهر الحجة. والوعد ـ كما نعرف ـ يتضمن أمراً مستقبلياً ليس حاصلاً 3. فالآية ظاهرة في الغلبة المطلقة وهذا لا يكون إلا في ظل دولة عالمية عادلة.
وعندما نرجع إلى التفسير الروائي لهذه الآية الكريمة نرى أنها تتحدث عن ذلك بوضوح. ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال :
« والله ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي عليه السلام ، فإذا خرج لم يبق مشرك إلا كره خروجه ، ولا يبقى كافر إلا قتل. حتى ولو كان كافر في بطن صخرة لقالت : يا مؤمن في بطني كافر ، فاكسرني واقتله » 4.
وهكذا روي مثل ذلك في تفسيرها عن الإمام علي عليه السلام 5 ، وأبي جعفر عليه السلام 6.
وروى أهل السنةروايات في تفسيرها تدل على تحقق ذلك في زمان السيد المسيح عليه السلام 7. ولا تنافي في الأمر فإن نزوله سوف يصادف ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
2 ـ قوله تعالى : ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) 8.
فالآية تتحدث عن وعد إلهي للذين آمنوا وعملوا الصالحات بثلاثة أشياء لا تتحقق إلا في ظل دولة عالمية عادلة وهي :
أ ـ استخلافهم في الأرض.
ب ـ تمكين دينهم حتى يكون هو السائد والحاكم في الأرض.
ج ـ انعدام كل عوامل الخوف والإضطراب.
والظاهر أن الوعد الإلهي لم يتحقق بعد ، لأن الظاهر من لفظة الأرض هو تمام الأرض ، كما وردت كذلك في آيات أخرى من قبيل قوله تعالى : ( وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ). إلا إذا صرفتها قرينة ما لأرض بخصوصها ، وهي مفقودة هنا.
ولم يتحقق فيما سبق خلافة للمؤمنين على كل الأرض فلابد أن يكون هذا الوعد وعداً مستقبلياً لم يقع. وأما حملها على خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله فتحكّم ليس عليه دليل. « فالحق أن الآية إن أعطيت حق معناها لم تنطبق إلا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور الإمام المهدي عليه السلام » 9.
وهذا ما أباح به التفسير المأثور الوارد عن أهل البيت عليهم السلام. قال الشيخ الطبرسي رحمه الله : « والمروي عن أهل البيت عليهم السلام أنها في المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله » 10.
وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قرأ هذه الآية الكريمة : ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... ) فقال : « هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمّة ... » 11.
ومن طريق العامة أيضاً أخرج العلامة النيسابوري في تفسيره ، عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) قال مفسراً للغيب : المهدي المنتظر الذي وعد الله به في القرآن بقوله : ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .ِ.. ) 12.
3 ـ قوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) 13.
وهذا وعد إلهي آخر كتبه الله عزَّ وجلَّ وقضاه في كتب السالفين منذ القدم بأن يرث العباد الصالحون الأرض وما عليها. فالأرض ظلت لفترات طويلة محكومة من قبل الظالمين والمستبدين إلا في بعض الفترات التي شهد فيها الناس حكومة الصالحين ، وهي فترات قليلة جداً وقصيرة بالنسبة إلى حكم الظالمين. فأغلب أيام الأرض كانت في ظل حكومة الطغاة. وكان المؤمنون والصالحون قلة مستضعفة ، يسومهم المستكبرون سوء العذاب ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، ويجرعونهم الأمرّين.
ولكن الأمر سوف لن يستمر طويلاً على هذا النحو ، حيث كتب الله عزَّ وجلَّ في الزبور من بعد الذكر ـ والظاهر أن الزبور هو كتاب داود عليه السلام والذكر هو كتاب موسى عليه السلام ـ أن الصالحين المستضعفين سوف يحكمون الأرض في نهاية المطاف ، وينهون عصوراً متمادية من حكومة الظالمين واستبدادهم. والظاهر من الأرض أيضاً هي كل المعمورة ، وكذلك الظاهر منها هي أرض الحياة الدنيا ، لا أرض الآخرة 14.
وقد جاءت الروايات الشريفة لتفسر هذه الآية الكريمة بدولة الإمام المهدي عليه السلام. قال أبو جعفر عليه السلام : « هم آل محمد صلوات الله عليهم » 15.
وعنه أيضاً عليه السلام : « هم أصحاب المهدي آخر الزمان » 16.
نكتفي بهذه الآيات التي تدل دلالة واضحة على الوعد الإلهي بقيام دولة عالمية إسلامية ووراثة الصالحين للأرض في آخر الزمان ، وقد فسرت بالإمام المهدي عليه السلام في الروايات الشريفة. ومن أراد المزيد فليراجع كتب الحديث والتفسير ، وبعض الكتاب التي اختصت بذكر الآيات النازلة في الإمام المهدي عليه السلام ، مثل كتاب : ( المحجة فيما نزل في القائم الحجة ) للسيد هاشم البحراني وغيره.
الهوامش
1. سورة التوبة : 33.
2. تفسير الأمثل ، ناصر مكارم الشيرازي : 6 / 16.
3. التفسير الكبير ، الفخر الرازي : 6 / 33.
4. ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 3 / 239. وكمال الدين ، الشيخ الصدوق : 607.
5. المحجة ، السيد هاشم البحراني : 86.
6. مجمع البيان ، الطبرسي : 5 / 45.
7. الدر المنثور : السيوطي : 3 / 417.
8. سورة النور : 55.
9. تفسير الميزان ، الطباطبائي : 15 / 156.
10. مجمع البيان ، الطبرسي : 7 / 267.
11. تفسير العياشي ، العياشي : 3 / 135.
12. تفسير النيسابوري ، بهامش تفسير الطبري : 1 / 5.
13. سورة الأنبياء : 105.
14. يوجد رأي يرى أنها أرض الآخرة ، وأن الصالحين يرثون الأرض في الآخرة ، استنادا إلى قوله تعالى : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) الزمر : 74. ولكن الظاهر من لفظ الأرض عند إطلاقه هذه الأرض المعهودة ، إلا أن تدل قرينة أخرى على خلاف ذلك ، ولا قرينة هنا كما في الآية الرابعة والسبعين من الزمر.
15. بحار الأنوار ، المجلسي : 24 / 359.
16. تأويل الآيات الظاهرة : 327.
مقتبس من كتاب : [ آخر الدول ] / الصفحة : 48 ـ 53
التعلیقات