الإمام المهدي المنتظر عليه السلام اصطفاء السماء
د. علي التميمي
منذ 7 سنواتالإمام المهدي المنتظر عليه السلام اصطفاء السماء
( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤ ).
من المعارف الكبرى في تاريخ البشرية هي قضية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام التي أصبحت هديا للنفوس المطمئنة والعقول المؤمنة بثقافة القران القائمة على المضامين التالية : الاصطفاء ، الاجتباء ، الذرية الصالحة ، العصمة ، الإمامة ، الشفاعة ، التقية ، الغيب ، الناسخ والمنسوخ ، والمعارف الكبرى عبر تاريخ البشرية الطويل واجهت اعتراضات لم ترقَ إلى سلّم الفهم المعزز بالعلم والمسبوق بالحلم ، باعتبار أنّ الحلم هو الإطار الجامع للعلم المصحوب بالفهم إذ لا علم بدون فهم ، لأنّ العلم هو الانتقال من المجهول إلى المعلوم ، أو هو انتقاش صورة الشيء في الذهن بشرط سلامة الذهن من عوامل التشوش ، وهي كثيرة أدّت في القديم إلى تساقط من لم يمتلك مقومات الفهم ، ونظرية ( جو هاري ) التي قسّمت الرؤى المستقبلية التي تحيط بالإنسان إلى أربعة هي : المنفتحة ، والعمياء ، والمجهولة ، والمعلومة ، ولذلك قال الفلاسفة عن الإنسان المحدود عقليا : ( قف عند حدّك أيها المحدود ). وقال القران الكريم ( بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ ) وهو استباق علمي لظهور علم النفس التحليلي الوضعي.
وفي موقع ( كتابات ) كما في غيره تواجه المعارف الكبرى من يطفو على سطح الكتابة دون محصلة علمية يعتدّ بها ودون مستوى فكري قابل للحوار ، فالذين يحلو لهم نكران قضية الإمام المهدي المنتظر يمكن معرفة محدوديتهم وسطحيتهم من خلال حديثهم على قاعدة ( تكلموا تعرفوا )
فالذي يدافع عن إفراط بعض الشباب وفوضى سلوكهم بدعوى الحرية هو كمن يدافع عن المثلية كما قام أوباما الرئيس الأمريكي بتقديم الهدايا للزواج المثلي ، وكما شرّعت بعض الدول الأوربية زواج المثلية ، وكمن يدافع عن الإيمو ، والبريكية ، وكلها مظاهر لتراجع العقل ومرض النفس ، وهذه المظاهر تعيق التنمية البشرية ، والتنمية البشرية هي هدف السماء وخيار العلوم النافعة والتي خططت لها بعض الدول فنالت شيئاً من النجاح وأخفقت في أشياء أخرى ، وهذا الإخفاق هو الذي ينتظر التصحيح عقلاً ، والتصحيح للمسيرة البشرية مرهون بقيادة مختارة ومصطفاة ، والاختيار والاصطفاء بيد السماء صاحبة النعمة وواهبة الحياة وصانعة الموت كأجل مخطط ومبرمج لا لبس فيه ، والاعتراض والالتباس دائماً يأتي من العقول المحدودة ، والحقيقة المطلقة في الكون والحياة هو ( الله ) ، ومع ذلك وجدنا من لا يؤمن بالله ، فإذا كان الاعتراض ونكران الله قد حصل من البعض ، فمن الطبيعي جداً أنْ نجد الاعتراض والنكران لقادة المسيرة البشرية من الأنبياء والأئمة عليهم السلام وهم النعمة الكبرى في المفهوم الإيماني ، وليس كما ذهب البعض عندما سئل عن معنى النعيم في الآية (لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) فقال الطعام والشراب ؟ فقال له الإمام الصادق عليه السلام : إذن سيطول مقامك بين يدي الله عندما تعدد كل الطعام والشراب ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ) فقال الرجل : وما هو النعيم يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ قال عليه السلام : نحن النعيم ، أي أهل البيت عليهم السلام لانّهم نعمة العقل والفهم والعلم والإدراك ، ولا يوجد نعيم اكبر من ذلك لدوامه ، أمّا نعمة الطعام والشراب فهي نعم متغيرة وغير دائمة.
وعندما حضر علي بن موسى الرضا عليه السلام مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ، فقال المأمون : اخبروني عن معنى الآية : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ( فاطر : ٣٢ ) ، فقالت العلماء : أراد الله الأُمّة كلها.
فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟.
فقال الرضا عليه السلام : لا أقول كما قالوا ولكن أقول : أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة عليهم السلام.
وقال المأمون : وكيف عني العترة دون الأُمّة ؟.
فقال الرضا عليه السلام : لو أراد الأُمّة لكانت بأجمعها في الجنة لقول الله ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ( فاطر : ٣٢ ) ، ثم جعل العترة الطاهرة كلها في الجنة فقال عز وجل : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) ( فاطر : ٣٣ ) ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم ، ثم قال الرضا عليه السلام : هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ( الأحزاب : ٣٣ ) وهم الذين قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، انظروا كيف تخلفوني فيهما ، يا أيّها الناس لا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم ).
قالت العلماء : يا أبا الحسن اخبرنا عن العترة هم الآل أو غير الآل ؟.
قال الرضا عليه السلام : هم الآل.
فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنّه قال : ( أُمّتي آلي ) وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه : ( آل محمد صلّى الله عليه وآله أُمّته ).
فقال الرضا عليه السلام : اخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد صلّى الله عليه وآله ؟
قالوا : نعم ، قال عليه السلام : فتحرم على الأُمّة ؟ قالوا : لا.
قال عليه السلام : هذا فرق بين الآل وبين الأُمّة ، ويحكم أين يذهب بكم أصرفتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون ؟ أما علمتم أنْ وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم ؟.
قالوا : من أين قلت يا أبا الحسن ؟.
قال عليه السلام : من قوله : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) ( الحديد : ٢٦ ) ، فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين .
فقال المأمون : فهل فضّل الله العترة على سائر الناس ؟.
فقال الرضا عليه السلام : إنّ الله العزيز الجبّار فضّل العترة على سائر الناس في محكم كتابه.
فقال المأمون : أين ذلك من كتاب الله ؟.
قال الرضا عليه السلام : في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤ ) ، وقال في موضع آخر : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) ( النساء : ٥٤ ) ، ثم ردّ المخاطبة في إثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) ( النساء : ٥٩ ) ، والملك في الآية : (٥٤) يعني الطاعة وهي للمصطفين الطاهرين.
قالت العلماء : فهل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب ؟
فقال الرضا عليه السلام : فسّر الاصطفاء في الظاهر ليس سوى الباطن في اثني عشر موضعاً.
فهذه هي الفروق بين الآل والأُمّة ، والمهدي المنتظر عليه السلام هو من الآل بلا جدال ، ومنكره منكر لكبرى قضايا الإيمان ، ومن يساوي بينه وبين المدعو ( أبو بكر البغدادي ) مثلاً ألا آثم قلبه ومسفه رأيه بيده كما فعل عندما انتصر للمثلية والبريكية والإيمو ، ودفعه الفراغ الفكري لاستنكار ذبح الذبائح معتبرا إيّاها عنفاً ، ناسياً العنف الذي تمارسه عصابات التكفير الإرهابي ، ان التحضر لا يأخذ طريقه للناس إلا من خلال عقول سليمة تعرف فلسفة الكون والحياة وتعرف القيادة المصطفاة من قبل السماء ، لا الكتابة بدون علم ، والتعليقات بدون فهم.
ويظل الذين يختبئون وراء رموز وطلاسم كالخفافيش التي تخاف من ضوء الصباح وهو الحقيقة.
وضوء الحقيقة قادم بإذن الله ، وصدق من قال :
لكل داء دواء يستطبُّ به إلّا الحماقة أعيتْ من يداويها.
وتبقى هذه الكتابات كرعاف الدم المنزوف تعبيراً عن مرض أصحابها ، فهي زبد يذهب جفاء وطحالب وأشنات لا تقتات عليها إلّا الطفيليات ، وضعف الطالب والمطلوب.
المصدر : صحيفة [ صدى المهدي عجّل الله تعالى فرجه ] / العدد : 73
التعلیقات