أوجهُ التشابُهِ بين الإمامِ المهديِّ وجدّتِه فاطمةَ الزهراءِ عليهما السلام
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 ساعاتإنّ الحديث عن أهل البيت عليهم السلام هو حديثٌ عن أصالة النسب ورفعة المقام، وعن القداسة والطهر الذي لا يشوبه نقص. ومن بين هذه الأسماء اللامعة، يبرز اسم الإمام المهدي عليه السلام وفاطمة الزهراء سلام الله عليها. تدور كثير من التساؤلات حول أوجه التشابه بين هذين الشخصين العظيمين، وكيف أن الحياة الروحية والفكرية والعاطفية لهما تتلاقى في العديد من النقاط الجوهرية. إنَّ الإمام المهدي عليه السلام يحمل من صفات وخصوصيات جدته فاطمة الزهراء عليها السلام ما يميّزه عن سائر الأئمة عليهم السلام . فهل هناك تشابه حقيقي بين سيرة الإمام المهدي وفاطمة الزهراء عليهما السلام؟ وما هي أوجه هذا التشابه؟
ومن المهم أن ندري إنّ التشابه بين معصومين منتجبين من جانب الله تعالى ليس صدفة بل له علاقة بإرتباطهما معا ومع الله الخالق البارئ لهما. ومن هنا تبرز لنا أهمية معرفة أوجه التشابه بينهما.
العلاقة بينهما غير قابل للإنكار
إنّ العلاقة بين الإمام المهدي والزهراء عليهما السلام من الأمور التي لايمكن لأحد إنكارها. وتكفي في بيان هذه العلاقة، قول الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: « وَفِي ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص لِي أُسْوَةٌ حَسَنَة » (1).
هل يمكن أن يكون المقصود من التوقيع الشريف بمعنى أي نوع من الشبه بالسيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها؟ قد قيل إن الأسوة يمكن أن تعني أي نوع من الشبه. وهناك بعض الروايات التي تؤيد هذا المعنى.
الأول: في قضية التهمة التي اتهموا بها الإمام الرضا عليه السلام حول ولده، قال الإمام: « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِيَّ وَ فِي ابْنِي مُحَمَّدٍ أُسْوَةً بِرَسُولِ اللَّهِ وَ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ » (2).
يعني أنه كما اتهموا النبي صلى الله عليه وآله بأن إبراهيم ليس ابنه، فقد اتهموا الإمام الرضا عليه السلام أيضاً بأن ابنه هو لغيره. وقد اتضح بفضل إعجاز الله كذب هذه الاتهامات.
الثاني: يأتي محمد بن مسلم إلى الإمام الصادق عليه السلام ويشكوا الابتعاد عنه عليه السلام وغربته. فيقول له الإمام عليه السلام: « وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ بُعْدِ الشُّقَّةِ فَلَكَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أُسْوَةٌ بِأَرْضٍ نَائِيَةٍ عَنَّا بِالْفُرَات » (3). يعني أن هناك شبهًا صغيرًا لك في الغربة، ولكي يكون هذا الحزن أيسر، فكر في مصيبته.
شبه الإمام المهدي عجل الله فرجه بفاطمة الزهراء عليهما السلام
مع أخذ هذه المقدمة في الاعتبار ، نتحدث عن أنواع الشبه بينهما:
الأول: نور السماء والأرض
جميع الأئمة عليهم السلام أنوار حسب الروايات. فقد جاء في الحديث القدسي: « یَا مُحَمَّدُ إِنِّی خَلَقْتُ عَلِیّاً وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَیْنَ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ وَالْأَئِمَّةَ مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ ثُمَّ عَرَضْتُ وَلَایَتَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَمَنْ قَبِلَهَا كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ وَمَنْ جَحَدَهَا كانَ مِنَ الْكافِرِین » (4). لكن يوجد روايات خاصة حول فاطمة الزهراء والإمام المهدي عليهما الاسلام.
الف) فاطمة الزهراء سلام الله عليها نور السماء
جاء في رواية طويلة: « ثُمَّ أَظْلَمَتِ الْمَشَارِقُ وَالْمَغَارِبُ فَشَكَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ تِلْكَ الظُّلْمَةَ فَتَكَلَّمَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ كَلِمَةً فَخَلَقَ مِنْهَا رُوحاً ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فَخَلَقَ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ نُوراً فَأَضَافَ النُّورَ إِلَى تِلْكَ الرُّوحِ وَأَقَامَهَا مَقَامَ الْعَرْشِ فَزَهَرَتِ الْمَشَارِقُ وَالْمَغَارِبُ فَهِيَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الزَّهْرَاءَ لِأَنَّ نُورَهَا زَهَرَتْ بِهِ السَّمَاوَات » (5).
ب) صاحب الزمان نور الأرض
قد وصّف زمن الظهور في رواية: « إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَاسْتَغْنَى الْعِبَادُ عَنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَذَهَبَتِ الظُّلْمَةُ » (6).
الثاني: الكلام في رحم الأمّ
قال الإمام الصادق عليه السلام حول كلام فاطمة الزهراء سلام الله عليها مع والدتها: « إن خديجة عليها السلام لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها، ولا يسلمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة عليها السلام لذلك، وكان جزعا وغمها حذرا عليه صلى الله عليه وآله. فلما حملت بفاطمة كانت عليها السلام تحدثها من بطنها وتصبرها » (7).
وفي ليلة ولادة الإمام المهدي عليه السلام، كانت السيدة حكيمة عند السيدة نرجس والدة الإمام المهدي عليه السلام، ووفقًا لتوجيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام كانت تتلو سورة القدر عليها. فجأة رأت ظاهرةً : « فَأَجَابَنِي الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِهَا يَقْرَأُ مِثْلَ مَا أَقْرَأُ وَ سَلَّمَ عَلَي » (8).
الثالث: حبّ النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة الزهراء والإمام المهدي عليهما السلام
لا يمكننا في هذه المقالة التعبير عن مدى علاقة ومحبة رسول الله صلى الله عليه وآله تجاه فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ونكتفي بذكر روايتين:
جاء النبي صلى الله عليه وآله في صباح زفافها ومعه وعاء من الحليب، وقال: « اشْرَبِي فِدَاكِ أَبُوكِ » (9).
وأيضا قال النبي صلى الله عليه وآله لأميرالمؤمنين عليه السلام: « يا علي، إن فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوءني ما ساءها، ويسرني ما سرها » (10).
وفي المقابل أيضا وردت روايات حول حبّ النبي صلى الله عليه وآله للإمام المهدي عليه السلام.
قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله حول الإمام المهدي عليه السلام: « لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » (11).
وروى الإمام الصادق عليه السلام رواية عن جده النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: « طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْلِ بَيْتِي، وَهُوَ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ يَتَوَلَّى وَلِيَّهُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّهِ وَيَتَوَلَّى الْأَئِمَّةَ الْهَادِيَةَ مِنْ قَبْلِهِ، أُولَئِكَ رُفَقَائِي وَذَوُو وُدِّي وَمَوَدَّتِي وَأَكْرَمُ أُمَّتِي عَلَيَّ » (12).
وأيضا يقول النبي صلى الله عليه وآله في تعريف الإمام المهدي عليه السلام: « بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ » (13). والإمام المهدي محبوب عند النبي بدرجة نقرأ في دعاء العهد: « اللّهُمَّ و سُرَّ نبیَّکَ محمّداً بِرُؤیَتِه » (14).
الرابع: لا بيعة لظالم على هذين ولا يتقان من أحد
أحد المسلّمات بين المسلمين أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها لم تبايع أبابكر. هنا نكتفي بنقل ما ذكره البخاري: «فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ » (15).
الإمام المهدي عليه السلام، وُلد من أجل استئصال الظلم والظالمين، وإذا كان ظاهرًا، فإن صمته كان يعني الرضا بظلم الظالمين وترك القتال معهم وهذا أحد حِكَم الغيبة. وقد قال الإمام الحسن عليه السلام في قضية الصلح مع معاوية: « أ ما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي خلفه عيسى عليه السلام. فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج » (16).
الخامس: مظلومية فاطمة الزهراء سلام الله عليها والإمام المهدي عليه السلام
الف) مظلومية فاطمة الزهراء سلام الله عليها
نقرء في زيارتها: « السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْمَعْصُومَةُ الْمَظْلُومَة... اللهم صلّ علی البتول.... الْمَظْلُومَةِ الْمَقْهُورَةِ الْمَغْصُوبَةِ حَقُّهَا الْمَمْنُوعَةِ إِرْثُهَا الْمَكْسُورَةِ ضِلْعُهَا » (17).
ب) مظلومية الإمام المهدي عليه السلام
يقول أميرالمؤمنين عليه السلام في ترسيم مظلومية وغربة الإمام المهدي عليه السلام: « صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ الشَّرِيدُ الطَّرِيدُ الْفَرِيدُ الْوَحِيدُ » (18).
السادس: الشفاعة في يوم القيامة
الف) فاطمة الزهراء شفيعة يوم القيامة
إنَّ مقامَ شفاعتِها سلامُ اللهِ عليها مقامٌ عظيمٌ لا يبلغه وصف، ولا تُدركه العقول. عندما يجمع الله الناس يوم القيامة، يُنادى أن غضّوا أبصاركم وتدخل فاطمة الزهراء سلام الله عليها إلى القيامة. حينها، يطلب الله منها أن تذكر طلباتها. في أحد هذه الطلبات، تقول: « يَا رَبِّ شِيعَتِي فَيَقُولُ اللَّهُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَتَقُولِينَ يَا رَبِّ شِيعَةَ وُلْدِي فَيَقُولُ اللَّهُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَتَقُولِينَ يَا رَبِّ شِيعَةَ شِيعَتِي فَيَقُولُ اللَّهُ انْطَلِقِي فَمَنِ اعْتَصَمَ بِكِ فَهُوَ مَعَكِ فِي الْجَنَّةِ فَعِنْدَ ذَلِكِ يَوَدُّ الْخَلَائِقُ أَنَّهُمْ كَانُوا فَاطِمِيِّين » (19).
ب) مقام شفاعة الإمام المهدي عليه السلام
ينقل أميرالمؤمنين عليه السلام وجابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان ينقل مكانة الأئمة عليهم السلام في القيامة. فقال صلى الله عليه وآله حول مقام الإمام المهدي عليه السلام: « المهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن إلا لمن يشاء ويرضى » (20).
1) كتاب الغيبة (للنعماني) / المجلد: 1 / الصفحة: 286 / الناشر: مكتبة الصدوق - طهران / الطبعة: 1.
2) دلائل الإمامة (لمحمد بن جرير الطبري) / المجلد: 1 / الصفحة: 387 / الناشر: مؤسسة البعثة – قم الطبعة: 1.
3) كامل الزيارات (لإبن قولويه القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 276 / الناشر: دار المرتضوية – النجف الاشرف / الطبعة: 1.
4) كتاب الغيبة (للنعماني) / المجلد: 1 / الصفحة: 93 / الناشر: مكتبة الصدوق - طهران / الطبعة: 1.
5) الفضائل (لإبن شاذان القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 129 / الناشر: نشر الرضي – قم / الطبعة: 2.
6) الإرشاد (للشيخ المفيد) / المجلد: 2 / الصفحة: 381 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 2.
7) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 690 / الناشر: مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
8) كمال الدين (للشيخ الصدوق) / المجلد: 2 / الصفحة: 428 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 2.
9) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهر آشوب) / المجلد: 3 / الصفحة: 356 / الناشر: المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
10) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 575 / الناشر: مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
11) الملاحم والفتن (للسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 141 / الناشر: منشورات الرضي – قم / الطبعة: 1.
12) الغيبة (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 456 / الناشر: دار المعارف الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
13) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 1 / الصفحة: 323 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
14) مصباح المتهجد (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 161 / الناشر: مؤسسة فقه الشيعة – بيروت / الطبعة: 1.
15) صحيح البخاري (لمحمد بن اسماعيل البخاري) / المجلد: 5 / الصفحة: 139 / الناشر: دار طوق النجاة – دمشق / الطبعة: 1.
16) كفاية الأثر (لعلي بن محمد الخزاز) / المجلد: 1 / الصفحة: 225 / الناشر: نشر الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
17) إقبال الأعمال (للسيد بن طاووس) / المجلد: 2 / الصفحة: 625 / الناشر: التبيغات الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
18) كمال الدين (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 303 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 2.
19) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 8 / الصفحة: 54 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 3.
20) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهر آشوب) / المجلد: 1 / الصفحة: 292 / الناشر: المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.








التعلیقات