النبي عيسى يصلى خلف الامام المهدي عليه السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 3 ساعاتفي خضمّ هذا العالم المليء بالصراعات والتقلّبات، يترقّب المؤمنون بقلوبٍ واجفة وأرواحٍ متشوّقة ذلك اليوم الموعود، حين يُشرِق نور العدل الإلهي على وجه الأرض بقيادة وليّ الله الأعظم، الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. إنه اليوم الذي تتحقّق فيه كل الوعود الإلهيّة، وتلتقي فيه الأديان الإلهية على كلمة سواء، يومٌ تصطفّ فيه القلوب خلف إمامٍ واحد، هو خليفة الله في أرضه.
ومن أعظم المشاهد التي تُؤكّد على قدسيّة هذا اليوم ورفعة مقام الإمام المهدي عليه السلام، مشهد صلاة نبيّ الله عيسى بن مريم عليه السلام خلفه، وهو النبيّ العظيم الذي رفعه الله إلى السماء وسيعود في آخر الزمان ليكون من أنصاره، وليس قائداً مستقلاً، بل مؤتمًّا به، احترامًا لمقامه الإلهي كحجة الله على خلقه.
ولعلّ هذا الموقف من أعظم الشواهد على وحدة الرسالات السماوية، وامتداد خطّ النبوّة والولاية في طريقٍ واحد، ينتهي في آخر الزمان بإمامة المهدي عليه السلام، لتتحقّق بذلك العدالة الإلهيّة على يد من اختاره الله لإقامة دينه في الأرض.
نبوءات نبي الله عيسى عليه السلام عن الرسول والأئمة عليهم السلام
أبان عن سليم : قال : أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام ، فنزل العسكر قريبا من دير نصراني. فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل حسن الوجه حسن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يده ، حتى أتى أمير المؤمنين عليه السلام فسلم عليه بالخلافة. فقال له علي عليه السلام : مرحبا يا أخي شمعون بن حمون ، كيف حالك رحمك الله؟
فقال : بخير يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووصي رسول رب العالمين. إني من نسل رجل من حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلام ، وأنا من نسل شمعون بن يوحنا وصي عيسى بن مريم. وكان من أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلام الاثني عشر وأحبهم إليه وآثرهم عنده وإليه أوصى عيسى بن مريم عليه السلام وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته ، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين بملته فلم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا.
النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام في كتب عيسى عليه السلام
وتلك الكتب عندي إملاء عيسى بن مريم وخط أبينا بيده ، وفيها كل شئ يفعل الناس من بعده ملك ملك ، وكم يملك وما يكون في زمان كل ملك منهم ، حتى يبعث الله رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من أرض تدعى (تهامة) من قرية يقال لها (مكة) ، يقال له (أحمد) ، الأنجل العينين ، المقرون الحاجبين ، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج - يعني العمامة - له اثنا عشر اسما.
ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقى أمته من بعده من الفرقة والاختلاف.
وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء.
فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلا (1) من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله. وإن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم. من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل. طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية.
مكتوبة فيه أسمائهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم واحدا بعد واحد ، وكم رجل منهم يستسر بدينه ويكتمه من قومه ، ومن يظهر منهم ومن يملك وينقاد له الناس حتى ينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام على آخرهم. فيصلي عيسى خلفه ويقول : (إنكم أئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم) ، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه في الصف الأول. أولهم أفضلهم ، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم (2).
شرح فقرات الرواية المرتبطة بالإمام المهدي عليه السلام :
1. "حتى ينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام على آخرهم"
تشير هذه الفقرة إلى أنّ الإمام المهدي عليه السلام هو آخر الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ، وهو الذي سيواكب عودة النبي عيسى عليه السلام إلى الأرض في آخر الزمان. هذا التلاقي بينهما ليس عفويًا ، بل مرسوم في القدر الإلهي منذ البداية ، وهو من أهم علامات الظهور المقدس.
2. "فيصلي عيسى خلفه"
إنّ صلاة النبي عيسى عليه السلام خلف الإمام المهدي عليه السلام تحمل في طياتها دلالات عميقة:
إقرار من نبيٍ أولي العزم بإمامة المهدي عليه السلام.
وحدة الشرائع السماوية في شخص إمام الزمان عليه السلام.
أنّ الخلافة والإمامة بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قد خُتمت بالإمام المهدي عليه السلام ، وجاءت الصلاة لتكون صورة رمزية للاتباع والطاعة والتسليم.
3. "ويقول: إنكم أئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم"
هذا القول يُجريه الله على لسان نبيّ من أولي العزم ، فيكون اعترافًا نبوياً بمرتبة الإمامة المعصومة ، وأنّها ليست مجرد قيادة سياسية ، بل هي مقام إلهي لا يُعطى إلا لمن اختارهم الله. فالإمام المهدي ليس إماماً على المؤمنين فقط ، بل هو إمام على الأنبياء والرسل في هذه المرحلة.
4. "أولهم أفضلهم وآخرهم له مثل أجورهم"
في هذا النصّ تأكيد على أن للإمام المهدي عليه السلام مقاماً يعادل مقام سائر الأئمة عليهم السلام من حيث الثواب والفضل ، وذلك لما سيبذله في سبيل إقامة العدل ، وما سيتحمّله من صبر وغربة وانتظار ، إضافةً إلى أنه سيجني ثمرة الجهاد الطويل الذي خاضه أهل البيت عليهم السلام قبله.
الخاتمة:
إنّ الرواية التي نقلها سليم بن قيس عن ذلك الراهب النصراني ، هي من الروايات التي تكشف بوضوح عن وحدة خط السماء، وعن الاصطفاء الإلهي الذي خُصّ به الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ، وعلى رأسهم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
كما أنها تسلّط الضوء على الأفق الإنساني الواسع للظهور المقدس ، حيث لا يكون حكرًا على أتباع مذهب أو دين ، بل هو مشروع عدالة إلهي يعترف به حتى أنبياء الله السابقين.
فما أروع أن يُصلّي نبي الله عيسى خلف المهدي عليهما السلام ، وما أعظم أن نكون من المنتظرين الصادقين له ، الممهدين لظهوره ، العاملين بنهجه ، الرافعين لرايته ، والمستضيئين بنوره.
اللهم اجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.
اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه ، واجعلنا من جنوده المخلصين يا رب العالمين.
1. هم النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام.
2. كتاب سليم بن قيس الهلالي / سليم بن قيس الهلالي / المجلّد : 1 الصفحة : 252 ـ 253 ؛ وعنه كتاب الغيبة للنعماني / محمد بن إبراهيم النعماني / المجلّد : 1 / الصفحه : 74 ـ 75.










التعلیقات